«ويكيليكس» وعجائز الفريج

[ابوالعرب]

«ويكيليكس» وعجائز الفريج
عدد القراء: 201 سعيد حارب
2010-12-27
مثلما تفعل عجائز الفريج «الحي» وقت الضحى في بيت إحداهن أو في «العاير» (طرف الفريج) عند العصر، حين يجلسن يحتسين القهوة ويمارسن هوايتهن في «النميمة» فيتحدثن عن أم عبود التي طلقها زوجها وتزوج عليها، أو أم سلوم التي شتمت جارتها بسبب شجار بينهما، أو سائق بيت أم حمود الذي «نط» على خادمة أم علوي، وطلبوا له الشرطة!!، هكذا رسم لنا موقع «ويكيليكس» حال السياسيين في العالم، من خلال التقارير التي كتبها الدبلوماسيون الأميركيون عن ساسة العالم وزعمائه، ولولا هذا الموقع لما عرفنا ما يدور في الغرف المغلقة، فنحن لا نشاهد على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد إلا الابتسامات التي يرسمها السياسيون على وجوههم وهم يتصافحون أمام العدسات؛ ليقنعونا بأنهم متفقون على صنع مستقبل أفضل لشعوبهم وباقي البشر، فاكتشفنا أن ما يدور في الغرف ليس إلا «نميمة» سياسية كـ «نميمة» العجائز، لكنها أخطر؛ لأنها تقرر مصائر شعوب ودول، فتزهق أرواح وتقوم حروب ويتم احتلال دول بسبب ما يدور في هذه الغرف المغلقة، فقد كشفت لنا وثائق «ويكيليكس» كيف تحاك المؤامرات وتصنع الدسائس، فهذا الزعيم يحرض دولة كبرى على احتلال بلد شقيق، دون تقدير لدماء الأبرياء التي ستزهق بهذا الاحتلال، وإن ما كان يقوله من خطابات التضامن والدعوة لالتزام الحذر إنما هي دعوة للاحتلال والهيمنة، كما اكتشفنا أن الشعوب ليست وحدها التي تتآمر على زعمائها بل بعض الزعماء يتآمرون على شعوبهم، ويحرضون القوى الكبرى عليها؛ لأنهم «سئموا» من هذه الشعوب «الناكرة للجميل» وهم الذين يطعمونها و «يسمنونها» وينفقون عليها من «مالهم» الذي رزقهم الله إياه!!، ثم تأتي بعد ذلك لتطالب بما تسميه حقوقها، ولذا فهي لا تستحق كل هذا النعيم!!.
واكتشفنا من خلال الوثائق أن كثيراً من دعوات «الطهر» الديني أو الثوري، ليست إلا دعوات لستر العورات السياسية والأخلاقية لكثير من ساسة الدنيا، فالدين والثورة والتحرير والقيم مطية للوصول إلى الغايات، فإذا تحققت الأهداف كان الشعار كما قيل قديما: «اليوم خمر وغداً أمر»! فتقام الحفلات التي وصفتها التقارير بـ «الماجنة» والتي لم يتردد أصحابها في استغلال الأطفال لأفعال منافية لأي خلق أو قانون في بلد يقبع تحت الاحتلال، ومع ذلك يقيم المحتلون والسياسيون في تلك الدولة بهذه الحفلات من أجل تسلية «الضيوف»، وكل همهم ألا تنشر الصحف خبرا عن تلك الحفلات، ومثل هذا يتكرر في أكثر من بلد.
وكشفت لنا وثائق «ويكيليكس» أن بعض الساسة لم يضعوا %99 من الأوراق في يد أميركا - كما قال أحدهم قديما - بل إن أميركا تملك الأوراق والمصائر، فإذا وقع لأحدهم «أمر» هرول إلى حضن «ماما» أميركا وارتمى في حضنها مثلما يرتمي طفل صغير في حضن أمه ليبثها «لواعج» شكواه من أخيه الذي أخذ لعبته، أو ابن الجيران الذي ضربه على خده، أو يطلب منها دولاراً حتى يشتري بعض الحلوى! فيهرول بعض الساسة إلى أميركا يطلب منها الدعم والعون والمال كلما حلت به مشكلة، بل يشتكون إليها من شعوبهم، حتى ملت «ماما» أميركا من شكوى بعضهم ولم يتردد سياسيوها الذين كتبوا تلك الوثائق من وصف بعض الزعماء بأوصاف لا يطلقها سيد على عبده!، فكيف بمن تصفهم في بياناتها الرسمية بالحلفاء والأصدقاء؟!، ومثلما تفعل عجائز «الفريج» كان السياسيون الأميركيون يكتبون تقارير عن قادة العالم، فهذا السياسي فاسد، وذلك زير نساء، والثالث مصاب بعقدة العظمة والغرور، والرابع ضعيف ومتخاذل، والخامس يمكن شراؤه، وهكذا تم تصنيف زعماء العالم، في أكبر «نميمة» سياسية عرفها التاريخ، تتضاءل أمامها «نميمة» العجائز!.
وكشفت لنا تلك الوثائق أن ما نسمعه من مواقف بعض الساسة العرب بشأن إسرائيل ليس إلا «ضحكا على الذقون»، فما يقال أمام الميكروفونات والشاشات يخالف ما يقال في الغرف المغلقة، وإن البعض قد أقام اتصالات معها «من تحت الطاولة» أقوى وأمتن ممن أقام معها علاقات رسمية، وإن التصريحات والتنديدات التي يطلقونها تجاه إسرائيل ليست إلا للاستهلاك المحلي.
وكشفت لنا الوثائق أن الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية شعارات نبيلة لوصول البعض إلى كراسي المجالس والبرلمانات، فإذا أوصلت غيرهم، فهي أفكار دخيلة وخطر يهدد وحدة المجتمع ويمنع تقدمه، وكشفت وثائق «ويكيليكيس» أننا نتحدث في وسائل إعلامنا عن فضائح الدنيا ومشكلاتها، فمراسلونا ومكاتبنا وأقمارنا الصناعية مسخرة لمتابعة كل خبر في أطراف الدنيا، فهي «كاميرات» تصور و «ميكروفونات» تلتقط وتسجل، لكنها تصاب بالعمى والصمم عن عيوبنا ومشكلاتنا، لنكتشف بعد ذلك أننا الوحيدون الذين لا نعلم أو لا نريد أن نعلم عن «فضائحنا» ومشكلاتنا شيئا، بينما يسجل العالم بوسائل إعلامه وتقارير دبلوماسييه كل ذلك عنا، ونجده على صفحات الصحف، أو مبوبا وفق كل دولة كما فعل موقع «ويكيليكس» الذي زاد من «فضحه» لنا حين صدرت النسخة العربية من الموقع، وكأنهم يقولون لنا: لا عذر لكم بعد اليوم إن لم تعرفوا واقعكم.

❍ كاتب من الإمارات