قادة الحراك الجنوبي .. وبطرس الناسك

[معين الكلدي]

تعويذة .. فكر !



يقول المقنع الكندي واصفاً حالي وناطقاً بلساني رغم أنني أصغره بألف سنة !



وإنّ الذي بيني وبين بني أبي

وبين بني أمي لمختلفٌ جداً



ولأن البعض ما أن يقرأ العنوان إلا وسيظن أنني علّقت حبل مشنقتي الوطنية وحفرتُ قبر قلمي المضمخ بفكره وسيرد علي البعض قبل أن يقرأ أو يفهم ما قرأ وسيأتي مولولٌ آخر ويأبّن عقلي بعد أن يكون قد صلبه برده قبلاً , ولعلني في المقابل وعلى النقيض سأصادف من هو أكثر تفاؤلاً وذلك بعد أن أنهكه موضوعي القصير ! وفهم نصف المقالة وظن أنني جئت منظّماً للحراك الجنوبي وداعياً لتوعيته وتطويره وطامعاً بمزاحمة باعوم وركل مؤخرة طمّاح!



وحقيقة الأمر خلاف ذلك وذاك فلستُ إلى هذا أقرب ولا إلى ذلك أنتمي وإنّما هي عصارة مخ وخلاصةُ فكر جمعتُ فيها تصوراتي لواقعٍ ألمسه قد أكون فيها مصيباً أو أكون فيها مصيباً .. أو العكس



ولكن من باب اختصار المسافات الضوئية بين العقول وحتى لا يأتني أفلاطون زمانه ويتحفني في رده الخامس .. بعد الخمسين ليقول لي (( إنّ البقر تشابه علينا ))



سنرى جميعاً ما سيسفر عنه تطاعن الأدمغة الجنوبية وكم هي حصيلة السكتات المدادية ومن هو الجاني ..







( حملة الرعاع ) !!





في العام الميلادي 1095م عقد بابا روما الكاثوليكي ( أوربان الثاني ) مؤتمراً نصرانياً أعلن فيه بدء الدعوة للحروب الصليبية لاسترجاع الأراضي المقدسة وطلب الغفران الأبدي ودعا أبناءه النصارى أن ينقذوا حجاج البيت المقدس من براثن المسلمين القتلة وأنيابهم المتوحشة ، فما كان إلا أن أرسل أحد القساوسة المتحمسين وكان يُدعى ( بطرس الناسك ) لغرض الدعوة بإسم الكنيسة لهذا المقصد فقام هذا البطرس وطاف أوروبا وركز على موطنه ( فرنسا ) وكان يتجول بحماره الأعرج ويسير حافي القدمين بملابسه الرثة المرقعة من كل جانب ولكن كان خطيباً مفوّهاً وصاحب بيانٍ ودعاية مدهشة لها مفعول السحر بكل من يتلقف دعاويه المحمّسة ولم يلبث طويلاً وهو يحرض على قتال المسلمين للإنتقام منهم ونيل الجنة بزعمهم حتى اجتمع لديه قرابة ال مئتي ألف من المتطوعين .. لكن .. لم يكن جيشاً نظامياً ولم تكن وحدات عسكرية مدربة .. كانوا من الفلاحين وأصحاب الحرف والتجار ومن العاطلين عن العمل وانضم معهم اللصوص والفسدة والمنخقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع . . لكنهم كانوا على قدر من الحماس جعلهم يتسابقون في تقدمهم حتى وصلوا المجر سنة 1096م ، ولفقرهم المدقع فقد هجموا على قُرى المجر وقتلوا 4 آلاف من سكانها ( النصارى ) ! رغم محاولة الناسك صدهم والتركيز على مقصد الحملة ولم يصلوا إلى القسطنطينية البيزنطية إلا وقد تجزّء جيشهم الكبير بسبب النهب والقتل ولم يبق سوى ما بين 30 – 60 ألفاً كما جاء في بعض الروايات .



ألتقى الجيش في أولى مواجهاته الحقيقية مع القائد المسلم السلجوقي ( قلج أرسلان ) في تركيا الحالية وتوجه الجيشان ورغم تفوق النصارى العددي إلا أنهم كانوا كالقطيع الضخم وحسب .. فقائدهم ( قسيس ) وجيشه من المزارعين والحرفيين ولذلك ُسميت هذا الحملة في التاريخ ب ( حملة الرعاع ) أو ( الفقراء ) أو ( الحملة الشعبية ) ولم تلبث المعركة إلا قليلاً حتى مزقهم المسلمون شر تمزيق ولم ينج منهم إلا اليسر القليل , وأصبحت هذه النهاية الكارثية مثلاً ودرساً للحملات الصليبية الأخرى وجعلها أكثر تنظيماً وتدريباً .



( بؤرة ضوء )





بعد هذا السرد التاريخي الممل .. ما هو وجه الشبه بين الحراك و ( الرعاع ) ولماذا أحشر أنف البطرس في ما يفعله قادة الحراك الجنوبي اليوم ؟



أظن وهذا الظن يذكرني بتكهنات أحدهم أن التساؤل للإستخفاف لا للإستفهام ومع ذلك أجيب بعد أن أخفض جناح وقاري العتيد !



كانت سمات حملة بطرس الناسك تستند على التالي :



# كانت ذات طابع شعبي محضٍ وحماسي خالص أيدها الملايين في أوروبا وخرج فعلياً قرابة الربع مليون من البشر لإشعال فتيلها .



# كان المبدأ والسبب المهيج عظيماً ( في نظرهم ومعتقدهم ) وإن كان هناك من يرجح أن الأسباب ( الدنيوية ) المعيشية للخروج من شبح الفقرالذي ضرب أصقاع أوروبا حينها لعب الدور الأكبر في خروج تلك الجموع الغاضبة .



# كان ملوك الدول والأمراء في صدد تنظيم جيش نظامي وإعداده لخوض تلك الحروب لكن الناسك أراد تحقيق نصرٍ سريع بعد أن غرّته الجموع الكثيفة فكان أن ساقهم لمذبحة أودت به أيضاً .



#( الكثرة تغلب الشجاعة ) مثلٌ صحيح .. لكن في خضم المعارك الحقيقة و تساوي الندية الفردية والكفاءة الذاتية فإن الخبرة والجلد قد يغلبان الكثرة والشجاعة إن كانت من عشوائيتها تنضح !



ولأن الموضوع سيطول أكتفي بتلك النقاط ولنسقطها على الحراك اليوم :



# الخطاب الحماسي هو الشرارة التي تشعل الحراك وتمنّيه بمطالب عظيمة وكبيرة لكن القيادة الفاعلة الفعلية شبه غائبة عن التنظيم والحشود التي تُجمع غيرمفعّلة ومبرمجة على ترديد عبارات معينة ورفرفت بعض الأعلام دون إيكال كل فرد بمهمّة تليق بعقليته وخبرته .



# منذ ثلاث سنين تخرج المظاهرات يحضرها 100 ألف .. نصف مليون .. مليون .. أكثر لمجرد الحضور! .. ما هي الأجندات المطروحة .. هي نفسها التي كانت في المظاهرات السابقة .. حسناً .. والمظاهرات القادمة ما هي أجندتها ؟ .. ستعاد نفس الأجندة القديمة ! وهكذا دواليك ..



# ضعف وركاكة التنظيم .. مخزية ومروعة بشكل فاضح ..



الخطابات التي تذاع وتُلقى غير مدروسة وغير مراجعة لغوياً ولا من ناحية المعنى وإن كانت بالعامية ( خذ وخل ) .. جدولة المشاركات والمشاركين ليس لها وجود من الأصل ولكن كل من تلقّف المايك( الميكرفون ) تكلم بما يعرف وما لا يعرف!



لماذا لم يقم قادة الحراك بتصوير المظاهرات والخطابات بالفيديو وذلك بتكليف ( رسمي ) بتشكيل لجنة إعلامية حقيقة لتغطية الحدث الضخم وتلك الملايين التي خرجت بالشكل الذي يليق بها ؟!!



كل ما نُشر هو جهد فردي تتناقله المواقع وإن وجد ففي بعض أجهزة الإتصالات لدى أشخاص نشطين بفطرتهم لا بتوجيه مقتدر وتحت يدي القادة ملايين يتمنون المشاركة ولو بكلمة أو إعلان بسيط .



# توجد هناك مخالفات وأعمال تخربيبة لبعض المنتمين للحراك والزعماء لم يحركوا ساكناً رغم أنها تضر الآن أو لاحقاً بتوجه وسمعة الحراك .. فهل من متنبّه !



# على قدر زخم الحضور ونرجسية العبارات المطالبة بطرد ( المحتل ) على قدر ضعف القادة تنظيمياً ومحورياً فالخلاف وإن كان مستوراً فسيظهر وإن لم يتكاتف الجميع فلن تغنيهم جموعهم شيئاً وسيعيدون أيام البطرس اللعين .. وأخشى أن نرجع للمربع الذي يسبق الصفر وليس المربع الأول !!



يقول نابليون بونابرت الشهير :



أسدٌ يقود جيشاً من النعاج خيرٌ من نعجةٍ تقود جيشاً من الأسود



هنالك نقاط كثيرة جداً تبين لنا أن خطوات الحراك تسير عرجاء ولا أدري لماذا يظن أغلبية المتابعين أن بالكثرة سيتحقق الأمل المنشود وليس بالنوعية والكفاءة الفعلية وأنّ جدتي وجدي وابن عمي الرضيع وابن فلان السكران وابن أخيه المرجوج لو خرجوا في المظاهرات فهم المناضلون الأشاوس والذين سيسحقون دبابات ( الشاويش ) وسيعيدون دولتنا السليبة!



برغم التطور الملحوظ والتقدم نحو الظهور والذي حقق نجاحاً في إيصال صوت الداخل إقليمياً ودولياً فإن السؤال الحتمي الذي يرد هنا .. وماذا بعد هذا ؟



هل وصلنا إلى بين البين .. أم أنّ الحاصل هو ذاك .. أم أنني بالغت



لست أدري ..

ما على ردفان يجري

لست أدري ..





تحية جنوبية من عالي شوامخ كلد