عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-01-02, 05:59 PM   #230
علي المفلحي
عضو مجلس الإدارة
 
تاريخ التسجيل: 2008-08-22
الدولة: جمهورية الجنوب العربي
المشاركات: 42,534
افتراضي

أشجع*العرب*وأجبن*العرب*وأحيل العرب

أشجع العرب (فارس من بكر بن وائل)


دخل عمرو بن معد يكرب الزبيدي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال عمر : أخبرني عن أجبن من لقيت وأحيل من لقيت وأشجع من لقيت

قال عمرو : نعم يا أمير المؤمنين خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا سائر إذا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا رجل جالس كأعظم ما يكون من الرجال خلقاً ، وهو محتب بحمائل سيفه، فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ قلت : أنا عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، فشهق شهقة فمات . فهذا يا أمير المؤمنين أجبن من رأيت*

وخرجت مرة حتى انتهيت إلى حي فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته ، فقلت : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ فأعلمته بي

فقال : يا أبا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا على الأرض، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي ، فأعطيته عهداً فخرج من الموضع الذي كان فيه واحتبى بحمائل سيفه، وجلس*

فقلت : ما هذا ؟ فقال : ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك فإن نكثت عهدك فأنت أعلم بناكث العهد . فتركته ومضيت . فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت

وخرجت مرة حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه الطريق فلم أر أحداً فأجريت فرسي يميناً وشمالاً وإذا أنا بفارس ، فلما دنا مني ، فإذا هو غلام حسن نبت عذاره من أجمل من رأيت من الفتيان ، وأحسنهم . وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة ، فلما قرب مني سلم علي ورددت عليه السلام وقلت : من الفتى ؟ قال: الحارث بن سعد فارس الشهباء فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلك

فقال: الويل لك ، فمن أنت ؟

قلت: عمرو بن معد يكرب الزبيدي

قال: الذليل الحقير ، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك

فتصاغرت نفسي ، يا أمير المؤمنين ، وعظم عندي ما استقبلني به*

فقلت له: دع هذا وخذ حذرك فإني قاتلك ، والله لا ينصرف إلا أحدنا*

فقال: اذهب ، ثكلتك أمك ، فأنا من أهل بيت ما أثكلنا فارس قط

فقلت: هو الذي تسمعه

قال: اختر لنفسك فإما أن تطرد لي ، وإما أن أطرد لك فاغتنمتها منه*

فقلت له : أطرد لي

فأطرد وحملت عليه فظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار حزاماً لفرسه ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : يا عمرو خذها إليك واحدةً ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك

قال: فتصاغرت نفسي عندي ، وكان الموت، يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيت

فقلت له : والله لا ينصرف إلا أحدنا . فعرض علي مقالته الأولى*

فقلت له: أطرد لي

فأطرد فظننت أني تمكنت منه فاتبعته حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار لبباً لفرسه ، ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : خذها إليك يا عمرو ثانية

فتصاغرت عليّ نفسي جداً ، وقلت : والله لا ينصرف إلا أحدنا فاطرد لي فاطرد حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فوثب عن فرسه ، فإذا هو على الأرض فأخطأته فاستوى على فرسه واتبعني حتى قنع بالقناة رأسي*

وقال: خذها إليك يا عمرو ثالثة ولولا كراهتي لقتل مثلك لقتلتك

فقلت: اقتلني أحب إلي ولا تسمع فرسان*العرب*بهذا

فقال: يا عمرو ، إنما العفو عن ثلاث ، وإذا استمكنت منك في الرابعة قتلتك

وأنشد يقول

وكدت إغلاظاً من الإيمـان*

ــــــــــــــــــــــــ إن عدت يا عمرو إلى الطعـان*

لتجـدن لـهـب السـنـــــان*

ــــــــــــــــــــــ أولاً فلـست من بنـي شيـبـــــان*


فهبته هيبة شديدة ، وقلت له : إن لي إليك حاجة

قال : وما هي ؟

قلت : أكون صاحباً لك

قال : لست من أصحابي

فكان ذلك أشد عليّ وأعظم مما صنع ، فلم أزل أطلب صحبته حتى قال : ويحك أتدري أين أريد ؟

قلت : لا والله

قال : أريد الموت الأحمر عياناً

قلت : أريد الموت معك

قال : امض بنا

فسرنا يومنا أجمع حتى أتانا الليل ومضى شطره . فوردنا على حي من أحياء العرب

فقال لي : يا عمرو في هذا الحي الموت الأحمر فإما أن تمسك عليّ فرسي فأنزل وآتي بحاجتي ، وإما أن تنزل وأمسك فرسك فتأتيني بحاجتي

فقلت: بل أنزلت أنت . فأنت أخبر بحاجتك مني ، فرمى إلي بعنان فرسه ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً ، ثم مضى إلى قبة فأخرج منها جارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً ، فحملها على ناقة*

ثم قال: يا عمرو ، فقلت : لبيك ! قال : إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت ؟

قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت ، فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتى أصبحنا*

قال: يا عمرو قلت: ما تشاء ؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً ؟

فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير*

ثم قال: يا عمرو انظر إن كانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر ، وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء

فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة قال: اغذذ السير ففعلت ، ووقف وسمع وقع حوافر الخيل عن قرب*

فقال: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابنا إلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا هم ثلاثة أنفار شابان وشيخ كبير ، وهو أبو الجارية والشابان أخواها ، فسلموا فرددنا السلام

فقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخي

فقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها

فقال لأحد ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليه الحرث*

وهو يقول


من دون ما ترجوه خضب*

ــــــــــــــــــــــــــــــ الذابل من فارس ملثم مقاتل*

ينمي إلى شيبان خير وائل*

ـــــــــــــــــــــــــــ ما كان يسري نحوها بباطل*


ثم شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه ، فسقط ميتاً ، فقال الشيخ لابنه الآخر اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذل

فأقبل الحارث وهو يقول


لقد رأيت كيف كانت طعنتي*

ــــــــــــــــــــــــــوالط عن للقرم الشديد همتـي*

والموت خير من فراق خلتي*

ـــــــــــــــــــــــــــ فقتلتـي اليـوم ولا مذلتـي*


ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً ، فقال له الشيخ : خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت*

فقال : ما كنت لأخليها ، ولا لهذا قصدت

فقال الشيخ : يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئت طاردتك، فاغتنمها الفتى ونزل*

فنزل الشيخ وهو يقول


ما أرتجي عند فناء عمـري*

ــــــــــــــــــــــــ سأجعل التسعين مثـل شهـر*

تخافني الشجعان طول دهري*

ــــــــــــــــــــــ إن استباح البيض قصم الظهر*


فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول


بعد ارتحالي ومطال سفري*

ــــــــــــــــــــــــــــ وقد ظفرت وشفيت صدري*

فالموت خير من لباس الغدر*

ـــــــــــــــــــــــــــ والعار أهديه لحـي بكـر*


ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك ، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني وإن شئت فاضربني . فإن أبقيت بقية ضربتك*

فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأ

فقال الشيخ: هات

فرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين*

فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف*

ثم أقبلت إلى الناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت*

فقلت : اسكتي

قالت : إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك

فقلت: ما أنا بمعط ذلك ، وقد عرفت أهلك وجراءة قومك وشجاعتهم فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول

أبعد شيخي ثم بعد أخوتـي*

ــــــــــــــــــــــــ يطيب عيشي بعدهم ولذتي*

وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ*

ــــــــــــــــــــــ هلا تكون قبـل ذا منيتـي*


ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي ، فلما رأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني ، فقتلتها*

فهذا يا أمير المؤمنين*
علي المفلحي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس