شروط الثورة الناجحة في كل زمان ومكان

[جنـــوبي حـــر]

بسم الله الرحمن الرحيم

شروط الثورة الناجحة في كل زمان ومكان
يمكن إن نلخص الشروط الأساسية التي لابد من توفرها في كل ثورة حقيقية وناجحة من منظور إسلامي بخمسة شروط هي:
1-الشرط الإلهي للثورة: أي أن تكون الثورة والحركة التغيرية مرتبطة بالله سبحانه وتعالى وقضية الارتباط بالله سبحانه قضية ذات أهمية بالغة في المنظور الإسلامي في كل ثورة ناجحة ،ويعتبر طريق التكامل الإنساني في الحياة الدنيا والآخرة ويعطي هذا البعد الإلهي الثورة بعدا وزخما لايمكن أن تجده الثورة عندما لايكون هذا الارتباط موجودا فيها حيث يكون لهذا الارتباط تأثير بالغ على كل الشروط الأخرى التي سوف نشير إليها بعد ذلك0 ولعل أوضح مثال على فاعلية وآثار هذا الشرط هو نفس حركة الأنبياء في التاريخ الإنساني ومن هنا نجد هذا البعد والتأثير العميق لحركة الأنبياء في نفوس البشرية والناس ونرى هذا التقديس والالتزام الذي لاينفصم لدى الناس تجاه هذا التحرك فالإنسان الذي يرى الأشياء في هذا الوجود من خلال الأمور المادية والمصالح المحدودة بعيدا عن الارتباط بالله سبحانه وتعالى سوف تكون رؤيته للأشياء مهما اتسعت أو امتدت في حدود هذه الدنيا وحدود متطلباتها وسقمها وملذاتها وآلامها وماسيها تكون نظرة من خلال هذه الدنيا المحدودة فقط00
2-الشرط الإنساني للثورة: يعتبر هذا البعد الطاقة المحركة في داخل الإنسان ،إما عندما لايكون للثورة هذا البعد الإنساني فلا يمكن لهذه الثورة أن تحرك هذا الإنسان إلا بشكل محدود وعندما نقرا تاريخ الأنبياء نجد أن هناك خصوصيتين في تحرك الأنبياء إضافة إلى البعد الإلهي وهما :الأول مقارعة الظلم ورفضه0والثاني كرامة الإنسان وعزته وحريته الحقيقية والكاملات التي تجسد طموحه وآماله وتطلعاته في الحياة وقد اهتم النبي محمد (ص) في رسالته بهذا الجانب الإنساني عندما تحدث عن رفض الأصنام والوثنية والأوهام والخرافات والتقليد وتحدث عن تقييم العلاقات القبلية والاجتماعية ورفض الظلم والذي كان يمارسه الطغاة تجاه الناس وعمل النبي (ص) على تحرير إرادة الإنسان من الشهوات ودعا إلى العزة والكرامة الإنسانية والمساواة بين الناس إلى غير ذلك من المعاني الانسانية0
3-الشرط العملي للثورة: لابد أن يكون وراء كل ثورة عقل يخطط لها تخطيطا علميا ينسجم مع السنن التاريخية ويسير بهذه الثورة إلى تلك الأهداف وأما إذا فقدت الثورة الخطة الصحيحة والرؤية الواضحة للواقع والأهداف وتفقد التدبير والحكمة في العمل والمنهج والأسلوب حينئذ يمكن أن تتحول هذه الثورة إلى مجرد انفعالات عاطفية أو مشاعر حساسة نبيلة أو إلى مجرد ردود فعل وتمرد وانعكاس للواقع السيئ ولا تصبح عملية تغييريه بناءة تهدف إلى العدل والقسط والتكامل الإنساني وتتحول إلى فوضى اجتماعية لايمكنها أن تحقق أي مصلحة للمجتمع أو أن تصل إلى غاية صحيحة ،ويدخل في هذا الجانب عنصر مهم جدا وهو المبادرة ورد الفعل وهو لابد من اخذ زمام المبادرة في العمل الثوري التغييري وعنصر المبادرة يختلف بحسب الحقيقة عن عنصر رد الفعل فالإنسان الذي يقتل في سبيل الله ويستشهد يمكن أن نفترض له فرضيتين أحداهما الشهادة في حالة المبادرة والأخرى الشهادة في حالة ردة فعل الإنسان الذي يستشهد في حالة البادرة معناه أن هذا الإنسان بتخطيط وتصميم مسبق يفكر بالقيام بعمل تغييري معين يؤدي به إلى الشهادة ثم يستشهد فشهادة هذا الإنسان هنا تكون شهادة مبادرة وهدفها كبير وقد خطط لها مسبقا واتخذ قرارها 0 وقد يستشهد هذا الإنسان مظلوما وبعدوان من الظالمين ايظا ويكتب أن شاء الله عند الله في الجنان لكن لايكون هذا الاستشهاد مخططا له أو لا يكون له دور تغييري وإنما هو تعبير عن رد الفعل والإحساس بالظلم فيكون هذا الاستشهاد منطلقا على أساس أن الظالم من اجل أن يفرض هيمنته وسيطرته على الناس لابد له أن يخيفهم أو يمنعهم من كل أشكال التحرك فيقوم بقتل الناس المؤمنين 0هؤلاء أيضا أن يكونوا شهداء على الظلم والعدوان باعتبار أنهم قتلوا بسيف الظالم ظلما وعدوانا ومن اجل إيمانهم بالله سبحانه وتعالى ولكن هذا الشهيد لايكون شهيد مبادرة وثورة وتخطيط ولايون شهيد تفكير وتصميم مسبق على تحقيق هذه الشهادة وإنما يكون شهيد قمع واضطهاد وظلم0
4-الشرط العاطفي للثورة: فالبعد العاطفي والوجداني يمثل وقود الثورة لان الوعي والإدراك للواقع الفاسد وحده والتخطيط وتشخيص الأهداف وحدها لايحرك الإنسان بل يهديه إلى الطريق الصحيح وينير له الدرب وإنما الذي يمنح الطاقة والقدرة على التحرك والاندفاع هو الجانب الوجداني في الإنسان فالثورة تحتاج إلى الأهداف والشعارات والمفاهيم والتخطيط ولكن تحتاج ايظا إلى هذا الجانب الوجداني من اجل أن تكون قادرة على الحركة وقادرة على الفاعلية لان الجانب الوجداني هو الطاقة المحركة للإنسان والعقل والأهداف المقدسة تمثل عنصر الهداية واختيار الأسلوب والمنهج الموصل للهدف والجانب الوجداني للثورة الصحيحة دائما ينطلق من حب الإنسان إلى الله سبحانه(والذين امنوا اشد حبا لله) فلا بد من تعميق عنصر الحب لله لأنه هو الذي يثير العاطفة والوجدان اللذان يحركان الإنسان نحو الهدف ويكون مستعدا للتضحية0
5-الشرط الجماهيري للثورة: قد تملك الثورة الأبعاد الأربعة السالفة الذكر 0ولكن لابد من أن يكون لها وجود جماهيري وقاعدة واسعة في الأمة تتفاعل معها وتؤمن بمفاهيمها وشعاراتها وأهدافها وأما إذا كانت الثورة موجودة في قائد واع مدرك متحمل لكل هموم الإنسانية وتتمثل فيه الإبعاد الأربعة ولكن هذا القائد في معزل من الجماهير ووعيها لضرف من الضروف أو لسبب من الأسباب 0 أو إذا كانت هذه الثورة في نخبة من الناس صالحة ومؤمنة بالله سبحانه مستوعبة للإسلام ومستعدة لان تبذل كل وجودها وقدراتها وكل ما لديها في سبيل القضية ولكن هذه النخبة لم تكن موجودة في أفكارها وشعاراتها وأهدافها في أوساط الجماهير هنا لايمكن أن تحقق الثورة أهدافها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته