تحليل للوضع الراهن نقلا عن صحيقة البيان الاماراتية

[alantr]

اغتيال اليمن.. السعيد
بقلم :باسل أبوحمدة



مرد ترنح عنوان هذه المقالة بين وصف اليمن بالسعيد من عدمه يأتي من حقيقة مفادها أن اليمنيين على مختلف مشاربهم هم أناس سعداء بفطرتهم السليمة ونمط حياتهم اليومي على الرغم من سائر المآسي التي تعصف ببلدهم من كل حدب وصوب ليس منذ استقلال الشطر الجنوبي من البلاد عن المستعمر البريطاني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967 فحسب.


وإنما منذ قيام الجيش اليمني في عام 1962 بالإطاحة بنظام الإمامة الرجعي، الأمر الذي أعقبه حرب أهلية أو مجموعة من الحروب الأهلية طويلة الأجل تغذت على تدخل الجيش المصري على نطاق واسع لصالح الجمهوريين ومساعدة الشقيق الأكبر في الشمال للملكيين وانتهت عام 1970 باتفاق بين القاهرة والرياض. كما شهدت الفترة اللاحقة حالة من انعدام الاستقرار وحرب أهلية أخرى قادتها الحركة اليسارية المعارضة المدعومة من عدن، فضلا عن حرب أهلية دامية اندلعت عام 1979 بين شطري الوطن.


وعلى الرغم من إعلان الوحدة بين شمال البلاد المحافظ وجنوبها الاشتراكي في 22 مايو 1990، بعد حرب أهلية دامية أخرى، إلا أن هذا الحدث التاريخي أثار الكثير من التوتر، على ضوء الشعور بالتهميش الذي ساد بين أوساط قيادات وكوادر وقواعد الحزب الاشتراكي لاسيما وأن العديد من كوادره تعرضوا للاغتيال.


فوقع انشقاق تدخل على إثره جيش الشمال بغية استعادة الجنوب، الذي تلقى دعما سعوديا في مفارقة تاريخية عز نظيرها وتوج ذلك التدخل بدخول قوات اليمن الشمالي مدينة عدن. تاريخ اليمن حافل بالتقلبات وإرهاصات الوحدة وشياطين الانقسام، أما المعاناة فهي الخيط الوحيد الناظم لكل تلك التقلبات السياسية، خيط مضرج بدماء أبناء اليمن الطيبين الذين إن أحبو أعطوا مآقي عيونهم وإن كرهوا فالويل لأعدائهم.


ولنا في مشاركتهم الفعالة جنبا إلى جنب مع أشقائهم الفلسطينيين في مسيرة الكفاح ضد العدوان الصهيوني مثل يحتذى قل نظيره في أي من تجارب حركات التحرر العالمية كافة. ربما ما يميز التجربة السياسية في اليمن والمراحل التي مرت بها عملية تشكل الهوية الجغرافية والوطنية هناك هو ذلك الطيف الواسع والمتنوع حد التناقض من دوافع نشوب الصراعات.


إلى درجة يصبح من المشروع معها طرح مجموعة من الأسئلة حول طبيعة تلك الصراعات وهل ما يدور في اليمن هو حرب أهلية طائفية أم قبلية أم سياسية أم جهوية؟ أم أنها كل ذلك معا؟ ثم ما الدور الذي تلعبه «الحرب ضد الإرهاب» التي رفعت رايتها الولايات المتحدة تحت ذريعة الرد على الهجوم الذي تعرضت له في 11 سبتمبر 2001 في تأجيج تلك الصراعات؟


وهل بات اليمن يقف أمام النموذج الشهير لتطبيق الديمقراطية على الطراز الأميركي في العراق؟ ذلك النموذج الذي يتبجح مبتكروه بلا حياء بأنه يقوم على تعميم مبدأ «الفوضى الخلاقة» المدمر، الذي ما أن يتغلل بين جنبات مجتمع حتى يتحول إلى ممارسة يومية لا فكاك منها تغذيها كل القوى الشريرة في الأرض. لا ندري مدى صوابية بعض التقديرات الدولية التي تصف ما يجري في اليمن على أنه حالة دولة فاشلة وغير مستقرة وآيلة إلى السقوط في وحل سلسلة من الحروب الأهلية المتتالية.


في حين وضعت تقارير دولية أخرى اليمن ضمن قائمة الدول المرشحة للتفكك والانهيار على وقع مجموعة من الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن ذلك كله يصبح معقولا وقابلا للتصديق وقادرا على شق طريقه بقوة في ظل غياب تعريف حقيقي للهوية الوطنية في اليمن، تعريف قادر على ملامسة مكنونات ومصالح سائر مكونات المجتمع وجدير بأن يعكس تطلعات الناس، جميع الناس في هذه البقعة من العالم.


ومما يزيد الطين بلة هو أن الأدوات الاجتماعية المرشحة للقيام بمهمة التغيير غارقة في إعادة تكوين نفسها على غير هدى تحت وطأة الإجابات المتعسرة عن مجموعة من الأسئلة الفكرية والسياسية الكبرى وفي مقدمها السؤال المتعلق بالهوية في المقام الأول، حالها في ذلك حال طيف واسع من مكونات حركة التحرر العربية، التي تتعرض لإرهاصات فكرية محورية منها الموضوعي ومنها الذاتي.


الاضطرابات الحالية التي يشهدها الشطر الجنوبي من الوطن لا تخرج البتة عن إطار هذا الطرح. صحيح أن عملية الاندماج بين الشمال والجنوب أعلنت عام 1990 ليشكلا الجمهورية اليمنية الموحدة القائمة حاليا، إلا أن الواقع يشير إلى أن الشطر الشمالي لم يلتزم بمقتضيات معاهدة الوحدة واستمر في إحكام سيطرته على المفاصل الأساسية للدولة بحكم أنه يمثل الطرف الأقوى في المعادلة الوطنية، ما حدا به عام 1994 إلى شن حرب مفتوحة على الجنوب وضمه إلى الشمال ليصح القول إن اليمن دخل مملكة الوحدة بقوة السلاح.


يبقى القول إن الخيار العسكري، أي خيار عسكر، عاجز بصورة مطلقة عن حسم أي قضية مطروحة أمام الحكومة اليمنية واليمنيين عموما، وأن مصلحة الجميع، في اليمن وفي البلدان المجاورة له، تكمن، بلا أدنى شك، في استقرار بلد تكن له العرب جمعاء أسمى آيات الحب والعرفان، وليس في جره إلى أتون حرب أهلية جديدة إن اندلعت، هذه المرة، فإنها ستطال كافة المكونات المشكلة لفسيفساء اليمن الوطنية.


[email protected]