ليس هنالك ثورة ولا رحيل .. إنما هنالك دحبشة

[@نسل الهلالي@]

ليس هنالك ثورة ولا رحيل .. إنما هنالك دحبشة


خبير بريطاني سألوه ماذا يجري في اليمن؟ فأجاب لي عشرون عاماً أُراقب الأحداث في تلك البلاد البعيدة عن كثب ولكني إلى الآن لا أدري ماذا يجري! في واقع تلك البلاد بالضبط وعلى وجه الدقة .. ولا أعرف كيف يمكن ربط الأحداث بسلسلة منطقية فيها .. فكل ما يحدث في تلك البلاد يكتنفه الغموض وتتناقض به المعطيات وليس هنالك حدثاً واحداً معقولاً.. ففي اليمن كل شيء ممكن وغير ممكن في نفس الوقت.
ثارت الشعوب العربية في أكثر من بلد وامتدت بحجم الوطن العربي من الغرب إلى الشرق وكل ثورة من تلك الثورات لها أهدافها فمنها ما تحققت في بعضها سلمياً وبعضها حسمت عسكرياً وبعضها مستمرةً في نضالها، ولا تراجع.. إلا ثورة التغيير في اليمن ..
على حين غرة وبعد زخم جماهيري كبير ماتت الثورة بل الأصح قُتلت في روحها ولم تعد إلا عبارة عن تكتل لهياكل من الأشباح الآدمية لا تعني شيئا في حقيقتها.

لم تستطع ثورة التغيير أن تهز أركان الحاكم كما أعلنت ووعدت مراراً في أهدافها ولم تستطع أن تحسم الوضع لصالحها ولم تستطع حتى أن تخلق حلاً توافقياً داخلياً بل أن الحل أتى ممن لا يعترف بوجود الثورة وممن تم تجاهلها بالمطلق الصريح حتى لم توجد إشارة للثورة في المبادرة الخارجية.

المبادرة تم رفضها من الثوار ولكن لم يفعلوا شيئاً لرفضها عملياً بل رفض على استحياء ومع ذلك بدأ مثقفي الثورة وزعمائها يطبلون للوضع الذي أرادته المبادرة وانتهى كل شيء لا زخم ولاحسم ولا هتاف ولا محاكمة للقتلة وذهبت إيمانهم المغلظة أدراج الرياح : بأنه ستتم محاكمة من قَتل ومن أَعتقل ومن فَعل ومن لم يرحل.

المشترك انتقل من شريكٍ في الثورة إلى شريكٍ في السلطة بدون أدنى خجل ومن شريكٍ في التغيير إلى شريكٍ في التكبير .. ترك الثوار في العراء وأضحى هو من يواجه الثورة ..

الحوثي كان كما يبدو يدرك اللعبة فنأى بنفسه عن الترهات وثار لوحده كما ينبغي مع وضع حداً فاصلاً بينه وبين ثورة الخواء والهراء .. ثورة النعيق والزعيق .. ثورة الصراخ والإشتراخ.

الحراك الجنوبي " النقاء الوحيد " وقف من حيث المبدأ مع ثورة التغيير لكنه كان يدرك إن اللعبة هي نفسها هي ذاتها .. وإن الخطة هي نفسها مرسومة من عهد عاد .. مهما تغيرت الوجوه ومهما كان الزخم ولهذا أعلن منذ أول يومٍ: إن التغيير شيئٌ والتحرير شيءٌ آخر ولا ترابط بينهما وأعلن أيضا إن المبادرة الخارجية لا تعني عدناً شيئا وأتت مفصلة على صنعاء ولهذا فالحراك يمضي مباركاً واضحاً صادقاً محصناً.

"إرحل" كانت أهم أهداف الثورة ولكنها لم تحدد من يرحل .. هل يرحل صالح وحده أم يرحل بعائلته وخادمته ؟ هل يرحل على اقدامه أم يرحل بنظامه ؟ هل يرحل مع أمواله أم يرحل مع تراكمات القهر المضنى منذ الف سنةٍ وأكثر؟
كانت كلمة " إرحل" صادحةً وقويةً ولكنها مطاطيةً فلا حدود للرحيل ولا تعيين له ولا من وضع له معايير واضحة وخطوط وشروط صارحة .
رحل صالح مرتين : مرة إلى غرفة الانعاش ولكن ليس بفعل الثورة بل بفعل مضاعفات الثورة ثم عاد متحدياً فارضاً شروطه مغيراً حتى المبادرة .. ولسان حاله من يقبل أهلاً به ومن لا يقبل فالميدان لنا أحكم !
في كل الحالات كان سيرحل اما في عام 2012 أو عام 2013 م وما بين العدري والـ... شمس يوم كما يقال.
هل رحل اليوم الأفندم علي؟ نعم هل رحل حقيقة كنظام ورواسب ؟ هل رحل كقبيلة ؟ هل رحل كعائلة ؟
كل ما نعرفه انه سيذهب لاستكمال العلاج ثم هو مازال رئيسا لحزب الأغلبية .. واليمن مفتوحةً له متى شاء - كما صرح السفير الامريكي في صنعاء .

إذاً. أين الثورة وأين وهجها وأين اهدافها وأين نتائجها ؟
أين الرحيل إن كان رحل وبنفس الوقت لم يرحل! وكيف يكون الرحيل والعودة مفتوحة وكيف يكون الرحيل والمؤسسات مؤسساته ؟

لا ثورتهم ثورة ولا الرحيل رحيل بل هي دحبشة بكل معنى الكلمة ..

[@نسل الهلالي@]

عفوآ المقال للاستاذ العزيز ابوعامر اليافعي.