الثورة الجنوبية .... ازمة التنظيم و القيادة والمال والإعلام

[يافعي حضرمي]

الثورة الجنوبية .... ازمة التنظيم و القيادة والمال والإعلام
بقلم : ماهر باوزير

منذ ان شهدت حضرموت خروج أول المظاهرات وبشكل معلن في عام 1997 م أعلنت حضرموت انطلاق ثورتها الجنوبية ضد نظام الأحتلال اليمني، وكانت تلك الانطلاقة ذات خلفية الهوياتية و تمثل صراع الانا و الآخر ،ولم تكن مطلبية قط الا بعد ان انتقلت الفكرة إلى مناطق اخرى وظهرت الكثير من الاطروحات الغير فكرية مما ادى ان تتحول من مطلب الحفاظ على الهوية إلى مطلبية حقوقية، ومن هنا كانت الإشكالية الحقيقية للثورة ، بحيث تراجعت الأفكار التي كانت تطرح قضية الهوية الجنوبية في كثير من الملتقيات والمنتديات الثقافية في العاصمة عدن قبيل انطلاق الثورة الجنوبية ، بحيث توقف هذا الارهاص الفكري و تقدم الثوار و المناضلون، وتراجع دور المثقفين ، واستمر الخلل في بقية مدن الجنوب حيث تقدم الصفوف اشخاص اغلبهم من العسكر ومن يطلقون على أنفسهم كبار المناضلين , رافق ذلك زخم شعبي جنوبي شعبي عفوي غير منظم ولا مخطط ، وسقط الشهيد تلو الشهيد والجريح تلو الجريح ورافق ذلك حملات اعتقالات واسعة لم يسلم منها لا طفل ولا شيخ من أبناء الجنوب ، لم يثني عزيمة وإصرار الجنوبيين عن الخروج للشوارع واستقبال الرصاص الحي بصدورهم العارية ، وكان لهذه الصورة الأثر البالغ في ارتفاع واتساع رقعة المنادين بطرد الأحتلال اليمني .
وفي عام 2009 م ومع ظهور بعض السياسيين الجنوبيين على مسرح الأحداث وركوبهم صهوة جواد الثورة الجنوبية التي كانت قبلا تسير في الإتجاه الصحيح ، إلا ان ظهور هؤلاء كان المعوق الحقيقي في ان تحقق الثورة مطالبها التي تنادي بها ، و كان ظهور ما يسمى مجلس قيادة الثورة وفي تركيبته التي ظهر بها مؤشرا على وجود عملية اختراق كبيرة في صفوف الثوار، وعندها ظهر المال بشكل واضح في فعالية 14 أكتوبر 2009 م و حتى 14 أكتوبر 2011 م ،و هذه الفترة هي فترة تدمير الحراك من الداخل عبر المال، ومن خلاله تراجعت مكونات وتقدمت اخرى ، و اصبح كل عمل وطني لا يقوم الا بوجود ميزانية مالية تصرف من قبل اشخاص وأسماء بعينها من قبل جهات التمويل لتلك الميزانيات التي لم يسأل عن مصدرها الكثير من أبناء الجنوب وماهو الهدف من تحول الثورة الجنوبية الشعبية إلى ثورة اشخاص ارتبط حضورهم وتبنيهم للفعاليات هو السبيل لانجاحها من خلال الحشود التي يتم استقدامها من مديريات أخرى إلى مكان إقامة الفعالية ، وهذا بالتأكيد يتطلب اموال كبيرة لعمليات النقل وغيرها من المتطلبات .
لقد كانت تلك الفعاليات التي تقام في بعض المدن ومن قبل بعض المكونات والأشخاص مرتبطة عضويا بالصوت الإعلامي التلفزيوني الوحيد قناة عدن لايف ، التي تحولت في الفترة الاخيرة من قناة للثورة الجنوبية إلى قناة للثورة على بعض الجنوبيين، واعطى القائمون عليها لانفسهم حقا ليس لهم ،وهو ان يوزعوا الاتهامات الخطيرة و يصدروا احكاما تقييمية و يشنوا حروبا اعلامية في غاية السذاجة و مقززة على الأشخاص و الافكار، وبالنتيجة اصبحت القناة طرف سياسي ضد اطراف سياسية اخرى ،وبهذا حادت القناة عن مهمتها الوطنية التي انشئت من أجلها .، و تحولت الى عامل تشتيت و تفريق للصف الجنوبي داخليا و خارجيا .
ان ما تشهده القضية الجنوبية اليوم من ضعف و خلل في القيادات، يشكل منعطفا خطيرا في ظل تزاحم الاجندات الخارجية ، الذي يتم وفق تنظيم و ترتيب ممنهج و مدروس ، تحاول جاهدة اقتلاع القضية الجنوبية من جذورها ، يقابل ذلك تفكك و تشردم و استسلام لدى الحراك الجنوبي الذي لم يشتغل على الجوانب التنظيمية حتى اللحظة , و مع ذلك فان الشارع الجنوبي قد حدد خياراته من خلال الخروج الشعبي الكبير الى ساحات النضال السلمي ، و خاصة في عدن و سيئون و المكلا ، في ذكرى الاستقلال الاخيرة ، و سحب البساط من تحت اقدام شيوخ الحراك ، و منعهم من اعتلاء المنصات من قبل شباب عدن خاصة ، و مع ذلك لم يفهم بعض ساسة الجنوب هذه الرسالة كما يجب ، لانهم مثقلون بعقلية الاطراف ، و لا يعيرون التفاتا الى المركز ، خاصة عدن و حضرموت ، و ما فشل لقاء بيروت الا مؤشرا على الهوة الحقيقية الفاصلة بين الفكرين ، فكر الساسة و فكر الشارع الجنوبي الذي يتقدم كثرا على القواعد الفكرية الثابتة لدى الساسة ، بدليل انهم ركبوا صهوة جواد الحراك الجنوبي ، فكانت تلك هي الكبوة التي اصابت الحراك بما يعانيه اليوم .
ان دور الإعلام بالغ الأهمية ان احسن من يمتلكه في ايصال الرسالة الوطنية الجنوبية كما يجب بعيدا عن خلافات الساسة واجترارهم لخلافات الماضي واسقاطها على الثورة الجنوبية من خلال ما ستشهده الفترة القريبة القادمة من انطلاق قنوات فضائية جنوبية وربما يزيد العدد مع الأيام ودخول اجندات أخرى على خط الصراع على الجنوب .
ان المحصلة النهائية ، التي نراها تتصدر المشهد النضالي الجنوبي ، هي ان القضبة الجنوبية اليوم ، في حاجة ماسة و سريعة ، الى رافع قوي و واضح ، ينتشلها من واقعها المأزوم بما فيه الكفاية ، و يجعلها تقف بصلابة و قوة و كفاءة و حيوية ، ليس فقط في التصدي للأجندات الاحتلالية الجديدة التي تمارسها حكومة الأحتلال المشترك والدول الخارجية فحسب , بل وفي الأساس تتناسب مع حجمها كقضية وطن محتل و شعب مضطهد مقهور ، و حجم التضحيات الكبيرة و العزيزة و الغالية التي قدمها شعبنا الجنوبي العظيم ، في مسيرته النضالية نحو التحرر و استعادة الهوية و الوطن الجنوبي و طرد الاحتلال .