الفصل الثالث: إعداد الاقتصاد الوطني
تُعد القدرة الاقتصادية للدولة الدعامة الأساسية التي يتوقف عليها إعداد الدولة بصفة عامة، وبناء قواتها المسلحة وتطويرها بصفة خاصة، ويقف العامل الاقتصادي في مقدمة العوامل التي تؤثر في نتيجة المعركة سلباً أو إيجاباً في كل الحروب منذ العصور السحيقة في التأريخ وحتى اليوم، وكان الكثير من القادة يضعون هذا العامل في مرتبة موازية للعامل العسكري.
إن إعداد الاقتصاد الوطني للحرب يعني عملية تحويل النظام الاقتصادي للدولة من اقتصاد سلم الى اقتصاد حرب. أما مفهوم اقتصاد الحرب فيعني مواجهة المشكلة الاقتصادية للدولة في ظروف غير طبيعية وغير مألوفة في الحياة العادية.
ويعرف اقتصاد الحرب بأنه عملية تعبئة الموارد المادية والبشرية من أجل توفير مستلزمات الحرب وكسبها. ويهدف اقتصاد الحرب أساسا الى توفير المستلزمات سواء للقوات المسلحة أو السلع والخدمات للشعب حيث أن الدولة في الحرب تحتاج الى أمرين:
أ ـ مادة لتوفير مستلزمات القوات المسلحة.
ب ـ مادة (سلع وخدمات) لتعزيز الصمود الداخلي.
وبالتالي يجب أن توجه الدولة إمكاناتها لتحقيق المعادلة بين الاثنين.
ويتميز اقتصاد الحرب بصورة عامة بثلاث ميزات رئيسية:
1ـ نقص سلع الاستهلاك المدني.
2ـ تزايد الاستهلاك العسكري في المعدات العسكرية.
3ـ ازدياد سيطرة الدولة على موارد المجتمع.
وفي الدول النامية تبرز مشكلة إضافية وهي عدم إمكانية تأمين وتوفير المعدات العسكرية عن طريق الإنتاج المحلي مما يضطرها الى استيرادها من الخارج.
إعداد اقتصاد الحرب
إن مسألة الإعداد لاقتصاد الحرب ينبغي أن تكون مستمرة في وقت السلم وفي وقت الحرب، خصوصا في بلاد تكون مهددة بمخاطر وتحديات مثل بلادنا العربية.
ومن تجارب العالم في هذا المجال، نطلع على الاجراءات التي اتخذتها بعض الدول من أجل إعداد اقتصادها للحرب والتهيؤ لخوض الصراع المسلح في مجال الإنتاج على وجه أخص والصناعة جزء منه:
أ ـ أنشأت بريطانيا عام 1914 (وزارة للذخائر) الى جانب (وزارة الحرب) وكان من مسئولية هذه الوزارة تهيئة الغذاء والكساء وخلال الحرب العالمية الأولى لم تنتج بريطانيا ولم تستورد إلا ما يضمن لها مواصلة الحرب. كما أنشأت (وزارة للإنتاج) لجعل الإنتاج أيسر ولتسهيل برامج الإنتاج وتنسيقها في القطاعات المختلفة في الاقتصاد.
ب ـ وفي أمريكا أنشئ (مجلس للإنتاج للأغراض الحربية) في عام 1942 وأعطيت له سلطات واسعة كمصادرة الممتلكات التي تحتاجها الحرب، وإيقاف إنتاج ما لا تدعو الحاجة إليه، وإرغام المنتجين على تنفيذ متطلبات المجهود الحربي.
ج ـ أما ألمانيا فقد بدأت استعداداتها مبكرة قبل الحرب العالمية الثانية، ففي عام 1935 شكلت (هيئة أركان اقتصاد الحرب) وسيطرت الدولة على الصناعة وعلى المواد الخام وعلى العمال، فكان إنتاج كثير من الصناعات التي لا تخدم المجهود الحربي محرما ومحظورا كما كانت مواصفات الإنتاج دقيقة وتموين المدنيين قاسياً جداً.
د ـ أما في الاتحاد السوفييتي فلم تبرز المشكلة بمثل هذه الحدة وذلك يعود الى امتلاك الدولة وسائل الإنتاج والمشروعات الاقتصادية، وهكذا تم توجيه الاقتصاد لخدمة الحرب. والمشكلة التي واجهته هي عملية تنسيق الخطط وتوجيهها في ضوء اقتصاديات الحرب، إذ اتبع الاتحاد السوفييتي نظاما تموينيا قاسيا وشديداً في الاستهلاك مع تأكيده على زيادة الانتاج.
مراحل اقتصاد الحرب
يمر اقتصاد الحرب بثلاث مراحل رئيسية:
أ ـ مرحلة الاستعداد للحرب.
ب ـ مرحلة الحرب.
ج ـ مرحلة ما بعد الحرب.
في مرحلة الاستعداد للحرب، يتطلب الأمر إجراء تغييرات مهمة في النظام الاقتصادي القائم ومنها:
1ـ العمل على زيادة طاقة التشغيل بشكل عام، وهذا يعني تشغيل الطاقة المادية والبشرية العاطلة، بالإضافة الى زيادة دورات الإنتاج في المشروعات.
2ـ تحويل المشروعات الإنتاجية الاعتيادية الى الانتاج الحربي وإيجاد المستلزمات الضرورية لها. وهذا بالطبع سيؤدي الى نقص السلع المخصصة لاستهلاك المواطنين مع ارتفاع أسعارها وانخفاض مستوى جودتها.
3ـ استعمال مقدار مناسب من الأرصدة الأجنبية لشراء المعدات الحربية. وسيقود هذا الى تحديد حجم السلع المستوردة من الخارج.
4ـ العمل على زيادة الكميات الوجب خزنها من مختلف السلع والأدوات الاحتياطية ويستلزم هذا إنشاء مخازن جديدة ومراكز للتوزيع.
5ـ القيام بتوجيه الشعب وتوعيته إزاء التغييرات التي تطرأ على عمليات الانتاج، للحيلولة دون زيادة رغبتهم في خزن السلع لمواجهة الطوارئ.
6ـ العمل على خفض استهلاك المواطنين الى أقصى حد ممكن، أي العمل على الحد من الميل الى الاستهلاك.
7ـ تستلزم فترة الاستعداد للحرب درجة عالية من السرية في الانفاق وتشديد الرقابة على المنتجات لتلافي الإسراف والعبث بالأموال العامة.
الأعباء التي يتحملها الاقتصاد الوطني في فترة الحرب
يجب على الاقتصاد الوطني في فترة الحرب أن يوفر ما يأتي:
أ ـ توفير احتياجات القوات المسلحة بما يعزز من صمودها.
ب ـ توفير متطلبات التنمية، وفق حاجات المرحلة وظروفها.
ج ـ توفير احتياجات الطلب المحلي من السلع والخدمات.
وهذا سيتطلب اتباع سياسات معينة سنمر عليها
يتبع
__________________
|