الصحفى عبد الرزاق الجمل يكتب دردشة محايدة كنت هناك قبل الانسحاب من ابين وشبوة بقليل ويشهد بحسن أخلاق

[وقار]

بسم الله الرحمن الرحيم

الصحفى عبد الرزاق الجمل يكتب


دردشة محايدة جدا (3)
ــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ


الاحتكاك بتنظيم القاعدة صعب للغاية، فالتنظيم يتعامل بحذر شديد، بسبب وضعه الأمني الحساس، كما أن من يقترب منه سيغامر بأمنه الشخصي كثيرا، حتى لو كان اقتراب مرور غير مقصود على الطريق العام، فضحايا مدينة رداع من المدنيين، سقطوا بصاروخ أمريكي كان يستهدف أحد قادة القاعدة مرت سيارته بجانب سيارتهم.



من هنا يصعب التعرف على تفاصيل حياة مقاتلي التنظيم، حتى حين خرجوا وسيطروا على محافظة أبين وأجزاء من محافظة شبوة، انفتحوا على حياة الناس العامة، لكن حياة مقاتلي التنظيم الخاصة ظلت وستظل مغلقة عليهم. الأخطاء الأمنية تكلِّف الكثير.



وإذا أراد إنسان أن يتعرف على تفاصيل حياتهم أو على جزء منها، فعليه أن يغامر بأمنه الشخصي، أو يعيش معهم المغامرة ذاتها، وهذا الأمر يخفف من حذرهم تجاهه أو يعطيهم بعض الثقة، فلن يغامر إنسان بحياته في سبيل أن يحقق آخرون نجاحا ما.



وأمريكا التي فرضت على تنظيم القاعدة هذه العزلة عن المجتمع، وعلى المجتمع هذا الحذر من التنظيم، كان غرضها إتاحة المجال لعملها الدعائي كي يحقق تأثيره المطلوب، حتى يكون لعملها ولعمل حلفائها العسكري ضد تنظيم القاعدة ما يبرره.



وحين قررتُ المغامرة، وضعتُ في حسباني أنني قد أكون في موضع شك، بالنسبة لهم، لكن ذلك لم يحل دون أن أغامر، فالتنظيم ـ كما أعرفه ـ يتعامل مع شكوكه بتحسين إجراءاته الأمنية ولا يبني عليها حكما ضد من يشك فيه. لكن طائرات أمريكا تستهدف بناء على الشك، وربما على الوساوس، وتنقلي بسيارة تابعة للقاعدة في المناطق التي يحكمونها، يعني أنني عرضة للموت في أية لحظة.



كاد الموت أن يأتي في آخر زيارة لمحافظة أبين، أي قبل أن ينسحبوا منها بأسبوع واحد، لكن ليس عبر صاروخ وأمريكي، وإنما بحادث مروري، حين انقلبت بنا السيارة ونحن عائدون من محافظة أبين إلى محافظة شبوة القريبة، وتسبب الحادث بثلاثة كسور لكلتا يدي. لازلت أعاني منها رغم مرور أربعة أشهر. كان ذلك في أواخر شهر مايو 2012م.



كان هذا ثمنا مقبولا للمغامرة، رغم أني كنت أتمنى، وأنا أصرخ من الألم، أن يأتي صاروخ أمريكي ليقضي على ما تبقى مني، قبل أن تأتي سيارة أخرى تابعة لهم لتعيدنا من منطقة الحادثة بمديرية أحور بمحافظة أبين، إلى مدينة شقرة الساحلية التي كانت تتعرض لقصف قوات الحرس الجمهوري المتمركزة خلف منطقة العرقوب القريبة بذات المحافظة.



كان معنا في السيارة عبد الرحمن الوحيشي شقيق أمير تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب ناصر الوحيشي، ومقاتلون آخرون يعرف كل مقاتل منهم المقاتل الآخر بكنيته.



عبد الرحمن الوحيشي كان عائدا من إحدى جبهات القتال في مدينة جعار محافظة أبين، ولديه شقيق أصغر منه، يدعى عصام، ذهب قبل ذلك إلى جبهة قتال أخرى في مدينة زنجبار ولم يعد، أو عاد جثة هامدة، لم يمنعه عمره الذي لم يتجاوز السابعة عشرة من الذهاب، ولم يمنع أخاه ناصرا من إرساله.




العودة إلى الفندق


ــــــــــــــــــــــــــ


كان عليَّ أن أتفهم كل تصرف منهم مبني على شك أو حذر، كما كان عليهم أن يبقوا حذرين حتى وإن وثقوا، فالثقة بالشخص لا تعني أنه قد لا يكون طعما من حيث لا يدري، مادام يختلط بمن يبحثون عن أية خيوط توصلهم إلى أهدافهم من مقاتلي القاعدة، كما يقولون.



لذا لم أستطع ـ في زيارة سابقة لزيارتي قبل الأخيرة ـ العودة إلى غرفة الإعلاميين التي بقيت فيها عشرة أيام بلياليها، بعد أن زرت مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة ليوم واحد، بغية إرسال بعض المواد الصحافية، لأن التغطية لا تستقر في المناطق التي يحكمونها، خصوصا تغطية الهاتف التابع لشركة "يمن موبايل".



وإذا كان إدخالي إلى غرفة الإعلاميين دليل ثقة منهم بي، فإن عودتي إلى غرفة في الفندق لا تعني أنهم فقدوها، لأنهم كانوا يأتون إلى غرفتي في الفندق بمدينة عزان، بعد أن تركوا الغرفة الخاصة بهم أو غيروها، في إطار الإجراء الأمني ذاته، وربما كان ترددهم على غرفتي كي لا أفهم أن هناك شكا وراء هذا الإجراء.



وبرغم الحذر، إلا أنهم يعيشون حياة طبيعية جدا، كما لاحظت ذلك خلال العشرة الأيام التي عشتها مع إعلامييهم في زيارة ما قبل الزيارة الأخيرة، وكما لاحظت ذلك أيضا خلال احتكاكي بمقاتليهم وتنقلي بسيارات تابعة لهم في كل زيارتي الثمان للمناطق التي حكموها.



كنا نقوم فجرا للصلاة، ثم نعاود النوم حتى وقت الإفطار. بعد ذلك يقوم كل شخص منهم بما أوكل إليه من مهام، ولم أكن أعرف سوى مهمة شخص واحد، لأني كنتُ أنا المهمة الموكلة إليه، كضيف عندهم.



أكمل لاحقا إن شاء الله.