أخي الفاضل اليك مقتطف من موضوع سابق لي في هذا المنتدى، أتصور أن فيه الاجابة لبعض تساؤلاتك الحائر:
1) إن المتأمل في أحداث تاريخ الجنوب، سيجد بأن الجنوبيين قد عجزوا عن حل أي من مشكلاتهم وقضاياهم الوطنية منذ نشوء الحركة الوطنية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وحتى اليوم، كما سيجد أن تلك المشكلات مترابطة ومتداخلة، هذا الترابط برز كحقيقة واقعة لا لبس فيها، عند محاولة وضع الحلول والمعالجات لأيٍ من تلك القضايا بمعزل عن غيرها، حيث تبرز المشكلات الأخرى كمعوقات أمام نجاح تلك الحلول مما يؤدي إلى فشلها، الأمر الذي يقتضي أمام هذه الحقيقة الواقعية الملموسة، إدراك مسألتين هامتين بشأن معالجة أيٍ من قضايا الجنوب الراهنة هما:
المسألة الأولى: إن هناك عاملا مشتركا كان حاضرا عند تشكل ونشوء مشكلات الجنوب أو مقدماتها، وغائبا عند وضع الحلول لها، وبطبيعة الحال فإن قواعد التحليل العلمي والمنطقي لأحداث تاريخ الأمم والشعوب المؤسس على قانون السببية (المقدمات والنتائج، السبب والمسبب، العلة والنتيجة) تشير إلى أنه لا يمكن لعامل واحد أن يكون سببا مباشرا أو غير مباشر في إنتاج جميع المشكلات الوطنية التي يعاني منها شعب من الشعوب، إلا متى كان ذلك العامل متعلقا بإحدى المقومات الرئيسية المكونة لهوية ذلك الشعب بوصفها مجموعة القيم الحضارية بأبعادها الثقافية والعقائدية والأخلاقية والتاريخية والجغرافية التي تشكَّل وتتطور في ظلها وعي وفكر وسلوك مواطني ذلك الشعب، وعلية؛ لو عدنا للتفتيش بهدوء وتجرد وحيادية في ثنايا وتداعيات ومقدمات قضايا الجنوب السابقة والراهنة، لوجدنا ــ فعلا ــ بأن هناك عاملا كان حاضرا بقوة عند نشوء تلك المشكلات، هو الفكر الشمولي الاقصائي الذي تأصل كثقافة وسلوك فردي وجمعي لدى فصائل الحركة الوطنية الجنوبية، حيث مارس كل منها تلك الثقافة والسلوك كل من موقعة وموقفه مع الآخر المختلف معه داخل التنظيم أو خارجه، وقد ظهر وبرز هذا الداء الخطير بصورة أكثر حدة وبشاعة لدى التنظيمات التي تمكنت من حكم الجنوب عقب الاستقلال 1967م, والأسوأ من ذلك، أن هذا الداء تغلغل وتعمق ليصل إلى إقصاء الإرادة الشعبية من المشاركة في إدارة شؤونها وصنع حاضرها وتحديد ملامح وهوية دولتها ونظامها السياسي، بل وصل الأمر إلى إقصاء التاريخ والهوية والجغرافيا الجنوبية التي تعد وفقا لقانون تطور الأمم والشعوب مرتكزات ومقومات صنع حاضر ومستقبل تلك الأمم والشعوب، ذلك أن بناء الحاضر يتخذ مسارين لا ثالث لهما، احدهما الاستفادة من أخطاء الماضي ومعالجتها، وثانيهما تعزيز وتطوير ايجابياته والبناء عليها، إلا أن الذي حصل في الجنوب كان بخلاف نواميس تطور الأمم والشعوب، فقد أقصى الجنوبيون بعضهم بعضا, وأقصوا شعبهم من صنع حاضره ومستقبله وعزلوه عن تاريخه وهويته، فقاد مسلسل الإقصاء هذا إلى صراعات اقصائية اتخذت طابعا دمويا كما أنتج مشكلات لا حصر لها، تعاقبت وتراكمت وفقا لتسلسل منطقي (مقدمات ونتائج) حتى وصلت بالجنوب إلى وضعه المأساوي الراهن الذي برز فيه ما عرف بالقضية الجنوبية المؤسسة على فشل وحدة22 مايو 1990م وتحولها إلى ضم واحتلال مباشر للجنوب من قبل نظام صنعاء في 7/7/1994م..
المسألة الثانية: إن الترابط الوثيق بين أسباب نشأت وتراكم مشكلات الجنوب، قد اثبت نظريا وعمليا، أنه لا يمكن حل أو معالجة أي من تلك المشكلات بمعزل عن غيرها، فوحدت السبب استلزم وحدة المعالجة، كما استلزم شمول المعالجة للأسباب والنتائج معا، فلا يكفي معالجة أثار وتداعيات تلك المشكلات، بل لابد من معالجة أسبابها التي كانت سبب وجودها..
وعليه؛ وترتيبا على هاتين المسالتين أو الحقيقتين الهامتين، فإن نجاح إيجاد حل سليم ومقبول للقضية الجنوبية المطروحة حاليا، مرهون ــ بنظري ــ على إيجاد تسوية تاريخية لكافة مشكلات الجنوب السابقة التي شكلت احد مقدمات نشوء القضية الجنوبية، بل أن الوقائع الراهنة أثبتت عجز وتعثر أطروحات الحلول المقدمة أو المقترحة حاليا من جميع الأطراف لهذه القضية، ليس لأن هذه الحلول أو المقترحات غير صائبة، بل لأنها من جانب قدمت بمعزل عن مشكلات الجنوب السابقة، ومن جانب آخر أن الداء المزمن المتمثل في الثقافة والسلوك الاقصائين، كان حاضرا عند إعداد وطرح تلك الحلول، فلم تكن حصيلة جهد واجتهادات جماعية أو مشاركة مجتمعية، بل حصيلة جهد واجتهادات فردية أو نخبوية في غرف مغلقة، بعيدا عن علم ومشاركة شعبية أو مؤسسية صحيحة، لذلك فإن هذه الأخطاء وغيرها كانت من أهم دوافع ومبررات ومقومات طرح مقترحي هذا..
|