الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأ قسام السياسية > المنتدى السياسي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-03-24, 02:19 PM   #1
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي "دفاتر الأيام " تنشر حلقات عن سبعينيات (عدن ) عاصمة الجنوب العربي .

"دفاتر الأيام " كما يرويها الكاتب فضل النقيب رحمه الله .
احتراماً وتقديراً لهذا الكاتب لما قدمه للوطن في الجانب الاعلامي وغيرها من الجوانب الثقافيه سنقوم بنشر حلقات عن ما كتبه المرحوم من مواضيع تتعلق في سبعينيات عدن .
(الكتابة سجن الكاتب والحروف قيوده وأصفاده والأفكارهي الأشباح التي تحيط به في زنزانته وليس له منها فكاك لأنها تجري منه مجرى الدم (فضل النقيب)

كان ذلك في عام 1970 وكنت قد تخرّجت جامعة القاهرة قبل أشهرٍ قليلة تحدوني الآمال العريضة في المستقبل، ولم أكن أعلم أن وراء الأكمة ما وراءها، وأنني في الصّيف ضيّعت اللبن، وإن سفر العودة إلى عدن سيضعني في مثل موقف أحمد الصافي النجفي عندما عاد إلى بغداد أعمى فهتف: يا عودة للدار ما أقساها.. أسمع بغداد ولا أراها.


ذلك أنه يوم الإعلان نتيجة التخرّج في صيف 1969، وأظن ذلك كان في شهر أغسطس، أجرت معي زميلتي المصرية (ماجدة موريس) حديثاً قصيراً نشر مع صورتي أسفل الصفحة الأولى من جريدة الجمهورية القاهرية تحت عنوان: (الأول على قسم الصحافة من اليمن) وكنت فخوراً بذلك أحمل الشهادة بيد والجريدة باليد الأخرى، ولم أكن أعلم أنني بذلك كمن يحفر لنفسه حفرة بيديه.
سألتني الزميلة التي أصبحت اليوم صحفية مرموقة في حقل النقد السينمائي بجريدة (الجمهورية) ضمن الأسئلة: بمن تأثرت من المفكرين؟ فأجبتها ببراءة: بعباس محمود العقاد وخاصة عبقرياته الإسلامية.
ما كنت أدري أو أقدّر مدى ردّ الفعل في عدن على جملة مثل تلك، فهناك كانت تلمع في السماء نجومٌ أخرى، وحين وصلت بالطائرة إلى مطار عدن الدولي أسرّ في أذني صديقي الذي استقبلني: "كان لازم تجيب سيرة العقاد" وماذا في ذلك؟ يا أخي الجماعة حاملين السلم بالعرض، وقد قرؤوا الشيوعية من الصفحة الأخيرة، فمنهم من يباري لينين ومنهم من يناطح ماوتسي تونج. قلت: وما العمل؟ قال: "قل يا هادي"، قلت: "يا هادي".

ومضت الأشهر بطيئة متثاقلة وأبواب العمل مغلقة في وجهي حتى كان ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى وزير التربية عبدالله عبدالرزاق باذيب، أشكو إليه وضعي وكان ماركسياً أصولياً قرأ الكتاب من الصفحة الأولى، وكان معتدلاً وفي سن النضج، وقد استقبلني بترحاب وقال: اعتبر نفسك تعيّنت مدرساً فهذه حدودي، ولكن اسمح لي قبل ذلك بمكالمة تليفونية، اتصل بجهة ما، وسأل بحضوري: هل هناك اعتراض على تعيين فلان؟ لا أدري بماذا أجاب الطرف الآخر، ولكن الأستاذ باذيب انطلق يقهقه بملء صوته وهو يعلق دون أن ينظر إليّ: فليمدد الحجاج رجليه، ثم نظر إليّ قائلاً بفخامة، أخي، داوم غداً صباحاً في كلية عدن.

ذهبت إلى كلية عدن فاستقبلني العميد عبدالوهاب عبدالباري وهو من أخف خلق الله دماً وأشدهم سخرية، فأخذني في جولة في الكلية وخلفنا تسير ست من الأغنام، سألته عنها فأجابني: "يا ابني افهمها، تربية الأغنام أفضل من تربية هذا الجيل الطالح" ثم أخذ يقهقه وهو يربت على الأغنام ويقول لي: شوف الوفاء والمحبة والطيبة في عيونها، أنصحك لا تعلم الطلبة أي شيء، قلت: وماذا أعمل؟ أجاب: أنا وانت وجميع المدرسين نشتغل سجانين لأن هؤلاء لو خرجوا إما أن يذهبوا إلى (السيسبان) – منطقة مشبوهة بجانب الكلية- وإما أن ينقلبوا ثوار في الشارع فتضيع عليهم الدنيا والآخرة.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله البلعسي ; 2012-03-24 الساعة 02:35 PM
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-24, 02:24 PM   #2
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

عنم العميد


لم يكن السفر مع عميد كليّة عدن عبدالوهاب عبدالباري هيناً ولا مأموناً، فالرجل (مسحوب من لسانه) وإذا ضرب (الفيوز) في رأسه ممكن يخليها ظلمه على نفسه وعلى من حواليه، وقد أخذت أجتهد في تحضير دروس الفلسفة والمنطق وعلم النفس وتقريبها إلى أذهان الطلاب الذين كانوا يقاربونني سناً وكنت أحثّهم على أن يسألوا لنفكر سويةً بصوتٍ مسموع، وشعرت في وقت من الأوقات، أنهم أصبحوا جزءاً مني وأنني أصبحت جزءاً منهم، كما تلمست قلقهم إلى المعرفة والفهم بسبب المحيط المتلاطم حولهم. فقد كان المنهج الدراسي في واد وما يجري في الشارع ويقال في أجهزة الإعلام في وادٍ آخر.

وقد استمرّ العميد في محاولاته لاقناعي بأنني أحرث في شاطئ البحر، وأنه لا فائدة ترجى من وراء أي تعليم وكثيراً ما كان يحضر إلى الصف لإخراجي أثناء الحصة بمختلف الحجج، وكان الطلاب ما أن يحضر حتى يضجوا بالضحك فيشير إليهم بعصا قائلاً: آه منكم يا ملاعين، المستقبل أمامكم أسود. وكان واضحاً أن الطلاب أنسوا إلى عميدهم بل وأحبوه وكانت تعليقاته اللاذعة تنتقل على ألسنتهم إلى كل مكان في المدينة، وقد عبر الكثيرون منهم عن حبهم وتقرّبهم منه باحضار ما تيسّر من بقايا الخبز والأعلاف لغنم العميد التي أخذت تسرح وتمرح في الكلية ثم تمادت فأصبحت تدخل إلى الصفوف تبترد وهي تحاول قضم أحذية الطلاب البالية وأطراف ملابسهم الرثة، وقد أثبتت الأغنام موهبتها الطبيعية في امتصاص القلق وإشاعة البهجة والتعايش مع البشر.

وهكذا أخذت الكلفة ترتفع بين العميد والطلاب، فتراه أثناء الفسحة وقد خرج من مكتبه إلى الساحة يسير مع هذا الطالب أو ذاك، وقد حط كلاهما ذراعه على كتف الآخر، بينما طالب آخر يصيح من بعيد، يا أستاذ عبدالوهاب.. ما هو الفرق بين الفئة السياسية الفلانية والفئة العلانية؟ (لا داعي لذكر الأسماء) فيجيبه العميد: مافيش فرق يا غبي بس (هاذولا) يسرقون في النهار و (ذولاك) يسرقون في الليل، ويعقب، شوف الفرق العظيم يا خايب.

عبدالوهاب عبدالباري أحمد ألمع خريجي الجامعة الأمريكية في بيروت وعلى قدر كبير من الذكاء واللماحية، وربما كان ذلك وراء نظرته السوداوية للناس والأيام، كأنما رائده في ذلك أبوالطيب المتنبي القائل: ومن عرف الأيام معرفتي بها، وبالناس روى رمحه غير راحم. وكان يشعر بمرارة شديدة تجاه كل ما يرى ويسمع، وحين كنت أسأله كان يقول لي: "الله يخليك لا تخلي العقارب والثعابين تخرج من فمي، شوف السم الناقع على الطرف لساني" وإلى الغد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالله البلعسي ; 2012-03-24 الساعة 02:28 PM
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-24, 02:29 PM   #3
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

معركة بالأسنان والأيدي (3/58)





كان الأستاذ عبدالوهاب عبدالباري يخوض معارك كثيرة ومتعددة الجبهات، القليل منها حقيقي أما أكثرها فوهمي، ما كان أشبهه بـ (دونكيشوت) وهو يحارب طواحين الهواء معتقداً أنها فرسان الأعداء وجحافلهم الداهمة.

كان لعميدنا جسمٌ طويلٌ مستدق بسمرة محروقة، وصلعة مستوية لم يبق فيها سوى شعيرات معدودة، وعينان زائغتان مليئتان بالشك وعدم اليقين، ولم يكن لينسى أبداً أنه ذلك الخريج اللامع الذي وصل إلى وظيفته بمواهبه واجتهاده، لذلك كان على الدوام متحفزاً لتفنيد ودحر أي كلام، وإثبات جهل صاحبه، وإذا لزم الأمر تسفيهه وفضحه علناً، لذلك يمكنني أن أؤكد بكل ثقة أنه كان موسوعة في مثالب ومعايب منافسيه وأعدائه.

كنت لتوي قد أنجزت مصالحة تاريخية بين العميد والشاعر الكبير عبدالرحمن فخري الذي كان هو الآخر يرى نفسه نصف الدنيا بقامته العملاقة العريضة ولونه الأبنوسي، وعيونه (المفنجنه) وصوته الجهوري الفخيم الذي يمكنه بواسطته السيطرة على جمهور في ملعب كرة القدم, وكان الاثنان العميد والخفري قد ذهبا لتمثيل اليمن في مؤتمر سياسي عقد في بيروت ودار نقاش حول الديمقراطية في اليمن فما كان من العميد سوى المبادرة للرد المفحم قائلاً: إن اليمن هو أعظم بلد ديمقراطي في العالم والدليل على ذلك أننا بعثنا (عبداً) يمثلنا مشيراً إلى صاحبه الفخري، فما كان من الأخير إلا انقض عليه كما ينقض الصقر على فريسته، وهكذا تحولت ساحة المؤتمر إلى ميدان معركة بالأسنان والأيدي والكراسي وما تيسر على المائدة من كاسات ومنافض سجاير ودوارق مياه.

وهل يصح هذا يا سيادة العميد؟ يا أخي النكتة حبكت، وأنت تعرفني ما أقدر أقاوم، ثم من يكون الفخري؟ وعلى كل حال، كل واحد عرف صاحبه.
وما هي إلا أيام قليلة عقب المصالحة التاريخية حتى انقض العميد بدون مسوغ قوي اللهم إلا مماحكات طائرة في الهواء على أستاذ الجيل وصاحب أكبر مكتبة شخصية في عدن الأستاذ عبدالله فاضل فارع، وصفاً إياه بأننه (عبدالله فاضي فارغ) وأنه لو قرأ فقط عناوين الكتب التي في بيته لكان قد أصبح أكبر مثقف في الوطن العربي. وهكذا نشبت معركة أكبر من سابقتها…
فإلى الغد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-24, 02:43 PM   #4
bakre
قلـــــم ذهبـــــي
 
تاريخ التسجيل: 2008-05-04
الدولة: عدن
المشاركات: 4,274
افتراضي

الله يهديك يا بلعسي وينك من زمان ما نقلت لنا ذرر الكاتب فضل علية رحمة الله ويغفر لة ذنوبة , والله ضحكت من قلبي على ديمقراطية اليمن وترشيح العبيد ههههههههههه
ربنا يعطيك العافية
__________________

وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

bakre غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-24, 05:57 PM   #5
العياشي اليافعي
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2012-02-13
الدولة: الجنوب العربي
المشاركات: 1,119
افتراضي

رحمة الله عليك يا فضل النقيب عاش مشرد بسبب الحزب الماركسي لاكنه لم ينسىء وطنه وضل الوطن في قلبه يحمله اين ما ارتحل لقد فقدت الجنوب العربي عامه ويافع قبيلة الفقيد خاصه واحداً من اعلامها البارزين الذي سوف يذكرهم التاريخ مع مرور الزمن
العياشي اليافعي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-25, 12:07 AM   #6
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

نكد الدنيا (4/58)





هجوم العميد عبدالوهاب عبدالباري على أستاذ الجيل وصاحب أكبر مكتبة شخصية في مدينة عدن عبدالله فاضل فارع ووصفه له بأنه (عبدالله فاضي فارغ) وبأنه لو قرأ عناوين الكتب التي احتلت جميع غرف فيلته الفسيحة في منطقة (خور مكسر) على البحر لكان قد أصبح أكبر مثقف في الوطن العربي، أثار لغطاً كبيراً في الأوساط الثقافية وعلامات استفهام كبرى.
ضرب المثقفون أخماساً في أسداس واستخدموا جميع مناهج التأويل والتحليل لمعرفة دوافع وأهداف هذا الهجوم الصاعق غير المتوقع، ذلك أن عبدالله فاضل ليس بالطير الذي يؤكل لحمه، بقامته القصيرة العريضة المكتنزة كأنه (صخرة الوادي) التي تتحطم فوقها أقوى السيول، كما أنه صاحب مكانة اجتماعية مرموقة حتى أن الرئيس سالم ربيع علي كان يزوره في منزله ويستشيره في الكثير من الأمور.

وقبل ذلك وبعده، فما عرف عن عبدالله فاضل تهيبه لمعركة، فهو السباق دائماً بإذكاء نيران المعارك بلسانٍ قطّاع وجنان ثابت ورغبة أكيدة في النزال والعراك تصل إلى حد التولّه والاستهانة بالخطر، وإذا كان العميد يحاول خدش الصخر بأظافره فإن عبدالله فاضل يحفر الحفرة العميقة لا يرى لها قرار.

إذا هل هناك جهة وراء العميد، فقد كنا في زمن لا يعرف مقتول من قتله، ولماذا قتله، سألت عبدالوهاب عبدالباري بحكم العلاقة الحميمة التي أصبحت تربطني به فأجاب: هل تصدق بالله أنني أكن لهذا الرجل كل الإعجاب وأعرف مكانته العلمية والثقافية وليس بيني وبينه شيء، ولكنني مررت بحالة من الغضب الحارق والسخط الماحق على نفسي وعلى كل من حولي فرغبت في أن أنشب أظافري في أي رقبة سمينة واستعرضت أسماء كثيرة فلم أجدها في مقامي.. تستطيع أن تقول أنني عبّرت عن الحب بطريقة معكوسة.

حين رويت هذا الحوار في مجلس عبدالله فاضل الذي يؤمه جمع كبير من المثقفين كنت كمن دلق برميل ماء بارد على نارٍ مشتعله، فقد تنفس الجميع الصعداء وإن كان بعضهم قد عاتبني لاحقاً لأنهم كانوا يتشوقون إلى معركة حامية (تكسر هذا الملل، وتكنس هذا السأم).

أما عبدالله فاضل فابتسم وهو يردد: ومن نكد الدنيا،.. وهكذا أنجزت مصالحة تاريخية ثانية بعد المصالحة مع الشاعر الفخري.

لقد هدأ العميد يوماً أو يمين، ثم قرر في لحظة تجلّي أن يشنّ هجوماً كاسحاً على أكبر رأس في وزارة التربية والتعليم، فإلى الغد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-25, 12:08 AM   #7
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

يا قاتل يا مقتول (5/58)





كان نائب العميد في كلية عدن هو أبوبكر عبدالرزاق باذيب، الأخ الأصغر لوزير التربية والتعليم آنذاك، وهو رجل يشبه تلك الصناديق الخشبية السميكة التي كانت تستورد من الهند للعرسان الجدد، والتي مهما قرعت ظاهرها فلن تستطيع أن تعرف ما بداخلها، أما العميد عبدالوهاب عبدالباري الذي كان يتحرّق شوقاً لمعركة تكنس الضيق والملل، فقد كان يشبّه نائبه بالقنفذ، ويعجب لذلك السياج الشوكي الذي استعصى على كل مناوراته واستفزازاته وتوقه لمعرفة ما يدور في رأس نائبه، وكان يقول لي: المشكلة أن لسانه لا ينطق وعيونه لا تكف عن التهديد، "إلاّ أطيح فيه يوم من الأيام يا قاتل يا مقتول".
وبينما كان العميد يفكر في تلك الأحجية العويصة وهو يذرع ساحة المدرسة ذهاباً وإياباً والأغنام ترافقه كأنها حرس مسؤول كبير إذا بزوبعة مفاجئة تهب على الكلية فقد توقفت أمام باب الكلية حوالي عشر سيارات (بيك أب) مكتظة بطلاب قادمين من محافظة (أبين) يطلبون تسجيلهم للدراسة والسكن الداخلي في الكلية.. هل قلت يطلبون؟ إنهم يأمرون وعيونهم تلمع بالتهديد والوعيد، فقد كان الرئيس سالم ربيع علي قد أطلق عنان هذه القوّة الكاسحة وأصبح من حقهم إلقاء القبض على أي واحد يشتبهون بأنه (ثورة مضادة) وتكوين محاكم ثورية ميدانية وإصدار أحكام وتنفيذها.. الخ.
لمعت عينا العميد بفرحٍ عجيب غريب وهو ينظر إلى نائبه القادم يحجل من مكتبه وهمس في أذني، جاك الموت يا تارك الصلاة، ثم تنحنح واتكأ على عصاه فرحب بالطلاب معلناً أن يوم المنى والسعد هو يوم التحاقهم بالكلّية… فقط… عليهم أن يكلفوا خاطرهم ويذهبوا في مشوار بسيط إلى مكتب الوزير لجلب موافقة خطية.
وفيما كان الطلبة يتأهبون كان العميد يمرق بسيارته كالسهم وأنا معه عبر طرق جانبيه وصولاً إلى مكتب الوزير حيث أبلغه أن الكليّة لا تستطيع استيعاب طالب إضافي واحد وأن مثل ذلك الأمر لو حدث فسيقدم استقالته. طمأنه الوزير مؤكداً أن ذلك لن يحصل أبداً، ولم يكن الوزير يعلم شيئاً عن زوبعة الطلاب – الثوار التي أطبقت على الوزارة بعد دقائق من خروجنا- فإلى الغد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-25, 12:09 AM   #8
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

لا يموت الذئب .. ولا تفنى الغنم (6/58)





خرجت أنا والعميد عبدالوهاب عبدالباري من مكتب وزير التربية والتعليم في (مدينة الشعب) حيث قرر العميد أن نلتف من الخلف عبر دغل الأشجار التي لم يشذبها أحد منذ سنوات لنتجنب لقاء الطلاب – الثوار – وما قد ينتج عن مثل ذلك اللقاء من حوادث لا يحمد عقباها.

حين رآني ابتسم قال لي: "هاه، الخطة محكمة"، قلت له: لا أنا في وادي وانت في وادي آخر، رويت له أنني التقيت الرئيس علي ناصر محمد عام 68، مختبياً في ظل تلك الشجرة (وأشرت إليها) وحيداً ساهماً، متفكراً وكان قدم استقالته كمحافظ للحج فتبرأ من السلطة ولخم يصعد إلى الجبل مع رفاقه اليساريين الثائرين على قحطان الشعبي، فتبرأ منهم، وتستطيع أن تقول العكس أنه تقرب من رفاقه بالاستقالة واقترب من السلطة بعدم الصعود إلى الجبل، وقد سألت علي ناصر وهو غارق في حبوته، ما رأيك في أصحاب الجبل؟ فانتفض وهو يقول لي: عملاء.. عملاء، قلت له: أم أنها الثورة تأكل أبنائها، ومضيت (كانت إجابته بالون اختبار لغرضي من السؤال) لأنه ما لبث أن لحق بي ليقول لي بصوت هامس، إذا التقيت أحداً منهم في يافع فبلغهم تحياتي، وقل لهم إننا رفاق درب واحد ومصير واحد. قلت للعميد: وأظن أن هذه الشجرة المباركة هي التي أوحت لعلي ناصر بفكرة الوسطية وسياسة: لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم، وهي السياسة التي جعلت منه شوكة الميزان في صراع الأضداد على امتداد عقد ونيف من السنين العاصفة.

قلت للعميد: أملى أن تجد شجرتك المباركة، فتجنح إلى السلم والاعتدال، أجابني بصوت كله استنكار: أنا.. الله يسامحك، والله ما يبرد قلبي إلا إذا تكسّرت النصال على النصال.

مقابل وزارة التربية عبر الشاعر الرئيسي القادم من (عدن الصغرى) باتجاه (جولة كالتكس) حيث مفترق طرق (عدن – الشيخ عثمان) توجد غابة أشجار (الطاري) في منطقة (الحسوة) وهي أشجار عجيبة يتم جرحها بسكين فتفرز عصارة لبنية بيضاء حلوة لا تلبث أن تتفاعل مع الجو، فتتحول إلى خل صاف خلال فترة يوم أو يومين. هناك قرر العميد أن ننيخ ركابنا ونقيم معسكرنا لمراقبة الموقف على الطبيعة، وكان من عادة العميد أن يحمل معه في حقيبة السيارة كيساً كبيراً من الفحم وجالوناً من البنزين وكمية كبيرة من التبغ الخام إضافة إلى (مداعة) (أرجيلة) يمنية، وقد قام بإشعال النار وتعمير (البوري) وأخذ يقرقر بسلام وعيناه تمسحان مداخل ومخارج الوزارة بانتظار العاصفة.
سألته عن الخطة.. فأجاب: ليس الآن، هذا وقت العمل لا الكلام.

فإلى الغد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-25, 12:11 AM   #9
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

حكمة الإمام ومقالب العميد (7/58)





عندما سألت عميد كلية عدن عبدالوهاب عبدالباري عن خطته للإيقاع بين الطلبة الثائرين ووزير التربية والتعليم آنذاك عبدالله عبدالرزاق باذيب فأجابني: "هذا وقت للعمل وليس للكلام…" أدركت أنه لا خطة ولا يحزنون، إن هي إلاّ رمية طائشة من رميات العميد إن (صابت صابت، وإن خابت خابت).
وحين ألححت عليه روى لي ما أطلق عليه (الحكمة الذهبية) لإمام اليمن الراحل أحمد بن يحيى حميد الدين حين كانت تصله أنباء القتال بين قبيلتين، فيهزه الطرب والإنشراح وهو يرد على من يطالبه بالتدخل لفض الاشتباك وإصلاح ذات البين: "ناب كلب في راس كلب".
وروى لي العميد أيضاً مقلباً من مقالبه الظريفه كان قد دبجه قبل أيام لنائبه الذي لا يطيقه أبوبكر عبدالرزاق باذيب حيث صدف أن التقيا في أحد (مقايل) القات التي يرتادها السياسيون، ويكون الكلام فيها من الوزن الثقيل، وكان بجانب العميد أحد المناضلين القادمين من الريف حديثاً والذي لا يعرف أكثر الموجودين في (المقيل) فلما سأل العميد عن شخصية نائبه ردّ عليه بأنه (الفنان الكبير محمد عبده زيدي) مستغلاً تشابه السمات الشكلية، وكون الاثنين مصابين بشلل الأطفال.
وأخذ صاحبنا المناضل القادم من الريف كلما اشتد وحمي وطيس الجدل يتدخل بقوله: "بالله عليكم يا إخوان خلونا نسمع كم أغنية من الزيدي…" وفيما أبوبكر باذيب يتميز من الغيظ ويكاد ينفجر معتقداً أن وراء ذلك مؤامرة سياسية للعبث به يكون العميد قد خرج من المقيل إلى الشارع ليضحك على راحته، وخوفاً من أن يشرق بالقات إذا كظم فرحته وسط الناس وقد يروح فيها (فطيس).
المهم أن باذيب بعد المرة الخامسة من "خلونا نسمع الزيدي… الله يعطيكم العافية" أخذ ربطة القات ورماها في وجه المناضل القادم من الريف وغادر المقيل ثائراً وسط قهقهات الموجودين دون أن يعلم أن العميد وراء القصة.
المهم أن العميد دفع الثمن لفشل (الخطة المحكمة) فجرى نقله إلى ثانوية (خور مكسر) بينما رقّي نائبه إلى عمادة كلية عدن، ولم أعد أرى العميد (الأصلي) إلا على فترات متباعدة. ولم أبق في كلية عدن سوى فترة قصيرة نقلت إثرها إلى الإذاعة… وكنت كلما مررت بجانب الكلية أبتسم وأنا أقول: "الله يذكرك بالخير يا عبدالوهاب عبدالباري".
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2012-03-25, 12:12 AM   #10
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

نجوم الإذاعة (9/58)





كانت إذاعة عدن عام 1971 حلبة فريدة من نوعها، تجري فيها مباريات الملاكمات الإدارية والوظيفية فيها بقبضات حديدية مغطاة بقفازات حريرية، وكانت صورة للوضع في البلد كما كان وكما هو كائن وكما سيكون، فلكل مرحلة من هذه المراحل ممثلوها الذين سيرحلون أو الذين سيتشبثون بصواري وأعمدة السفينة المترجرجة فوق الأمواج، إضافة إلى أولئك الذين يكمنون في الأروقة والمنعطفات والزوايا المظلمة في انتظار البلاغ رقم (1) ليسيطروا بعدها على الأجهزة والميكرفونات والملفات.
وفيما كانت حالة الأجهزة تتدهور وتتداعى لضعف الصيانة وانتهاء الصلاحية، كانت الطموحات تستعر وتشتد لدى البعض متزامنة مع عمق الإحباط وقتامة الاستشراف لدى البعض الآخر.
(علوي السقاف) الذي كان والده قاضياً مشهوراً في دبي عزل نفسه، وقد نذر ألا يكلم الدهر إنسيا رغم أنه كادر مخضرم مشهود له بالكفاءة فنياً وتحريرياً وإدارياً، وكنت كلما حدثته عن أحوال ركاب السفينة وأهوال تقلبات البحر المنذر لا يزيد عن القول: "لا أذود الطير عن شجرٍ… قد بلوت المرّ من ثمره".
(خالد محيرز) الإداري الممتاز الجاهز على الدوام للعمل الصبور، الدؤوب على مدار الساعة، هرب من المعمعة إلى مشروع روسي لتقوية الإرسال في منطقة (الحسوة) وعندما تحدثه يشير إليك بحكمة القرود الثلاثة: (لا أرى، لا أسمع، لا أتكم) وطبعاً دون أن يتكلّم.
(جمال الخطيب) المجابه المعتمر بنفسه، انتهى قتيلاً، وزميله عبدالرحمن بلجون، الرقيق، الخفيف الظل، انتهى كذلك قتيلاً…وهكذا…وهكذا… ومن لم يمت بالسيف مات بغيره… تعددت الأسباب والموت واحد.
ضابطات الصوت اللواتي صرفت عليهم الإذاعة (دم قلبها) قررن أن يكن مذيعات، فكان لهن ما أردن، فتنحّت المذيعات المعتمدات لضابطات الصوت، وجاءت كوادر جديدة لضبط الصوت تتدرب على الأجهزة العتيقة.
في هذا الجو التحقت بالإذاعة ولم أكن من أهل الثقة والحكم فأسند ظهري إلى جدارٍ رقيق، كما أنني لم أكن من أهل الخبرة، فأتكئ إلى علمٍ عريق، حيا الله… مجرّد خريج جديد لا يودّي ولا يجيب.
لذلك كان من حق المذيعة النجمة (القرفانه) فوزية غانم أن تقفز في وجهي محذرة ومنذرة، كما أشرت بالأمس، وكان من حق الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة أن يضحك من (وقعتي) حتى يستلقي على قفاه. وعلى كل حال، فرب ضارة نافعة، فقد أصبحنا أصدقاء، وحين دعتنا فوزية ذات يوم للغداء أنا والجرادة في منزلها، لاحظت سطوتها المخيفة في البيت، حتى لتشعر أن الفناجين والصحون والسكاكين ترتعد من الخوف، وهذه صفة غالبة في نساء عدن، لذلك عندما قال لي صديقي الجزائري (بده مكي) الموظف في وزارة الإعلام في أبوظبي أن هناك مثلاً جزائرياً يقول: "من لم يؤدبه الزمن، أدّبته نساء اليمن" صححت له بالقول: "نساء عدن" وقد قفزت إلى ذهني (عمتي فوزية) التي أصبحت تتقبل الكنية بصدر رحب وقلب مفتوح.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر