الإعلام .. بين صناعة ( الثورات العربية ) وتجاهل ( الانتفاضة الجنوبية )

[حسين بن طاهر السعدي]

بقلم : المحرر السياسي لــ صدى عدن


إن الثورات العربية التي تشهدها العديد من الأقطار ما هي إلا حصيلة تراكمات جمة من المعاناة والقهر والحرمان لهذه الشعوب من قبل حكامها على مدى عقود طويلة من الزمن ..
لقد طال أمد ذلك الظلم الواقع فيهم وسئم الناس من تغييره لكن حلم الإرادة ظل يراودهم حتى أشعل (البوعزيزي) جسده لتشتعل معه الإرادة العربية وينتفض الشباب بروح ثورية غير معتادة متجاوزين كل حواجز الخوف والذل التي زرعتها الأنظمة القمعية الحاكمة ، معلنين عن ميلاد فجر جديد وحياة عزة وكرامة لشعوبهم وأمتهم ..!
وكان للإعلام بمختلف وسائله دوراً في صناعة أحداث الثورات الحالية حيث ساهم بشكل كبير في بث روح العزيمة والإصرار والتحدي في نفوس الشباب وهم يرون إخوانهم في تونس ثم مصر يستنشقون عبير الحرية بعد سنوات من الحرمان .
لكن – ومع الأسف الشديد – لم تسلط وسائل الإعلام الأضواء على ثورة شعبية كانت السباقة منذ سنوات على مستوى الوطن العربي يبحث أهلها وناسها عن انبثاق فجر الحرية في وطنهم .. حيث كانوا هم السباقون في ما يسمى بربيع الثورات العربية .. إنه شعب الجنوب المكافح منذ حرب صيف 1994م ، حيث عام الانقلاب عن الوحدة الطوعية مع الشمال واستبدالها بالاحتلال الشامل والكامل لكل مقدرات ومكتسبات الجنوب الوطنية .
ولعل أبرز مظاهر ثورة أبناء الجنوب هي تأسيس وانطلاق ما بات يعرف بـ ( الحراك السلمي الجنوبي ) في العام 2007م ، الساعي إلى استعادة دولة الجنوب وإعلان استقلالها الناجز على كامل ترابها الوطني انطلاقا من مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها ..!
نعم .. لم تكن الثورات العربية إلا استكمالاً للمشوار التحرري السلمي الحضاري الذي كان لأبناء الجنوب شرف الأسبقية في النضال من أجله على طريق التحرر والانعتاق والبحث عن موطئ قدم تحت أشعة شمس الحرية بعيداً عن الظلم والبطش والاستخفاف بالشعوب .. فكانت البداية والانطلاقة من ميادين وساحات المدن والمناطق الجنوبية ، لتلهم بذلك كل الأحرار والشرفاء في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن الذين استنهضوا الهمم وشدوا العزم للتخلص من كابوس الحكم العائلي المتسلط على رقابهم منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة .
وتمكن الإعلام بمختلف وسائله ( المرئية والمسموعة والمقروءة ) من شحذ الهمم وبث روح الحماس لدى المواطنين التواقين للحرية وللمستقبل الأفضل ، حيث لا يخفى على أحد ما أحدثه الإعلام في ثورتي مصر وتونس من نقلة نوعية في التعامل مع الأحداث في البلدين وكان له الإسهام الأبرز في نجاح الثورتين نظير التغطية الكاملة لكل ما يدور في الساحات الثائرة من احتجاجات ومظاهرات صاخبة بثت الرعب والهلع في صفوف الأنظمة الحاكمة وكشفت عن الوجه القبيح لرموز تلك الأنظمة الدكتاتورية حين عرتهم أمام العالم أجمع وفضحت ممارساتهم الوحشية بحق المواطنين الغلابى .
في حين كانت وسائل الإعلام غائبة تماماً عن المشهد الجنوبي حيث الحركة الاحتجاجية الثورية السلمية مستمرة في توهجها منذ بداية العام 2007م وحتى يومنا هذا دون كلل أو ملل وبمطالب مشروعة وعادلة تتمثل في حق الشعب الجنوبي في تقرير مصيره بنفسه بعد فشل مشروع الوحدة مع الشمال .
لم تتجرأ القنوات الفضائية بعد على نقل المعاناة الجنوبية بصورتها الصحيحة ومن واقعها المعاش حيث القتل اليومي لأبناء الجنوب في مختلف المدن والمناطق لا لشيء سوى أنهم يخرجون للمطالبة بشكل سلمي وحضاري عن حق مشروع تكفله كل الشرائع السماوية والدساتير والأعراف الدولية ..
انهم يقابلون الرصاص الحي بصدور عارية يومياً بعيداً عن كاميرات تلك القنوات الفضائية التي نوجه إلى مسئوليها هذه الصرخة والاستغاثة علها تحرك شيء من الضمير الحي لديهم ..
يا ترى .. لماذا كل هذا الصمت تجاه الجنوب وأبناء الجنوب ؟.. أين أنتم مما يحدث لهذا الشعب المذبوح ؟.. ما سبب انحسار تغطيتكم عن ما يجري فوق تراب الجنوب ؟ .. لماذا كل هذا التكتيم الإعلامي عن القضية الجنوبية العادلة ؟ .. لا تتحججون بصعوبة وصول مراسليكم إلى شوارع الجنوب .. لأن اليوتيوب والمواقع الجنوبية على الشبكة العنكبوتية تنقل ( بالصور والفيديو ) ما يحصل يومياً لأهل الجنوب من قتل وجرح واعتقال وتشريد وقصف للمنازل على أيدي قوات نظام 7/7 الذي استبدل الوحدة في صيف 94م بالاحتلال.

صدى عدن

[حسين بن طاهر السعدي]

صحيح انه صمت مخزي من قبل وسائل الاعلام التي تغطي كل جزئية من احداث العالم والثورات العربية ولا تنقل او تذكر شيئاً عن المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات التي تعم ساحات وشوراع وميادين الجنوب منذُ خمس سنوات ومايتعرض له الجنوبيين من قتل وتدميروتشريد واعتقالات وانتهاك لحرياتهم .