اول رئيس يتشبث بالاستقالة

[ابومحمدالناخبي 2010]

اول رئيس يتشبث بالاستقالة








ماجد علي الداعري:
سجل الرئيس اليمني المستقيل عبدربه منصور هادي،موقفا رئاسيا موفقا وغير مسبوق في تاريخ رؤساء بلد، يعد أول حاكم جنوبي وشافعي له،بعد إصراره وتشبته بقرار استقالته التي قال أنها جاءت بعد وصول العمل السياسي إلى طريق مسدود،نتيجة المؤامرات ونقض الاتفاقيات وخذلان القوى وشركاء العملية السياسية للهدف المشترك الذي أراد السير بالبلد اليه من أجل يمن جديد يتسع للجميع.
قدم الرئيس هادي استقالته من الرئاسة بصورة مفاجئة ودون سابق انذار، وأعلنها بكل بساطة ووضوح وعبر ورقة واحدة اختتمها بالاعتذار للشعب اليمني،ولم يطالب بمبادرة خليجية او عربية او ينتظر ضغوط وتهديدات من مجلس الأمن، أو يتقدم باشتراطات و مطالب شخصية أوحصانة له ولأركان نظامه،ماجعل الكثير من منتقديه ومتهميه بالتعاطف معه واحترام ربطة جأشه وتشبثه الغير مسبوق في تاريخ اليمن والمنطقة إن لم يكن والعالم أجمع،بقرار استقالته النهائية ودعوته للشعب الى الحفاظ على الامن والاستقرار والقوى السياسية الى سرعة التوافق على حل أزمة الفراغ الدستوري وترك السلطة تمضي في طريقها الدستورية، وفق مانقل عنه اعلاميا.
فشلت كل الجهود والمساعي الأممية التي بذلها ويبذلها المبعوث الأممي الى اليمن جمال بن عمر ،في اقناعه الرئيس هادي للعدول عن قرار استقالته،بعد اعلان مجلس الامن وأمريكا ودول مجلس التعاون الخليجي عن تمسكها بشرعيته الدستورية المتمثلة بانتخابه ديمقراطيا من قبل قرابة 8 ملايين يمني، رأوا فيه المخلص والمنقذ الوحيد المتفق عليه يمنيا لأول مرة وبشكل نادر في بلد موبوء بصراعات سياسية مصبوغة بالقتل والدماء،غير أنه لم يغتر بكل هذه المشروعية ولم يرضخ أو يستمال لكل الاغراءآت والوعود والتنازلات التي عرضت عليه في آخر لقاء جمعه ببن عمر ومع ممثلين عن أحزاب وقوى يمنية حاولت قبل يومين اقناعه بالعدول عن قرار استقالته او القبول برئاسة مجلس رئاسي،كون قرار استقالته نهائي كما أكد ذلك في أكثر من تصريح غير رسمي خرج من منزله المحاصر بمليشيات قبلية تطالبه بالعودة الى كرسي الرئاسة، كإحدى أغرب مفارقات المحارب المتخبط بتحديات انتصاره الساحق.
استقال هادي وسط أمواج عاتية من الاتهامات التي توجه اليه إلى درجة اتهامه بالتآمر على نفسه وأركان نظامه، نتيجة حسابات عسكرية وسياسية خاطئة،غير ان المتابع الواعي لحقيقة مجريات الأموار والتطورات التي شهدتها اليمن، يدرك جيدا وبوضوح، تكالب القوى اليمنية وتآمرها على اسقاط الدولة بكل الوسائل،لاستكثارها، حقيقة احتكامهم لجنوبي من غير سلالتها العنصرية والمذهبية والجغرافية التي لم يحتكموا يوما لغير معاييرها المهينة، إضافة الى اعتبارهم أن الرئيس هادي ليس سوى “لاجئ لديهم بالأول والأخير، كما أفصح عن ذلك الرئيس السابق علي عبدالله صالح في رسالة “الشماتة” المقيتة، التي بعثها بالوقت الضالع الى خلفه “هادي” قبل يومين من استقالته، والتي ذكره فيها بهروبه من الجنوب عقب أحداث 13 يناير 1986م واستقباله له بصنعاء.
أعلن هادي استقالته من داخل منزله الكائن بقلب العاصمة اليمنية صنعاء، ولم يحاول الهرب لإعلانها من بلد آخر أو حتى من مسقط رأسه وعاصمة دولته الجنوبية السابقة التي يطالب الملايين من أبنائها منذ عدة سنوات، باستعادة استقلالها كحل لابديل عنه لقضيتهم الجنوبية،ولم يحاول الابتزاز السياسي الرخيص باسم الجنوب للبقاء او التشبث بكرسي سلطة يبكي سلفه فقدانه لها حتى الساعة،ولم يحاول استثمار شرعيته الديمقراطية للحصول على مكاسب شخصية، ولا استغلال تأييد العالم له ولشرعية نظامه السياسي،في المفاوضة مع محاصريه لمنحه حق مغادرة اليمن أو العودة الى اهل مدينته الجنوبية التي عاش فيها،استقال وبقي بمنزله يستقبل زواره والوفود التي تصل اليها صورة يومية منذ استقالته قبل 12يوما بعد قرابة ساعتين فقط من استقالة حكومة الكفاءآت برئاسة خالد بحاح.
رحل الرئيس هادي من كرسي الحكم في بلد لم يحكمه بعد،رغم مرور قرابة 3 اعوام من تسلمه الشكلي لبقايا دولة مشلولة المؤسسات وخاوية القوى وعديمة الامكانيات،وحاول جاهدا خوض التحدي والسعي لاستعادة الدولة من بين مخالب ذئاب أحكمت قبضتها على أشتاتها طويلاً، اضافة الى تسلمه الوهمي لزمام قيادة جيش عديم الوطنية،ومشتت بولاءآته الشخصية،بصورة أوصلته الى التناحر بشوارع العاصمة،وكان لزاما عليه ايقاف نزيف الدم واعادة هيكلته العائلية بمايضمن استعادة ولو “النزر اليسير” من ولاءآته الوطنية الكفيلة باحترامه لهيبة بزته ودفاعه عن مقدساته العسكرية التي لم يحمها مع الأسف.
رحل الرئيس هادي من السلطة بكل سلام وبأقل كلفة ممكنة،بل وفي لحظة كان فيها حريصا وبكل شجاعة، على مواجهة كل المخاطر والتحديات التي أحاطت به وبأهله، ولم يقبل أن يقدم حراسه قرابين لنجاته وأفراد عائلته من مخاطر الموت الذي أودى بعدد منهم، لحظة مهاجمة الحوثيين لمنزله وحراسه في ظل اصراره على التواجد فيه،وفق تأكيد أحد مستشاريه.
*رئيس تحرير شبكة مراقبون الإخبارية..