إمبراطورية القاضي ورحلة اليمنية رقم 626 ( بقلم : عمرو اليافعي )

[الدعاسي]

عدن – لندن " عدن برس " خاص : 24 – 10 – 2009
على الرغم من مرور ما يقارب الخمسة أشهر على سقوط طائرة الايرباص 310-30 التابعة للخطوط اليمنية والتي كانت متجهة إلى موروني عاصمة جزر القمر في رحلتها رقم 626 ، والتي تحطمت قبالة مياه جزر القمر وراح ضحيتها 153 راكباً حتى بدأت تتكشف عمليات الفساد الكبرى التي ظل ينخر في جسم الخطوط الجوية اليمنية أو ما يسميها موظفي الشركة ب( إمبراطورية القاضي وهو اسم رئيس الشركة ) حتى حذا بقيادة الشركة الى اتخاذ قرار توقيف نشاط تشغيل الخطوط اليمنية إلى أوروبا اعتبارا من اليوم 24 أكتوبر 09م نظراً لعدم أيفاء الشركة اليمنية في تنفيذ برنامج الصيانة والتقيد بإجراءات عملية السلامة وفقاً للشروط المطلوبة للتحليق فوق الأجواء الأوروبية .

بالاضافة الى التلاعب بالتقيد بإجراءات السلامة الذي يتطلب الصيانة والمراقبة المستمرة للطائرات الذي يكلف أموال لم يعد بمقدور الشركة توفيرها بسبب الفساد وسرقة أموال الشركة من مكاتبها الداخلية والخارجية من قبل قيادة الشركة ممثلة بالكابتن عبد الخالق القاضي والمنتفعين المرتبطين معه مما ترك الشركة على حافة الهاوية والإفلاس واستخدام تلك الأموال في استثمارات شخصية والمساهمة في أنشاء شركات طيران خاصة كشركة السعيدة في اليمن بنسبة 25% وشركة ( جوردينياً أفيشن ) في عمان بنسبة25% وشركة الجزيرة في الكويت بنسبة 25% وكذا امتلاك مجموعة من الطائرات الصغيرة التي تقدم خدمات للأعمال النفطية للشركات العاملة في حقول النفط اليمنية في اليمن بالإضافة الى امتلاك معهد للطيران في اليمن , وكذا إنشاء شركة الخدمات الأرضية التي تقدم خدمات للمسافرين وترحيلهم حيث أُسست هذه الشركة برأسمال 40 مليون ريال يمني تم صرفها من أموال الشركة اليمنية وتم تفريغ عمال الخطوط اليمنية ومعدات اليمنية ومكاتبها للعمل لصالح هذه الشركة الخاصة وتتحمل الشركة اليمنية كافة الرواتب للعمال والنفقات الخاصة بشركة الخدمات وبالمقابل تذهب إيراداتها الى حساب خاص للكابتن القاضي دون حسيب أو رقيب مستند قوته من العلاقة الأسرية التي تربطه برئيس الدولة الحامي الأساسي لعناصر الفساد في اليمن .
أن الفساد في الخطوط اليمنية لم يقف عند حدود نهب أموال الشركة بل دفع بهذا الفساد الى استخدام شعار الشركة وأرقام رحلاتها التجارية على طائرات النقل العسكرية وللتأكد من ذلك على المسافر الى اليمن ان يلتفت الى ساحة المطار باتجاه حظائر الطائرات العسكرية أثناء النزول في مطار صنعاء ليجد شعار الخطوط اليمنية على ذيل الطائرات العسكرية وتأتي هذه التصرفات بسبب العلاقة الأسرية بين قائد القوى الجوية محمد صالح الأحمر الأخ الغير شقيق للرئيس اليمني علي عبد الله صالح ورئيس شركة الخطوط اليمنية عبد الخالق القاضي ، إضافة إلى ذلك فان اليمنية تقوم بدفع كافة رسوم الإقلاع والهبوط في المطارات الداخلية والخارجية ، وكذا رسوم العبور فوق الأجواء لرحلات طيران لم تكن تابعة للشركة اليمنية ، وهذه أموال كبيرة تدفع بالعملة الصعبة تتكبدها الشركة , كما ان الشركة اليمنية تقوم بتقديم خدمات فنية وقطع غيار لطائرات الشركة الخاصة للقاضي دون ان يتم دفع قيمة قطع الغيار او أيجار ساعات العمل في الحظائر الهندسية للشركة بل انه يكون في اغلب الأحيان على حساب أوقات صيانة الطائرات التابعة للخطوط اليمنية وهذه الأعمال تقدر بالملايين اذا ما تم احتسابها او تقديمها لشركات أجنبية او قامت بها الشركة في الخارج لصيانة طائراتها , وهناك أيضا نوع أخر من الفساد حيث يتم صرف التذاكر المجانية بشكل كبير كمجاملة لأبناء وعائلات المسئولين والمشائخ والأعيان ومعظمها على الدرجة الأولى الى أوروبا ويكون ذلك على حساب مبيعات الشركة وإيراداتها وأيضا على حساب المسافرين الدافعين قيمة التذاكر نقداً مما يؤدي ذلك الى عدم تغطية نفقات التشغيل للرحلة على الرغم من الامتلاء الوهمي لمقاعد الطائرة بسبب التذاكر المجانية .
أن عدم الولاء الوطني لكل ما هو وطني كان السبب الرئيسي لفشل كثير من الشركات ومؤسسات القطاع العام الحكومية والشركة اليمنية التي تمتلك الخطوط السعودية 49% منها لم يهم قيادة الشركة في المحافظة عليها بل كان همهم كيفية الاستفادة منها وتحويل إيراداتها الى حسابهم الشخصي وتحويلها إلى ملكية خاصة واستنزاف الجانب السعودي والذي عادة ما يطلب منها تقديم الدعم المادي في حالة تحسين وضع الشركة على الرغم من ان السعودية لم تتسلم فلساً واحداً من أرباح الشركة التي كان يعلن عنها من قبل اليمنية منذ إنشاء الشراكة بينها والتي تقدر بملايين الدولارات والذي اذا ما تمت المطالبة بها من قبل السعودية لأرباحها فقط سوف يتحول أسطول الخطوط اليمنية الى ملكية الخطوط السعودية , كما هو نفس الحال عندما تم دمج شركة ( اليمدا ) قسراً وبقرار سياسي وليس اقتصادي لم يراعى بان (اليمدا) شركة وطنية 100% بأسطولها وكوادرها وأصولها الداخلية والخارجية ولكن دمجها كان من أجل التهام أموال وأصول الشركة لصالح الشركة اليمنية .
واذا ما تطرقنا الى وضع الكابتن القاضي قبل وصوله الى رأس قيادة الشركة فأنه كان يشغل مدير العمليات الجوية للشركة وكان ممن يقوم بتحريض الطيارين والعمال الى الإضرابات والاعتصامات ويتعاطف مع مطالب العمال في تحسين هيكل الأجور وزيادة في العلاوات والاستحقاقات العمالية وإظهاره كمدافع عن حقوق العمال وما ان وصل الى قيادة الشركة حتى بدء معها أبراز الوجه الحقيقي والنوايا المبيتة للسيطرة على مقدرات الشركة وبدء معها الطيارين والمهندسين والعمال رحلة العذاب والمعاناة , لقد تم تحويل الشركة اليمنية يوما بعد يوم منذ تولي القاضي قيادتها الى ملكية خاصة من خلال امتلاك الحرية المطلقة في اتخاذ القرارات المصيرية والتصرف باموالها دون اللجوء الى مجلس الإدارة او اللجوء إليهم في أحسن الأحوال لمجرد العلم بالشيء وليس المشاركة في الرأي دون ان تتجرأ الأجهزة الرقابية المالية والإدارية في الشركة على إيقافه وكيف لها هذه الجهات ان تتجرأ وهو بيده المُلك كله يعطي لمن يشاء ويمنع على من يشاء بيده القرار في التعيين والترقية او الفصل من العمل .
أن الدافع وراء استنزاف أموال الخطوط اليمنية على طريق إفلاسها إنما هو من اجل التغطية على عمليات الفساد التي يقودها القاضي والذي قد تدفع بالحكومة للتغطية عليه الى اتخاذ قرارات منها :-
1- دفع الحكومة إلى اتخاذ قرار تقديم الدعم المالي الكبير لإعادة تسيير نشاط الخطوط اليمنية وهذا ليس بمقدور الدولة دفعة كون المطلوب مبالغ كبيرة جداً ولكن سيتم ذلك عن طريق طلب تتقدم به الحكومة اليمنية الى المملكة العربية السعودية بتغطية الدعم المالي المطلوب كونها شريكة للخطوط اليمنية بنسبة 49% وقد تطلب السعودية زيادة نسبتها في الشركة او كمساعدة منها لانتشال وضعها المفلس , كون فشلها وتوقف نشاطها سوف يضر بسمعة الحكومة اليمنية وسيفتح باب للمساءلة وتقديم تقرير عن أسباب الفشل ومن ثم تقديم المتسببين بذلك وهذا مالا ترضاه الحكومة لأنه سوف تتكشف أسماء كبيرة يكون من ضمنها أفراد من الأسرة الحاكمة كابن الرئيس أحمد علي عبد الله صالح الذي قام بتأجير الطائرة اليمنية المنكوبة على الخطوط اليمنة والمسجلة دفترياً (باسم اليمنية ) لكنها تابعة لشركة وهمية يملكها احمد علي عبدالله صالح وشريكة فيها صهره الكابتن القاضي وبموجبها تدفع الشركة اليمنية 100 ألف دولار شهرياً لتلك الشركة الوهمية , وان عائدات تلك الطائرة يذهب الى حساباتهم الخاصة .
2- إعلان إفلاس الخطوط الجوية اليمنية للتهرب من تتحمل الدولة تغطية ديونها وبهذا تصبح ( شركة السعيدة ) الذي يمتلكها الكابتن القاضي الشركة الوطنية بدلاً عن الخطوط اليمنية وبهذا يكون قد تخلص من العمالة الكبيرة التي تمتلكها الخطوط اليمنية والاستفادة من بعض الطيارين والمهندسين والإداريين للعمل في شركاته الخاصة وعدم مساءلته لتغطية ديون الشركة كونها قد أعلنت إفلاسها بل وفي اغلب الظن سوف تقوم الحكومة بعرض أصول الشركة للبيع ، ومن المؤكد ان يتم بيع أصول وطائرات الخطوط اليمنية الى شركة السعيدة وبرخص التراب بحكم صلة القرابة بين الكابتن القاضي ورئيس الجمهورية ، وقد يكون الرئيس أو ابنه أحمد هو الشريك الجديد للشركة الجديدة بدلا عن الشريك القديم الخطوط السعودية ، وبهذا يكون قد تخلص من الشركة السعودية الدائن الكبير لليمنية التي دائما تهدد اليمنية بحصتها من الأرباح التي لم تتسلمها منذ إنشائها , وبهذه الطريقة يكون قد عادت أصول اليمنية الى حضن إمبراطورية الكابتن القاضي والأسرة الحاكمة ولكن هذه المرة بوجه جديد تحت مسمى الاستثمار وما يدريك ان يكون هذا السيناريو من أفكار الأسرة الحاكمة التي ظلت تحلم وتخطط في كيفية الاستحواذ على أملاك الخطوط اليمنية دون ان يدفع ريال واحد والتخلص من الشريك السعودي التي ظل شوكة في خاصرة اليمنية طوال السنوات الماضية .
أن الرحلة رقم 626 كانت بمثابة المسمار الذي دق نعش الخطوط اليمنية والقضاء المستعجل الذي كشف مستنقع الفساد الكبير دون سابق إنذار ، حيث حاولت قيادة الشركة الذي ظلت جاثمة علية سنيين طويلة ان لا تفوح برائحته على المستوى الداخلي بالرغم من معرفة البعض تفاصيل النهب والفساد الا ان سقوط الطائرة الايرباص 310-30 لم تستطع قيادة الشركة ولا الحكومة تجاهله او الهروب منه كون نشاط الشركة يتطلب تقديم التزامات وإجراءات دولية ضمن اتفاقيات خاصة بالمنظمة الدولية للطيران ( الاياتا ) أو الاتحاد الأوروبي للطيران وخصوصاً فيما يتعلق بإجراءات السلامة والتي لا تستطيع الشركة مغالطتها او التهرب من الإيفاء بها طوال الوقت وهو ما دفع بالشركة اليمنية مؤخراً الى الخضوع لها وإعلان تعليق رحلاتها الى أوروبا وقد يكون التوقف نهائياً .
وهناك أسئلة كثيرة تطرح نفسها هل أصبح حياة المسافر اليمني دون قيمة , والسماح للخطوط اليمنية بتشغيل رحلاتها الى الدول العربية من قبل المنظمة العربية للطيران ( الاكو ) وهل يسمح للطيران فوق الأجواء العربية دون التقيد بإجراءات السلامة كما هو الحال فوق الأجواء الأوروبية في حال ما أذا لا قدر الله بحدوث كارثة وسقوط طائرة أخرى ؟ وكيف ستتعامل شركة التأمين للطيران مع مثل هذه الكوارث والذي بكل تأكيد سوف يرفض دفع أي تعويضات للشركة وطبعاً سيضيع معها حقوق الركاب من التعويض للاستهتار بحياة المسافرين و عدم التزام الشركة اليمنية بالتقيد بإجراءات السلامة للطيران , او سترفع شركات التأمين مبلغ التأمين على الطائرات اليمنية ؟ وهنا سوف تتحمل الشركة وحدها دفع التعويضات بدلاً عن شركة التأمين الا ان الوضع المالي المفلس للشركة والذي ادى إلى توقف نشاطها الى أوروبا لم يكن يتحمل حدوث كارثة أخرى قد يدفع بها الى إعلان إفلاسها بعد ساعة من نشر خبر حدوث الكارثة .
والسؤال الأخر هو موجه الى المسافر على الخطوط اليمنية , هل سيطمئن المسافر بعد ان تداولت الأخبار والتقارير إلى وضع الشركة الفني والى حقيقة عدم تقيد الشركة بإجراءات السلامة المطلوبة توفرها وفقاً للشروط الأوروبية , وهل المسافر مستعد ان يعيش ساعات من الخوف والقلق خلال رحلاتها ووصوله سالماً على مدرج المطار , أم انه سوف يكون مجبراً للسفر وتسليم أمره الى الله في ظل حالة المنع لشركات الطيران الأجنبية العمل الى كل مطارات الجمهورية , و هنا ما على الخطوط اليمنية الا أن يكون شعارها الجديد ( كل نفسٍ ذائقة الموت ) .
لقد كثُرت التنبؤات حول سقوط الرحلة رقم 626 وقد حاولت قيادة الشركة الى أيجاد مبررات مظللة لعملية الحادثة ودفعت بكثير من الصحفيين والفنيين العاملين في مصلحة الطيران المدني عن طريق شراءهم او الضغط عليهم الى تأييد ادعاءات قيادة الشركة اليمنية كما دفعت بعمال الشركة الى الخروج في تظاهرة أمام السفارة الفرنسية بصنعاء وتحميل الخطاء الجانب الفرنسي وتحويل حادثة سقوط الطائرة الى قضية سياسية بين الحكومة اليمنية والحكومة الفرنسية احياناً و بين الحكومة الفرنسية وحكومة جزر القمر أحيانا أخرى وان سقوطها تم بصاروخ انطلق من قاعدة فرنسية أثناء المناورات لقطع من السفن البحرية الفرنسية التي كانت متواجدة بالمياه قبالة مطار جزر القمر, وتارة لوجود خلل في صناعة هذا النوع من طراز الايرباص في المصانع الفرنسية , وتارة بسبب سوء الأحوال الجوية وقوة الرياح أثناء هبوط الطائرة وتارة أخرى بعدم تقيد كابتن الطائرة المرحوم خالد حاجب بتعليمات برج المطار بتغيير وجهة الرحلة إلى مطار أخر لسوء الأحوال الجوية في مطار مورني وإصراره على الهبوط , ان هذا التخبط في التصريحات من قبل قيادة لشركة والجانب الحكومي الرسمي للجانب اليمني إنما الغرض منه هو التشويش والتضليل على الرأي المحلي وإبعاده عن حقيقة ما يدور من فساد في الشركة , اما الرأي العالمي لا يؤمن بمثل هكذا مسرحيات ، بل بالاستناد إلى حقائق ووثائق وقوانين واتفاقيات هي وحدها التي تحدد حقيقة سقوط الرحلة 626 ...
أخيراً هل أبتلع البحر حقيقة سقوط الطائرة الايرباص 310-30 للخطوط الجوية اليمنية كما ابتلع البحر ركابها وانتهت القضية وهو ما يتمناه الكابتن القاضي والحكومة اليمنية , أم ان الحقيقة سوف تظهر يوما ما مهما حاولوا التستر عليها ..... سوف ننتظر ونترقب حتى هذا اليوم .