وأخيراً نطق أبو الهول وياليته لم ينطق!!

[الصميل بن حاتم]

حسن بن حسينون

سكتنا وطال سكوتنا ، وكان في ذلك حكمة الهدف منها منح أنفسنا فترة من الوقت لمعالجة جروحنا الغائرة والمزمنة التي تحولت الى «غرغرينا» وأجسادنا واجزاء من عظامنا الى أعضاء هامدة كادت لا تقدر على الحركة، وكادت الدورة الدموية ان تتوقف عن الدورات بسبب سياسات من يتباكون اليوم عن حالة وأوضاع الجنوب والجنوبيين، كما يحلوا لهم أو تصوره لهم عقولهم المريضة من أوهام وتهيؤات لا أساس لها.
سكتنا كل هذه المدة الطويلة رحمة بأهلنا في اليمن وحضرموت على وجه التحديد، الذين اذاقوهم من يتحدثون ويكتبون اليوم عبر الصحف الصفراء، وفي المقدمة السياسي المحنط حيدر أبوبكر العطاس الذي أطلَّ علينا مؤخراً بمقالته وخطابه السياسي المأزوم ، .. لقد نطق أبو الهول بعد صمت طويل، وياليته لم ينطق، فلو كان لديه قليل من الحكمة والتبصر لصمت الى الأبد أو على الأقل انتظر حتى يكون أخر من يحق له الكلام عن الجنوب والقضية الجنوبية، غير أنه ومن خلال ذلك الخطاب المأزوم الذي لا يختلف في جوهره ومضمونه عن تلك الخطابات السياسية التي عفى عليها الزمن، والتي تقال وتردد عباراتها في الساحات والميادين العامة وفي المهرجانات من قبل الزعامات الجنوبية طيلة سبعينات القرن الماضي، والتي تتخللها شعارات حماسية تشدو بها فرقة الثلاثي المتناغم باصواتهم الرخيمة والمتناسقة وقدرة اعضائها في الحفظ وابداع الجديد منها، خاصة تلك التي يكون تأثيرها على عواطف ومشاعر الناس كتأثير أي مخدر له مفعول قوي، يطيح بالرؤوس وبمشاعر كل من يستمع لها أو يتفاعل معها، فرقة لا يمكن لاعضائها ان يفترقوا عن بعضهم البعض ، فعند غياب أي من اعضائها يتوقف نشاطها بالكامل، وإذا كانت فرقة الثلاثي الكوكباني قد إحترفت الفن الغنائي بالغناء الجماعي والعزف على آلة العود والدف، فإن فرقة الاناشيد والشعارات الحماسية المصاحبه للزعيم فيتكون اعضاؤها خلال تلك الفترة من اعضاء المكتب السياسي، اما مصيرهم بعدها، منهم من قضى نحبه في كارثة يناير 1986م، ومنهم من لم يعثر عليه بعد حرب وفتنة 94م.
بعد ان خرجت قليلاً عن الموضوع لاسباب ضرورية اعود الى الأخ حيدر وما قاله وبداية اسأله من هو حتى يعطي لنفسه حق التحدث باسم الجنوب والقضية الجنوبية في الوقت الذي ظل طيلة حكم الجبهة القومية ومن بعدها الحزب الاشتراكي عبارة عن عبد مأمور لاسياده في التحالف الثنائي الشيطاني والطابور الخامس في عدن، رغم أنه -مع الأسف- ينتمي إلى محافظة حضرموت، الإ أنه عمل بإرادة أسياده على اضعاف وتدمير مكانة وسمعة حضرموت والإنسان الحضرمي طيلة ما يقارب الأربعين عاماً، وصل الأمر بأسياده الى ان ينظروا الى الحضارم والتعامل معهم، كما جاء على السنتهم في بعض الأوقات والمناسبات مثل مواطنين من الدرجة الخامسة وما بعد العاشرة، لقد نجح هؤلاء وبدعم وتحريض من حيدر العطاس وبقية الدمى الحضرمية على تطفيش ومضايقة واقصاء جيش البادية الحضرمي عن الساحة والوظيفة خلال السنوات الأولى من الاستقلال الوطني، لم يبق منه سوى بعض الرموز المعروفة للجيمع ما قبل الوحدة وما بعدها.
ومن ثم حرمان أبناء حضرموت من الانتساب لمؤسستى الجيش والأمن والتدني في بقية مؤسسات الدولة، بما في ذلك قلة اعدادهم في بقية مؤسسات وهيئات الحزب، وبسبب رفض الحضارم لهذا الظلم وهذا الواقع المؤلم، فقد اتخذ المتنفذون في التحالف الثنائي الشيطاني سياسة التخلص من قبائل حضرموت عبر الحملات العسكرية.. فكانت البداية ضد قبائل الصحراء جنوباً وشمالاً وغرباً ومن سلم منها الصيعر والكرب الى الشرورة، المناهيل والمهرة والعوامر وآل كثير الى الخراخير وعمان وبقية الأراضي السعودية، والغالبية من المناهيل توجهوا إلى دولة الامارات الذين استقبلهم، حكيمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان ووفر لهم كل أسباب الأمن والاستقرار، بما في ذلك بناء مساكن خاصة لهم، ونعرف من هي القيادات العسكرية التي كانت على رأس تلك الحملات، وبعد قبائل الصحراء جاء الدور على قبائل مديرية حجر أو مديرية "الثورة" وبالذات استهداف قبيلة آل باقروان، آل علي، آل سعيد، وقد تمت تصفيتهم بما في ذلك دعم طرف ضد الطرف الآخر، مع العلم ان آل باقروان قد مثلوا الطلائع الأولى في تنظيم الجبهة القومية، وفي مقدمتهم القائد العسكري المخضرم عبدالله أحمد باقروان، والذي تمت تصفيته بواسطة الحملات العسكرية الآتية من خارج حضرموت، هذا القائد العظيم الذي كان له الدور الأساسي في وقوف جيش البادية الىجانب تنظيم الجبهة القومية، بل الانضمام اليه، وقد تمت تصفيته جسدياً في عهد من يتباكون ويذرفون دموع التماسيح اليوم على الجنوب والقضية الجنوبية.
ثم جاء الدور الثالث على بقيه قبائل حضرموت الداخل أو الوادي الذين هاجروا الى بقيه أرض الله الواسعة، أما رجال الفكر وعلماء الدين في حضرموت فقد سحل البعض منهم ومات أو قتل البعض الآخر وغيبا الاخر ، ومن بقى هجر حضرموت الى حين.. كل ذلك قد أدى الى خلو حضرموت من أهلها ولم يبق فيها غير القلة، وأصبح الأمر والنهي فيها إلى جماعة «سالمين قدام قدام، سالمين ماحناش أخدام» وهم جل الطبقة الرثة أو شرائح المجتمع المهمشة وجعله (جعيل) يدعمهم التحالف الثنائي الشيطاني الحاكم في العاصمة عدن بدعم وتأييد المدعو حيدر العطاس ومن معه من الدمى الحضرمية التي وضعت في مناصب قيادية وتتحرك بالريموت كنترول.
ومن المفارقات الغريبة وعجائب هذا الزمن الغريب، وفي عهد دولة حيدر أبوبكر العطاس إن السلطة الكثيرية التي حكمت مئات السنين حل محلها على كرسي العرش أحد الذين تعود أصوله الى أفريقيا وفي مدينة تريم عاصمة المديرية تربع على سدة الحكم شقيقه أما الطامة الكبرى فهو حاكم مدينة الشحر التاريخية عاصمة المديرية هو أيضاً من أصل أفريقي.
ومن هنا نجد أن أغلب حكام مديريات حضرموت بعد الاستقلال والذين عمل حيدر العطاس ومن معه على تعيينهم أو انتخابهم ويتم على طريقة انتخاب عثمان عبدالجبار عضو المكتب السياسي للحزب عضواً لمجلس الشعب الأعلى، والذي ينتسب الى الحجرية عن مديرية تريم، وعبدالعزيز عبدالولي عن مديرية شبام، وهاهم اليوم يطالبون بأن يكون المنتخب أو المرشح من نفس المحافظة أو المديرية.. فهذا هو المجد وهذا هو التراث الذي خلفه من بعده حيدر العطاس، ويطالب بل ويناضل ويحرض من أجل استعادته.
وعندما يتحدث عن المسرحية القذرة التي رتب فصولها في دهاليز الخيانة والغدر، وكان مسرح الأحداث والأخراج كما قال في معسكر الاستقبال بتريم لاستقبال المجندين من أبناء الضالع وردفان وطور الباحة.. اكتفي هنا بالاقتباس وأسأل حيدر العطاس من هم حراسته الشخصية ومن أين كانوا طيلة الفترة الماضية، وكذلك بقية الدمى الأخرى؟ وهنا أذكر الأخ حيدر وهو يدرك جيداً ان المنتسبين للجيش وبقية الأجهزة الأمنية ما بعد الاستقلال وحرب 94م يمثلون أكثر من 90٪ من مديريات معينة في محافظة لحج، بما في ذلك العائدون بعد قرار العفو العام، كان على حيدر أن يسأل نفسه عن نسبة هؤلاء من محافظة حضرموت، وبقية المحافظات الجنوبية الأخرى.. وكان من الواجب عليه ان يطالب باستثناء أبناء هذه المديريات من الانتساب للقوات المسلحة على الأقل لمدة عشرين سنة قادمة، لأنها سبق لها وان أخذت نصيبها ونصيب بقية المحافظات والمديريات الجنوبية وبالزايد ولازلنا نحتفظ بكل القوائم والكشوفات التي تعري ادعاءاته وعليه ان يترك الفرصة لهذه السنوات لبقية المحافظات المحرومة.
وفي الختام فإنني أتوجه الى من يتباكون ويذرفون دموع التماسيح ان يتوقفوا عن ذلك ويكفكفوا دموعهم لانها تمثل السم في الدسم، ويكونوا عند مسؤلياتهم الوطنية والأخلاقية، فهم يدركون أوضاع البلاد الصعبة والمختلفة أكثر من غيرهم، عليهم ان يدعوا الى التقارب والتسامح ولملمة الشمل وتضافر الجهود، من أجل خدمة وأمن واستقرار البلاد ، وتجاوز كل جراح وملفات الماضي المؤلم بدلاً من الحملات الدعائية والتحريضية وشحن النفوس بالضغائن والأحقاد, في أوساط مجتمع يعاني التخلف والحياة المعيشية القاسية.. لأن البديل عن ذلك هو الدخول في المجهول والمستقبل المظلم وعدم الارتهان أو الاستقواء باعداء البلاد ، اعداء كل العرب والمسلمين.