(( تفا لكم وتفا لقضيتكم وتفا لكل ما تدعون ))

[*الغريب*]

لكل حرب ثمن
جلال الشرعبي


لتسكت المدافع بعد آلاف الضحايا، ولتهبط "صقور الجو"، فما عاد هناك تمرد في الجبهة الشمالية!
ليغتسل الخارجون بثيابهم الرثة من الأكواخ ..

لتقر أعين الأمهات الثكلى.
ليغلق تاجر السلاح أبوابه، فما عاد هناك حيل في إراقة مزيد من الدم .. وليكف شيخ القبيلة عن لعبة المرجيحة القديمة وهو يميل الكفة لمن يحشو ماصورة بندقية الإيجار المعلقة على كتفه.

من جديد -وليس هناك جديد- يستريح المحاربون على الطاولة.
ومرة ليست بأخيرة يتحول الصقور إلى حمائم وتكون التصريحات المعهودة: " لنبدأ رحلة السلام وطي صفحة الحرب "

كل هذا الدمار .. وهذه المأساة التي استمرت لسنوات ماذا كان لها من نتائج ؟
ثارات محتقنة .. فشل في إدارة أزماتنا أمام أنفسنا والعالم. مزيد من اللعب على حبال الكذب وفقدان المصداقية. والآن نعلن إيقاف العمليات العسكرية بعد أن استكمل المصدر المسئول والعسكري والرسمي والمطلع والمحلي المهمة الرئيسية والمكررة وهو يعلن تطهير جيوب القتال في الجبهة الشمالية، وأطفأ عود ثقاب يحتك كل لحظة بأجسادنا ليزيد من شوائها .

إنني أشعر بالخوف!

لأن لي دولة لم تستطع حسم" تمرد" طالما قللت من شأنه.

كيف أثق بها وأنا أرى فيها كل هذا الوهن؟

إنني أشعر بالخيبة ..

لأن كل هذا الدمار لم يشعل في مثقفي المجتمع أي نوع من خلق حالة إبداع ..
لم تخلق حرب صعدة استلهام رواية تستحق القراءة، أو مسرحية تجسد المأساة، أو قصة صحفية قادرة على تصوير هذا النزيف.
ولأنه ليس بمقدور السياسي إلا أن يكون هكذا،
ساعي بريد يستخدم المأساة لإيصال رسالة انتقام للحاكم .. فإنه ليس باستطاعة حاكم يلتهي بمكاسب الحرب إلا أن يتوعد بالبطش ويعلن حشد مزيد من " البشمركة" وجميعهم بمن فيهم العصابات يحاربون تحت يافطة خداع عنوانها " من أجل الرب والوطن والثورة والشهداء ".

متى يعود النازحون إلى ديارهم المهدمة؟
ومتى نحلم بوطن تسوده السكينة وفي بال الحاكم ما يشغله .. من يستوي على العرش في الغد؟
لا تزيد الحروب سوى مزيد من خنق الحريات. ولا تخلف كوارثها سوى مزيد من التلبس بانتهاك الحرمات ونكث العهود وإلصاق مزيد من الصفات القذرة لإدارة التوحش التي تلعب بقلوبنا والعقول.

ولأن لكل حرب ثمن .. فقد حصدت حرب صعدة أثمانها، وكان أحد قرابينها " محمد المقالح "، حيث تحولت الدولة إلى أمير حرب لتقتاده في الأحراش، وجففت منابع ريقه من الشفاه علها تجسد النصر الذي عجزت عنه في جبال صعدة على جسده المصاب بالسكر والضغط ونقص التغذية.

إن الحروب دروس تعلم من البلدان .. وقصص إن كانت فيها نقم فإنها تجعل مشعليها يدركون أثمانها الباهظة.

والمقصد هنا أن الدولة يجب أن تتعلم كيف تدير صراعاتها بعقلانية، وكيف يكون خطابها الإعلامي تحديدا في هذا الاتجاه، وكيف أيضا يكون رجلها الأول على قدر من الشعور بالمسؤولية وهو ينتقي الألفاظ والمسميات وحتى التهم ضد الخصوم باعتباره رئيس دولة أولا وأخيراً، حتى إذا جاء موعد الحوار والتفاوض يكون الناس لازالوا يؤمنون بالدولة ومصداقيتها .

الحروب لا تتوقف فجأة من السماء. وكذلك بناء الأوطان. إنها تحتاج أولاً إلى إنسان. وتلك مهمة الدولة.
إن الدولة التي تقرر الحرب باعتباط وتعلن إنهائها باعتباط وتقلب الصفحات بفوضوية لا يمكن الاعتماد عليها.
والمليشيات المسلحة التي تستعرض عضلاتها في وجه الناس بشعارات خرقاء ولا تستطيع إقناعنا لماذا تحارب ليست سوى كومة جهل.
أتمنى أن تكون الحكومة والحوثيون قد وصلا إلى قناعة أن الحرب لم تعد حلاً في أي وطن واحد.
وأتمنى أن تكون صفحة الحرب قد طويت بجدية هذه المرة، فقد خسرنا صفحات طوالاً ووعود مثقلة بالكذب والنفاق والخديعة لنعود بعدها مقاتلين أكثر شراسة.

ونعلن أمام العالم أن الحرب بدأت منذ يومين فقط !