ما بين البيض وعلي ناصر .. مع إنطلاقة ماراثون حوارات القاهرة

[عبدالله البلعسي]

بقلم : ابوحضرموت الكثيري

كلنا يتذكر حاجز الصمت الذي خيم على الساحة الجنوبية في أعقاب الحرب والإجتياح اليمني على الأراضي الجنوبية في العام 94 م ذلك الحاجز الذي لم يكن يُخدش الا ببعض من التصريحات الصادره عن الرئيس علي ناصر محمد ومحمد حيدرة مسدوس ومظاهرات حسن باعوم في الوقت الذي كان البعض قد أستسلموا للهزيمة ومنهم من آثروا الإنزواء والبعض الآخر كانوا يتهافتون على الإقتسام لبعض الفتات مع نظام الإحتلال اليمني ، وأما الرئيس علي سالم البيض فقد أعلن إعتزالة عن السياسة بعد مغادرته للأراضي الجنوبية الى منفاه بسلطنة عمان الشقيقة التي ظل فيها ملازماً للصمت والإعتكاف ذلك الصمت الذي كان يصفه البعض حينها بـ (الصمت المريب ) وكثيرا ماكانت تطاله أصوات الشجب والأقلام بالتهجم والتخوين ،
حتى جاء الوقت المناسب وخرج الرئيس علي سالم البيض عن صمته معتلياً صهوة جواده في قيادة وتمثيل الثورة الجنوبية المباركة رافعاً راية التحرير وفك الإرتباط عن تلك الوحدة المغدورة ، وكلنا يعرف أن خروج الرئيس علي سالم البيض عن صمته وعودته الى الواجهة تكمن أهميتها إقليمياً ودولياً أكثر منها محلياً وذلك بحكم انه كان آخر رئيس لدولة الجنوب ولكونه هو من مثل عن الجنوب في التوقيع على إتفاقيات الوحدة ولاتزال هناك بعض الإمكانية لدى المجتمع الدولي لإعتباره يحمل الصفة التمثيلية لدولة الجنوب المحتلة ، ويمكن مع ماتبقى له من هذه الصفة قبولة ممثلاً شرعياً للثورة الجنوبية المباركة ولسوف تتعاظم أهمية هذه الصفة الشرعية للرئيس علي سالم البيض عندما تستعيد القضية الجنوبية حضورها الرسمي المنشود على المستوى الدولي .
أما جل الأهمية التي تحملها عودة الرئيس علي ناصر محمد الى الواجهة تكمن بشكل أساسي فيما لها من مكانة وقيمة جماهيرية عريضة على مستوى الداخل الجنوبي وهذه القيمة كثيراً ما يحرص الرئيس علي ناصر محمد على أن لايحرم الجنوب من زخمها وفي حرصة الدؤوب على إعلان مباركته للحراك الجنوبي بل وشجبه وتنديدة لما تقوم به سلطان الإحتلال من قمع وإعتقال وتنكيل في مواجهة فعاليات الحراك الجنوبي ، وحتى من من قبل الإنفجار الجماهيري فيما يُعرف بثورة الحراك الجنوبية كان يبدو على الرئيس علي ناصر محمد حرصه وإلتزامه على تسليط الضوء الى القضية الجنوبية ويحذر من مغبة التعالي عليها وإغفال المقتضيات اللازمة لمعالجتها ، كما كان الرئيس علي ناصر محمد في مقدمة من نادوا ودعوا للتصالح والتسامح ، كما كان يشجع ويبارك إنضمام أنصاره والمواليين له الى الحراك والخروج الميداني للمساهمة في إشعال زخم الثورة الجنوبية حتى كان الكثير من القادة الميدانيين ممن يُحسبون عليه ، في وقت كان ذلك بمثابة التعويض عن غياب التشكيل التنظيمي الذي خلفة تخلي الحزب الإشتراكي عن مهامه ومسؤلياته تجاه الجنوب حتى أن الجميع كان يجزُم على ان من يقف وراء الحراك الجنوبي ويوجهه هوالرئيس علي ناصر محمد ، بمعنى أن القضية الجنوبية كانت ولاتزال مبلغ شغله وهمه قلباً وقالباً ولم يكن يغفل او يتوانى في الدفاع عن شرعيتها في حراكها السلمي وفي عدالة مطالبها وخياراتها هذا وإن لم يكن يُعلن صراحة عن تبنيها وتبني أي سقف لها او الأعتراض عليه .
وفي خضم تعالي الأصوات بالقيل والقال حول إنطلاقة ماراثون جديد للحوار تداولت بعض المصادر الإعلامية أنباء عنه وتحدثت عن إنعقاد لقاء غير معلن في العاصمة المصرية القاهرة بتاريخ 13 يونيو 2010 م ضم عدد من قيادات اللقاء المشترك (تكتل أحزاب المعارضة اليمنية) مع عدد من الشخصيات الجنوبية في مقدمتها الرئيس علي ناصر محمد و الاستاذ محمد علي احمد و الصحفي لطفي شطارة ، تلك الأنباء التي أنبرت معها العديد من الاقلام الجنوبية رافعة من نبرة الهجوم والتخوين ضد الشخصيات الجنوبية التي حضرت ووقعت على إتفاق (زُعم بإبرامه خلال اللقاء) الذي سُرب محضره المزعوم في بعض المواقع الجنوبية وصراحة وان كنا غير ملمين بمدى مصداقية ماتم تسريبه من تلك الأنباء غير إن المحضر المسرب لاينم عما يستدعي كل هذه الحملات الشعواء من التهجم والتخوين والتعجرف بحق هذه الشخصيات الجنوبية والتي لم يكن إتفاقها مع قيادات أحزاب المشترك (المعارضة اليمنية) غير مجرد إتفاق على الحوار او بالأحرى (إتفاق على التنسيق للحوار ) ، كما وأشارت صحيفة الوسط إلى إن مصادر خاصة أكدت لها إن معارضة الخارج اي (الشخصيات الجنوبية) اشترطت أن يكون الحوار بدون سقف لكي تشارك فيه .
وطالما وان الامر لم يكن يعدو عن كونه مجرد إتفاق على تنسيق لحوار لا يستثني احد ومن دون أي سقف معين وهذه هي الأصول المتعارف عليها في الحوار والتفاوض في عالم السياسية وقضاياها المختلفة .. فما الداعي إذن للتهجم والتخوين ؟! لاسيما وانه لا يوجد مجال بعد للإشتراط بأن يكون الحوار تحت سقف فك الارتباط تماما كما ليس لدى اليمنيين مجالا لأن يفرضوا على الجنوب أي حوار تحت سقف الوحدة اليمنية حسبما كان يتشرط الرئيس صالح ، وهذه مسألة لاجدال فيها اذ لن يُقبل حوار مشروط السقف من اي طرف الا في حالة أن يكون الطرف الآخر مهزوما وحينها لن يكون حوار بقدر ما سيكون لقاء لمناقشة وضع المخارج التي تضمن سلامة الإنسحاب للمهزوم وبما يحفظ للمنتصر حقوقه وأعتقد اننا لم نصل بعد الى هذه المرحله ، هذا علاوة على ان تكتل المشترك لم يكن الا مجرد تكتل معارض ولايمثل النظام اليمني ، كما ان الشخصيات الجنوبية لم تشارك في تلك الحوارات منتحلة للصفه الشرعية في تمثيل الجنوب بل بصفتها شخصيات جنوبية فاعلة تاريخيا ولم تدعي يوما ما بأي صفه شرعية في تمثيل الجنوب بل كانت وعلى الدوام تنادي بضرورة الإقرار والإمتثال لمطالب الحراك الجنوبي ولم يُسجل عنها أي قدح أو ذم في قياداته الشرعية أوالميدانية ، بل التبجيل والإشاده بتلك القيادات .
لاسيما من قبل الرئيس علي ناصر محمد الذي لم يكن يسعى الى قيادة الحراك الجنوبي ولم يكن يدعي يوما اي صفة شرعية في تمثيله غير أنه يبدو مُلتزما في توفير مكانته التاريخية لإستخدامها كلما أمكن له في رجع الصدى للجماهير الجنوبية الثائرة والرفع من صوتها الى الأروقة الدولية ومنها مالم يتسنى بعد للرئيس علي سالم البيض مجالاً للمثول أمامها لكون القضية الجنوبية لم تتمكن بعد من إستعادة حضورها والإعتراف الرسمي بها ، كما ان بعض الأروقه الدولية لاسيما الأقليمية قد تجد حرجاً في إستقباله اي الرئيس علي سالم البيض وهو الحامل للصفه الشرعية لتمثيل الجنوب والسقف المحسوم المتمثل بفك الإرتباط فيما لن تجد أي حرج في إستقبال الرئيس علي ناصر محمد وهكذا هي طبيعة العلاقات الدولية عادة ماتكون مكبلة بالبروتوكولات السياسية والأعراف الدبلوماسية المحكومة بالمصالح المتبادله ، كما ان الأروقه الدولية الساعية للوساطات بما تحملة من المبادرات والتسويات الحوارية في شأن القضية الجنوبية غالباً ما ستجد في ناصر وجهتها كونه لم يجزم أمره بعد في مسألة السقف وهذا هو تكتيكه وسبيله وهو الإحتفاظ بوجهة أخرى للترحيب بهذه الوساطات الدولية الداعية للحوار تماما مثلما يحتفظ النظام اليمني بتكتل المشترك ككرت آخر يستخدمة في إدعاء وتصنع الصورة الحضارية في إستعداده للحوار أمام تلك المبادرات والمساعي الدولية ، وختاماً دعونا نتساءل عما يمكن أن تضيفه مسألة إعلان الرئيس علي ناصر محمد وتبنية صراحة الدعوة الى فك الإرتباط ؟؟