ماذا تريدون من ابنا الضالع

[ابو سمراء]

لم تصل الأمور إلى هذا الحد من الضبابية وانعدام الرؤية -الذي أوصل الأمور إلى هذا الوضع المخيف من التردي- إلا نتيجة لتغييب دور القانون حيال مجمل الاختلالات التي ظهرت وابتدأها أولا نافذون ومشائخ سمح لهم بتجاوزه لدواعي كسب ولاءاتهم وأصبح بعد ذلك مثل هذه التجاوزات سوابق تم البناء عليها.

وانكسار هيبة الدولة بهذا الشكل الذي بدأ يهدد وجودها كان من أهم أسبابه امتلاكها لسيفين إحداهما من حديد والآخر من خشب وكلاهما غير محمي بقانون مما جعلهما في نهاية المطاف يتساويان بعدم القدرة على الفعل.

جنود ومواطنون أبرياء دفعوا من أمنهم واستقرارهم وبعد ذلك أرواحهم ثمنا لغياب القانون الذي حلت محله سياسة الاحتواء واختيار حلول فردية انتقائية لم تحل الأزمة بقدر ما زادتها تعقيدا.

أحداث الضالع المؤسفة تمثل تداعيا مخيفا لأزمة ظلت السلطة والمعارضة تتعاملان معها باعتبارها مادة سياسية يمكن من خلالها تحقيق نقاط كلا على الآخر دون أن يتم اعتبارها قضية وطنية يمكن أن تمثل نقطة التقاء للتباحث حولها.

اليوم ومع حدوث هذا المتغير المتمثل بالتخريب للممتلكات العامة والخاصة وإيذاء الأبرياء ما زال الحزب الحاكم والمعارضة يجتران نفس الاتهامات ويمارسان ذات الابتزاز للشعب دون أن يقدم أي منهما تفسيرا منطقيا لظهور مثل هذا المزاج الشاذ والذي يخشى من تناميه إلى حد يصل معه إلى مواجهة حقيقية يدفع ثمنها البسطاء.

الخشية أن تتحول المحافظات الجنوبية إلى ساحة لصراع أطراف أخرى يتم من خلالها تصفية حسابات وترتيب أولويات المرحلة القادمة وهو ما تم تجريبه في محافظة صعدة ولم يحقق النجاح لعدم توافر عوامله في هذه المحافظة التي لا تمتلك مقومات محافظات كانت تمثل دولة لها أهميتها على المستوى الإقليمي والدولي.

يقع على الدولة واجب التصرف بحكمة القادر لا المتهور العاجز فاقد الحيلة وفي إطار القانون الذي عادة ما يُغيَّب في مثل هذه الأزمات وكأن البلد واقع تحت حكم الطوارئ.

في القضية الأخيرة تم اعتقال سياسيين من منازلهم وليس من موقع المواجهات التي كان يفترض وجودا فاعلا للأجهزة الأمنية لكي تردع مثيري الشغب ومنتهكي القانون، لأن واجب الأجهزة الأمنية هو منع وقوع الجريمة لا التفرج عليها وهي تمارس فعلها بحرية كاملة.

وفي مسألة أحداث شغب ليس من المعقول أن لا يتم القبض على أي من مثيريه رغم المدة الطويلة التي ظل هؤلاء يمارسون فيها أعمال التدمير.

هناك أسباب أدت إلى فلتان أعصاب الناس قد يكون العامل الاقتصادي الذي لم تتم معالجته أحد أهم أسبابه ولكن يظل تجاهل السلطة لقضايا هذه المحافظات والذي استمر طويلا أحد الأسباب أيضا بالإضافة إلى مجموعة عوامل منها الذاتي والسياسي الموجه.

ولكن كان يمكن لكل هذه العوامل أن تفقد قدرتها أمام إرادة سياسية حقيقية تعترف بأسباب الأزمة وتصدر قرارات جادة بحلها ولا تخشى معها غضب الأقارب أو خسارة النافذين من الحلفاء.

منقول صحيفة الوسط