الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأ قسام السياسية > المنتدى السياسي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-01-21, 03:22 PM   #1
طبيب العقول
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-03-02
المشاركات: 2,633
افتراضي أغراء الجماهيرية مرض عضال.. من يجرؤ على مقاومته؟؟

أخيراً بدأنا نصل إلى أعتاب النضج السياسي....إليكم هذا التشخيص الرائع من المهندس جمال مطلق لمعضلة الحراك الحقيقية....صحيح أنه شخّص و لم يوصف العلاج و لكن لا بأس فالمهم هو التشخيص و العلاج من السهل تعيينه ما دمنا قد عرفنا المرض !!!! :

قراءة عاجلة عن وحدة القيادة الجنوبية
الأربعاء 21 يناير 2015 11:46 صباحاً
عدن ((عدن الغد)) خاص:
م/جمال مطلق
- مدير منتدى مدار للدراسات والبحوث
يتناول الكثير من المتابعين للشأن الجنوبي مسألة تعدد المكونات وبالتالي تعدد القيادات حتى في اطار نفس المكون ومع كل اخفاق او استحقاق ثوري او سياسي يفرضه واقع التحديات اليومية يثور الكثير من الناشطين والمتابعين على من يعتقدونهم قيادات للجنوب وبناء عليه فأنني سأتناول في هذه القراءة البسيطة حقيقة الأمور بشكل مجرد وسوف يتم بحث مفهوم القيادة وماهي القيادة التي نريد وماهو شكل القيادة الراهن وماهي الاشكاليات التي ترتبط بمفاهيمنا المتعددة للقيادة .
مفهوم القيادة :
ان القيادة هي فن واسلوب يرسم الخطوط العريضة لمسار ما او لتحقيق هدف ما وتتميز بالقدرة على ايجاد الحلول المناسبة او الكافية لتجاوز اية عقبات في طريق تحقيق الهدف ويعني ذلك القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه وتنسيسق سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة.
ومن اجل ذلك فأن هذه القيادة تعني وجود شكل تنظيمي او مؤسسي معين وآلية لإتخاذ القرار وفق رؤى وضوابط يتم وضعها أو الاتفاق عليها مسبقاً مع وجود مصلحة مشتركة او حافز مستمر لجميع المنتمين لذلك الشكل التنظيمي او المؤسسة المعينة .
أهمية القيادة:
إن أية تجمعات بشرية تحتاج بالضرورة إلى مرجعية تنظم شؤونها وتحفظ حقوقها وتوجه مسارها لتحقيق الاهداف المنشودة لها ويذكر في هذا الشأن حديث نبوي شريف يتحدث عن اهمية تعيين قائد في أقل التجمعات البشرية حين قال عليه الصلاة والسلام : " إذا خرج ثلاثة في سفر فليأمروا أحدهم " رواه أبو داوود . وكما يقال ايضاً في شأن القيادة "جيش من الذئاب يقوده أسد ، أفضل من جيش من أسود يقوده ذئب " وعليه فأن أهمية القيادة تكمن في كونها حلقة الوصل بين المنتسبين لمؤسسة او تنظيم ما والاهداف او التصورات المستقبلية وفيها تنصهر كل المفاهيم والسياسات كما تستطيع مواكبة كل المتغيرات وتوظيفها لخدمة الهدف .
ماهي القيادة التي نريد ؟
للاجابة على هذا السؤال فأن سؤال اخر أكثر أهمية ينبغي الاجابة عليه أولاً وهو(من نحن ) فإذا استطعنا ان نجيب علي هذا السؤال كانت الاجابة على السؤال الاساسي سهلة للغاية حينها .
وبناء على ذلك فأن التعبير عن الكينونة في غاية الاهمية فإذا أخذنا على سبيل المثال كينونة قوى الثورة الجنوبية السلمية التحررية فأننا نريد حينها قيادة ثورية تحررية تقود النضال نحو تحقيق الهدف وهذا لن يكون متاحاً مالم تكن تلك القوى الفاعلة في الثورة متوافقة على هدف واحد وبصيغة واحدة وقناعة واحدة ووفق رؤية سياسية واحدة وهذا غير متاح في الوقت الراهن وطالما هو كذلك فأنه من الصعب ايجاد قيادة لمجاميع بشرية لاتجمعها سوى المعاناة المشتركة ولكن لها خيارات متعددة وقناعات متعددة بالاضافة الى عدم وجود سلطة او نفوذ كافي لأحدها تستطيع من خلاله ممارسة دور قيادي فاعل ومؤثر ومتميز .
الجدير بالاشارة الى اننا حين نفكر في وضعنا الراهن فأننا نواجه اشكاليات ناتجة عن مفهومنا للقيادة ومن ذلك مايمكن الاشارة اليه على النحو التالي :
1. نريد قيادة تستوعب ما نريد ولكننا حين نقول ذلك فأن كل منا ينطلق من تفسيره الخاص للضمير الجمعي الذي يتحدث عنه بصفة الجمع ( الكينونة ) ومعنى ذلك استحالة أن توجد قيادة تلبي رغباتنا جميعا او تعبر عن مفاهيمنا جميعاً وبنفس الوقت .
2. يقوم الكثير من الناشطين بانتقاد عدد من الشخصيات القيادية لأسباب مختلفة ويريد الكثير منهم قيادة لتحميلها الاخطاء واسباب التعثر فقط ولكنهم لايأتمرون بتوجيهاتهم على الاطلاق بل ويريدون ان يقودوا من يسمونهم قيادة ويتم تناول كلمات مثل يجب ومفروض وينبغي في الحكم على سلوك او قرارات تلك القيادات التي تقع تحت طائلة اللوم او النقد فتتحول الجماهير في هذا السلوك الى محاولة قيادة القيادة وهذا لاشك إشكال كبير يصعب التعامل معه في الوضع الراهن .
3. تقع بعض الشخصيات القيادية في اشكالية المزاوجة بين ارضاء المزاج الشعبي و الطرح السياسي الموضوعي فيميلون الى مايتم تعاطيه كنتاج للمزاج الشعبي العام وهنا يقعون تحت تأثير الشارع فيقودهم الشارع ويفقدوا قدرتهم على انتاج منطق سليم في كثير من الاحيان ويفقدوا ايضاً تميزهم كشخصيات قيادية ينبغي ان تكون موجهة للشارع وليست منقادة له فذلك الانقياد للمزاج الشعبي قد يحافظ على التأييد المؤقت وترديد الشعارات الثورية والهتافات الحماسية ولكنها لاتلبث ان تفقد بريقها مع الايام مالم تكن مبنية على أسس صحيحة قابلة للتنفيذ .
4. لايمكن ان تكون هناك قيادة دون وجود مؤسسة ولاتستقيم اية مؤسسة دون وجود هيكل هرمي لتوزيع الصلاحيات وآلية اتخاذ القرار وقبل هذا وذاك فأن اهم المزايا هو امتلاك هذه المؤسسة سلطة ما تمنحها النفوذ الكافي لضمان الولاء لها والانضباط لتوجيهاتها وتعليماتها الملزمة لمنتسبيها على الاقل وبطبيعة الحال فأن ذلك لايتوفر في جميع المكونات الناشطة في الساحة الجنوبية .
5. توجد شخصيات قيادية تمارس وتجيد السياسة للوصول الى الغايات الكبرى ولكن توجد بالمقابل شخصيات قيادية اخرى تمارس الشعارات الثورية للمزايدة على تلك الشخصيات السياسية بل ان تلك المزايدات او المكايدات البينية تسحب نفسها حتى بين المكونات الثورية التي تردد نفس الشعارات وتمارس نفس الفعل الميداني مع الجماهير .
6. الخلط بين الرؤية السياسية والرؤية الثورية في ظل وضع ثوري غير ناضج , أسهم ايضاً في تكريس إشكالية انتاج قيادة مرجعية واحدة .
7. محاولة جمع المكونات او قيادات المكونات الثورية والشخصيات والاحزاب أو الحركات السياسية في إطار تنسيقي واحد أدى الى عدم التجانس بين المنطق الثوري النزق والمنطق السياسي المرن بل ان ذلك قد ادى الى زرع المزيد من الأشواك والصعوبات كان ولايزال الجميع في غنى عنها .
وبناء على كل ما تقدم فأن شكل القيادة الراهن في واقع الأمر انما هوالارادة الحرة للجماهير أو المزاج الجماهيري العام الذي يعبر عن المعاناة المشتركة والهدف المشترك لأغلبية الشعب الجنوبي فالمعاناة والانتماء والهدف والذاكرة الوطنية وبالتالي المصير المشترك قد خلق حالة ثورية تسعى بكل الحاح لإستعادة الاستقلال الوطني على كامل الرقعة الجغرافية للجنوب كما كانت قبل تنفيذ مشروع الوحدة الذي سرعان ماتهاوى وسقط وتحول الى سياسة احتلال تستهدف كل مايمت بصله الى الجنوب وتقصيه وتستأثر بكل مقدرات الجنوب الأمر الذي شكل أيضاً أهم عوامل الترابط المجتمعي حيث ساهم في استشعار الجميع بالخطر المحدق بالوجود الاجتماعي والهوية المستقلة فانتفض الشعب من اقصى الجنوب الى اقصاه لرفض هذه السياسات الجائرة حتى تحولت تلك الشعارات أو الاناشيد التي ترددها الجماهير في نضالها السلمي الى قيادة افتراضية توجه افق النضال لتحقيق الهدف .

http://adenalghad.net/news/145456/
جميع الحقوق محفوظة عدن الغد © {year}

طبيب العقول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2015-01-21, 03:25 PM   #2
طبيب العقول
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-03-02
المشاركات: 2,633
افتراضي

الخطاب الثقافي وإغراء الجماهيرية
الخميس 10 شعبان 1428هـ - 23أغسطس 2007م - العدد 14304
محمد بن علي المحمود
* تتمتع الجماهيرية بسحرها الذي لا يقاوم. إنها نوع من الإغراء الغرائزي الذي قد يلتهم النفس البدائية المشدودة بقوة إلى عواطفها؛ حتى يكتسح كل أنواع الإغراء الأخرى. غاية المنى، أن تصفق لك الجماهير الغفيرة بقلوبها قبل أكفها، فذلك - في نظر الكثير - الفوز المبين، والسعادة التي يبذل في سبيلها كل غالٍ؛ ولو كانت الحياة نفسها. إنها ليست مجرد إشباع غرائزي، يمكن أن تلهو به الرموز في هذا الميدان أو ذاك، وإنما هي ممارسة تنتهي بتراجع المعرفة، وضمور الإنسان.
إن إغراء كهذا، ترخص الحياة في سبيله، حقيق أن يأخذ حظه الوافر من القراءة والعرض؛ كيلا تصبح المعرفة ذاتها من القرابين التي تقدم لإرضائه، كما هو واقعنا اليوم، بل وربما قدمت إنسانية الإنسان - وهنا تقع الكارثة - ثمنا لهذا الإغراء الغرائزي. إضاءة - وربما تعرية وفضح - هذا الاستغلال - غير البريء - لعواطف الجماهير، من قبل الفاعل الجماهيري، ومن قبل القنوات الإعلامية الجماهيرية، جزء من مسلك معرفي، يتغيّا وقف الاتجار بالإنسان أولا، كما يتغيّا حفظ المعرفة من هذا الابتذال الرخيص.
الجماهيرية حالة (عاطفية) قبل أن تكون وجوداً متعينا. إنها حالة تخلّقت بفعل التصعيد العاطفي، الذي يتجاوز بالإنسان حدود الإنساني، إلى ما قبل الوعي الإنساني بالإنسان. وهذا يعني أن الخطاب يتجمهر، بقدر ما يتنازل عن الأبعاد العقلانية التي يشترطها سياقه. و لهذا أكد جوستاف لوبون في كتابه: سيكولوجية الجماهير، على أن التجمهر، ولو من قبل أناس عرفوا بمستوى ما، من العقلانية، يؤدي - بالضرورة - إلى التنازل عن شيء من الرؤية العقلانية، لصالح العاطفة الجماهيرية الهوجاء.
إذن، فطبيعة الخطاب العقلاني، تفترض فيه - ابتداءً - أنه خطاب غير جماهيري، كما أن طبيعة الخطاب الجماهيري، تفترض فيه - من حيث هو جماهيري -، أن مستوى ما، من العقلانية قد تمت التضحية به، في سبيل تحقيق هذا البعد الجماهيري.
من هنا، ندرك التلازم الذي نراه في واقعنا المحلي، بين تقليدية الخطاب المضادة لكل ما هو عقلاني، وبين رواجه الجماهيري الكاسح. كلما أمعن الخطاب التقليدي في البعد الخرافي، وكلما كان انتهازيا في استغلال عواطف الجماهير، تصاعدت جماهيريته. إن الجماهير بطبيعتها لا يمكن أن تحافظ على الحد الأدنى من الالتزام بالشرط العقلاني؛ لأن ذات التجمهر المشبوب بالعاطفة، لم يتكون إلا بالإجهاض المتعمد لهذا الشرط العقلاني.
الخطاب التنويري - وهو خطاب عقلاني بالضرورة - يعي أنه خطاب غير جماهيري، لا لنقص يطال بنيته المعرفية، أو سلوكه الواقعي، وإنما لأنه ملتزم بالشرط العقلاني الذي يستلزم حدا أدنى من الالتزام المعرفي. والمعرفة - وأقصد: المعرفة الحقة الملتزمة بالشرط المعرفي - ليست سهلة، لتكون في متناول الجميع الجماهيري. ولهذا كان اكتساب شيء من هذه المعرفة التي تمنح الإنسان صفة: العلمية، يستلزم اقتدارا ذاتيا، وعناء متواصلا، ليس في مقدور الأغلبية الساحقة من الجماهير، وإلا لأصبح الناس - جميعا - علماء!.
لا يعني هذا أن الخطاب التنويري لا يسعى لتحقيق نفسه في الجماهيري. إن هذا هدف من أهدافه، وبقدر تعميم الوعي التنويري على أكبر شريحة ممكنة، يتحقق التقدم المأمول للتنوير. لكن، الخطاب التنويري، وهو يسعى لتحقيق هذا الهدف، يلتزم بعدم التنازل عن الشرط العقلاني/ المعرفي الذي يحدد جوهر هويته. ولأنه ملتزم بهذا، فهو يدرك أن نجاحه في الوصول إلى نوع من الجماهيرية، سيبقى نجاحا محدودا بحدود الالتزام بالشرط العقلاني/ المعرفي.
من هنا، نفهم طبيعة الغموض، الذي يسم الخطاب العقلاني/ المعرفي، والذي يشكو منه بعضهم، وبعضهم يعتبره - بسذاجة تتجاوز حدود الغباء والجهل - سلوكا متعمدا من قبل الفاعل التنويري. الغموض هنا، لا يفهمه التقليدي، أن بوصفه غموضا في الأسلوب، والأسلوب عنده ليس نمط تفكير، وإنما هو مجرد: وسيلة نقل للمعلومة!. وهذا تصور تقليدي للأسلوب، الذي يجعل اللغة مجرد أداة توصيل، والتمايزات الأسلوبية مجرد زخارف بلاغية، يمكن التنازل عنها، دون المساس بالمعرفة المنقولة عبر هذا الوسيط.
اللغة ليست أداة توصيل فحسب، وإنما هي بنية تفكير. والتمايز الأسلوبي في اللغة الواحدة، لا يعني مجرد التنوع في قنوات التوصيل، وإنما يعني تنوع أنماط الرؤية عند أبناء اللغة الواحدة. كون الأسلوب - بمعناه الواسع - نمط تفكير، يعني أنه نوع من الوعي، من حيث كون اللغة وجوداً قبلياً، يسبق النطق أو الكتابة. ولكن التقليدي يبقى أسير تصوراته الساذجة عن اللغة، المشدودة إلى التصورات البلاغية العتيقة، بل العتيقة جدا، إلى ما قبل ألف عام!.
من خلال هذا التصور لطبيعة اللغة، وعلاقتها بالتفكير، جاء الخطاب التنويري - وأقصد الخطاب التنويري الحقيقي، الملتزم بكونه تغييرا في نمط التفكير، وليس مجرد اقتناع بمفردات التنوير - متلبسا بنوع من الغموض. وهو غموض نابع من طبيعته، أي من نمط تفكير. وهذا ما جعل الحل التنويري، إبان محاولته الوصول إلى أكبر قدر من الناس/ الجماهير، يتعمد حث الناس على الاشتباك مع هذا المستوى المعرفي، ويمارس عملية الارتقاء بالمتلقي، بدل أن يتخذ الدور الأسهل، وهو التنازل عن نمط التفكير، أي عن جوهر التنوير ذاته؛ لأنه يدرك أنه لو فعل هذا، لفقد الخطاب مشروعيته من الأساس.
لكن، مشكلة المجتمعات التقليدية، أنها مشدودة - بقوة - إلى الجماهيرية، بل تصل أحيانا إلى جعل مستوى الجماهيرية، دليلا على مستوى صوابية الأفكار، فكلما تصاعد المد الجماهيري لخطاب ما، أصبح - في نظرهم - دليلا على تصاعد الإيجابية الصوابية فيه. ولهذا، تحتفل الخطابات التقليدية بمهرجاناتها التي يختلط المعرفي بالاجتماعي، وتسعد بالمد الجماهيري الذي يتحقق بقوة العاطفة، وضمور العقل، وليس بقوة الأفكار، ومستوى نجاعتها.
لا تستطيع المجتمعات التقليدية - والخطاب التقليدي من باب أولى - أن تفصل بين القيمة الاجتماعية والقيمة المعرفية. وبما أن هذه المجتمعات مهمومة بالمكانة الاجتماعية؛ لأن الكل ينظر إلى الكل، فقد تم تحويل كل شيء إلى وسيلة للرقي في التراتبية الاجتماعية، حتى المعرفة ذاتها. ولهذا نفهم كيف يصبح للتلبس بالمعرفي، ملبس خاص، يحدد المكانة المعرفية، من حيث هي قيمة اجتماعية، أو يحدد المكانة الاجتماعية، في الوقت الذي يحدد فيه المكانة المعرفية.
التقليدي يسعد بهذا. فهو في اجتراره ما يظنه علما، تتحقق له - كمكافأة آنية - المكانة الاجتماعية. وإبان هذه الممارسة، يكتسب مهارة الحفاظ على هذه المكانة، عبر الولاء التام - غير الواعي - لمقولات التقليد، وعبر المزايدة - غير البريئة - على مقولات التشدد. وهذا يفسر لنا ظهور الفتاوى المتشددة التي تصل إلى تخوم التكفير، بين الحين والآخر، من قبل رموز التقليد. إنها ليست أكثر من محاولة الحفاظ على مكانة اجتماعية ما، تتم عبر امتهان المعرفة بالتنازل عن شروطها، للتلاعب بعواطف الجماهير.
مأساة التقليدي، أنه قد يؤخذ بشيء من مفردات التنوير، فيحاول الاشتباك معه في هذا المضمار أو ذاك. يفعل ذلك، وعينه على الجماهيري. إنه - جراء سابقته التقليدية - ينتظر المكانة الاجتماعية من خلال الاشتغال على المعرفي. وبما أن التنوير - كما اتضح مما سبق - ليس خطاباً جماهيرياً، فإنه يصدم بعد كل جهد، لا يجد الجماهيرية التي يتمتع بها أدنى فاعل تقليدي. إنه ينتظر قبلة على الرأس، وفي الجبين، ويحن لتلك الأصوات اللاهثة عن يمينه وشماله، بعد كل محاضرة، ولكنه لا يجد شيئا من ذلك يحدث بعد الانتقال إلى دوائر التنوير.
هنا، يبدأ إحساس التقليدي بالفشل، وبأنه بالاشتباك مع مفردات التنوير قد خسر الكثير. إنه ليس فشلا في الحقيقة، ولكنه بالنسبة إليه، يعده فشلا؛ لأنه - في أعماق وعيه - ليس باحثا عن معرفة، بل ولا عن إصلاح براجماتي، وإنما هو باحث عن مكانة اجتماعية. وعندما لم تتحقق له هذه المكانة، على الصورة التي يطمح إليها؛ لأنه ليس في الخطاب التنويري زعامات مقدسة، فضلاً عن قبلات على الرأس والجبين، ولهاث محموم للتبرك بالعباءات المباركة!، فإن هذا التقليدي السابق، يحن إلى عشقه القديم.
ومن أجل الرجوع، والظفر بالمكانة الاجتماعية المفقودة، يبدأ التقليدي العائد، بمغازلة رموز التقليد، والقنوات الإعلامية التي تتمكن من إعلان توبته النصوح على الجميع. وجراء هذا الشوق الباحث عن موقع ما، يكون على استعداد لتقديم المهر المطلوب. حينئذٍ، قد يحظى بما لم يستطع الخطاب التنويري تقديمه له، فتستضيفه قناة (ألا يا لا!) المباركة!، ويقدم - في وهج هذه الاستضافة - المهر المطلوب، ثناء بالمجان على زمن (الغفوة) المباركة. وكل شيء مبارك هنا!.
هكذا يقع الكثير في غواية إغراء الجماهيرية، إلى درجة السقوط في براثن التقليدية في أشد صورها مأساوية. إنها لحظة ضياع، كان الانشداد للمكانة الاجتماعية مقدمتها الضرورية، ولولاها، لاستطاع بعضهم التماسك، ولو - على الأقل - عن إغراء القنوات الإعلامية الجماهيرية، التي يدرك أنها تمارس دورا تجهيليا خطيرا، بحيث يكاد - بسببها - أن ينغرس فيروس التخلف في وعي الأمة، إلى درجة غير قابلة للشفاء.
لا أدري إلى متى ستستمر هذه المأساة. لكن، لا شك أنها ستبقى على هذه الدرجة من البشاعة؛ ما دام التنوير يؤخذ على هذا النحو من التبسيط، الذي يصل إلى درجة أن يتصور بعضهم، أنه يستطيع تحقيق جماهيرية، لم يستطع تحقيقها في ميدان التقليد. التنوير خطاب في المعرفة، وهو - بضرورة ذلك - خطاب غير جماهيري. ومن يبحث عن الجماهيرية، ويريد أن يحقق من خلالها مكانة ما، فعليه أن يبحث عنها بعيدا عن خطاب التنوير.
طبيب العقول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2015-01-21, 03:26 PM   #3
طبيب العقول
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-03-02
المشاركات: 2,633
افتراضي

الديمقراطية ومعضلة الوعي الجماهيري
الخميس 1 جمادى الآخر 1429هـ -5 يونيو2008م - العدد 14591
محمد بن علي المحمود
يخوض العالم العربي - في بعض أقطاره - غمار تجارب ديمقراطية متباينة؛ بعضها يصل حد النصب العلني، وبعضها يتمتع بمستوى مقبول - في سياق تطوره التاريخي -، سواء من حيث هيكلة البنية العامة لنظامه، أومن حيث طبيعة التعاطي الميداني مع هذا النظام. ولا يخفى أن الإرادة العامة لمعظم شرائح الاجتماعي تسير في هذا الاتجاه، الذي يعزز مفردات الديمقراطية، بقدر ما يصيب البنى التسلطية بالتآكل على المدى البعيد.
مهما كانت طبيعة هذه التجارب العربية في سياق الراهن العربي، فهي - باستثناء الدجل العلني - حالة إيجاب؛ يجب دعمها بكل وسائل الدعم؛ لأنها في النهاية حالة ثقافية، سوف تنداح - بفعل الثقافة المشتركة من خلال اللغة والدين والتاريخ -؛ لتغمر بروحها بقية الأجزاء التي تتأخر عنها قليلا أو كثيرا.
إذن، ولأن الثقافة - بمفهومها العام - هي المشكل الحاسم للسلوك؛ فنجاح الممارسة الديمقراطية في هذا البلد العربي أو ذاك، هو نجاح - على المدى البعيد - للجميع، كما أن تجذّر عناصر الإخفاق، وسيادة لعبة الديمقراطية المقلوبة التي تقف على رأسها، هو تأزم يحاصر الجميع، ويقلل - حد العدم - من فرص التماهي مع عالم الحضارة المعاصر، ويجعل من (حالة الانتكاس الدوري ( حالة ملازمة لمحاولات النهوض، التي لا تتجاوز عتبة الأحلام.
لا أحد يجهل الإشكاليات النظرية الكبرى، التي تواجهها الديمقراطية في العالمين: العربي والإسلامي، من حيث النظر إليها كثقافة (مستورة) من الآخر، وأحيانا، من الآخر الكافر، المحكوم عليه - وعلى كل ما يأتي منه - بالكره سلفا، ومن ثِمَّ، الرفض والممانعة، تلك الممانعة الرُّهَابية، التي أصبحت، أو تكاد أن تصبح - بحد ذاتها - مشروع حضارة واعدة في نظر أصحابها، وفي نظر جماهيرهم البائسة، الجماهير التي حكموا عليها بأن تعاين الوجود كله من خلال ثنائيتي: القبول والرفض.
ومع أن هذه الإشكاليات الكبرى، بدأت تتراجع - في بعدها العملي، لا النظري -؛ بفعل الحضور الطاغي للوعي الديمقراطي الذي أصبح هوية عصر؛ حيث اضطرت الثقافات الأصولية الممانعة إلى البحث في تراثها عن (رخصة) تمنحها: شرعية التمرحل، لتتمكن من الالتفاف الأخطبوطي؛ بغية السيطرة الكاملة على مجتمعاتها: مؤسسات وثقافة وأفراد، إلا أنه تراجع تكتيكي، تحكمه البراجماتية الأصولية الوصولية. وهذا واقع لا يخفى، يؤكده بشكل واضح، ضمور الطرح النظري المشرع لهذا التراجع، مقابل الممارسة المحمومة، الموحية - بفعل زخمها الكمي - بأنه تراجع حقيقي، يطال النسق الفكري العام. بينما هو سلوك يتجاوز حدود البراجماتية المباشرة؛ ليصل إلى حدود السقوط الانتهازي.
الديمقراطية الأكثر نقاء، هي - على المستوى النظري الأولي - هي الأكثر جماهيرية. وحسب هذا الفهم، فكلما كانت الديمقراطية شاملة لكل أطياف الجماهيري، وعلى نحو مباشر ومتعادل، فهي الديمقراطية الأكمل !؛ بوصفها الديمقراطية التي تحضر فيها مفرداتها الإنسانوية في أقصى إمكانياتها. وهنا، تأتي معضلة الجماهيرية في السياق الديمقراطي.
لا شك أن الجماهيرية لازم من لوازم الممارسة الديمقراطية. فالديمقراطية هي آلية فعل الجماهير في الشأن العام. لكن، كيف؟. هنا تجتهد الديمقراطيات في محاولة ترشيد البعد (الغوغائي) الملازم للجماهيرية كحالة، أي: الجمهور النفسي، الذي لا يشترط فيه التقارب الفيزيائي، وإنما قد يؤدي التواصل عن بعد، إلى تأسيس: (حالة نفسية جماهيرية)، تتسبب - من خلال الجماهيرية - في ما هو ضد مصلحة هذا البعد الجماهيري.
طبيعي أن تكون الليبرالية الديمقراطية منفتحة على هذا البعد الجماهيري. تنفتح عليه، وهي تعي المقولة الراسخة عند رموز الفعل الديمقرطي، عندما يصرحون أن فضيلة الديمقراطية، تتحدد في كونها الأقل سوءا؛ من بين أشياء هي أكثر منها سوءا. لكن، لا يعني هذا في المقابل أن الليبرالية، من حيث هي نصير الفرد، تذوب في المجموع لحساب الفرد، فضلا عن أن يعميها الانتصار للرؤى الفردانية عن خطر تحلل الفردي في نسيج الجماهيري، ذي الوعي الغرائزي، بواسطة التوسل بحرية الانتماء.
الديمقراطية هي إحدى تجليات الوعي العقلاني. وهي - في الوقت - نفسه جماهيرية بالضرورة، أو على الأقل، لا بد أن تمر على قنطرة الفعل الجماهيري. بينما الجماهيرية، كما يصفها جوستاف لوبون، في كتابة: (سيكولوجية الجماهير) سريعة التأثر، قابلة للتصديق بأي شيء عن طريق التحريض، عاطفية إلى درجة السذاجة، منفعلة بالعدوى النفسية، لديها القابلية الشديدة للخضوع للإيحاء، مرتبطة بالغرائزي الأكثر بدائية. وهو يرى أن الجمهور - من حيث هو حالة تجمهر - يقترب جدا من الكائنات البدائية؛ مهما كان أفراده عقلانيين.
ومع أن هناك من يرى فرقا بين الجماهيرية التي تتطلبها الديمقراطية؛ كاستحقاق أولي، والجماهيرية التي قام جوستاف لوبون بتوصيفها في كتابه، إلا أن الفرق يبدو ضئيلا، بل قد يتلاشى، عندما يكون التوصيف يطال حالة التجمهر، من حيث هي ليست فعلا في المكان فحسب، وإنما هي فعل في الزمان أيضا، خاصة عندما تقوم الخطابات الإيديولوجية باختصار المساحات المكانية، سواء عبر وسائل التأثير الحديثة، أو عبر استحضار عناصر التقارب في الدين والتاريخ والمصير.
وما وصفه جوستاف لوبون؛ كسيكولوجية جماهيرية، تتضاءل فيها مساحات الرؤية العقلانية، قام السيكولوجي العظيم: سيجموند فرويد، في كتابه: (علم نفس الجماهير) بتأييده في نتائجه التوصيفية، التي تصف حالة الاستقالة العقلية لدى الجماهير؛ رغم تحفظاته على بعض مسارات التوصيف والتحليل، بل رغم كل التعديلات التي أجراها على مقولات لوبون. فسيجموند فرويد - وهذا الأهم هنا - أكد - بوضوح - على أن (الحالة الجماهيرية)، تضع أفرادها في ما يشبه حالة التنويم المغناطيسي، عن طريق ما يسميه ب: (العدوى الوجدانية). بل هو يؤكد أن الانفعالات - في السياق الجماهيري - كلما كانت أقرب إلى الفجاجة والبدائية، كان حظها في الانتشار بين الجمهور أكبر.
ما توصل إليه لوبون وفرويد، يؤكد أن الدخول في سياق تجمهر، مهما كانت صورته، ما دام يكتسب خصائص الواقعة الجماهيرية، يعني تخفيض درجات العقلانية لدى الأفراد، ومن ثم لدى المجموع، لصالح حالة عاطفية غرائزية، تلتهم العقل، إلى درجة الوقوع في صورة من صورة: حالة القطيع.
هنا تأتي المعضلة الجماهيرية، حيث الجماهيرية شرط الديمقراطية الأول، والعاطفة - كحالة نافية للعقل - صفة الجماهيرية الأولى. بينما الديمقراطية إفراز لمسار عقلاني طويل. كيف يفعل اللاعقل في سياق العقل؟. كيف تقام صروح حضارة العقل، بآلية لديها القابلية لشل حركة العقل؟. ليس هذا الإعضال كامنا في البعد النظري فحسب، بل هو واضح في العملي أيضا، إذ يعرف الجميع أن صعود النازية والفاشية كحركات جماهيرية مناقضة لصيرورة فعل العقل في التاريخ، بدأ من خلال آلية عقلانية، تجلت في التجربة الديمقراطية، بشروطها الغربية الراهنة. ومن هنا، هل من سبيل لحلحلة هذا الإعضال المزمن؟.
قد يرى بعض المنظرين الليبراليين أن هذه الحالة من اللاعقل: الجماهيرية، التي تلازم الفعل الديمقراطي، حالة جوهرية، يجب التعامل معها بأدنى درجات الضرر؛ بوصفها ضررا هو للديمقراطية شرط وجود. لكن، هناك آخرون، يرون أن هناك قيما إنسانية أساسية، لا بد أن تكون حاضرة، بل وراسخة في الوعي، قبل الخطوة الأولى للسلوك الديمقراطي.
ليس هذا من قبيل الجدلية التي تضيع فيها البداية والنهاية، أو السبب والنتيجة، عندما يتم الانهماك في النزاع النظري: هل الديمقراطية نتيجة أم سبب، أي هل التقدم يؤدي إلى الديمقراطية أم الديمقراطية تؤدي إلى التقدم، أو هل الديمقراطية تفرز السلوك الاجتماعي الديمقراطي، وتعزز ثقافة الديمقراطية في المجتمع، أم المجتمع المشبع بثقافة الديمقراطية، ينتج النظام الديمقراطي المؤسساتي، أيهما الأول، المؤسسة أم الثقافة؟. وهذا جدل ليس عقيما، فله نجاعته في سياقه. لكن، نحن نقارب هذا من زاوية وضعية راهنية للجماهير العربية والإسلامية، حيث لا تزال تتصرف كجماهير؛ حتى في حالة تفردها اجتماعيا، فهي تبقى - في الأخير - ذات ثقافة جماهيرية بامتياز.
الديمقراطية في عَالمَينا: العربي والإسلامي، ليست منتهكة من خلال البعد الجماهيري؛ كحالة جماهيرية محايدة، بل يتم الانتهاك الأخطر والأسوأ، من خلال استخدام مقصود، لهذه الجماهيرية من قبل الحركات الأصولية؛ بغية اتخاذها آلة للانقضاض على الديمقراطية ذاتها. وهذا ليس سرا، فضلا عن أن يكون اتهاما لهذه الأصوليات دون دليل. فهي تنخرط في العملية الديمقراطية ببرنامج سياسي معتدل، خاضع للشرط الديمقراطي. بينما هي تحتضن - دينيا - برنامجا آخر، يناقض معظم مفردات الشرط الديمقراطي.
جميعنا يعرف أن المساواة المواطنية، التي تقتضي المساواة التامة بين جميع المواطنين - مهما اختلفت الأجناس والأعراق والأديان - هي المفردة الأولى في السلوك الديمقراطي. بينما لا يزال المتطرفون من مرشحي الحركات الأصولية، يشاركون في الممارسة الديمقراطية، وهو يدعون - صراحة - إلى إقصاء الآخر، سواء كان هذا الآخر امرأة، من قبيل الآخر الديني أو المذهبي أو العرقي.
يجأر الأصوليون في المناداة بحقهم الديمقراطي في الترشح والانتخاب. وهذا حقهم؛ من حيث هم مواطنون. لكنهم - في الوقت نفسه، وعبر تاريخ التجربة الديمقراطية العربية - يعلنون أنهم ضد حقوق المرأة في الانتخاب والترشيح، ويحاولون - بما يتيحه النظام الديمقراطي لهم ! - إقصاء المرأة، وحرمانها من الحق الديمقراطي. وكي يصلوا إلى هذه النتيجة العنصرية، يضعون الجماهير البائسة - عبر الضرب على أوتار العاطفة والتاريخ والتقاليد - سلما للوصول إلى كل ما هو ناقض للشرط الديمقراطي من الأساس.
إن التشكلات العصبية، كالمذهبيات والقبائليات والعرقيات، هي بُنَى عصبية، يقتضي مجرد وجودها، أنها ضد الوجود المؤسساتي، الذي هو اللبنة الأولى في تعزيز ثقافة القانون والنظام الحقوقي. وبدون مؤسسات محايدة، ذات نظام قانوني وحقوقي صارم، يتجاوز كل أنواع العصبيات؛ لا وجود لديمقراطية حقيقية. إذن، كيف تلج هذه العصبيات اللاحقوقية، في سياق ممارسة ديمقراطية، ممارسة تتغيا التشريع لهذه المؤسسات، والرقابة على إجرائياتها التنفيذية؟. كيف يصبح اللاديمقراطي، واللاقانوني، واللامؤسساتي، داعما للديمقراطية والقانون، ورقيبا على سلوكيات القائمين عليها؟.
هذا المعضل الديمقراطي، ليس وليد اللحظة، ولا الراهن العربي البائس، وإنما هو معضل مزمن، حاول كثير من رواد الفلسفة السياسية التصدي له، وتأطيره؛ حتى لا ينقض الديمقراطية من أساسها. لقد رأى فيلسوف اللاهوت والسياسة: سبينوزا، منذ أربعة قرون، أن عيب الديمقراطية يتمثل في نزوعها إلى تولية المتوسطين من الناس عقلا وقدرة، مقاليد الأمور. وهو يرى أن السبيل إلى تجنب هذا، يكمن في حصر الأمور بذوي المهارات المدربة. لأن الأعداد بحد ذاتها - كما يرى - لا تستطيع أن تولّد حكمة. وهذه إشارة إلى أن الزخم الجماهيري، لا يعني تحقيق الصواب.
ما يخشاه سبينوزا، هو الوصول بالمتوسطين إلى التحكم في المؤسسات التشريعية والتنفيذية. وهذا نقده للجماهيرية المثقفة الواعية في حالة قدرتها على الفرز الأولي. فكيف يكون رأيه في مثل هذه الجماهير العربية، التي تنساق وراء هيجان الدجل القومي أو الدجل الديني، وتمنح ذوي الحناجر الكبيرة، والعقول الصغيرة، حق التشريع لنفي الإنسان، واضطهاد الإنسان لأخيه الإنسان.
إن التعبئة الجماهيرية العاطفية التي تقود إلى النفوذ في السياق الديمقراطي، لا تحسنها إلا الخطابات العاطفية المناهضة للعقل، تلك الخطابات التي يتبعها الدهماء، كما في تعبير العقاد. ومن هنا ينبغي قطع الطريق عليها. وليس في هذا الطرح الذي يُحذّر من الجماهيرية في السياق الديمقراطي، مناهضة لحق الجماهير، وإنما هو مجرد محاولة ترشيد لطغيان (الحالة الجماهيرية) التي تشرع لاضطهاد الأفراد، من حيث وجودهم كأفراد.
إنني على يقين من أن صيانة حقوق الأفراد، التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أولى من حرية جماهيرية، تترك هذه الجماهير ذاتها؛ لتصبح وقودا لعواطفها الذاتية وغرائزها البدائية، بحيث تختار المتطرفين والعنصريين، مشرعين ومنفذين. قد لا يرضى بهذا الليبراليون الموغلون في النظري والمثالي. لكن، حقوق الإنسان - كفرد - أهم. وعلى الأقل، لم، ولن نصل إلى تلك الدرجة من الارتياب التي وصل إليها فيلسوف التنوير الأعظم: فولتير، عندما أكد بأن الناس نادرا ما يكونون جديرين بحكم ذواتهم بذواتهم. لا نقول بهذا، ولكننا في المقابل لا نستطيع أن نسلم الحقوق الإنسانية الأولى، لمن يكون الأسرع والأبرع في إشعال الحرائق الجماهيرية التي تلتهم أول ما تلتهم الإنسان.

طبيب العقول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2015-01-22, 01:46 PM   #4
طبيب العقول
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-03-02
المشاركات: 2,633
افتراضي

مصدر المقالات أعلاه :
طبيب العقول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أغراء, مقاومته؟؟, الجماهيرية, يجرؤ, عضال..


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وفاة قيادي في الحراك الجنوبي بلحج إثر مرض عضال سعدان اليافعي المنتدى السياسي 19 2011-07-17 11:14 PM
نظرة ليبيا الجماهيرية للقضايا عمر سعيد بالبحيث المنتدى السياسي 11 2010-03-26 05:38 PM
كاسه شاهي بخاري حضرمي لا عضاء المنتدى في ضيافة او عدنان الحضرمي ابو عدنـان الحضرمي المنتدى السياسي 12 2009-10-25 10:02 PM

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر