حوار الندية والاستقلال مطلب الجنوبيين / بقلم عارف اليافعي / صحيفة القبس الكويتية

[يافع اليافعى]

ربيع العرب وخريفهم
اليمن: غصن الزيتون بيد والسلاح بيد

عارف اليافعي
كثيرة هي الملفات التي سيطرحها مؤتمر الحوار الوطني اليمني المزمع عقده في صنعاء أواخر الشهر الجاري برعاية أممية وخليجية. فالمؤتمر سيكون عبارة عن محاولة صعبة* وربما أخيرة* لانتشال اليمن من أزماته الطاحنة التي أتت إفرازاتها المدمرة على كل مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد* وحولتها الى ساحة مفتوحة لممارسة لعبة الاقتتال والتناحر بين الفرق اليمنية المتعددة* المتصارعة على النفوذ والسلطة والمصالح.
جلوس الفرقاء اليمنيين على طاولة الحوار لا يعني انهم احتكموا لمنطق الحوار ومخرجاته* بل يعني انتعاش غريزة الاحتكام للسلاح لحسم ما تم الاتفاق عليه- إذا كان ثمة اتفاق أصلا- وبالطريقة اليمنية المعتادة. وما زالت الذاكرة اليمنية تختزن النهايات الكارثية التي تلت كل اتفاق بينهم* حتى قبل أن يجف حبره. ولسنا ببعيدين عن حرب صيف 1994 التي اندلعت بين الشمال والجنوب فور الانتهاء من توقيع وثيقة العهد والاتفاق في العاصمة الأردنية* وحروب صعدة الستة بين الحكومة والحوثيين* وما سبقتها من حروب بين الشمال والجنوب وداخل كل شطر قبل الوحدة. لا يزال كل طرف متمسكا بمواقفه المتعنتة وينبذ فكرة إشراك الآخر معه في العمل الوطني* ويصر على الإمساك بكل خيوط اللعبة لحياكة وتفصيل المرحلة المقبلة على مقاسه هو دون الآخرين. وكلما اقترب موعد الجلوس على طاولة الحوار الوطني زادت الأطراف من مناوراتها ومطالبها وتشددت بشروطها واستعدت بكامل تجهيزاتها لما بعد الحوار* إن لم تكن نتائجه لمصلحتها.
الجنوب مفتاح الحل
استطاع الجنوبيون أن يلفتوا انتباه العالم الى وجود قضية جنوبية ينبغي النظر إليها وحلها بشكل جذري وعادل بمعزل عن باقي المشاكل اليمنية التي من الممكن حلها بالتوافق السياسي والاجتماعي بين القبائل والأحزاب* أو حتى بالضغط الخارجي* لاسيما أن الخلافات بين القوى اليمنية خلافات على السلطة والنفوذ بعكس الجنوبيين الذين يرون أن قضيتهم هي قضية وطن وهوية وشعب* يريد تقرير مصيره بنفسه بعيدا عن هيمنة صنعاء ووصايتها* لاسيما بعدما توصلوا الى قناعة تامة أنه يصعب البقاء في دولة واحدة مع الشمال. فبعد هذا الكم الهائل من التراكمات السلبية الناتجة عن الممارسات والتمييز ضدهم من قبل حكومات دولة الوحدة* يدرك الجنوبيون تماما أن أي حوار وطني يستثنيهم أو يهمشهم لن يخرج اليمن من مشاكله* كون القضية الجنوبية هي مفتاح حل كل المشاكل* وهذا ما جعلهم يرفضون تماما الذهاب الى مؤتمر الحوار ما لم يكن على أساس الندية بين الشمال والجنوب. وهذا ما يريده الشارع الجنوبي الذي يدعم بكل قوة قياداته- في الداخل والخارج- التي تتبنى خيار الانفصال. وهذا ما يفسر إصرار هذه القيادات على عدم الذهاب الى المؤتمر ما لم يؤد في النهاية الى تحقيق كل مطالب أبناء الجنوب* بما فيها حقهم بتقرير مصيرهم بأنفسهم. وهذا ما أكدته القيادات الجنوبية البارزة لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى اليمن جمال بن عمر أثناء لقائه بها في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي.
الحوثيون
كسائر الأحزاب والفئات اليمنية* وتجنباً للغضب الدولي والعقوبات* وافق الحوثيون على الذهاب الى مؤتمر الحوار الوطني في ظل صراع مسلح محتدم مع القوات الموالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح في محافظة صعدة (مركز نفوذ وقوة الحوثيين ومعقلهم التاريخي). وفي ظل توتر قبلي وطائفي متصاعد في المناطق المجاورة لصعدة. إلا أن المخاوف مازالت تسيطر حتى على المتفائلين من اتساع رقعة هذه الاشتباكات وخروجها عن السيطرة. ولعل الاتفاق الأخير الذي وقعه الحوثيون مع أحزاب اللقاء المشترك ومن خلفهم حزب الإصلاح لوقف الشحن الإعلامي وتخفيف التوتر الميداني محاولة أخيرة لمنع التصادم الشامل بين الطرفين ونسف مسيرة الوفاق الوطني الذي ينشده الشعب اليمني. وأي تخلف للحوثيين عن مؤتمر الحوار سيشكل ضربة قاصمة له ومشروع أزمات جديدة ستعصف باليمن ارضاً وإنسانا.
النظام السابق وحلفاؤه
ليس من مصلحة النظام السابق نجاح مؤتمر الحوار الوطني لأنه سيقضي على اماله ويحبط مخططاته ويقصى ما تبقى من انصاره من مفاصل الدولة الحيوية* لأنه بفشل الحوار يستطيع النظام السابق اعادة بناء نفسه وتنظيم صفوفه واستعادة مواقعه تمهيدا للعودة الى السلطة بأي صورة كانت* وهذا مالا يتحقق الا في ظل دولة ضعيفة وقوى ممزقه وأحزاب متناحرة* ولعل محاولات احياء تحالفاته القديمة مع بعض قوى النفوذ القبلي ورموز تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة* كالزعيم القبلي طارق الفضلي الذي لم يتوان عن الاعلان صراحة عن رغبته بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح ودعمه له لاستعادة السلطة كاملة* وبالفعل قام الفضلي بمحاولة السيطرة على مدينة زنجبار عاصمة محافظة ابين الجنوبية لإعادة تسليمها لجماعة انصار الشريعة الموالية لصالح ونجله قائد الحرس الجمهورية احمد علي عبدالله صالح* قبل ان تطرده قوات اللجان الشعبية والقوات الحكومية* وهذا ما دفع الرئيس اليمني عبد به منصور هادي الى التأكيد وبكل حزم* ان المبادرة الخليجية ليست وثيقة العهد والاتفاق التي نقضها صالح بعد توقيعها في عمان عام 1994 وشن الحرب على الجنوب* بل انها مبادرة خليجية تحظى بدعم المجتمع الدولي كله* وانه لن يسمح لأي طرف بعرقلة تنفيذ اي بند منها ومن يحاول ذلك فسيطاله عقاب الشعب اليمني قبل المجتمع الدولي.
الدعم الدولي
يحظى مؤتمر الحوار باهتمام دولي بالغ وحرص كبير على انجاحه والخروج منه باتفاق وطني شامل يرسم ملامح اليمن الجديد «آمن ومستقر وديموقراطي». وليس هناك أبلغ برهان على ذلك الاهتمام أكثر من زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني والمبعوث الأممي جمال بن عمر المتواجد في صنعاء ولقاءاتهم مع كل الأطراف والأطياف اليمنية وتأكيدهم على تصميم المجتمع الدولي على انجاح الحوار وضرورة انصياع كل القوى الوطنية لنصوص المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة للوصول باليمن الى بر الأمان.
ولعل اللهجة الحاسمة التي تحدثوا بها في مؤتمرهم الصحفي المشترك مع الرئيس هادي وتأكيدهم صراحة أن العقوبات الدولية الصارمة بانتظار كل من يتخلف عن ركوب قطار التسوية أو يحاول عرقلة مسيرتها هي الرسالة الأخيرة لمن يظن أن الباب ما زال مشرعاً أمام المزايدات المناورات للتملص من تطبيق بنودها كاملة.
ستحضر كل القوى اليمنية المؤتمر وستجلس على طاولة الحوار تحمل غصن زيتون بيد وباليد الأخرى السلاح.
رابط الموضوع
http://www.alqabas.com.kw/node/604501