جاوز الظالمون المدى

[امير الصعاليك]

احمد علي عولقي
[[SIZE="6"]جاوز الظالمون المدى...[/SIZE]
متى استعبد تم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا...عمر ابن الخطاب-
أخـي جـاوز الظـالـمـون الـمدى ....... الشاعر علي محمود طه
هذه المأثورات تدعوا الشعوب إلى رفض الظلم والاستبداد وتدعوا الى النضال والكفاح ضد الطغاة والحاشية الفاسدة ومن يدعمهم من المنافقين الوصوليين والانتهازيين الذين لا يرون إلا أنفسهم ولا يسمعون إلا أصواتهم ولا يطلبون إلا مصالحهم الذاتية 0
إذا الشعب يوما أراد الحياة .... الشاعر التونسي أبو القاسم ألشابي
هذه القصيدة الرائعة حفظتها الأجيال.. جيل بعد جيل تعلموها من الآباء والأجداد ويعلمونها الأبناء والأحفاد 0 بعد أكثر من سبعين عام من رحيل الشاعر التونسي هب الشعب التونسي العظيم يهتف بأعلى صوته : نحن على العهد والوفاء أبو القاسم ألشابي .. ثار الشعب التونسي العظيم بثورة شعبية مجيدة ضد الظلم والاستبداد والطغيان 0 أعلن الشعب التونسي لشعوب العالم بان الأمة العربية لا زالت بخير وأنها أمة اسود كاسرة وأنها لا بد أن تنقض على الثعالب الخاسرة .. فقد كانت امتنا هي الأمة الأولى بين الأمم لعدة قرون وحضارتنا هي السائدة والمتقدمة على الأمم - فليس من العقل ولا المنطق ان امتنا التي كانت تسود الأمم وكانت الرائدة والقائدة .. أن تحكمها قيادات انهزامية متخلفة أسود على شعوبها تذيق شعوبها الويلات والقهر والاستبداد - الا يحق لنا أن نواكب التطورات الهائلة المتتابعة التي يشهدها العالم من الثورات التكنولوجية والالكترونية والبيولوجية والفضائية والمعلوماتية وغيرها 0الحقيقة الناصعة انه لا يمكن للأمة العربية أن تخرج من الزقاق المظلم التي هي قابعة فيه وان تنهض وتواكب التطورات في ظل هذه الأنظمة التي تحكمها وتتحكم بمصيرها .. في ظل هذه الأجواء اصبح مستقبل الأمة أمر يشغل بال الشعوب العربية وعلى وجه الخصوص الأجيال التي وجدت نفسها مكبلة في ظل أجواء ملبدة بالغيوم ووسط إحباطات مكثفة وقنوط 0 لا احد يستطيع أن ينكران معظم الحكام العرب أن لم يكونوا كلهم يقدمون ولاءاتهم وطاعاتهم لأعداء ألأمهم - ولا احد يستطيع ان ينكر ان الأمة تعيش حالة تبعية في كل مجالات الحياة استعمار من نوع آخر يختلف عن الاستعمار التقليدي ففي السياسة تملأ عليهم الأوامر في ما يعملون ومالا يعملون وفي ما يقولون وما لا يقولون حتى الإغاثة لا يستطيع إغاثة أخواننا الفلسطينيين بالخبز والدواء والمساعدات الإنسانية وهم يكابدون الجوع والفقر والمرض والبرد والاضطهاد والظلم بكل أنواعه .. مساكنهم وممتلكاتهم تهدم جهارا نهارا وولاة أمورنا لا يتحرك لهم طرف ولا تأنيب ضمير، ينامون ملئ أعينهم ، وتمتلئ كروشهم بما لذا وطاب وكان الأمر لا يعنيهم ، ومأساة الشعب الفلسطيني لا تهز مشاعرهم ولا تحرك ضمائرهم .. الأمة تعيش واقعا مأساويا و مليء بالضعف والذلة والتفرقة رغم كثرة أعدادها وامتداد رقعت مساحتها وكثرة ثرواتها ومدخراتها بما يؤهلها للاكتفاء الذاتي والزيادة . إلا أنها أضعف الأمم وقلها شأناً ..أهم أسباب هذه الحالة المزرية التي تعانيها الأمة يعود إلى أنظمتها الاستبدادية التي عاثت في البلاد الفساد فأهلكت العباد .. أصبح المواطن العربي بما فيهم البسطاء يدركون ان مأساة الشعوب العربية تكمن في قياداتها يفتقدون إلى أهم مقومات القيادة ، فليس لديهم أفكار إستراتيجية لمواكبة التطورات - فالأنظمة العربية تستجدي إنتاج الآخرين ومهما بلغ السباق في البنيان والعمران فهي تظل أسيرة ومستعمرة لشروط وأهواء الدول المنتجة .. كل ما تحتاجه شعوبهم يستوردونه من الخارج . بينما نجد دول فقيرة كالهند وماليزيا وغيرهم استطاعوا ان يجعلوا من بلدانهم دول مؤسسات والعمل التطوري لا يتأثر برحيل رئيس ومجيء رئيس آخر0 الحاكم العربي أولى مهماته تثبيت نظامه وغربلت الأجهزة العسكرية لحمايته0 في ظل هذه الأوضاع المأساوية أصبحت أكثر الشعوب العربية كالقنبلة الموقوتة تنتظر من يشعل فتيلها والثورة التونسية اكبر دليل على ذلك هذه الثورة التونسية الشامخة ما هي إلا نموذج وباكورة لثورات تتبعها ..وسوف تسقط أصنام الطغيان واحد تلو الآخر وتبقى الشعوب صامدة كالجبال الراسية0
الشعب التونسي العظيم أعطى الشعوب العربية درسا رائعا في قمة الروعة في الفداء والإخلاص جعلها ثورة شعبية..ثورة جماهيرية لم ينتظر جنرال يقود زمرة من العساكر أو دكتاتور غاشم مقامر يقوم بانقلاب على حاكم مستبد ليحل محله ..وهنا تكمن مأساة امتنا العربية والإسلامية0 هذه الأمة التي أصبحت كالكرة يتداولها الصبيان فلا تكاد الأمة تتخلص من طاغية إلا وجاء بعده طاغية آخر أسواء من الذي قبله. هؤلاء الطغاة لا يهمهم إلا الحفاظ على عروشهم ..لا يريدون مجدا للأمة ولا قوة ولا عزيمة ولا تقدم ولا إرادة , يبددون ثروات بلدانهم تبعا لأهوائهم وشهواتهم , حتى أصبحت الأمة أمة مستضعفة تطلب النصر وتستجديه من أعدائها.. من حقائق تجارب التاريخ أن الأقوياء يسودون .. والضعفاء يدفعون ضريبة ضعفهم يتقوقعون في واقعهم المرير المزري وان القوي يفرض إرادته على الضعيف في معركة الحياة المستمرة0 وتجارب التاريخ دائما هي عبرة وعظة ودروس . وصراعنا مع إسرائيل نموذج لواقعنا المهان والمذل سلسلة من التنازلات المتواترة واحده بعد الأخرى نقدمها لإسرائيل بخضوع وخنوع وهي تزداد عتوا وتكبرا وتجبرا ، اليوم ترفض ما كانت تعرضه لنا بالأمس وتقوم بأبشع الجرائم قتل النساء والأطفال والشيوخ .. والرد العربي مجرد زعيق ونعيق أدمنته إسرائيل وصارت تطرب لسماعه0 ثورة تونس دقت ناقوس الخطر في وجه إسرائيل ومن يناصرها من أعداء الأمة وبان الشعوب العربية بدأت تستفيق من سباتها وتستيقظ من غفلتها وإنها مقبله على عصر جديد 0
الشعب التونسي العظيم اثبت للأمة العربية بصفة خاصة وللعالم أنهم فرساناً أشداء قاموا بثورتهم وهم مسلحين بعقيدة وفكر ومبادئ ملكة على أفئدتهم فأنتجت وأثمرت وأعطت أحسن العطاء .. هؤلاء الأبطال حملوا رؤوسهم بين أيديهم وقدموها فداء لأوطانهم حملوها وهم يؤمنون بان الحرية لا تأتي بالأماني والتمني وإنما بالنضال وتقديم الشهداء وهكذا رووا بدمائهم الطاهرة الزكية تراب تونس الخضراء ، شباب جعلوا أنفسهم شموعا تضيء الطريق للحرية والكرامة.. ان هذه الثورة الجماهيرية الأبية ستظل باقية ترفد فكر الأجيال العربية المتتابعة وتحثهم على مواصلة الكفاح والنضال دون كلل أو ملل ولا تراجع في مواجهة الطغيان والاستبداد في كل زمان وكل مكان0 هل تفيق الشعوب المضطهدة وتجعل من ثورة تونس قدوة وتحذو حذوها أم أن هذه الشعوب استحلت المهانة والاستعباد وفضلت الذل على العزة والكرامة وارتضت لنفسها العبودية وان يتحكم بمصيرها دكتاتور ظالم وزمرة غاشمة من الوصوليين والمستفيدين والفاسدين والمفسدين .. ان هذه الثورة ليست فخرا لتونس فقط أنها رمز ثورة عربية شاملة تفتخر بها الأمة العربية بأسرها من المحيط إلى الخليج . وكم أتمنى الحفاظ على مكاسب هذا الانجاز الوطني الكبير وعدم إفراغ هذه الثورة من مضمونها الحقيقي وهدفها الوطني النبيل .. وأقول هذا القول بعد ان وجدت في السلطة الانتقالية ركائز من النظام الاستبدادي السابق ,,هؤلاء في واقع الأمر أنهم شركاء في كل أفعال وأعمال وجرائم النظام السابق 0 وأول شركاء النظام السابق هو حزب النظام الحاكم فمن خلال هذا الحزب استمد الطاغية قوته وهيمنته وتضليل الناس بالشرعية وتزييف الديمقراطية وانه حاكم شرعي وصل للحكم عبر انتخابات نزيهة انتخبه الشعب التونسي يقف وراءه ويدعمه الحزب الحاكم .. فهؤلاء وان كانوا قليلين فهم خطر كبير على أهداف الثورة وإجهاضها فلهم ذيول منتشرة في كافة أجهزة الدولة.. بمعنى أنهم خلال الفترة الانتقالية يستطيعون تسوية أمورهم تثبيت أنفسهم من جديد. حتى وان قاموا بتحالفات فهي لا تأثر عليهم مستقبلاً .. ثورة الشعب التونسي كشفت كذب الحاكم وحزبه ومن يسانده أنهم كذابين مزورين شركاء في كل ما جرى للبلاد والعباد .. هذه الثورة الشعبية أثبتت بالدليل القاطع أن الشعب لم ينتخبهم وان انتخاباتهم مزورة مثلهم مثل غيرهم من الحكام الآخرين الذين أعطوا أنفسهم الحق في استعباد العباد مدى الحياة وأوصوا بهذه التركة !! تنتقل لأولادهم من بعدهم 0
وإذا لم يحافظ الشعب التونسي على ثورته سوف يقع في لعبة بورقيبة وزين العابدين بن علي ( وكأنك يا بوزيد ما غزيت ) وليس من شك ان الشعوب العربية كانت تغط في سبات عميق منذ زمن طويل وان ثورة تونس جعلت الشعوب العربية تستفيق من غفلتها وتستيقظ من سباتها وتهب كالأسود الكاسرة تطالب بحريتها وكرامتها وهي تردد قصيدة علي محمود طه
أخي،

جاوز الظالمون المـدى ** فحقَّ الجهادُ، وحقَّ الفـِدا
أنتركهُمْ يغصبونَ العُروبــةَ ** مجد الأبوَّةِ والســـؤددا ؟
وليسوا بِغَيْرِ صليلِ السيـوفِ ** يُجيبونَ صوتًا لنا أو صدى
فجرِّدْ حسامَكَ من غمــدِهِ ** فليس لهُ، بعدُ، أن يُغمـدا
أخي، أيهـــا العربيُّ الأبيُّ ** أرى اليوم موعدنا لا ألغدا ...

احمد علي عولقي .. / كندا [email protected]

منقول