على قارعة الطريق ..

[طائر الاشجان]

كعادة أي مغترب يسمعك تتحدث فيكتشف للتو أنك قريب من أبناء جلدته ، فيبادلك التحية لترد عليه بأحسن منها ، وهذا ما فعله ( يحيى الذماري ) مبتسماً وكأن صداقةً قديمةً كانت تجمعنا تأثرت بطول فراق ، ومضينا نتجاذب أطراف الحديث بدءاً بحرارة الجو حين قال معقباً : " كان الله في عون شباب الساحات المعتصمين " تظاهرت بأني لم أسمع ، وكأنه شعر بهذا التغاظي فحول دفة الحديث في اتجاه الكهرباء وفواتير الإستهلاك ، حيث أن المكيفات لا تنطفئ على مدار الساعة ، وكأني فتحت باباً موصداً كان ينتظر الولوج منه حينما بادرته أنا بقولي : " كان الله في عون أهلنا في الداخل ، حيث لا كهرباء ولا غاز ، ولا ماء " ( استبدت بي الرغبة في إطلاق الجماح لمحدثي لأرى الآفاق التي سيحلق فيها ) ، ولكنه خيب ظني وذهب يعدد مناقب الرئيس علي صالح ، ويقول بأن الرجل قدم لهذا الشعب الكثير ، تركته يتكلم دون مقاطعة ، حتى وصل إلى عبارة لم أستطع معها السيطرة على كوابحي ، وهو يقول :" ماذا يريد هؤلاء المجانين بعد أن وجه فخامته الحكومة لتلبية كل طلباتهم ؟ " سألته : " وما هي طلباتهم ؟ " أجاب : " يا أخي كل طلباتهم : الجماعة طلبوا أن لا يعيد ترشيح نفسه للإنتخابات ، وأن لا يورث الحكم لإبنه ، وأن يتعدل الدستور " قلت له : " وهل كان من حقه توريث الحكم حتى يتنازل عن هذا الحق ؟ ، وهل مواد الدستور التي تم وضعها لضمان حقه الأبدي في حكم اليمن إلى أن تأتيه المنية حق تم التنازل عنه ؟ ، وهل عدم ترشحه للإنتخابات بعد أن حكم 33 عاماً وسقطت شرعيته بإرادة الشعب يعتبر تنازلاً من لدن فخامته ؟ " نظر إلي بدهشة ، وعلامات الذهول بادية على محياه وقال : " تريد الصراحة ! " قلت : " نعم " قال : " نحن شعب لا يدري ما هي حقوقه ! ولم نكتشف أن لنا حقوقاً يجب مطالبة الحاكم بها إلا عندما جئتمونا أنتم الجنوبيون .. كنا نعتقد بأن الحاكم هو وحده من يطالب الشعب بتأدية الحقوق والواجبات أما هو فولي الأمر ، ولا يُسأل عن شيء ! قلت : " إذاً تعيشون نظاماً ملكياً في ثياب جمهورية ! فكيف تريدون منا أن نقيمَ وحدة مع نظام هذه حقيقته ؟ " قال وعيناه تغرورقان بالدمع : " أخي نحن لسنا مستفيدين بشيء مما يسمونها وحدة ! النظام وحده هو المستفيد من نهب خيراتكم ، وسكبها في جيوب المنتفعين بها ، ولن ننسى فضلكم في أنكم السباقون إلى إشعال فتيل هذه الثورة قبل تونس ومصر وليبيا " قلت له : " العفو " استطرد قائلاً : " فلا يجوز لنا أن نكافئكم إلا بما تستحقونه عملاً بما تمليه علينا ضمائرنا - صمت برهةً ثم أضاف - تحرروا من القبضة السنحانية ، فلن تكونوا أوفر حظاً منا " .. وانتهى حديثي مع ( يحيى الذماري) بمصافحة حارة تمنينا خلالها أن ينصر الله الحق وأهله حيث أنه لا يصح إلا الصحيح ، وأن يهلك الظالمين بالظالمين ، ومضى كل منا إلى حال سبيله .

تحياتي
طائر الاشجان