بائع المسك
2012-02-01, 02:53 AM
أخي بائع المسك تسلم ويسلم هذا العقل المنهجي الرائع وأنا لم أقل قولبة كاملة قلت بعض وبينهما شتان والقولبة لمن تسآل عنها هي أن ( قطعة طوب أو بلك هي مثل الاف غيرها لأنها صنعت في قالب واحد بنفس المقاسات والشكل) ولكي أثبت الـ (بعض) تلك أورد لك نص الفقره من مداخلتك: (يعتقد أصحابها جازمين، بان حل القضية الجنوبية يجب إن يؤسس بناؤه على روافع خارجية (إقليمية أو دولية) ويرون أن هذه الروافع (الونشات) هي الوحيدة القادرة على انتشال شعب من غياهب الجب التي رمي فيها، وللتأكد على صواب هذه النظرية اخذ أنصارها بحشد كل الحجج والأسانيد الواقعية والتاريخية لإقناع شعب الجنوب باعتناق نظريتهم، والتي منها؛ إن شعب الجنوب على مر تاريخه لم تقم له قائمة إلا بروافع أجنبية، ومنها التلميح أحياناً والتصريح الحذر أحياناً، بأن احد رموزهم قد استطاع إقناع احد أصحاب الدوافع المجاورة للجنوب بنظرية فاعتقوها وآمنوا بها، بل اعتنقوها فعلاً، بل أن روافعهم قد تم مد اذرعها في سماء الجنوب وتنتظر فقط إذن الجنوبيين لإنزال حبالها وانتشالهم من قعر الجب، مرت الأيام والشهور والسنوات وأنظار الجنوبيين محدقة إلى السماء منتظره هطول حبال روافع النجاة، فإذا بهم يصحون ذات يوم على وهم الوعود وزيفها، فلا روافع ولا حبال ولا خيوط بالسماء أو بالأرض أو من جهة البر أو من جهة البحر، بل رافعه واحدة فقط انتشلت رئيس نظام صنعاء وأنقذته وحضنته من الغرق حاضراً ومستقبلاً..) الا ترى أن تصميم رؤية كهذه لتلبسها آخرين فيه تنميط إلى حد ما مع أن هؤلا وصلوا إلى رفع حق تقرير المصير لشعب الجنوب في تطور لافت لخطواتهم التي أجزم أنها ستصب في النهاية في مجرى التحرير والأستقلال وهذا يعني أن مالم نستطع قوله في 95م قلناه في 2000م ومالم نستطيع قولة في 2000م قلناه في 2007م وهذا حال تاريخ البشر ، ذلك ما عنيت ورأيي يحتمل الصواب والخطاء.. الف تحية.
تسلم أخي الفاضل على توضيحك: قد تكون اصبت في نقدك، فليس صائباً أن نبني مواقفنا من الاخر انطلاقاً من نقاط الاختلاف معه أو من الجوانب السلبية لفكرته أو رؤيته، بل يقتضي أن نظر اليها نظرة متكاملة وكوحدة متماسكة، عملاً بالحديث الشريف: من تتبع عوراة الناس افسدهم أو كاد أن يفسدهم...ولكن ـــ دون حمل ما بعد لكن على أنه تبرئة أو تزكية للنفس ـــ لم أكن بصدد تقييم وتحليل رؤى تياري الفيدرالية والاستقلال بقدر ما كان اشارة الى ابرز ما تمسك فيه كل تيار في مواجهة الاخر وأسس عليها رؤيته لحل القضية الجنوبية، وهذا هو الخطأ الفادح بأن يبني مفهوم القضية على ممكنات الحل، لا العكس، وقد اشرت بأني كتبت مقالاً حول هذا الخلل المنهجي في التعاطي مع القضية، وسوف انزله هنأ لتوضيح وجهة نظري بشأن ذلك، ولكن قبل ذلك تبقى أن اشير الى قول الاخ بن عفرير: بأن تيار الفيدرالية تتطور في طرحه حتى
وصلوا الى رفع حق تقرير المصير لشعب الجنوب..الخ واعتقد بأن ذلك ليس واقعيا فمخرجات مؤتمر القاهرة الاخير لم يأتي بجديد عن لقاء القاهرة الاول، الا تلاعب بمصطلحات لمراعاة مشاعر الشعب فقط، بل أن وثائق اللقاء الاول تضمنت تحليلا متقدماً بشأن القضية الجنوبية أتمنى من الاخ بن عفرير أن يعيد قراءة وثائق اللقاءين، ليرى مدى التراجع وليس التطور...وهذا هو مقالي السالف الاشارة اليه:
أيها الجنوبيون: تشخيص المشكلة يسبق وضع الحلول:
رافق واعترض مسيرة الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) منذ انطلاقتها في مطلع العام 2007م مصاعب ومشاق جمة، منها ما يرجع سببه إلى الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها المنطقة عموماً واليمن والجنوب خصوصاً، ومنها ما يرجع سببه إلى تعقيدات الواقع الجنوبي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء تلك التي فرضها وأوجدها نظام صنعاء في الجنوب منذ احتلاله له في 7/7/1994م، أو تلك التي أنتجتها صراعات وخصومات وأخطاء المراحل التاريخية التي عاشها الجنوب قبل مايو 1990م، ولعل هذه الأخيرة كانت اشد المعوقات خطراً على ثورة شعب الجنوب وقضيته، حيث شكلت ومازالت تشكل البؤرة التي تولد معظم علل الجسد الجنوبي، وتنتج وتحفز الفيروسات التي تهاجم الذاكرة (العقل) الجنوبية وتجعلها في حالة تيه وتخبط فاقدة القدرة على رؤية وتحديد مسارها واتجاها الصحيح، بل مثلت تلك البؤرة الحلقة الضعيفة في الجسد (الكيان) الجنوبي التي من خلالها استطاع الخصوم والطامعون النفاذ إلى داخل ذلك الكيان وخلخلته وشل قواه والسيطرة عليه كلما حاول استعادت عافيته ومكانته ووضعه الطبيعي، وشواهد واقع الحال الجنوبي الدالة على ذلك مما لا يحتاج إلى سردها أو التدليل على وجودها، ولكن الجدير بالتنويه إليه أن العقل الجنوبي وفي لحظة تجلي وسمو روحي والهام الهي، اهتدى إلى تحديد العلاج الفعال لردم تلك البؤرة ومعالجة جراحها وتقرحاتها وتحصين الجسد الجنوبي بالمناعة الكافية لمقاومة فيروساتها مستقبلاً، تمثل ذلك العلاج؛ بمشروع التصالح والتسامح الجنوبي، وفعلاً كان لهذا العلاج مفعولاً سحرياً مذهلاً حيث لم يمر على الإعلان عنه في 13يناير 2006م ــــ كفكره نظرية فقط ـــ أكثر من سنة ونصف حتى نهض شعب الجنوب من تحت ركام آلامه ومآسيه وأوجاعه، بثورة شعبية سلمية في مواجهة آلة القتل والبطش والدمار لأبشع احتلال همجي متخلف عرفه على مر تاريخه.. وفي مواجهة كل تلك التحديات استمرت ثورة شعب الجنوب ومازالت مستمرة وستستمر بإذن الله، ولا اتفق مع من يرى أن الثورة الجنوبية تعثرت أو تراجع زخمها في الآونة الأخيرة بل العكس من ذلك، ازدادت زخماً وتجذراً وانتشاراً ولست هنأ بصدد سرد الأدلة والشواهد الواقعية على صحة ذلك مع أنها مما لا يحتاج المتابع الحصيف إلى إثباته، ولكن الحقيقة التي لا يجب إغفالها أو التستر والسكوت عليها، هي؛ أن الثورة والقضية الجنوبيتين ليستا ــ حالياً ــ بالمستوى الذين يجب أن تكونا فيها بالنظر إلى سني عمرهما وتضحيات شعب الجنوب بشأنهما، وليستا بالمكانة التي تمكنهما من مواجهة مخاطر تداعيات ظروف اللحظة التاريخية الراهنة الهامة والخطيرة داخلياً وخارجياً، فمازالتا تفتقران للتأصيل المنهجي والتأطير المؤسسي المنظم، بمعنى آخر؛ الجنوبيون بحاجة ضرورية عاجلة لـــ (عقلنة ثورتهم) لكي تتحول من مجرد غليان جماهيري متصاعد غير مؤطر ولا مؤصل، إلى فعل وفكر ثوري وسياسي، منظمين ومؤصلين، والأمر المحقق الذي لا يكاد يختلف عليه اثنان حالياً، أن انجاز تلك المهمة يعد ضرورة ملحة وشرطاً لازماً لانتصار الثورة الجنوبية وإنقاذ القضية الجنوبية من الضياع والتيه بين مصالح وهواء ورغبات اللاعبين الدوليين والإقليمين، أو الفوضى العارمة التي يخطط بل خُطط إدخال الجنوب فيها..الخ، إلا أن المؤسف حقا أنه رغم الإجماع على ضرورة انجاز هذه المهمة، فإن جميع محاولات انجازها منذ خمس سنوات خلت وحتى اللحظة، فشلت أو على الأقل تعثرت، والمتأمل في ظروف وملابسات مقدمات وتداعيات ذلك الفشل والتعثر، سيجد أن هناك سبباً رئيسياً حرك وأنتج جميع الأسباب التي أفضت مجتمعه إلى ذلك الفشل والتعثر المؤسفين، هو غياب التعاطي المنهجي مع القضية الجنوبية، القائم على تشخيص طبيعة وجوهر تلك القضية وأسبابها المباشرة وغير المباشرة ونتائجها وتداعياتها، ومن ثم تحديد علاجها بما يتلاءم وتلك الطبيعة والأسباب والنتائج، ذلك أن تعاطي النخبة السياسية الجنوبية مع القضية الجنوبية ينطلق من منهج معكوس مخالف للمنهج العلمي الصحيح في دراسة وحل المشكلات الإنسانية أياً كان نوعها،وذلك من خلال النظر للقضية أو المشكلة من زاوية ضيقه أو جزئية مبتورة، تنصب حول النتائج بمعزل عن الأسباب أو حول الحلول بمعزل عن الأسباب والنتائج، أو حول السبب المباشر بمعزل عن الأسباب غير المباشرة والنتائج والتداعيات...الخ فما يحدث اليوم من جدل عقيم حول طبيعة الحل الملائم للقضية الجنوبية بين أصحاب أطروحات (الاستقلال واستعادة الدولة، والفيدرالية، وتقرير المصير وإصلاح مسار الوحدة..الخ)، هو حصيلة المنهج المعكوس في التعاطي مع القضية الجنوبية، القائم ذلك المنهج على بحث واقتراح الحلول قبل بحث وتشخيص المشكلة وأسبابها، فهذا المنهج جعل أصحابه أشبه بالمنجمين والمشعوذين، فتراهم تارة يقترحون حل معين ثم ينتقلون إلى غيره، ثم يعودون إلى السابق ثم إلى غيره(فك الارتباط، تحرير واستقلال، فيدرالية، تقرير مصير، استعادة الدولة..الخ) ثم بالأخير يقررون اللجوء إلى منجم دولي ليحسم لهم حقيقة فشلهم وليس حقيقة قضيتهم، لأنهم لو كانوا أصحاء ما قضوا خمس سنوات يتجادلون في الحل (احتلال، أم أسوأ من الاحتلال، أم ضم وإلحاق، أم تعطيل ونكث للمواثيق، أم غدر وخيانة وانقلاب على الشراكة، أم كراسي ومناصب..الخ) دون بحث ماهية المشكلة، ذلك أن الحلول تبنى وتصاغ وفقاً لطبيعة جوهر القضية وأسبابها وتداعياتها في الواقع وليس غير ذلك مهما بدت مبررات منطقية لسببٍ أو ظرفٍ آني أو مرحلي معين، كما أنه لا يمكن ــ عقلاً ومنطقاً وعرفاً إنسانياً مطرداً ــ أن يعاد صياغة مفهوم القضية وطبيعتها وفقاً للحلول الآنية الممكنة، فتشخيص المشكلة السليم هو الذي يحدد علاجها الصحيح، وليس العلاج المتوفر هو من يحدد تشخيص المشكلة، كما أن عدم القدرة على تحصيل أو توفير العلاج الصحيح للمشكلة آنياً، لا يبرر استبداله بغيره لا يتلاءم مع طبيعة تلك المشكلة لأنه سيفضى إلى مضاعفات سلبية وخطيرة على الجسد الذي يعاني من تلك المشكلة بل وقد يقضي عليه، وعليه فإن المتأمل لواقع حال القضية الجنوبية اليوم سيلاحظ أنها بحاجة اليوم إلى تأصيل منهجي مقنع لها ولمرتكزاتها الواقعية والقانونية والتاريخية..الخ أكثر من حاجتها إلى مقترحات حلول ترضي الأطراف الإقليمية والدولية وتلائم ظروف اللحظة التاريخية العابرة، لأن ذلك التأصيل هو من سيفضي تلقائياً إلى تحديد حلها السليم ووسائل بلوغه الملائمة، ومن ثم فليس أمام الجنوبيين اليوم للخروج من حالة التيه الراهنة إلا بتصحيح منهجهم في التعاطي مع قضاياهم الوطنية التي تشكل القضية الجنوبية قطبها ومحورها الرئيس، من خلال خطوتين متعاقبة تبدى الأولى بتأصيل ماهية القضية الجنوبية وأسبابها المباشرة وغير المباشرة وتداعياتها وتوصيف كل ذلك توصيفاً علمياً واقعياً وقانونياً صحيحاً، ثم عقب انجاز هذه المهمة يتم الشروع في انجاز الخطوة الثانية المتمثلة في الحوار لتحديد الحل الملائم لماهية المشكلة وأسبابها ونتائجها...
هل ستدرك النخبة الجنوبية بمختلف تخصصاتها أهمية وضرورة سلوك هذه المنهجية للخروج من واقعها المأساوي ؟ الأيام القليلة القادمة هي من سيجيب عن ذلك؟؟
تسلم أخي الفاضل على توضيحك: قد تكون اصبت في نقدك، فليس صائباً أن نبني مواقفنا من الاخر انطلاقاً من نقاط الاختلاف معه أو من الجوانب السلبية لفكرته أو رؤيته، بل يقتضي أن نظر اليها نظرة متكاملة وكوحدة متماسكة، عملاً بالحديث الشريف: من تتبع عوراة الناس افسدهم أو كاد أن يفسدهم...ولكن ـــ دون حمل ما بعد لكن على أنه تبرئة أو تزكية للنفس ـــ لم أكن بصدد تقييم وتحليل رؤى تياري الفيدرالية والاستقلال بقدر ما كان اشارة الى ابرز ما تمسك فيه كل تيار في مواجهة الاخر وأسس عليها رؤيته لحل القضية الجنوبية، وهذا هو الخطأ الفادح بأن يبني مفهوم القضية على ممكنات الحل، لا العكس، وقد اشرت بأني كتبت مقالاً حول هذا الخلل المنهجي في التعاطي مع القضية، وسوف انزله هنأ لتوضيح وجهة نظري بشأن ذلك، ولكن قبل ذلك تبقى أن اشير الى قول الاخ بن عفرير: بأن تيار الفيدرالية تتطور في طرحه حتى
وصلوا الى رفع حق تقرير المصير لشعب الجنوب..الخ واعتقد بأن ذلك ليس واقعيا فمخرجات مؤتمر القاهرة الاخير لم يأتي بجديد عن لقاء القاهرة الاول، الا تلاعب بمصطلحات لمراعاة مشاعر الشعب فقط، بل أن وثائق اللقاء الاول تضمنت تحليلا متقدماً بشأن القضية الجنوبية أتمنى من الاخ بن عفرير أن يعيد قراءة وثائق اللقاءين، ليرى مدى التراجع وليس التطور...وهذا هو مقالي السالف الاشارة اليه:
أيها الجنوبيون: تشخيص المشكلة يسبق وضع الحلول:
رافق واعترض مسيرة الثورة الجنوبية (الحراك الجنوبي) منذ انطلاقتها في مطلع العام 2007م مصاعب ومشاق جمة، منها ما يرجع سببه إلى الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي تمر بها المنطقة عموماً واليمن والجنوب خصوصاً، ومنها ما يرجع سببه إلى تعقيدات الواقع الجنوبي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء تلك التي فرضها وأوجدها نظام صنعاء في الجنوب منذ احتلاله له في 7/7/1994م، أو تلك التي أنتجتها صراعات وخصومات وأخطاء المراحل التاريخية التي عاشها الجنوب قبل مايو 1990م، ولعل هذه الأخيرة كانت اشد المعوقات خطراً على ثورة شعب الجنوب وقضيته، حيث شكلت ومازالت تشكل البؤرة التي تولد معظم علل الجسد الجنوبي، وتنتج وتحفز الفيروسات التي تهاجم الذاكرة (العقل) الجنوبية وتجعلها في حالة تيه وتخبط فاقدة القدرة على رؤية وتحديد مسارها واتجاها الصحيح، بل مثلت تلك البؤرة الحلقة الضعيفة في الجسد (الكيان) الجنوبي التي من خلالها استطاع الخصوم والطامعون النفاذ إلى داخل ذلك الكيان وخلخلته وشل قواه والسيطرة عليه كلما حاول استعادت عافيته ومكانته ووضعه الطبيعي، وشواهد واقع الحال الجنوبي الدالة على ذلك مما لا يحتاج إلى سردها أو التدليل على وجودها، ولكن الجدير بالتنويه إليه أن العقل الجنوبي وفي لحظة تجلي وسمو روحي والهام الهي، اهتدى إلى تحديد العلاج الفعال لردم تلك البؤرة ومعالجة جراحها وتقرحاتها وتحصين الجسد الجنوبي بالمناعة الكافية لمقاومة فيروساتها مستقبلاً، تمثل ذلك العلاج؛ بمشروع التصالح والتسامح الجنوبي، وفعلاً كان لهذا العلاج مفعولاً سحرياً مذهلاً حيث لم يمر على الإعلان عنه في 13يناير 2006م ــــ كفكره نظرية فقط ـــ أكثر من سنة ونصف حتى نهض شعب الجنوب من تحت ركام آلامه ومآسيه وأوجاعه، بثورة شعبية سلمية في مواجهة آلة القتل والبطش والدمار لأبشع احتلال همجي متخلف عرفه على مر تاريخه.. وفي مواجهة كل تلك التحديات استمرت ثورة شعب الجنوب ومازالت مستمرة وستستمر بإذن الله، ولا اتفق مع من يرى أن الثورة الجنوبية تعثرت أو تراجع زخمها في الآونة الأخيرة بل العكس من ذلك، ازدادت زخماً وتجذراً وانتشاراً ولست هنأ بصدد سرد الأدلة والشواهد الواقعية على صحة ذلك مع أنها مما لا يحتاج المتابع الحصيف إلى إثباته، ولكن الحقيقة التي لا يجب إغفالها أو التستر والسكوت عليها، هي؛ أن الثورة والقضية الجنوبيتين ليستا ــ حالياً ــ بالمستوى الذين يجب أن تكونا فيها بالنظر إلى سني عمرهما وتضحيات شعب الجنوب بشأنهما، وليستا بالمكانة التي تمكنهما من مواجهة مخاطر تداعيات ظروف اللحظة التاريخية الراهنة الهامة والخطيرة داخلياً وخارجياً، فمازالتا تفتقران للتأصيل المنهجي والتأطير المؤسسي المنظم، بمعنى آخر؛ الجنوبيون بحاجة ضرورية عاجلة لـــ (عقلنة ثورتهم) لكي تتحول من مجرد غليان جماهيري متصاعد غير مؤطر ولا مؤصل، إلى فعل وفكر ثوري وسياسي، منظمين ومؤصلين، والأمر المحقق الذي لا يكاد يختلف عليه اثنان حالياً، أن انجاز تلك المهمة يعد ضرورة ملحة وشرطاً لازماً لانتصار الثورة الجنوبية وإنقاذ القضية الجنوبية من الضياع والتيه بين مصالح وهواء ورغبات اللاعبين الدوليين والإقليمين، أو الفوضى العارمة التي يخطط بل خُطط إدخال الجنوب فيها..الخ، إلا أن المؤسف حقا أنه رغم الإجماع على ضرورة انجاز هذه المهمة، فإن جميع محاولات انجازها منذ خمس سنوات خلت وحتى اللحظة، فشلت أو على الأقل تعثرت، والمتأمل في ظروف وملابسات مقدمات وتداعيات ذلك الفشل والتعثر، سيجد أن هناك سبباً رئيسياً حرك وأنتج جميع الأسباب التي أفضت مجتمعه إلى ذلك الفشل والتعثر المؤسفين، هو غياب التعاطي المنهجي مع القضية الجنوبية، القائم على تشخيص طبيعة وجوهر تلك القضية وأسبابها المباشرة وغير المباشرة ونتائجها وتداعياتها، ومن ثم تحديد علاجها بما يتلاءم وتلك الطبيعة والأسباب والنتائج، ذلك أن تعاطي النخبة السياسية الجنوبية مع القضية الجنوبية ينطلق من منهج معكوس مخالف للمنهج العلمي الصحيح في دراسة وحل المشكلات الإنسانية أياً كان نوعها،وذلك من خلال النظر للقضية أو المشكلة من زاوية ضيقه أو جزئية مبتورة، تنصب حول النتائج بمعزل عن الأسباب أو حول الحلول بمعزل عن الأسباب والنتائج، أو حول السبب المباشر بمعزل عن الأسباب غير المباشرة والنتائج والتداعيات...الخ فما يحدث اليوم من جدل عقيم حول طبيعة الحل الملائم للقضية الجنوبية بين أصحاب أطروحات (الاستقلال واستعادة الدولة، والفيدرالية، وتقرير المصير وإصلاح مسار الوحدة..الخ)، هو حصيلة المنهج المعكوس في التعاطي مع القضية الجنوبية، القائم ذلك المنهج على بحث واقتراح الحلول قبل بحث وتشخيص المشكلة وأسبابها، فهذا المنهج جعل أصحابه أشبه بالمنجمين والمشعوذين، فتراهم تارة يقترحون حل معين ثم ينتقلون إلى غيره، ثم يعودون إلى السابق ثم إلى غيره(فك الارتباط، تحرير واستقلال، فيدرالية، تقرير مصير، استعادة الدولة..الخ) ثم بالأخير يقررون اللجوء إلى منجم دولي ليحسم لهم حقيقة فشلهم وليس حقيقة قضيتهم، لأنهم لو كانوا أصحاء ما قضوا خمس سنوات يتجادلون في الحل (احتلال، أم أسوأ من الاحتلال، أم ضم وإلحاق، أم تعطيل ونكث للمواثيق، أم غدر وخيانة وانقلاب على الشراكة، أم كراسي ومناصب..الخ) دون بحث ماهية المشكلة، ذلك أن الحلول تبنى وتصاغ وفقاً لطبيعة جوهر القضية وأسبابها وتداعياتها في الواقع وليس غير ذلك مهما بدت مبررات منطقية لسببٍ أو ظرفٍ آني أو مرحلي معين، كما أنه لا يمكن ــ عقلاً ومنطقاً وعرفاً إنسانياً مطرداً ــ أن يعاد صياغة مفهوم القضية وطبيعتها وفقاً للحلول الآنية الممكنة، فتشخيص المشكلة السليم هو الذي يحدد علاجها الصحيح، وليس العلاج المتوفر هو من يحدد تشخيص المشكلة، كما أن عدم القدرة على تحصيل أو توفير العلاج الصحيح للمشكلة آنياً، لا يبرر استبداله بغيره لا يتلاءم مع طبيعة تلك المشكلة لأنه سيفضى إلى مضاعفات سلبية وخطيرة على الجسد الذي يعاني من تلك المشكلة بل وقد يقضي عليه، وعليه فإن المتأمل لواقع حال القضية الجنوبية اليوم سيلاحظ أنها بحاجة اليوم إلى تأصيل منهجي مقنع لها ولمرتكزاتها الواقعية والقانونية والتاريخية..الخ أكثر من حاجتها إلى مقترحات حلول ترضي الأطراف الإقليمية والدولية وتلائم ظروف اللحظة التاريخية العابرة، لأن ذلك التأصيل هو من سيفضي تلقائياً إلى تحديد حلها السليم ووسائل بلوغه الملائمة، ومن ثم فليس أمام الجنوبيين اليوم للخروج من حالة التيه الراهنة إلا بتصحيح منهجهم في التعاطي مع قضاياهم الوطنية التي تشكل القضية الجنوبية قطبها ومحورها الرئيس، من خلال خطوتين متعاقبة تبدى الأولى بتأصيل ماهية القضية الجنوبية وأسبابها المباشرة وغير المباشرة وتداعياتها وتوصيف كل ذلك توصيفاً علمياً واقعياً وقانونياً صحيحاً، ثم عقب انجاز هذه المهمة يتم الشروع في انجاز الخطوة الثانية المتمثلة في الحوار لتحديد الحل الملائم لماهية المشكلة وأسبابها ونتائجها...
هل ستدرك النخبة الجنوبية بمختلف تخصصاتها أهمية وضرورة سلوك هذه المنهجية للخروج من واقعها المأساوي ؟ الأيام القليلة القادمة هي من سيجيب عن ذلك؟؟