إلى مثقفي الجنوب : أيهما أولي إصلاح الواقع..أم إصلاح الذات ؟.

[المسعودي اليافعي]

رسالة سُلمت لقيادة المجلس ونُشرت بمنتديات قبيلة يافع تاريخ 29 / 10 / 2010م

لا شـك, إن كافـة الشعـوب الحيـة تأبـى وقـوعهـا وأوطـانهـا تحـت هيمنـة واحتـلال شعـوب وبلـدان أخــرى , فـإن وقعــت قهـرا بسبـب الضعـف وقـوة المحتـل يكـون ذلـك إلـى حيـن, حتى تستعـيد تـرتيـب مجتمعهـا وتنظـم شـئـونها, ومـن ثـم النهـوض ليقـوم كـلا بواجبـه ومسـئوليتـه وأداء دورة فـي تحـريـر الـوطـن وطرد الاحتـلال .

مـنـذُ شُنّـت الحـرب واحتـلال الجنـوب صيـف عـام 1994 م وطـلائـع شعـب الجنـوب تقـوم بـواجبهـا الـوطنـي فـي مقـاومـة الاحتـلال, لـم تتخلـى عـن أداء دورهـا النضـالـي فـي مقـاومـة الاحتـلال ولـم تبخـل فـي تقـديـم الشهـداء والبقـاء علـى عهـد وفـاءها لتضحيـات الآبـاء الأوليـن بأرواحهـم مـن أجـل استعـادة حـرية الشعـب والـوطـن والسيـادة مـن الاحتـلال البـريطـاني .. وقبلها الوقوف بوجـه الأطماع الـزيـديـة بأرض الجنـوب وصـدها, حيث ولّـد ذلـك الـواجـب ــ جيـلا بعـد جيـل ــ روح الفـداء وتقـديـم التضحيـات تلـو التضحيـات وسـوّغّ القنـاعـات لـدى جيـل الشبـاب علـى البـذل ومـواصلـة النضـال والاستشهـاد لإعـادة كـرامـة وعــزة وحـريـة وسيـادة الـشعب والـذود عـن سيادته واستعادة دولتـه المستقلـة .

ومـع كـل ذلـك, فـإن الأوضـاع الحـاليـة تـزداد تعقيـدا وهـي مقبلـة علـى أصعـب الخيـارات, فـأمِـا التقـدم إلـى الأمـام وأمِـا التـراجـع إلـى الخلـف والاستسلام للـواقـع, وهـذا مستحيل .. لأن التـراجع غيـر وارد فـي مفهـوم الشعب الجنوبي وقـوانيـن حـركات التحـرر الـوطنـي .

في مثل هـذه الظـروف والأوضاع التي يمـر بها شعـب الجنوب اليـوم, يقع المواطـن الجنوبي في حيـره من أمـره فلا يفهم معنى استمرار حالة التباينات داخل مجلس الحـراك السلمي الجنوب حـول مواضيع تتعلـق بجـوهـر القضية الوطنية الجنوبية كانت قـد حُسِمت قبل أكثـر من عامين, ولا يعلم المواطن دوافعها وخلفياتها خصوصا وأن قادة الحـراك يدّعـون تبني نفس المبادئ والأهـداف. هذه التباينات طالما سُعد لها نظام الاحتلال, وكذا خصوم الحـراك السلمي الجنوبي من المستفيدين والمـراهنين على إفشال المشـروع الوطني الجنوبي ( فك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة ) .

لقد كشفت لنا المـرحلة الماضية عجـز قيـادة الحـراك الجنوبي التعاطي مع التباينات والخلافات المعيقة للتقدم وحلها وفـق الأطـر التنظيمية .. كشفـت لنا وجـود خلل في بُنيّت مجلس الحـراك السلمي الجنـوبي التنظيمية وأنظمته ولـوائحـه الداخلية ( لعـدم إقـرارها واعتمادها, مع إنها مكتملة ) .. والتعامل مع القضايا والمواضيع المتعلقة بالمسار النضالي للحـراك السلمي بطـريقة مـزاجية ومـرتجلة غيـر مسـئولة, ولا تخـدم أحـد سـوى الواقفيـن ضـد المشـروع الوطني الجنوبي, مما يـدل على وجـود أزمـة حقيقية في بُنيّت المجلس نتيجـة امتـداد جـذور قيـادتـه الفكـرية والتاريخية إلى ماضِ قـد ولّى وولـت معـه أهـدافـه ومشاريعـه, لكنها مازالت تنهل من منبعه وتتغذى من مخزونه .

إن الإدعاء وحـدِّة بتحقيق التصالح والتسامح الجنوبي / الجنوبي والسعي من خلاله إلى إعادة بناء وتلاحم النسيج الاجتماعي الجنوبي, وتبني مشـروعة الوطني بفك الارتباط والاستقلال واستعادة الدولة للتمكن من حمل القضية الوطنية الجنوبية إلى بـر الأمان, لا يكفي .. ويظل إدعاء إن لم يقتـرن بالبـرهان العملي من خلال الممارسات التطبيقية والسلوك العملي الملتزم بأهـداف ومبادئ شعـب الجنوب, فالعاطفة والأنانية والنظـرة الضيقة لن تساعدنا في التغلب على حـل المشاكل وتدبيـر الأمور بـل تـزيد الطيـن بـلـه .

إن المشكلة التي تواجـه مجلس الحـراك هي أعمق من مجـرد خلل في التطبيق للسياسات التنظيمية, إنما هي مشكلة تتعلق في صميم البناء التنظيمي والإطـار الهيكلي لقيادة المجلس, ومن الملاحـظ أن البعض من توجهاتها السياسية والفكـرية لا تتوافق مع مشـروع الشعب الجنوبي القائم على الأسس والمبادئ والأهداف التي يتبناها الحراك والشعب, ولا مع متطلبات المرحلة النضالية الحالية أو مع الظـروف التي يمـر بها شعـب الجنوب, أو مع طبيعة الظـروف والأوضاع المحيطة به من كل جانب .

لقد قام الحـراك السلمي الجنوبي ملبياً لحاجة موضوعية لشعـب الجنوب, منبثقا من معاناته الطويلة مع الظلم والاحتلال, وكما كانت البداية مجـرد آمال تبلورت في عقـول طلائع الشعب الجنوبي من سياسيين ومفكـرين ومثقفيـن وغيـرهم من مختلف شـرائح المجتمع حتى أصبحت مشروع وطني حقيقي .. فلابد من أن نبحـث اليـوم لهذا المشـروع الـوطني عن آليات حقيقة لتجسيدها على أرض الواقع .. على أرض الجنوب الأبي الذي يعلـق شعبها آمالا كبيـرة على وعـود مجلس الحـراك السلمي لتحقيق مشـروعـة الوطني وليس على خلافات أعضاءه من القيادة, لأن هـذا يعني ضياع مشـواره الذي قطعة خلال السنوات الماضية بسبب خـلافـات هي أهون من أن تكـون خـلافـات حقيقية أو تعني مصالحة, لينتهي به المطاف حائـراً بيـن بطش همجية الاحتـلال وكيـد الانهـزاميين والمغـرمين بالـوهم الـوحـدوي . إنه لمن المؤسف أن يقع البعض منا في الـوهـم بأننا قد تجاوزنا الآخـرين من زملائنا ووصلنا إلى مـدى أرفع عنهم موقعاً ووعياً ونضوجاً سياسياً .. وإنها لكارثة الوقوع بمثل ذلك الـوهـم بتصديق أنفسنا أننا فعلا نجسد هـذا المستوى من الإدراك عكس غيـرنا من إخـواننا الشـركاء في الوطـن .

إن تـرتيب وتنظيم عمـل مجلس الحـراك السلمي أو المطالبة بالنظـر إلى كيفيـة تحسيـن أداء القيـادة ليست مسألـة شخصيـة ( وحساسة ) إلاّ في ثقافتنا ) جذورنا الفكرية والتاريخية ومناهل تغذيتها ), بينما هي في الواقع عمل صحي مطلوب متى ما دعت إليها حاجة العمل وضـرورة إنجـاز المهام. ونتمنى على المعنيين من إخواننا المنتظـرين في نهاية المضمار, معتقدين وهما وصولهم خـط النهاية, الالتفات إلى الخلف لمعـرفة حقيقة تعـثـر سـيـر الحـراك السلمي الجنوبي, وألاّ يقفـوا منتظـرين كالغـائـب عن الوعي أو العائش بأحلام يقضه لن تأتي إليه أبدا .

[المسعودي اليافعي]

ولــو ...

علينا أن نقـرأ حتى نتعظ , فلا تعود الكرّه... لا سمح الله.