خطبة جمعة ((الهبة الشعبية الجنوبية أسبابها ضرورتها وشرعيتها ))

[مناف الهتاري]

خطبة جمعة
((الهبة الشعبية الجنوبية أسبابها ضرورتها وشرعيتها ))
الحمد لله الذي عزّ وقهر، وجعل العاقبة الحسنى لأوليائه والظفَرَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخيرته من البشر، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وأصحابه الميامينِ الغُرَر.
وبعد: أيها المسلمون , يا ابناء الجنوب الاحرار ، لسنا أوّلَ شعبٍ ابتُلِيَ وفُرِض عليه أن يكافِحَ ويناضل ليحيا كما يريد، وإن الأعداءَ لم يفلحوا في النيل من قضيتنا إلا حين تفرّقَت وتمزّقت جبهتنا الداخلية بصراعات شتى متنوعة الاسباب ومتعددة الوسائل والاهداف مخالفة للدين القويم. يجِب علينا أن ندرِك هذه الحقيقة، وأن المعركةَ معركة بقاء لشعب على ارضه ودولته ، وأنّ الشعب مستهدف في قضيته كما هو مستهدف في تمزيق ارضه وتبديد ثروته. على الجنوبيين أن يستضيئوا في نهضَتِهم بنورِ الوَحي وشِرعةِ السَّماء، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد:7، 8]. على الجنوبيين أن يسلكوا سبيلَ الأخذ بأسباب القوّة، وأعظمُ أسبابها الاجتماعُ والائتلاف ونبذُ الفرقة والاختِلاف وترسُّم سننِ الله في قيام الأمم وتعثُّرها ونهوضِ الدوَل وسقوطِها. والنتيجةُ الحتميَّة التي علَّمنا إيَّاها الزمانُ أنَّه في غيرِ ظلّ الإسلام لا مَبادئَ تُحترَم ولا جنابَ يُهاب إلا بقوّةٍ تحمِيه، خاصّةً في زمَن هيمَنَة القوّة على القِيَم، وقلّما يُضامُ قويّ؛ لذا كان الإسلامُ يحثُّ أهلَه لاكتسَابِ القوّة لصُنع السّلام وحمايةِ السّلام وإقامةِ العَدل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:60-64].
على ماذا نختلف ؟
دور الهيئة الشرعية الجنوبية في تعزيز مبدا التصالح والتسامح بين الجنوبين وان الوطن لن يستعاد الا بكل ابناءه والواجب ان تحقن الدماء بإقامة الحجة والتعاطي مع المختلف فيه بالحكمة واليكم اسوق مثلا: -
من مظاهر تعاونه صلى الله عليه وسلم مع قومه قبل البعثة مساعدته إياهم في حقن دمائهم، ورفع التنازع بينهم، ودفع شر مستطير كان سيحيق بهم، وذلك: أنه بَنَت قريش الكعبة وتقاسمتها أرباعاً، فلما انتهوا إلى موضع الحجر الأسود تنازعت القبائل أيها يضعه موضعه حتى كادوا يقتتلون، ثم اتفقوا على أن يحكموا أول داخل عليهم من بني هاشم.

فطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا الأمين قد جاء فحكّموه فبسط رداءه، ووضع الحجر فيه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يأتي من كلّ ربع من قريش رجل، فكانوا عتبة بن ربيعة بن عبد الشمس، والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العُزّى، وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم، وقيس بن عدي من بني سهم، فرفعوه ووضعه النبي صلى الله عليه وسلم في موضعه (السيرة النبوية لابن إسحاق: ص 119،
وهذا يدل على ضرورة ان تتظافر الجهود المبعثرة لتنتظم في بوتقة واحدة وعلى هدف واحد
مع التسليم بضرورة قبول الآخر وعدم ممارسة الاقصاء والتخوين في حق اخوانا لنا ما راينا منهم الا خيرا فان هذا الامر يبعث على تكرار ماضٍ ولى , عانت النفوس منه مرارا وتكرارا , وعندما تشتم ريحته نفوسا عانت , ينكسر خاطرها , وتقوض ارادتها , وتوهن عزيمتها , فلا بد من الصدق والوضوح والتعاطي مع الاخر بصدر رحب سموح .....
اتحاد حلف قبائل حضرموت والدعوة الى الهبة الشعبية
حلف الفضول مثلا : -
وثمّة مبدأ في العلاقات الدولية أكدَّه الإسلام ألا وهو: التحالف واحترام المواثيق والعهود في العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول. شريطة أن ينطلق هذا التحالف على أساسٍ متين في احترام حقوق الإنسان والدفاع عن المظلومين. يقول الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ (النحل: 90). وبهذه المبادئ جاء القرآن .. فإنّه يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن العدوان على كرامة الإنسان ونفسه وماله وعرضه.. وجعل مهمة تحقيق العدل وحفظ الأمن مسؤولية الدولة في الإسلام وهي التي نسعى اليوم لاستعادتها واقامتها على ارض الجنوب، كما هي مسؤولية كلِّ إنسان في حياته المجتمعية ..
والرسول صلى الله عليه وسلم نراه يعمل على الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم، كفردٍ في مجتمع، وكنبيٍ مبلغٍ للرسالة، وكحاكمٍ منفّذ للشريعة والقانون.
إنّ حلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية ، لنصرة الإنسان المظلوم حتى يسترد حقه ، والدفاع عن الحق المضيع حتى استعادته ، لم تُحدثه سلطات، ولا قوى دولية، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية، وإحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعف والمظلوم ..
ولذلك فاتحاد حلف قبائل حضرموت الذي دعا للهبة الشعبية اليوم له سندا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم لقد روى المؤرخ اليعقوبي في تأريخه ما نصه: " حضر رسول الله حلف الفضول، وقد جاوز العشرين، وقال بعد ما بعثه الله : " لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ".
وقد تمسك النبي بهذا الحلف أيما تمسك، وكان يعمل بمقتضاه حتى بعدما عادته قريش وضيقت عليه هو وأصحابه.
يُروى أنّ أبا جهل بن هشام ابتاع من شخص جمالاً، فماطله بأثمانها، فدلته قريش على النبي لينصفه من أبي جهل؛ استهزاء برسول الله، لعلمهم بأنه لا قدرة له على أبي جهل، وذلك بعد أن وقف على ناديهم فقال: يا معشر قريش مَن رجلٌ يعينني على أبي الحكم بن هشام، فإني غريب وابن سبيل، وقد غلبني على حقي؟ فقالوا له: أترى ذلك الرجل -يعنون رسول الله- اذهب إليه فهو يعينك عليه، فجاء إلى رسول الله فذكر له حاله مع أبي جهل، فخرج مع الرجل إلى أبي جهل وضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟! قال: محمد. فخرج إليه وقد انتقع لونه (أي تغير من الرهبة) فقال له: أعطِ هذا حقَّه. قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. فدفعه إليه، ثم إنّ الرجل أقبل حتى وقف على ذلك المجلس فقال: جزاه الله خيراً، فقد والله أخذ لي بحقي.
ومن -هنا- كان حلف الفضول معاهدة مجتمعية مبكرة، واتفاقاً على مناهضة الظلم وإيقاف الظالم أمام سلطة المجتمع، وإن لم يكن للدولة حضور أو وجود تماما كما هو حالنا اليوم ومعاناتنا من محتل همجي متخلف لا يرقب فينا الا ولا ذمة , فكل المواثيق الدولية التي تحترم الإنسان وتدافع عن حقوقه يقرّها الإسلام حتى لو جاءت من غيره أو وضعها الآخرون.
وعلينا أن نعي أنّ موازين القوى ليست هي التي تمنح العقود والمواثيق شرعيتها، وإنما الذي يعطيها الشرعية هو ما تملكه المواثيق من عناصر الحق ونصرة المظلوم.
وعلى هذا الأساس، نحذِّر المجتمع الاقليمي والدولي من الانتقائية في تطبيق المواثيق والعهود، وأن لا يُفسح المجال للقوة الغاشمة أن تفرض نفسها على قضيتنا وشعبنا وعلى ساحة هذه المواثيق على المستوى الدولي انطلاقاً من قدرتها على الضغط هنا وهناك وعلى تزييف الحقائق، حيث تدّعي -زوراً- أنّ ما تقوم به إنما هو بسط للأمن ومحاربة للقاعدة والارهاب والعنف في مدن الجنوب المحتلة , فهل قتل الاطفال والنساء والشباب والرجال العزل من السلاح في بيوتهم وطرقاتهم واسواقهم محاربة للإرهاب ام هو الارهاب بأبشع صوره ، أنها تنطلق من نزوة العدوان وحبّ السيطرة والاستيلاء على الارض والثروة واستعباد الناس واهانة كرامتهم والنيل من حريتهم وفرض ارادة المحتل الطامح على ارادة المستضعف في وطنه وارضه
وإن كانت هناك هيئات ومؤسسات من وظائفها رفع الظلم عن المظلومين وكفّ الظالم عن ظلمه، وحماية الضعيف والفقير، ولكن هذه الهيئات فُرِّغتْ من مضمونها، وتسير في ركاب القوي وإن كان ظالماً معتدياً، وتتخلى عن الضعيف وإن كان مظلوماً معتدى عليه.
وإذا كان حلف الفضول قد تشكل بسبب وقوع ظلم من فرد واحد على فرد واحد، فكيف بنا اليوم والظلم يقع من شعب على شعب، ومن دولة على دولة، ومن أمة على أمة، ومن قوي على ضعيف ...
ولذا ايها الاحرار يا ابناء الجنوب الشرفاء عليكم
اولا - بوحدة الصف ووحدة الهدف والحفاظ على سلمية ثورتنا وحمايتها من لصوص الثورات وسماسرة الحروب ومرتزقة الفتنة والافتراق
ثانيا – الحرص على انجاح الهبة الشعبية حتى تحقق كامل اهدافها
ثالثا – التنسيق المستمر والدائم بين كل هيئات ومكونات الثورة الجنوبية التحررية ومنظمات المجتمع المدني وعدم القفز فوق المبادئ والثقات من الاشخاص
رابعا - التزام اقصى درجات ضبط النفس في التعاطي مع استفزازات قوات الاحتلال وبلاطجته والحفاظ على سلمية الهبة الشعبية وعدم الانجرار الى العنف مع المحافظة على الممتلكات العامة والخاصة وحماية ارواح الناس واسواقهم وطرقاتهم ......(( ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ))
محبكم
الشيخ مناف الهتاري
نائب رئيس الهيئة الشرعية الجنوبية للدعوة والافتاء والارشاد
الضالع
20/12/2013م