عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-08-25, 08:21 PM   #2
بوعمر
قلـــــم فعـــّـال
 
تاريخ التسجيل: 2009-07-23
المشاركات: 368
افتراضي

المؤامرة النصرانية على الأمة الحضرمية




الجزء الثاني





مدخل
تعمدنا في الجزء الأول الإشارة إلى المؤامرة السياسية التي بموجبها ألحق مشروع الاستقلال الوطني الحضرمي ، ومشروع الاستقلال الجنوبي العربي في مشروع دار في كواليس جنيف والقاهرة لتدخل حضرموت والجنوب العربي حقبة سوداء هي الحقبة السياسية اليمنية ، وفي هذا الجزء سنحاول الولوج في مسببات المؤامرة البريطانية ..


اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا




نبدأ من حديث أورده الدكتور سلمان العودة في سلسلته الدعوية عن التبشير النصراني في العالم الإسلامي والتي أتمت ثمانية أجزاء ختمها الدكتور سلمان بما أسماه ـ صانعوا الخيام ـ ، في الجزء الأول أشار الدكتور العودة إلى أن الكنيسة بفرعيها الكاثلويكية والبروستانتية قد عمدت في نهاية القرن الميلادي التاسع عشر إلى دراسة الشعوب والأمم الواقعة تحت حكم الاستعمار الأوروبي تحديداً بما مثلته بريطانيا وهولندا والبرتغال وفرنسا وايطاليا من قوى استعمارية انطلقت في عمقها المعنوي من الكنيسة في رغبة جامحة للتبشير بالدين النصراني ، وأن ما روج له بما في ذلك رحلة ماجلان واكتشافه لرأس الرجاء الصالح لم تكن بحثاً عن التوابل وغيرها من المبررات للجموح الاستعماري الذي تزايد بشكل لافت في التاريخ البشري خصوصاً في القرن الميلادي التاسع عشر ...

ذكر الشيخ الدكتور سلمان العودة في جزءه الأول أن منطقة الشرق الآسيوي شكلت نقطة محورية للمستعمرين الأوروبيين ، وان المستعمرين بما فيهم بريطانيا عجزوا على الرغم من تمكنهم السيطرة السياسية على عدد من الأقطار الآسيوية في تحقيق أهدافها التبشيرية النصرانية لسبب رئيسي وهو الوجود المؤثر للعرب في تلكم الأقطار مما أدى ليس فقط لهزيمة المشروع التبشيري النصراني بل أن العرب في الشرق الأقصى الآسيوي تضامنوا مع تلكم الشعوب التي هي من أصول صينية وملاوية في تحقيق استقلالها الوطني ...

( بوابة مكة ) هذا اللفظ أطلق منذ مطالع القرن العشرين المنصرم على إقليم آتشيه في الأرخبيل الاندونيسي ، نتفهم الآن وعلى مسافة قرن زمني طويل القوة الدينية التي غرسها الجيل العربي الحضرمي الأول الذي وصل إلى الشرق الأقصى في آسيا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي في دفعات مهاجرة أرادت في البداية البحث عن التجارة ، وهو ما يمكن أن نسميه اليوم وفقاً لمصطلحات العصر بـ الإسترزاق ، فقد انطلق الحضارمة عبر قوافل بحرية بنكهة قبلية لا دينية بحثاً عن الرزق لتأتي موجات الهجرة الأخرى التي تمثلت في طبقات مختلفة من أبناء الإقليم العربي الحضرمي لتمثل واحدة من أكثر الهجرات المؤثرة في التاريخ البشري ...

وحتى لا نتهم بالعنصرية للمفهوم السابق فأننا نصر تماماً على مفهوم أن الهجرات الحضرمية إلى الشرق الآسيوي كانت الأهم تاريخياً بما في ذلك الهجرات التي وصلت إلى أمريكا الشمالية والتي كونت فيما بعد الإمبراطورية الأمريكية القائمة اليوم تحت مسمى " الولايات المتحدة الأمريكية " ، أما لماذا تعد الهجرات الحضرمية هي الأكثر تأثيراً في التاريخ البشري لآن واقعها الحاضر يتمثل في أن ثلث مليار والثلاثمائة وخمسون مسلماً ينحصرون في هذا الشرق الآسيوي الضيق ، هذا العدد من المسلمين الذين ولجوا بفضل الله تعالى ثم الحضارمة القادمين من جنوب جزيرة العرب حيث مهد الرسالة المحمدية الخالدة على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم شكلوا نقلة تاريخية لها اعتباراتها ، فالحضارمة لم يذهبوا بتكليف كما حدث مع المستعمرين ، بل ذهبوا من بواعث البحث عن الرزق أولاً ثم الحضور في المجتمعات والتأثير فيها ثم قيادة تلكم المجتمعات عبر دعوتها لمنهج الله تعالى بأسلوب فتح القلوب قبل فتح الأوطان ...

في هذا السبيل نذكر أن دول اندونيسيا وسنغافورة وماليزيا وبروناي حققت الاستقلال الوطني في منتصف القرن العشرين بتأثير حضرمي بارز ، بل أن الحضارمة قادوا شعب آتشيه في ثورات متوالية ضد الاستعمار الهولندي حتى بلغ بالهولنديين في العام 1916م عرض وثيقة بجلاء القوات الهولندية خارج إقليم آتشيه في مقابل خروج الحضارمة من الإقليم الثائر إلا أن الثوار رفضوا العرض الهولندي وظلوا في مواجهاتهم لهولندا حتى تحقق الاستقلال الاندونيسي وانضمام الإقليم إلى الدولة الاندونيسية ومع ذلك لم يرضخ أبناء آتشيه تماماً وظلوا في ثوراتهم حتى مطالع العام 2005م التي قبلوا فيها بكامل الشروط الحكومية الاندونيسية في أعقاب طوفان تسونامي الذي حدث في الثلاثين من ديسمبر / كانون الأول 2004م ...

سقوط المشروع النصراني في الشرق الآسيوي أسهم فيه الحضارمة الذين قدموا أنفسهم في مرحلة تاريخية مذهلة ، وفي غياب قسري لكثير من أبناء العرب الذين كانوا ساقطين بين مشروع سايس بيكو من جهة وبين الاستعمار الأوروبي المنهك لثرواتهم وثقافتهم وهويتهم الدينية ، في تلكم الحقبة من التاريخ كان الحضارمة يواجهون الكنيسة النصرانية بصلبانها يقدمون للبوذيين منهج الحق والخروج من طريق الباطل ، هذا العمل الحضرمي لم يتفطن له حضارمة المهجر الآسيوي والهندي والأفريقي على حد سواء ، فالمنجز التاريخي الذي كان يقدمه أبناء حضرموت بعيداً عن موطنهم لم يراعي بالمطلق الارتداد الذي حصل فيما بعد على موطنهم ...

وفي وثيقة بريطانية مؤرخه في الثامن من ابريل / نيسان 1936م كتبها الكولونيل البريطاني فرانك والت إلى الخارجية البريطانية ( بقاء بريطانيا العظمى في مدينة عدن على مدار السنوات الطويلة الماضية لا يعني أن للشعب الحضرمي آمناً يمكننا الركون إليه ، فهؤلاء قادرون على أكثر من تحويل الكنيسة إلى مسجد ، وهؤلاء قادرون على فرض قانونهم علينا كما يفرضونه دائماً على الهولنديين لذا يجب مراعاة ذلك والأخذ به ) ...

أننا بحق نتفهم اليوم وعلى بعد أربعين عاماً من المؤامرة الخبيثة الهدف الحقيقي وراء إلحاق الوطن الحضرمي باليمن ، فإلحاق حضرموت بما سمي جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وإن حملت أفكاراً تخالف الفكر البريطاني فالدولة الاشتراكية الشيوعية هي لدى البريطانيين وبابا الفاتيكان وكل الحركات النصرانية التبشيرية هي الآداة الأفضل لتمكن من السيطرة والإطباق على الشعب الحضرمي ، هذه الآداة التي عرفت كيف تعطل حضرموت وطناً وإنساناً وتاريخاً وحضارةً من لعب دوره المفترض في عالم شكلت الكنيسة دوراً رائداً فيه ...

حقيقة المؤامرة النصرانية لا يمكن تجاهلها ، ولا يمكن بحال من الأحوال اعتبارها مجرد خرافة حضرمية تساق لتمرير غاية الهدف الحضرمي المشروع بتحقيق الاستقلال الوطني الحضرمي على التراب الحضرمي ، هذه الحقيقة بكل ما فيها من مرارة هي واحدة من الدوافع التي يجب أن تتكرس في نفوس الأمة الحضرمية ، بل يجب أن تتأصل في كل الأمة الإسلامية ليتدارك الحاضرين ما سببه الاحتلال اليمني من تعطيل قدرات شعب أفلح في مقارعة الغزاة المستعمرين في أقصى الدنيا بل قاد دولاً لتحقق استقلالها الوطني وتكون بوابة صوب مهد الرسالة المحمدية ...

على الشعب الحضرمي قبل غيره من الشعوب استدراك الأمر بصيرورته ومنهجه وحضوره الذي يجب أن يكون بعيداً عن الشعارات الواهية الضالة ، فنحن أمة لفت على رقبتها حبال الشيوعيين أول مرة ثم حبال القوميين مرة أخرى وفي كلاهما بلاء لأمة لم تعرف الاستكانة إلا في أربعين عاماً قيدت فيها أيديها حتى أنها أصبحت تنسب لغير ذاتها في مشروع لسلخها وإسقاطها من حسابات كان أبناء الأمة الحضرمية قادرين بعون الله على تجاوزها وفك طلاسمها ...

بوعمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس