الى والدي الحبيب بقلم الاخ منيف مثنى سالم عسكر

[نيران الثورة]

حاولت أن اكتب هذه الكلمات في الذكرى الثالثة لرحيلك ولكن الظروف التي نعانيها أخرتني من توصيل ما كتبت للنشر في ضل الأوضاع الراهنة فقد كان مقرر أن تصدر قبل أيام بالتحديد في 22 من مارس

لا أخفيك يا والدي بأن أناملي ترتعش وهي تكتب هذه الأسطر التي اختزل فيها مسيرة حياتك العامرة بالنضال والتضحيات والشرف والرجولة لقد مر ثلاث سنوات عجاف علينا منذ أن رحلت عنا إلى الرفيق الأعلى في 22 من مارس عام 2008 م مترجلا ولاحقا بركب رفاقك الأحرار قافلة الذئاب الحمر

أتذكر ذالك اليوم الكئيب والذي لم تسعفني فيه حجوز الطائرة بأن اصل إليك وأنت في منفاك القسري في قاهرة المعز صابرا محتسبا رافع الرأس والهامة وثابت في مواقفك وفي مبادئك وفي نضالاتك لم يستطع أي احد أن يشتري منها شي لان أمثالك من المناضلين لا يبيعون تاريخهم بشي من ترف الدنيا الزائل أتذكر حينما اتصلت بك مخبرا باني سوف أتي في ذالك اليوم الذي رحلت فيه إلى بارئك وأنت تخبرني بصوت قوي كما عهدتك وتقول لي بلغة أهل ردفان البسطاء ( اجلس يا بني ولا تكلف نفسك أنا بخير العمر واحد والرب واحد) يرحمك الله يا والدي الحبيب انتقلت إلى الرفيق الأعلى بعصر ذالك اليوم في منفاك القسري في جمهورية مصر العربية ولا يوجد معك غير أمي الحبيبة أطال الله بعمرها وأختي الصغيرة أما أبنائك الآخرين فقد كانوا بعيدين عنك فقد علمتهم أن لا يمدوا أيديهم لأحد وان يكافحوا في هذه الحياة لأجل لقمة العيش الشريفة أتذكر حين وصولي في صباح اليوم الثاني إلى البيت الصغير المتواضع في مصر وانا أجد الحزن مخيم عليه فأبي الذي كان يستقبلنا بضحكته وابتسامته البشوشة عندما كنا نأتي بعد انتهى عام دراسي لم يستقبلنا هذه المرة ولم يجلس معنا ويسألنا عن الأهل والأوضاع في اليمن التي كانت في حنايا فؤده حتى مات وصلت ولم أجد مثنى عسكر الإنسان والأب والمناضل والجد بل وجدت عند دخولي لصالة البيت نظارتك فوق طاولة التلفزيون التي كنت طوال اليوم تقراء بها أخبار اليمن وأخر التطورات عبر صحيفة الأيام والمواقع الالكترونية وعرفت أني فقدتك لحضتها أتذكر يا والدي كيف كان حنينك وشوقك للوطن وللجبال والسهول التي ترعرعت فيها وأعطيتها من كفاحك ودمائك ونضالك الشيء الكثير أنت ورفاقك المناضلين الحقيقيين وأتذكر حنينك للأرض التي كافحت لأجل عزتها فدائيا من أبطال ثورتها المجيدة وإذا بلصوص التاريخ الذين يتسلقون على جماجم البسطاء وعلى تاريخ الشرفاء والمناضلين ينفوك عن الأرض التي طالما أعطيتها من كفاحك ونضالك وبطولتك الشيء الكثير وتضل أنت وأمثالك من المناضلين مشردين حتى يتوفاكم الأجل ولصوص التاريخ يتنعمون بأنجازاتكم ونضالاتكم ويزورون كل شي حتى أنهم يكتبون لأنفسهم تاريخ مزور ورصيد نضالي يصدر من المنتجعات والشاليهات وأماكن السونا والاستجمام بل ويتلونون على كل لون لما يخدم مصالحهم وحفظ ثرواتهم الملطخة بالدماء والفساد

أتذكر شوقك للجبال والأرض وأنت تطلق الزفرات شعرا بكبرياء المناضل وصمود البطل قائلا لها بكلمات نابعة من قلبك الطاهر النقي وبلهجة أهل ردفان البسيطة واعيد هنا بعض مما قلته

يا شوق قلبي لرؤيتكم وتلك الجبال

ذي في رباها شربت الحب شربه هنيه

ذي كنت فيها فلاح بالمحر والنبال

وكنت برعي مع الرعيان في كل ليه

يا أرض تربينا فيها وخضنا النضال

من ينكره جاحد وذمته مهتريه

حقا يا والدي أقول كما قلت من ينكر نضالكم فهوا جاحد وذمته مهتريه بل اكرر ما قلته موصيا الشباب في شعرك قبل أن ترحل وكأنك تعلم بحكمة المناضل انه سوف يأتي من بعدك عصر الشباب الذين سوف يسيروا على درب النضال الحقيقي حيث قلت لهم

تمسكوا يا شباب دايم بحسن الخصال

الصبر مطلوب لو لحوال ماهي سويه

محد مخلد بها مصيرها لزوال

ويبقى العز والناموس من رأس ليه

وأتذكر قول ولدتي وهي تخبرني انه عند إسعافك للمستشفى في سيارة التاكسي كنت تردد كلمة التوحيد وعندما أراد المسعفون أن ينزلوك على الكرسي المتحرك رفضت ونزلت واقفا على قدميك وتوفاك الله بعدها بلحظات

ليرحمك الله لقد سقطت واقفا لان أمثالك من المناضلين والشرفاء لا يسقطون إلا واقفين رحلت خاليا من ترف الدنيا وفي قلبك هموم وطن وكفاح أمه
فقد كنت محافظا على صلاتك في أوقاتها واحمد الله الذي أديت فريضة الحج وكنت مرددا لشهادة التوحيد وأنت في سكرات الموت حتى انتقلت إلى بارئك الأعلى
وتم تشييع جثمانك الطاهر في موكب جنائزي مهيب مبتدى من عدن التي عاهدتها أن تعود إليها حيا أو ميتا ومتوجها إلى مسقط رأسك في ردفان صانعة المناضلين والشرفاء واتاك الناس من كل محافظات الوطن وتذكرت يا والدي تلك الكلمات التي قلتها لي بعد صلاة الفجر في مصر في يوم من أيام الدهر حينما كنت أناقشك انك لم تترك لنا شي وقلت لي بقلب الأب والمعلم ويشهد الله الذي لا اله الا هوا أني أقولها كما قلت أنت ومخبرا لي قائلا (يا ولدي ثق أن الأموال تذهب والمنزل يذهب والسيارة تذهب ويدخل الإنسان وحده في القبر ويبقى له عمله وتاريخه المشرف وحب الناس واحترامهم له) ولا اخفيك أني لم افهم كلامك يومها ولكن بعد أن أنزلت جثمانك الطاهر القبر وبعد أن أهلت عليه التراب وتطلعت إلى الأفق ناظرا إلى كل تلك الآلف من الوجوه التي زحفت من كل المحافظات لتشييعك تذكرت لحضتها كلماتك لي ونزلت دمعه على خدي وقلت حينئذ (لقد فهمت يا والدي) لقد رحلت ولم تترك لنا لا ثروة ولا منزل ولا سيارة ودخلت القبر لوحدك وبقي لك عملك وهذا الاحترام والتقدير الذي جاء بكل هؤلاء لوداعك وهذه رسالتي لمن بقي من المناضلين انه لن يدخل معهم أي شي من ترف الدنيا في قبورهم بعد عمر طويل بل تاريخ ينبغي أن يشرفوه لأبنائهم ولوطنهم بمواقف خاليه من الصراعات ألذاتيه بل إيثارا منهم لقضايا ألامه

لقد بدأت حياتك النضالية يا والدي في أسرة فلاحيه متواضعة في جبال ردفان الشامخة التي استمديت منها العنفوان وجلادة الشباب وذهبت للكويت في الستينات باحث عن لقمة العيش الكريمة ولكن المد الثوري تفجر وانخرطت مع رفاقك في وقت مبكر في الجبة القومية وتركت كل شي ورائك وعدت مقاتل ضد الاستعمار البريطاني مع رفاقك قافلة الذئاب الحمر ومعهم كل شرفاء ومناضلي الوطن وضللت مجاهدا مع طلائع المناضلين في جبهة ردفان الشرقية مفجرا ثورة أكتوبر المجيدة وضللت متنقلا في مختلف الجبهات في الضالع وفي شوارع مدينة عدن الباسلة ومدافعا أيضا عن ثورة سبتمبر مع رفاقك سالم ربيع علي وسعيد صالح سالم وعبدلله عبدالكريم القطيبي والحاج صالح باقيس وعبود ومدرم وغيرهم العديد لا تكفي الأسطر لذكرهم وأسست مع رفاقك بعد الاستقلال القوات المسلحة واللبنة الأولى للجيش اليمني الحديث في عام 68 م وتدرجت من قائد سرية إلى قائد كتيبة في لواء عباس ثم شاركت على رأس المشاركين في طلائع قوات الردع العربي إلى جنوب لبنان عن جيش ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) وضللت هناك مدافعا عن قضايا ألامه وليس فقط عن قضايا الوطن ثم أكملت دراستك الأكاديمية حاملا لشهادة البكلاريوس و الماجستير في العلوم العسكرية من اكدمية فرونزا العريقة في الاتحاد السوفيتي ومديرا للاستخبارات العسكرية ثم نائب لرئيس الأركان ومستشارا لوزير الدفاع في ضل وحدة عام 90 م ومن ثم أخرجت مشردا عن الوطن إلى بلاد أخرى وروحك وعينك تحن إلى تلك الجبال التي رسمت فيها مع رفاقك المناضلين أروع اللوحات على صدوركم المليئة بالجراح أوسمه تشهد لكم على نضالكم وتضحياتكم لأنكم انتم وغيركم من المناضلين من صنع التاريخ المشرف لليمن وليس أنصاف الرجال الذين يظهروا على جيف الموتى والقتلى مخبرين العالم أنهم هم المناضلين وهم ينامون على أموال وثروات البسطاء والمطحونيين يرحمك الله يا والدي الحبيب وانا أرثيك اليوم بعد غياب ثلاث سنوات على رحيلك ولكني أبشرك بأن اليمن اليوم تمضي إلى فجر جديد فجر الحرية والكرامة ولن تضيع تضحياتكم ونضالاتكم بلا ثمن أؤكد لك يا والدي بانا ما زلنا على خطاك برغم إننا قد عانينا بعدك الكثير وأتذكر تلك المساومات التي أتت من السلطة بعد رحيلك بأن يرجعوا لنا منزلنا وحقوقنا جميعها التي نهبت منا على أن نزمر ونطبل كما يفعل ضعفاء النفوس الآخرين ولكن أبشرك يا والدي أن ردنا كان صارما أن هذه حقوقنا ولن تمنوا علينا بشي من عندكم فأن شئتم إرجاع حقوقنا بكرامه وألا كما استطاع والدنا أن يعيش من غيرها بشرف ورجولة فنستطيع أن نكمل من غيرها ولا أخفيك يا والدي أن أسرتك الكريمة ضلت مشرده من بيت إيجار إلى أخر ومن ظرف إلى ظرف ولكن لن يثنينا شي عن مواصلة الطريق الذي سلكته أنت ورفاقك المناضلين واشهد الله الذي لا اله الا هوا يا والدي انك لم تترك لنا كما يفعل أنصاف الرجال اليوم وناهبي الثروات لم تترك لنا العقارات أو السيارات أو الارصده وفارقتنا خالي من ترف الدنيا وزينتها ولكنك تركت لنا ميراث مشرف هوا نضالك ورجولتك وشرفك ويكفينا هذا الإرث الذي نشعر معه كل ما تنقلنا في عموم اليمن بالمكانة التي تركتها لنا من التقدير والاحترام ويكفينا هذا الإرث المشرف ويؤسفني بعد رحيلك أن يخرج في هذه الأيام اللصوص وناهبي التاريخ والمطبلين ويطلوا على الفضائيات ويتحدثوا عن النضال والتضحية وأفواههم وجيوبهم مليئة بثروات البسطاء يحز في النفس أن يتكلم أنصاف الرجال والمطبلين والمزمرين ويشرد ويقهر ويظلم المناضلون الحقيقيون ولكن فجر الحرية قريب ولن يضيع تاريخ الشرفاء هدرا
أترحم في أخر كلامي على روحك الطاهرة النقية وعلى كل من سقط من أبناء شعبنا في ميادين التضحية والفدائية والكرامة واسأل الله جل وعلا أن يتغمدك أنت وكل المناضلين والشرفاء بواسع رحمته ولا أقول إلا ما يرضي ربنا

إنا لله وإنا إليه راجعون

ابنك الذي سوف يضل مفتخرا بتاريخك المشرف

منيف مثنى سالم عسكر‬