الاستئثار باتخاذ القـرار:: عـبـر ودروس ومقاربة في المعنى والمبنى (الاستقلال الاول للجنوب)

[الفجر الباسم]

الاستئثار باتخاذ القـرار:: عـبـر ودروس ومقاربة في المعنى والمبنى

قبل الموعد المحدد بأيام من جلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب بالثلاثين من نوفمبر عام 1967م, عمّت الأفراح أرجاء الوطن وتواصلت الاحتفالات لأسابيع ابتهاجا بتلك المناسبة الوطنية الكبرى. ورغم التفاعل الايجابي وفورة الحماس الشعبي مع الحدث الوطني في كافة مناطق الجنوب إلاّ إن بهجة الفرح لم تدم طويلاً, فبعد أشهر قليلة من الاستقلال ظهر التباين ونشب الخلاف بين صانعي الاستقلال وأفضى إلى صراع عنيف ومرير, بدأ بأكل صانعي الاستقلال لأبناء الوطن ولبعضهم البعض, وأنتهي بعد دورات دموية متتالية إلى رمي شعب الجنوب ومقدراته في أحضان أعفن وأهمج قبيلة عرفها التاريخ القديم والحديث.

لقد كانت مراحل صعبه وقاسية غلب على محطاتها الكثير من المآزق وتكرار المآسي والمحن بحق شعب الجنوب, مراحل كان لأحداثها الدموية ارتباط وثيق بمؤثرات للعديد من العوامل الخارجية وبالأوضاع والمتغيرات والأحداث العالمية... وكان لتحالف النظام الحاكم مع الخارج ولقوة الاستقطاب والتجاذب بين الشرق والغرب التأثير الأكبر على تأجيج الصراع واستمراره بين أركانه وتوجيه مجريات الأحداث في الجنوب, ولطبيعة العقيدة الفكرية والإيديولوجية التي انتهجها النظام الحاكم وفرض الولاء والتبعية للخارج.

ومن حينها... ما يفتأ شعب الجنوب بالخروج من إحدى تلك المرحل القاسية حتى تتلقفه أخرى أشد قسوة ومرارة من سابقاتها... دُفع شعب الجنوب قسرا إلى مستقبل ومصير لم يكن له فيها لا خيار ولا قرار... تبلورت لدى حكامه السابقين مصطلحات سياسية دخيلة عليه, لم تكن معهودة ولا متداولة في السابق, مثل: الشطرين, الجنوب والشمال, واحديه النضال المشترك للقوى التقدمية والوطنية اليمنية... ومن حينها عملت تلك القوى التي تدعي وحدة النضال والمصير والوطن, على تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني, ليكون الأداة والوسيلة المحققة لليمن الديمقراطي الموحد.

ما نلاحظه اليوم, إن ما لم يكن بحسبان أخواننا الجنوبيين في الحزب الاشتراكي اليمني نتيجة احتكار التفكير والقرار, أن أنقلب السحر على الساحر كما حصل في الانقلاب الوحدة, وشن العدوان الغاشم ضد الجنوب واحتلاله عام 1994م. إذ إن احتكار التفكير والانفراد باتخاذ القرارات, وجعلها مبنية على العاطفة وتسطيح المسائل الوطنية المصيرية والمستقبلية للشعوب, يكبح أفق التفكير المنطقي والعقلاني المبني على الحقائق التاريخية والموضوعية والذهنية, ويدخل المحتكر للتفكير والمنفرد بالقرار شعبه ووطنه في دوامة من مواقف التضاد مع الآخر كما هو حاصل اليوم, وفي لعبة التماثل والانعكاس بصورتها المؤدلجة تحت مبررات وهمية ومخادعة, مثل: توحيد الشعوب والأوطان التي جزئها الأجنبي كونه عمل من عقيدة الأمة وصلب الدين.

هل لنا الاتعاظ مما صار وجرى في المراحل السابقة؟. والاستفادة من دروس وعبر الماضي, وأن نضع ما سلف نصب أعيننا حين نقوم بالتفكير أو اتخاذ القرارات بالشأن الوطني العام, وأن نجعل مسافة بين طموحات وتطلعات شعب الجنوب والإمكانيات الذاتية القابلة للتعبئة والعمل بها في معترك النضال الوطني من أجل الهدف المنشود, حيث لا تنفع الإرادات اللفظية أو الجانبية المثقلة بأخطاء الانفراد والتفكير الأحادي سوى القفز إلى المجهول بهدف اختزال المسافة, بل إن ما ينفع في حالتنا هو الأخذ بالموازنة بين ما تفرضه علينا طبيعة العمل واحتياجاته ومتطلباته وما نملكه من إمكانيات ذاتية, وبهذا الأسلوب نستطيع صياغة مشروع عملي عقلاني, يقرب هذه المسافة دون أن يحرق مراحل استحقاقاتها.

وفي المقابل, علينا أن ندرك بأن ربح الرهان السياسي/المؤسساتي, يقتضي التغيير في أسلوب تفكيرنا وطريقة اتخاذنا للقرارات, كما هو بأحداث تغيير عميق في وعي الناس وفي تنقية مداركهم إزاء المحيط الجغرافي والكوني, لتغدو نظرة العالم إلى قضيتنا أكثر عقلانية وأجلى وضوحا وأقل تأثرا بالخطابات الشعوبية. وعلينا العمل على تعزيز التلاحم الشعبي على مستوى الوطن والتوافق على حد أدنى يرسي تعددية اجتماعية وسياسية حقيقية, واكتساب قيم الشراكة والمشاركة والتضامن ووحدة المستقبل المصير.

بقلم/ المسعودي اليافعي

[فارس لبعوس]

سرد تاريخي رائع ويجب ان نستفيد من اخطاء الماضي لنبني مستقبل افضل لاجيال الجنوب

تحية لكاتب الموضوع ولناقلة