الأخ الكريم بن عفرير
لا يسعنا الا نعبر لكم عن تقديرنا لموضوعكم والرد الذي تفضل بكتابته الاستاذ احمد بن فريد ، ونوجه لكما التحية ولكل من اسهم في هذا الحوار الراقي ، واسمحوا لنا مشاركتكم في نقاش الموضوع بالقليل من التفصيل لأهميته ، فالاختلاف في الرأي يعتبر ظاهرة صحية ودليل عافية فكرية ، والتنوع في الاجتهاد والافكار ممكن ان يكون مصدر قوة لو احسن فهمه وتوظيفه ، من حيث المبدأ لا يوجد خلاف حول اهمية التحرك واستخدام كل الاوراق الممكنة في المسار السياسي الخارجي اذا كان ذلك مشفوعا بدراسة دقيقة لحلقات التحرك من حيث الزمان والمكان وما يترتب عليها من أثار ونتائج سياسية ، ومع الاحترام لكل الاراء المطروحه ، وايمانا منا بحق الاختلاف ،وبأن كل اجتهاد يحمل الصواب والخطاء ، وبأن الاجتهاد في خدمة القضية يعتبر اجتهادا مشروعا ، ومناقشة اي سلوك سياسي لا يعني الانتقاص من الاشخاص او المساس بذاتهم ، وفي الممارسة السياسية يخضع الكل للنقد والتقييم ، وفي تقديرنا ان تعذر تحقيق اي اختراق ملموس في الغرب ومع حلفاء الأمس في الجنوب ، لا يعوضه اي اختراق في الشرق البعيد في الجغرافيا والسياسة والايدلوجيا ، وربما ان الاستجارة بأي قوى بدعوى ان الغاية تبرر الوسيلة ، وبنتيجة ردود الافعال السياسية او الشعور بالخيبة والهزيمة النفسية ، تكون نتائجها غير محمودة العواقب . والفشل في بناء تحالفات وطنية حقيقية ، لا تعوضه اي تحالفات هشة في الخارج ، سوى باستحضار الروح الميكافيلية لإنعاش الذات السياسية بالنمطية المتوارثة في الفكر السياسي والبناء عليها في السياسة الخارجية ، او بالقرءة السطحية لخلفية ومسببات الصراع في المنطقه وطبيعة المتغيرات الدولية ، واذا كنا نجنح الى التسليم بأن كل قضية من القضايا الدولية يتم التعامل معها بمعايير مختلفة ، فأنه من الصعب قولبة مواقف الدول واسقاطها على اي حالة بطريقة موحدة وبعيدا عن حساباتها ومصالحها السياسية وتقديراتها الخاصة تجاه الحالة المعنية ، اذ ان اتخاذ المواقف في السياسة الدولية اجمالا ، لا تتحقق بالمناشدات الأخلاقية ومشروعية الحق او بمنظمومة القيم الانسانية ، ولا ىتتحكم بها المصالح الانية المجردة كما يظهر للبعض ، بل يتم بنائها بشكل وثيق بحسابات استراتيجية بعيدة ،وان اضطرت الى التكيف في حالات نادرة مع سياسة الامر الواقع ، وارتباطا بهذه المفاهيم هناك ازمات ذات طابع محلي تحولت الى قضايا دولية وبالعكس توجد قضايا دولية يتم التعامل معها باعتبارها قضايا داخلية ومحلية ، وعلى الرغم من كثرة البؤر الملتهبة الظاهرة والكامنة في العالم الا ان بعض الازمات فرضت نفسها وتم تدويلها بسرعة بينما هي في الواقع قضايا محلية بامتياز ، ومن الخطاء التوهم ان تجاهل قضيتنا شعبنا يعود الى سياسة متعمدة من الغرب او دول الجوار ، ولكنها في المقام الأول تعود الى ضعف التأثير السياسي والميداني ، وغياب الوحدة الوطنية الفعلية ، وانقسام الجنوبيين الى كتل وجماعات مبعثرة يجعل من الصعب على اي دولة التعامل مع قضيتهم بمرجعية واحدة معتبرة ، ومحاولة الاتكال على الخارج لاكتساب المشروعية والقبول بها في ظل هذا الوضع المتناثر وما يصاحبه من مبالغة بالقدرة الجماهيرية العفوية ميدانيا ، والتي تفتقر الى الحد الأدنى من التنظيم والانسجام ، والمكابرة بالشعارات والتحدي والتحرير ، والتقليل من شأن الفعل والتحركات الميدانية المعاكسة . وبالنتيجة سيجد شعب الجنوب نفسه أمام نكبة تاريخية جديدة أن لم يتنبه القوم لوحدتهم وفرض سيطرتهم على ارضهم ، فالمراهنة على الدور الخارجي بالوضع الراهن تعتبر مراهنة خاسرة بكل الحسابات والمعطيات السياسية ، وما لم يتمكن الجنوبيين من القيام بفعل تاريخي يغير موازين القوى على الارض ليدفع الخارج المتردد على الاعتراف بالهوية والوجود المستقل ، وتصويب ما غرس في ثقافة الأمم بالفعل التاريخي الذي وضع شعبنا قربانا سهلا على مذابح الوحدة المقدسة ، برداء وحدة القدر والمصير والأنتماء المشترك . وبلورة رؤية سياسية ناضجه للتعامل مع العالم تبرز اهمية عدم الأعتماد على الذات الفردية والانانية التي تعشق العدمية والوقوف على اكوام الخراب دون تبصر ، او الانجرار الى جذور الثقافة الثورية الفوضوية ، التي تعجز عن رؤية العالم الجديد والسلوكيات التي تتحكم بالذهنية العربية وخاصة في دول الجوار الاقليمي وبالقرارات والمواقف السياسية المطبقه بطريقة موضوعية ، فهناك اجماع دولي على حل قضية الجنوب في اطار الوحدة ، وبيان مجلس الأمن الدولي الاخير أكد على ذلك بصورة قاطعة لا تقبل التأويل او الاجتهاد بخلافه ، وتدعم ذلك الدول الدائمة العضوية والاتحاد الأوربي ودول الجوار الأقليمي ، وهذا الموقف السياسي من قضية الجنوب لا يعتبر موقفا عفويا للدول ، بل قائم على دراسة وتقييم للاوضاع القائمة ، بما في ذلك وضع الحراك وكل المكونات الجنوبية المبعثرة وغيرها من المجموعات السياسية في الداخل والخارج وشركاء السلطة ، وتغيير او تعديل الموقف الدولي والاقليمي ليس بالأمر السهل و الهين ، ولا تنفع معه مطلقا التحركات الظاهرية نحو بؤر ملتهبة ، ينشغل اصحابها بمواجهة نيرانها في ديارهم القريبة قبل تصديرها او نقلها صوب الصحراء الحارقة ورمالها المتحركة ، ان منطق العقل والسياسة ، يتطلب من الجنوبيين ان يدرسوا بعمق وجدية وبصيرة نافذة أسباب الموقف الدولي الراهن ودورهم في صناعة وتشكل هذا الموقف السلبي من قضيتهم ، وسيتبين أنة هناك أخطاء قاتله بنتيجة التفكير والسلوك والممارسة ، فالعقل الجنوبي مغيب عن الفعل والمشاركه ، وسياسة الاملاء والأوامر والانتقاء والبابوية والتكلات الفئوية هي الغالبة ،بما يرافقها من نزوع نحو انتقاء وتجنيد اتباع سطحيين يسهل انقيادهم بعقلية من يملك السلطة والوصاية من كل الاطراف ، بينما الجنوب مليء بالكفاءات والقدرات ومن لهم باع في مجال ألأختصاص وصلات دولية لم تستغل على الأطلاق ، ومن المؤكد أن حالة الأنغلاق والأنكفاء في دوائر مغلقة ، والوهم بامتلاك ناصية الحقيقة ونقاوة وسمو الذات الوطنيه وملكة الفكر والاختصاص ، وعدم الانفتاح على كل الأراء واحترام حق ابناء الجنوب في الأختلاف والتعبير عن أرائهم بقوة وشجاعة تجاه قضيتهم ،حتى وأن لا مست قدسية الرموز ، ستؤدي في نهاية المطاف الى مزيد من التمزق والضياع والخراب ، وسيحدث كل ذلك ليس بسبب سُمك الجدران العتيقة وضيق المنافذ لوحدها ، بل بسبب من التغيرات المتسارعة على الأرض التي تضيف لمشكلاتنا المتراكمة والمزمنة مشكلات جديدة ، وختاما واهتداء بالقيم الاجتماعية الراسخة في الثقافة العربية كما يقال ، فأن التبعية ترتكز على الخضوع والطاعة وتنهض على أخلاق السلطة ، بينما يقوم الاستقلال الذاتي على الأحترام المتبادل والعدالة ويعتمد على أخلاق الحرية ، واذا كانت السياسة فن الممكن فأن الانتحار أمر ممكن . والله من وراء القصد .
|