[يا ويلنا إن حصل الحـوب بيننا] مــقـــال فـي [مستجدات القضية الوطنية الجنوبية]

[المسعودي اليافعي]

إن من صلب مهام المناضل في سبيل القضية الوطنية الجنوبية والمنضوي بالحراك الشعبي السلمي الجنوبي الوقوف ضد ما يعرقل مسيرة شعب الجنوب في التحرير والاستقلال أو ما يشده إلى الخلف وخذلانه عن قضيته، كما إن للنضال في ذلك السبيل أكثر من ساحة وأسلوب ووسيلة, ويمر في أطوار مختلفة ومفارقات متعددة تبعا للمتغيرات الظرفية على المستوى الداخلي والخارجي، وكذا لمستوى نضوج المناضل السياسي ودرجة وضوح الرؤية لدية ومدى تشبع روحه بالوطنية وشحنة بالإصرار على الصمود وعلى تحقيق الأهداف التي يناضل من أجلها تحت أي ظرف كان... وعلى الإبداع فيها. كما هو لمستوى الاحتضان الشعبي للحراك وصلابة رسوخ ذلك المبدأ والهدف في عقل ووجدان المواطن والمجتمع الجنوبي على المستوى الوطني, وتحفّيز فاعلية وإرادة القوى الحية فيه وتغلبها على احباطاتها والإصرار على تحقيق طموحاتها وتطلعاتها.

وعلى المناضل الحقيقي عدم التقليل من أهمية ومفعول الإنجازات والمكتسبات التي حققها شعب الجنوب على صعيد ما أو مجال ما... عن مثيلاتها في باقي الصعد والمجالات, فكلما تحقق إنجاز ما، تداعت مفاعيله للقيام بتيسير الطريق أمام إنجازات أخرى أكبر وأوسع وأشمل وأكثر حيوية، غير أن ذلك ليس مضمونا ولا يتم بصورة دائمة خاصة في ظل واقعنا الحالي المهلهل والقيادة المرتبكة للحراك التي لم تتمكن من بناء العمل المؤسسي والمنظم طوال الفترة الماضية, كون السمة الأساسية لها هي الوصاية, وكونها لا تجيد غير العمل العشوائي, ولم تقم بدورها الحقيقي في قيادة الحراك الشعبي الجنوبي, بل ما تقوم به فعليا ليس سوى إدارته والأشراف عليه بصورة مزاجية وفردية.

وعليه أيضاً أن يكون صادقا ووفيا وعلى قدر كبير من الإنصاف والوضوح تصريحا لا تلميحا, وعلينا نحن ضرورة الإدراك إن ليس هناك إنسانا بعينه, يمكنه إصدار وصفة أو روشته ما... تُعطي... لصبغ شخصا معينا بالمناضل, أو أن يقوم ذلك الإنسان بتحديد معنى النضال الحقيقي, أو وضع معايير معينه للوطنية الصادقة من عدمها, كون تلك المميزات والخصائص والصفات لا تُعطى بوصفة أو بروشته, ولا توهب بصك مكتوب أو غير مكتوب, بل هي جملة من الممارسات الفردية والجماعية لأعمال نزيهة وسلوكيات إنسانية تجتمع فيها المبادئ الحميدة والأهداف النبيلة, ويلزُم بتطبيقها على أرض الواقع... كما إن تلك الصفات أيضا, قيم مجتمعية يكتسبها الأفراد والمجتمع عبر مراحل تاريخية طويلة, فتتناقل من جيل إلى جيل لتصبح إحدى أهم عناصر الموروث الثقافي والحضاري والتاريخي والوطني لأي شعب من الشعوب.

إن عامل البطش والاستبداد السياسي الذي مارسته سلطات وأنظمة الحكم المتعاقبة في الجنوب خلال الفترات والمراحل الماضية, قد شكّل أبرز وأهم عوامل تدمير ذلك الموروث الثقافي والقيمي المكتسب للمجتمع الجنوبي, أدى إلى سلبه للعديد من الصفات والخصائص المميزة للشخصية الجنوبية التي اشتهرت واتسمت بها طويلا, وكان قد عمل على ترسيخ ثقافة مبنية على الخنوع والتسليم بتبخيس قيمة الذات وتخريب كل حظوظ الثقة بالنفس, فأصيب المجتمع بشيء من الوهن والضعف والحذر المزمن, وسلم البعض تدبير شئون حياته وأمر مستقبل الأجيال وتحديد مصير الوطن ليقرره الآخرين نيابتاً عنهم.

إن إحراز النجاح بالعمل السياسي المؤسسي والمنظم, والظفر بالنضال الشعبي الجماعي تحت مظلة واحدة ومن أجل هدف واحد, يقتضي إحداث تغيير عميق في وعي المواطن الجنوبي المنضوي تحت لواء الحراك وفي غيرة من الناس بالمجتمع الجنوبي, وكذا توسيع المدارك والمعارف إزاء ما يحدث ويجري داخل المجلس الأعلى للحراك وفي محيطة الخارجي الوطني والإقليمي, ومن ثّم عليه النظر إلى حقيقة الواقع الدولي وإلى ما يجري في العالم, لتكون رؤيته أجلى وضوحا وأكثر واقعية وأقل تأثرا بالخطاب اللأّ واقعي أيا كان مصدرة, وهو أمر غير ممكن التحقيق دون العمل وفق شرطين متلازمين, الشرط الأول:

تجديد وتهذيب وتنشيط الخطاب الإعلامي بما له من مفعول وحيوية في إشاعة مفاهيم وأسس النضال السليمة وإيقاظ الحس الوطني المغيب عند بعض المواطنين المتكلين على الغير أو المصابين بالغفوة ومرض الغيبوبة... ذلك على المستوى الداخلي, أما على المستوى الخارجي فالتجديد والتهذيب والتنشيط يكون من أجل مخاطبة الآخر باللغة التي يفهم ويستوعب. الشرط الثاني:

استعادة لُحمة النسيج الاجتماعي وتحقيق تلاحم شعبي على المستوى الوطني الجنوبي, كمدخل إلى تحقيق عمل سياسي صحيح مبني على أسس وطنية جنوبية خالصة, ومن ثّم الانطلاق إلى إحراز توافق وطني بحده الأدنى لإرساء تعددية اجتماعية وسياسية حقيقية, عوضا عن إرساء الشتات كما هو عليه حالنا في يومنا هذا.

إن إيجاد قيم تعمل وفق شراكة ومشاركة وطنية حقيقية, تعززها روح التضامن ووحدة المصير لا تقام بإرسال الرسائل أو بإفاد الأشخاص ولا بقرارات أو بيانات أوبكتابة محاضر الاجتماعات ولا تأتي من فوق, كما يعتقد ويتراءى للبعض, بل تأتي بواسطة زرع القيم البانية لها عبر التعلم والتجربة والتطوير والتراكم والتمرين المستمر عليها في حياة المناضل العملية والنضالية اليومية بصفته حامل لهذه القيم, فمثل ذلك السلوك يكسبه القدرة الكافية على التحصين الذاتي من الأخطار والتحديات, وهو في نفس الوقت المشروع الاجتماعي للمواطن الجنوبي الذي يُبنى من خلال ممارسته اليومية.

إن مثل ذلك المشروع لن يسقط علينا وحيا من السماء, ولن تخلقه لنا سلطة أيا كانت طبيعتها, لأن السلطة في جوهرها تقوم على مساحة من الإرغام والترهيب, قد تتمدد وقد تنكمش في حدود هيبة الردع وقوة القانون, والمجتمع الأقوى هو الأقدر على توسيع الشراكة والمشاركة الاجتماعية والسياسية, وهو الأوسع انتظام والأوسع قدرة على التيقظ والأقدر على ردة الفعل الدفاعي, وواقع حال مجتمعنا لا زال يسيطر عليه الحذر وعدم الثقة, وهو ذو ذهنية إتكاليه ودائم البحث عن منقذ على تصورات المهدي المنتظر, وكثيرة هي المحطات التي خذل فيها المناضلين المخلصين للشعب والوطن, دفعت فيها طلائعهم أغلى الأثمان من أرواحهم ودمائهم, ورغم ذلك ظل مجتمعنا متعاطفا مع الوطنيين الحقيقيين من بعيد يمجد البطولة بالسر, وذلك جراء الرعب المفرط من مفعول البطش والاستبداد السياسي الذي أرست دعائم ثقافته أنظمة الحكم المتعاقبة على الجنوب, مما جعل من حاسة المواطن التضامنية أقرب إلى الشلل.

[الفجر الباسم]

مقال رائع جدير بالاهتمام

[المسعودي اليافعي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفجر الباسم

مقال رائع جدير بالاهتمام

التحية والتقدير لأخي الفجر الباسم, شكرا لك على المرور الكريم.
يسرني مرورك ومداخلتك وتقييمك للموضوع.

تقبل مني خالص المودة وبالغ التقدير .

[وحيد صابر]

مقال رائع لكاتب رائع

[الفارس النبيل]

موضوع رائع اتى على الجرح شكرا لكاتب الموضوع