رسالة الجنوب إلى قياداته في الشتات والمهجر ( بقلم : محمد الحميدي)

[ياسر السرحي]

بسم الله الرحمن الرحيم



عدن – لندن " عدن برس " : 12 – 5 – 2010
لا يوجد شعب في العالم ثلاثة من رؤساءه ومعظم وزراءه وقياداته وكوادره المدنية والعسكرية مشردين خارج وطنهم إلا شعب الجنوب ، وهذا تعبيراً صادقاً عن حجم المأساة التي يعيشها هذا الشعب بعد احتلال وطنه من قبل الجمهورية العربية اليمنية منذ عام 1994م ، هذه الوضعية هي أكثر فتامة من الفترة التي كان يرزح فيها هذا الشعب تحت الاحتلال البريطاني قبل ثلاثة وثلاثين سنة ، لان هذا الاستعمار يدعي انه عربي مسلم شقيق ، وان وضع حكمه للجنوب مشروعاً تحت مبررات واهية ومنها أن شعبي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية هما شعب ووطن واحد .

وأصبح من الصعب على الرأي العام العربي والدولي رفض هذا الرواية بسهولة ، لان قيادة شعب الجنوب في الفترات السابقة هي من حملت هذه الأكذوبة وروجت لها, فأصبحت هي وشعبها اليوم يدفعان ثمناً غالياً نتيجة ذلك .
لكننا بقدر ما نرى أن هذه الأوضاع المزرية التي تعيشها قيادات وكوادر شعب الجنوب كمشردين خارج وطنهم هي مأساة ، لان تواجدهم لو كان داخل وطنهم قد يكون هو الأفضل للدفع بمسيرة ثورة شعبهم الحضارية التحررية ، لكن بالمقابل نرى أن هذا الوضع ينطبق عليه قول الله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيء وهو خيراً لكم ) صدق الله العظيم .
فتواجد هذه القيادات خارج وطنها له ايجابيات كبيرة ، فهي تعيش لاجئة في أوطان أخرى ، وتذوق مرارة الغربة والإذلال ، وهذا يجعلها قريبة من أوضاع شعبها المأساوية مما يدفعها إلى القيام بدورها الوطني بكل ما أوتيت من إمكانيات فكرية ومادية وتعمل على كسر الحصار الدبلوماسي والإعلامي المفروض على شعبها من قبل سلطات صنعاء ، وتكون في المقدمة قد أعادت قراءة تجاربها الماضية سواء في النضال أو في القيادة وعملت على تصحيحها بما يوحد صفوفها ورؤيتها ويعزز فاعليتها ، بالاستفادة من الأخطاء التي أوصلتها وأوصلت شعبها إلى هذه الوضعية ، وهي لن تصل إلى هذا ألمصاف إلا بالترفع عن الصغائر والأنانية وحب الزعامة ، ومد اليد بين بعضها البعض ومع قيادة الداخل ، وعدم اتخاذ القرارات الارتجالية ، وزرع روح الثقة المتبادلة والإيمان العميق بان الجميع مسولين عن قضية شعبهم ، وان كل واحد يناضل انطلاقاً من إمكانياته الزمانية والمكانية بما يستطيع تقديمه ،وإن اختلاف أساليب النضال لا يعني الاختلاف على الهدف الاستراتيجي, فالجميع متفق عليه, وهو حق شعب الجنوب في تقرير مصيره.
ومن هذا المنطلق فان المهام التي يأملها شعب الجنوب من قياداته ومناضليه ومناضلاته في الخارج متعددة الأوجه وتحتاج إلى حنكة سياسية رفيعة وقناعات نضالية صلبة تتمثل فيما يلي :
أولا : إيجاد تواصل مستمر فيما بينهم وتبادل الرأي والمشورة بما يساعد على تفعيل دورهم في كل بلد يتواجدون فيه ، وكذا على الصعيدين العربي والعالمي ، وبما يوجد رأي عام أولا متفهماً لقضية شعب الجنوب ثم متبنياً لها .
ثانياً : تبادل الأدوار فيما بينهم في خدمة تحقيق الهدف الاستراتيجي ، وزرع روح الثقة المتبادلة بان الجميع يريد الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي ولكن بطرق تناسب الزمان والمكان اللذان يناضلون فيهما, وان أساليب النضال التكتيكية هي الأساس وضرورية للوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي .
ثالثاً : قضية بحجم قضية شعب الجنوب معقدة للغاية ولا يستطيع فرد مهما كانت قدراته أو مشروعيته أن يقوم بحلها ، وان الفرد أو المجموعة لا يمكنهما فعل الكثير دون تضافر جهود معظم قيادات ومناضلي ومناضلات شعب الجنوب أن لم يكن الجميع في الخارج والداخل. بالاستناد إلى أهم وثيقة حددت المهام النضالية لشعب الجنوب بكل فئاته الاجتماعية داخل الوطن وخارجه. وهي البرنامج لسياسي للحراك السلمي لتحرير الجنوب واستعادة دولته.
رابعاً : إن التخلص من آثار وصراعات الماضي ليس بمجرد قول كلمة أو تعبير يشير إلى ذلك وإنما بالأفعال والممارسة على ارض الواقع والترفع عن الصغائر ، وامتلاك القناعة والتعهد الذاتي مع الله قبل أن يكون مع مخلوقاته بان دروس الماضي ستكون عبر تاريخية لا يمكن تكرارها .
خامساً : أن تلعب القيادات الجنوبية دوراً في توحيد الصف الجنوبي خارج الوطن ، لا أن تشتت هذه الوحدة ، وان تجعل منه داعماً مادياً ومعنوياً لنضال شعب الجنوب في الداخل ، فما أحوج هذا الشعب إلى الدعم اليوم .
سادساً : نتعشم من قياداتنا ومناضلينا في الخارج أن لا يتصدروا خلافاتهم القديمة إلى الداخل ، فهم بهذا العمل يثبتون أنهم لم يستفيدوا من أخطائهم الماضية ، وعليهم أن يدركوا أن الداخل لديه اليوم قيادة وقواعد هي وحدها في المقام الأول صاحبة الحق الشرعي في التعبير عن إرادة شعب الجنوب ، ومن يعتقد غير ذلك فهو واهم .
سابعاً : من يعتقد انه لمجرد أن قام بعمل وطني ما لصاح شعبه أن هذا الشعب أصبح مدان له ، وعليه الاعتراف له بالخضوع والركوع ، يكون بهذا الفهم جانب الصوب كثيراً لأنه يوجد في داخل الوطن من قدم تضحيات لا تقدر بأموال وجهود إنسانية ، وهم الشهداء والجرحى والأسرى والمطاردين ومن قطعت سلطات الاحتلال مرتباتهم ، ومع ذلك لم نجد منهم أو من أسرهم من يمن على هذا الشعب بما قدمه . بل نجدهم مستعدين لتقديم مزيداً من التضحيات ، ونأمل أن تكون الرسالة وصلت .
ثامناً : قيادات تاريخية وكوادر متعلمة من شعب الجنوب في الخارج كنا ومازلنا في الداخل نأمل منها أن تسخر تجاربها وملاكاتها العلمية لتقديم النصح والمشورة لقيادات الداخل لتطوير نضال شعبنا ، وتقدم لها قراءة صحيحة للأوضاع الخارجية بما يخدم الداخل . فهل هي فاعلة .
تاسعاً : كثير من قيادات شعبنا في الخارج تربطها علاقات صداقة ومعرفة بشخصيات عربية وأجنبية فاعلة من القيادات والسياسيين والمثقفين والصحفيين .. الخ) نأمل منها التواصل مع هذه الشخصيات لشرح قضية شعب الجنوب وطلب منها الدعم المادي والمعنوي ، وحتى أن كانت هذه الشخصيات خارج الحكم أو محالة إلى التقاعد فهي ستظل فاعلة حتى في التأثير على الرأي العام لبلدانها .
عاشراً : إيجاد تواصل فاعل مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الإنسان وكذا مراكز الأبحاث والدراسات ، ووسائل الإعلام ، والبرلمانات وغيرها من التجمعات المؤثرة في الرأي العام السياسي والشعبي . أي عدم ترك أي مجال نعتقد انه قد يخدم قضية شعبنا .
الحادي عشر : ما أحوج نضال شعبنا أن تقوم قياداته وكوادره ومناضليه ومناضلاته أينما وجدوا خارج وطنهم بتكوين فرق عمل محددة المهام وتشكيل جمعيات في كل بلد توجد فيه جالية جنوبية لدعم نضال شعبهم ، ولو كان عدد هذه الجالية ثلاثة أشخاص .
الثاني عشر : نناشدكم أيها الجنوبيون بالابتعاد عن فرض القناعات الخاصة بكم على غيركم وإطلاق التهم على من لا يوافقكم الرأي ، والتعصب الإعلامي والتخوين لغيركم, وضرورة تعلم ممارسة الديمقراطية ولو في حدودها الدنيا فشعب الجنوب يناضل من اجل استعادة دولته وأن تكون هذه الدولة ديمقراطية وتعددية وليس دولة الحزب الواحد أو القائد الملهم الأوحد. وقياداتنا في الداخل تم انتخابها بنوع من الديمقراطية لا بأس به، كما أن أهم شعار رفعناه أن كل مواطني ومواطنات شعبنا جميعاً مناضلون ومناضلات ، ومن لم يكن معنا اليوم سوف يكون معنا غداً,. ولائنا لله ثم لوطننا مستعدون للتضحية في سبيل قضية شعبنا .
إن هذه الكلمات والأسطر ليس رسالة شخص وإنما رسالة وطنكم السليب الجنوب .. رسالة شعبكم الصامد إلى أبنائه وبناته الأبطال .. رسالة أرواح الشهداء التي تحلق في سماء وطنكم ...رسالة دماء الجرحى التي تصبغ تربة وطنكم بلونها الأحمر القاني .. رسالة عذابات أسراكم في غياهب السجون .. رسالة مناضلي ومناضلات شعبكم من ميادين التضحيات ، فأوصلوها إلى غيركم من أبناء وطنكم .

والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
ـ الجنوب ـ عدن .