الأخ الفاضل إياد بقدر ما آلمني وحز في نفسي عتابك ونقدك لحالة الإرباك والتخبط السائدة اليوم في الرؤوس والنفوس والمنتديات الجنوبية عامة, إلا أن ما أثلج صدري وأشعرني بالاطمئنان في هذه الأيام العجاف التي نمر بها، هو طرحك الرائع الذي عكس إحساسك النبيل ونظرك الثاقب لتفاصيل مهمة غائبة اليوم عن الجميع وبالذات النخبة الجنوبية التي لا أدري هل هي غائبة أم مغيبة حتى اللحظة عن ثورة الجنوب، أتذكر بأني قرأت مرة قبل مدة تتجاوز عشر سنوات بأن أمير الشعراء أحمد شوقي ــ إن لم تخني الذاكرة ــ كان عندما يشاهد وضعاً مختلاً أو غير طبيعي في الشارع أو في أي مرفق حكومي، يشير بيده إلى رأسه، قائلاً:"هناك خلل ما في الرأس" طبعاً هذا القول يحمل أكثر من دلالة فلا يقتصر على رأس المخالف بل رأس المسئول عنه، وهذا هو واقع حالنا، نعاني من اختلالات في الرؤوس والنفوس على مستوى كياننا الفردي والجمعي، القاعدة اليوم يديرها النظام بكفاءة لضرب الحراك وابتزاز العالم، النظام ينفذ خطة خطيرة جدا في الجنوب، يريد يتخلص من خلالها من كابوس فقدان الجنوب الذي يراه ماثلا أمامه يوما بعد يوم، ولأن هذا الفقدان سيترتب عليه حتماً سقوط ذلك النظام وحاكمه، وهذا مالا يمكن أن يسمح بحصوله ذلك الحاكم الذي جعلته فرص وأحلام شعبه الضائعة، لا يرى شيئاً أمامه أو من خلفه أو عن يمينه أو شماله أو من تحته، إلا من تجسيد وإبداع ذاته العلية عن كل مخلوق سواه، تلك الذات التي لم تعرف طيلة حياتها الهزيمة أو تقبل الانكسار أو الاستسلام لأي أمر كان، ليس عصي على تلك الذات الخارقة التخلص من تلك الاعتقادات التي تؤرقها وتحطيمها وتحويلها إلى مجرد اثغاث أحلام ليس إلا، فلا شيء يمكن أن يقف أمام طموح هذا الحاكم، لم يستطع احد يوماً ما انتزاع شيء ولو تافهاً كرها عليه، فكيف بانتزاع جوهرته الثمينة ( الجنوب ) ومصدر بقائه واستمراره حاكماً مطلقاً ومن بعده ذريته، لا يمكن لا يمكن يحدث ذلك، إن عقيدة (يستحيل يحدث ذلك) الراسخة في ذهن رأس نظام صنعاء، هي في الحقيقة حالة مرضية خطيرة جداًً، ومخطط ذلك النظام التدميري للجنوب، هو إشباع لحالته المرضية تلك التي لا تحسب لنتائج أفعالها ولا تضع وزناً لأية اعتبارات أخلاقيه أو إنسانية إزاء الدفاع عما تعتقده أساس وجودها وبقاءها، وقد قيل قديماً بأن أسوأ مواجهة هي مواجهة خصم مستميت في الدفاع عن نفسه ، والخصم المستميت هو الذي استيقن عند مواجهة خصمه بأن لا مجال لبقائه على قيد الحياة إلا بالقضاء على خصمه ولا خيار ثانٍ لديه غير هذا.. وهذا الاعتقاد هو الذي توصل إليه ــ بتقديري الشخصي ــ نظام صنعاء بشأن الحراك الجنوبي. فما الذي أعده الجنوبيون لهذا النزال الصعب؟ كما تفضلت أخي الفاضل يجب أن تمتد المواجهة والنزال في كل اتجاه وفي كل مجال، ويجب أن نعد لذلك إعدادا مدروسا ومخططا يضع حسابا لكل التفاصيل..تقبل فائق تقديري واحترامي.
|