مرحلة ما فوق العين الحمراء

[أبو عامر اليافعي]

عن زيارة عسكرية بحته
زيارة الرئيس إلى مأرب .. مرحلة ما فوق العين الحمراء
الإثنين 09 فبراير-شباط 2009 الساعة 01 صباحاً / مأرب برس خاص علي الغليسي

وأخيرا زار الرئيس مأرب كما لو أنها محافظة يمنية .. ثمة أمر مهم قاد الرئيس لاختيار المحافظة (الوسطى) محطة للقاءاته بمسئولي (الجوف ومأرب وشبوة) لكن تلك الأهمية لا علاقة لها بتنمية تلك المحافظات أو مناقشة هموم أبنائها ومشاكلهم التي لا تنتهي بفعل سياسات الحاكم الخاطئة.. ما الذي يمكن أن تقدمه زيارة حددت بـ(ثلاث ساعات) لمناقشة هموم (ثلاث محافظات) ناهيكم عن أن (ثلاثة أرباع) مدتها الزمنية كانت مخصصة لزيارة المنطقة العسكرية الوسطى ومعسكر الحرس الجمهوري؟
*يبدو أن الرئيس غير مهتم بمستوى التنمية المتدني في (مثلث الحرمان) لذلك أحجم عن التطرق إلى موضوع التنمية، ولم يعلن عن أي مشروع تنموي حقيقي من شأنه أن يجعل زيارته محل رضا الناس في تلك المحافظات التي سادتها أجواء من السخط على تلك الزيارة القصيرة والتي لم تأت بجديد في ذات الوقت بل اكتفى بالقول : " يجب أن تفهموا يا أبناء مأرب وشبوة والجوف إذا استمر التخريب والعنف والإرهاب فلا وجود للتنمية ، يجب أن تتحركوا ومعكم الجيش والحكومة " .
يصف الشيخ/ علي ناجي الصلاحي رئيس ملتقى مأرب الذي غاب عن الحفل الذي أقيم بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية لظروف صحية وأخرى لها علاقة بصعوبة الوصول إلى مقر إقامة الرئيس أو الحفل الخطابي نظرا للحراسات المشددة الممتدة على طول الطريق ومن مسافات بعيدة، وصف الزيارة بأنها زيارة للعسكر والمعسكرات وكأن الرجل قادم على حرب وقد تم دمج مأرب والجوف وشبوة في تلك الزيارة الخاطفة، وتحديد (مأرب) مكانا لها نتيجة لوجود مقر المنطقة العسكرية الوسطى فيها ولأنها تحظى بتواجد أكثر قوة عسكرية، وقد تم استعراض الأسلحة بمختلف أنواعها خلال تلك الزيارة.
وتساءل الصلاحي: ما الدافع لاستعراض العضلات والأسلحة.. لمن وعلى من ؟ وأشار رئيس ملتقى مأرب أن الرئيس مسئول عن الشعب ومن حقه أن يزور أي منطقة شريطة أن تكون لها فائدة، لكن هذه الزيارة بلا ثمرة كون الرئيس ابتعد عن التطرق إلى تنمية تلك المحافظات وما الذي سيقدمه لأبنائها في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية وتردي الحالة المعيشية للمواطنين لكننا لم نر من الرئيس ما يجعلنا نتفاءل بوجود أي مؤشرات على الانفراج.
*بالنسبة للرئيس كانت مأرب عبارة عن (ترانزيت) ومحطة استراحة أثناء رحلاته البرية عبرها إلى محافظة حضرموت قبل أن يحرمها (الطيران) بركات تلك الساعات وخيراتها التي تتنزل على أصحاب الولاء الراسخ والمؤلفة قلوبهم أيضا!! هذه المرة كان الرئيس في زيارة استباقية لقطع الطريق أمام أي نوايا لتحويل مأرب والجوف وشبوة إلى (ترانزيت) لمرور مخططات القاعدة وأفكار الحوثيين ومشاريع قادة الحراك الجنوبي، وأشاربوضوح " لا تستطيع الدولة بجيشها الكبير وأمنها ( محاربة الإرهاب ) ما لم يكن هناك تعاوناً صادقاً من كل أبناء المحافظات" وتابع : " أريد منكم أن تأتوا لي بالمخربين ... وإلا أنا قادر أأتي بهم ولا تصدقوا أن هذه المحافظات الثلاث محافظات مثلث الشر وإنما هي مثلث الخير والأمن والأمان والاستقرار " ، إذا بالإمكان أن تأتي بهم وتكفينا الشر!!
*بالطبع كانت الزيارة عسكرية بامتياز حضرت خلالها نبرة خطاب حادة تجاه أبناء تلك المحافظات بشكل يوحي أنه خطاب المرحلة النظري.. لتأتي الدبابات لاحقا في مقدمة العرض العسكري الذي جاء توقيته فيما يشبه سيناريو محتمل للمرحلة في الجانب العملي.
*(مثلث الخير) جديد مصطلحات الرئيس الخطابية، لكنها جاءت على لسانه إيحاء غير مباشر لتكريس مقولة (محور أو مثلث الشر) الشائعة في الأوساط الرسمية لكنه حين ذكر أن مصدر الطاقة الكهربائية من مأرب وكذلك الغاز والنفط من شبوة والآثار في شبوة والجوف ومأرب لم يتوقف لمناقشة انعكاساتها على التنمية ومردودها على تلك المحافظات التي يعلم أن أبناؤها ينسون هموم سنوات في ساعة عاطفية واحدة.
*ما هي أجندة الزيارة الرئاسية إذاً؟!.. الرئيس لم يستطع التواري خلف أي غطاء من شأنه تتويه الناس عن أهداف الزيارة الحقيقية، لكن عناصر الخطاب التي كان يسردها من مسودة معدة مسبقا كشفت كل شيء "الحرب على القاعدة أولا، الجوف ومصير صعدة، أي أعمال قد تحدث لتعطيل الانتخابات، كسب المشائخ والشخصيات الاجتماعية وتحويلهم إلى (ضباط شرطة)" للقيام بمهام السلطات.
وينبغي أن نتوقف هنا لمناقشة تلك العناصر الرئيسية لخطاب الرئيس والبداية من محاولته إلصاق تهمة الإرهاب بتلك المحافظات وإيواء المطلوبين أمنيا بتهمة القاعدة فتوقيت الزيارة جاء عقب إعلان اليمن كمقر لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد اندماج التنظيم في اليمن والسعودية وتنصيب يمني أميرا لهم، كما أن الزيارة جاءت مباشرة عقب زيارة مسئول ملف الإرهاب في الداخلية السعودية للرئيس وتسليمه رسالة من الملك السعودي لا أحد يدري عن مضمونها .. كل تلك الدلائل تشير إلى أن الرئيس حاول تصوير (مأرب والجوف وشبوة) كما لو أنها وكرا للإرهاب وأبناءها متواطئون مع منفذي أعمال التخريب والإرهاب بالإضافة إلى العمل على إيهام المجتمع المحلي والدولي أن التركيز على تلك المحافظات والسيطرة عليها يدفع عن الجميع أي مخاطر أمنية محتملة وذلك (وهم) يساعد في استدرار دولارات الخائفين.
ومع محاولته تبرئة أبناء تلك المحافظات من تهمة الإرهاب إلا أنه أصر على التواطؤ وقال"أنا متأكد أنه لا شيخ ولا شخصية منكم سواء سياسية أو دينية ترضى بهذا الإرهاب, ولكن أقول لكم لا جدوى من المجاملة, فأنتم ترون الإرهابيين أمام أعينكم وهو يتواجدون في القرى, ولاتقولوا بأن هذا منكر فهذا لا يقتل, وإنما يقتل المواطن والتنمية".
..المحافظات الثلاث لم يثبت طوال الفترة الماضية أنها كانت موطنا لخلية من خلايا القاعدة العاملة في مجال التخطيط والتجنيد، لكنها كانت موطنا مناسبا للتنفيذ كونها محافظة سياحية ونفطية، وعلى الرئيس أن يتذكر أن معظم الخلايا التي تحاكم باسم القاعدة اكتشفت في (سعوان، مسيك، السنينة، الروضة) وهي أحياء في العاصمة، ومعظم منفذي التفجيرات هم من الحديدة وريمة ومحافظات أخرى، ولم يحدث أن أشار الأمن إلى تورط أحد من أبناء تلك المحافظات في أي من تلك الأعمال وعلى الجهات الرسمية أن تكتفي بما تنهبه من ثروات وخيرات تلك المحافظات بدلا من استجلاب الدعم تحت يافطة محاربة الإرهاب في ذلك المثلث. ...
وقفة خاصة تتعلق بمحاولة الرئيس توحيد الجهدين الرسمي والشعبي والإشارة إلى ما يحدث في الجوف والحديث عنها كـ(صعدة ثانية) والتهديد بالهدم والبناء من جديد.. يا ترى كيف لنا أن نستوعب جدية الحاكم إشراك أبناء محافظة الجوف في الحد من تلك المظاهر وإدارة شئون محافظتهم والنظام حرمهم من محافظ اختاروه بمحض إرادتهم لكن عندما جاء مغاير لرغبة السلطة صودرت تلك الإرادة التي أعقبها حتما يأس من الديمقراطية. كما أن محاولة تجنيد المشائخ والشخصيات والأفراد للقيام بمهام الأمن والسلطات فذلك يعني ضوء أخضر لحروب أهلية قد لا تحمد عقباها، وإذا أرادت الدولة استيعاب الناس وجعلهم في صفها والاستفادة منهم فعليها الوفاء بالتزاماتها تجاه الناس وتلبية مطالبهم والتي لا تتجاوز الحد الأدنى من حقهم كمواطنين ينظرون بحيرة إلى مصادرة ثرواتهم التي تصلهم أضرارها ولا يستفيدون منها، ينبغي أولا استيعاب الشباب الذين يعانون من البطالة للعمل في الشركات النفطية وغيرها، ورفد المحافظات بدرجات وظيفية للخريجين الذين أكل الدهر وشرب على ملفاتهم في دهاليز الخدمة المدنية.
أما بالنسبة لما يتعلق بتعطيل الانتخابات والنشرات التي زعم الرئيس توزيعها لتحريض أبناء تلك المحافظات – وهو أمر غير صحيح- فعلى الرئيس وحزبه الحاكم أن يعي جيدا أن مصطلح (مثلث الخير) الذي أطلقه الرئيس عليها لن يساهم في تحويلها إلى (مثلث الخيل) وطالما التزم النظام بالنهج الديمقراطي فإن مأرب (منبع الشورى والديمقراطية) أما إذا كان للسلطة خيار آخر فالناس سيبحثون عن خيارات أخرى كنوع من رد الفعل وسيأتي ذلك في إطار ما ذكره الرئيس بعظمة لسانه عن أبناء تلك المحافظات "أنهم أحرار كما خرجوا من بطون أمهاتهم ولن يكونوا عبيدا لحاكم أو محكوم".
* قراءات للزيارة .. دعاية انتخابية وخطاب ابتزازي يشوه المحافظات أكد الشيخ مبخوت بن عبود الشريف رئيس اللجنة التنفيذية لأحزاب اللقاء المشترك بمحافظة مأرب أن زيارة الرئيس صالح للمحافظة أمس تأتي في إطار الدعاية الانتخابية لحزبه.
وقال لـ"الصحوة نت": إن رئيس الجمهورية عودنا في المواسم الانتخابية أن ينفذ هذه الزيارات، وهذه التحركات لا تأتي بجديد، وإنما تأتي ضمن أجندات لحل مشاكل المسئولين في المحافظات لا مشاكل المواطنين. وأضاف: الزيارات لا تقدم شيء فالمشاكل الاجتماعية موجودة وانعدام الأمن هو السائد، ونحن منذ عرفنا الرئيس لم يقدم شيء للمحافظة أثناء زيارته لها.
وأكد الشريف أن البرنامج الانتخابي للرئيس ووعوده الانتخابية لأبناء اليمن وأبناء محافظة مأرب لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، مستغربا الحديث عن تطبيق 80% من برنامج الرئيس، وقال: برنامج الرئيس برنامج طموح وكبير لكن إذا كان هناك برنامج خفي آخر تم تطبيق 80% منه فهذا معقول أما البرنامج الذي قرأناه في انتخابات 2006 لم يطبق منه شيء. من جهته انتقد رئيس اللجنة التنفيذية للقاء المشترك بمحافظة شبوة ناجي الصمي خطاب رئيس الجمهورية الذي وجهه لأبناء محافظات شبوة ومارب والجوف، ووصفه بأنه خطاب ابتزازي يكرر نموذج الابتزاز الذي مارسه في حرب صعدة – حد تعبيره.
وقال لـ"الصحوة نت" إن الخطاب لا يقدر ما تقدمه هذه المحافظات من خيرات للنظام وما قدمه أبناءها من مواقف وطنية عبر مراحل التاريخ الوطني ولازالوا إلى اليوم هم رجال المواقف. واتهم رئيس الجمهورية بتكرار خطابه بغرض تشويه سمعة هذه المحافظات، وإظهارها كراعية للإرهاب من أجل ابتزاز بعض الدول الصديقة ودول الجوار، بدعوى أن هذه المحافظات أصبحت تهدد الإستقرار بالمنطقة.
من جهته اتهم سكرتير منظمة الحزب الاشتراكي اليمني بمحافظة الجوف محمد راكان النظام السياسي في اليمن بالترويج لثقافة الكراهية والإساءة لأبناء محافظات مارب والجوف. وقال: إن السلطة ونافذيها في هذه المناطق وغيرها من مناطق اليمن هي من تثير الفتن وتشجع وتدعم الحروب القبلية والثأرات بين القبائل اليمنية المختلفة وهو أمر لا يحتاج إلى دليل إلا إذا كانت الشمس تحتاج هي إلى الأخرى إلى دليل على وجودها في كبد السماء ساعة الظهيرة ". وأضاف: محمد راكان " أما موضوع الحرمان والفقر الذي يعاني منه أبناء محافظات الجوف ومأرب وشبوة وكل محافظات الجمهورية فان السؤال الذي يطرح نفسه هو من غير هذا النظام يحرم هذه المناطق من التنمية ويفقر أبنائها ؟.
ومن غيره يمنع عملية التعليم والخدمات الصحية في هذه المناطق اليمنية الهامة وهي الغنية بالثروات النفطية والغازية والزراعية " لكنها تذهب إلى جيوب قلة من الفاسدين وناهبي ثروات الشعب. وأضاف للاشتراكي نت إن هذا الحرمان المتعمد هو الإرهاب نفسه ، أما الإرهاب الذي قصدته السلطة في خطابها فهي من يرعاه ويحتضنه ويوظفه ضد الخصوم والمعارضين" وعندما تكون جادة في محاربة التطرف والإرهاب فسيكون كل شعبنا معها والمهم هو أن تكون جادة وصادقة في هذا النهج .
وأكد أن أبناء الجوف وغيرها من المحافظات متمسكون بالعمل السلمي و"لن نكون قطاع طرق ومحرضين على العنف والإرهاب بل نحن من يطالب من السلطة من اجل أن تكف عن قطع الطرقات والأرزاق والتحريض على العنف والإرهاب بين أبناء الشعب الواحد " وختم تصريحه متوجها بخطابه إلى كل أبناء اليمن " أقول لكل اليمنيين ولكل من تابع خطاب الأخ رئيس الجمهورية بان هذه المحافظات ستكون بإذن الله مفاتيح خير لليمن واليمنيين وليس مفاتيح شر وإرهاب كما ترغب أطراف في السلطة إلى جرها إليه ".
وأكد راكان أن الحزب الاشتراكي اليمني وبقية أحزاب المشترك ترفض الإرهاب الذي تدعمه السلطة وتربيه وتمده بالأموال والعتاد ثم حين يطالبها الغرب والجيران بمحاربته تهرب من هذه المهمة الى مهاجمة المعارضين وتحميلهم أوزارها وخطاياها " وختم بالقول "إن المعركة الحقيقية في الجوف ومأرب وشبوة وكل محافظات الجمهورية هي بين الغالبية العظمى من أبناء اليمن وبين الأقلية الفاسدة والمستبدة وحلفائها من قطاع الطرق والإرهابيين ".