عاهرة شريفة جداً !

[يسري راغب]

عدن ((عدن الغد )) خاص:

عاهرة شريفة جداً

قصة قصيرة



وقفت تتأمل نفسها امام المرآة ،قوام ممشوق وملامح وجه بيضاوي جميل ارتسم على صفحته انف حاد وعينان عسليتان وفي الاطراف تدلت خصلات شعر ناعم فاحم السواد وتراصت اسنانها في تناسق بديع ولم تنسى حمرة بسيطة ان تلفح اطراف خديها لتحيل بياض واسع الى مايشبه الحمرة القانية ، كل هذه التفاصيل بداء وكأنها تراها لاول مرة رغم انها تجلس في موقعها هذا وامام هذه المرآة كل يوم دقائق طويلة منذ سنوات خلت وحتى هذه اللحظة ولكنها لم تكن في كل مرة قد اسبتبينت ماتراه هذه اللحظة .



وقفت مشدوهه وكأنها تنكر نفسها او تستكثر كل هذا الجمال..!! رفعت معصمها ونظرت الى ساعتها فادركت انها قد تأخرت او انها غالبا ما تتظاهر بانها في مثل هذه الاوقات قد تأخرت عن موعد العمل وتجري هنا وهناك في اروقة بيتهم لتثير شيء من الانتباه الذي يسبق خروجها صباحا من المنزل وعند الباب تشيعها نظرات امها مصحوبة بدعوات العودة سالمة والتوفيق بابن الحلال...



تمضي فاطمة خارج منزلها لاتهتدي في طريقها الى شيء ولكنها تتجه صوب محطة الحافلات وتختار في كل يوم اولى الحافلات التي تكون على أهبة الانطلاق وهي لاتسأل في ذلك عن المكان الذي تتجه اليه هذه الحافلة ولكنها تصعد دونما سؤال وتهبط منها دونما سؤال ايضاً وتمضي الى عملها كما تظن ذلك امها ويظن اخوتها الصغار ومثلما كان يظن اباها قبل موته بعد صراع مرير مع المرض..



في بيت فاطمة يتحدثون كثيراً عن فاطمة وعن عمل فاطمة واجتهاد فاطمة وتحسد نساء الحي امها على هذه الفتاة المهذبة الجميلة المكافحة التي تكافح لأجل ان توفر مقومات حياة شريفة لاخوانها بعد وفاة والدها وفاطمة في ذلك لاتألوا جهدا، يمتدحها الحي في ذلك كل الامتداح ويحترمونها كل الاحترام ..



فاطمة تعود كل ليلة مع وداع شمس كل يوم منهكة مرهقة متعبة حزينة تلقي بنفسها على اقرب مطرح يقابلها في منزلها وتدس رأسها بين ارجلها صامته تنظر الى اللاشيء واهلها يتركون لها حالها وتعودوا منذ زمن ليس ببعيد على هذه الطقوس وتعودوا ايضا ان يغادرون المكان الذي تلقي بنفسها عليه فور وصولها كي لايزعجونها ويتمتم اخاها الصغير لاخاه الاصغر مؤكدا في كل ليلة ان فاطمة متعبة ويجب ان تترك لكي ترتاح...



- قاتل الله هذا العمل انه يحيلك الى ركام...

هكذا كانت تردد ام فاطمة على مسامعها كل ليلة حينما يهزها منظر ابنتها وهي على هذا الحال من التهالك وفاطمة لاترد الا بكلمة موجزة لاتتغير شأنها شأن قول امها (( الصبر)) تقول ذلك وهي تدرك في قرارة نفسها ان هذا الصبر استحال طويلاً...



تقف هذه اللحظة فاطمة على ناصية شارع ما لاتعرفه بعد أن لفظتها الحافلة التي اقلتها الى هذا المكان وبعد ان لم يتبق مكان اخر يمكن للحافلة ان تتجه اليه اضطرت ان تنزل في هذا المكان وحيدة على هذه الناصية لاتنتظر احد ولاتملك جهة محددة لكي تشير لاحدى الحافلات الصغيرة بالتوقف ، تأتي اصوات سائقي هذه الحافلات وهي تمر بالقرب منها وتتوقف امامها في تداخل غريب الشيخ ، المنصورة ، شيخ عريش ، شيخ جسر ، عدن ، عدن السيلة، عدن الميدان كل الاتجاهات وكل الامكنة ولكن فاطمة تقف صامتة لاتشير الى ايا منها بالتوقف ولا ترد على سؤال ايا من سائقيها .



هكذا تعودت وعلى هذا الصمود في وجه كل النداءات اعتادت ان تصمد ، تتصبب فاطمة عرقا كل يوم عدة مرات اثنا وقوفها بمكان هكذا فنظرات المارة وتعليقاتهم لاتلبث ان تهنش جسد هذه الفتاة التي تأبى ان تصعد ايا من الحافلات وذلك بعد أن خيرت بين بكل الأمكنة وتظل على عذابها حتى تتوقف سيارة فارهة ودون حاجة الى غزل مشوب او إلى سؤال تمد يدها الى باب السيارة دون ان تلقي نظرة على صاحبها وحتى دون ان تتأكد في الغالب ان كان قد توقف لأجلها ام توقف لغرض اخر ولم يحدث قط ان اخطأت في التقدير .



توقفت سيارة فارهة ودست فاطمة بجسدها فيها وانطقلت تلك السيارة وغابت بها في زحمة المدينة وصراخها وعويلها وبعد ساعة من اللحظة غادرت السيارة بعد ان سوت من هندامها وربطت شعرها الذي تناثر وقبضت يديها بقوة على بعض ورقات مالية لقاء المتعة بجسدها المتعب وتمضي فاطمة مرة اخرى الى محطة حافلات اخرى تلقي بها الى رصيف اخر لتبتلعها سيارة فارهة اخرى وبعض وريقات مالية ايضاً وكل ذلك تدسه في جيب حقيبتها لتعود به مساء كل يوم .



فاطمة عرفت الكثير من الرجال انها تعرف كل الرجال بكل اطيافهم واشكالهم وهم كلهم انذال في نظرها انها تكرههم وتمقتهم مقتا شديد لكنها تمكنهم جميعا من جسدها كل يوم، لطالما ضربت من قبل الكثيرين منهم شج رأسها وشد شعرها ومزقت ثيابها ولطالما صادفت مخمورين يسهل سرقتهم لكنها لم تكن تمد يدها قط .



فاطمة تعود هذا المساء متعبة ككل يوم استقبلتها امها بابتسامة حانية ولكن فاطمة كانت متعبة اكثر من أي وقت مضى انطلقت صوب غرفتها واغلقت بابها والقت بنفسها على سريرها واخذت تنتحب في بكاء طويل وهي تنظر الى ما تناثر من حقيبتها من اوراق مالية هي كل ما كسبته لهذا اليوم .



تتذكر فاطمة زمن طفولتها وتتذكر كل الاحلام التي رسمتها وهي طفلة لم تكن احلامها صعبة ولم تكن مستحيلة ولكن الاقدار اختارت لها ان تكون فقيرة وان يكون لها اب مريض توفاه الله بعد مرض طويل واختارت لها الاقدار ان تتحمل مسئولية اسرة كاملة بعد ان تخلى عنهم الكل ، فاطمة لاتعبث بكل الاموال التي تكسبها من عمل يومها ولكنها تشتري بها دفاتر واقلام ملونة وارغفة خبز ساخنة هذه هي فاطمة عاهرة شريفة جدا ...



*من فتحي بن لزرق

[العرب العاربه]

يقول المثل العربي (الحرة لاتأكل بثديها)وفي رأيي ان عنوان القصة فيه تبرير مثير للتقزز لبطلة القصة!!!
فلو أن كل فتاة فقيرة وبحاجة الى المال او مات ابيها ذهبت الى الدعارة لما بقيت فتاة فقيرة شريفة واحدة على الارض....
الحرة الشريفة ستفضّل ان تكنس شوارع المدينة وتعمل مع البلدية وستعمل خادمة في المنازل اذا لزم الامر لقاء المال الحلال
ولن تبيع جسدها للحيوانات البشرية تحت اي ذريعة واهية....