الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأ قسام السياسية > المنتدى السياسي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-08-29, 08:06 PM   #1
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي صحيفه الشرق ألأوسط ) : الحراك الجنوبي: أخطاء القسمة.. والتقاسم

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة السابعة) : الحراك الجنوبي: أخطاء القسمة.. والتقاسم
استغلال كبير لضعف مؤسسات دولة الوحدة يقوده متضررون من أخطاء الحكومة وحساباتها السياسية
مجموعة من اليمنيين متجمعون في أحد أزقة حي سكني في صنعاء أمس (أ.ف.ب)
صنعاء: عبد الستار حتيتة
قبل الوحدة بين شطري اليمن كان آخر رئيس للشطر الجنوبي هو علي سالم البيض، وقبل الاستقلال كان جنوب اليمن يتكون من سلطنات وإمارات يحكمها سلاطين وشيوخ قبائل، منهم والد طارق الفضلي، القيادي في الحركة الانفصالية التي اشتبكت مع قوات الجيش هذا الأسبوع. وبينما تخرج مظاهرات في عدة مديريات بجنوب البلاد تطالب بالانسلاخ عن الشمال، تصدر من مكتب تابع للبيض بيانات بين حين وآخر، تبارك هذا الاتجاه الانفصالي.
ويجد الفضلي ذو التوجه الإسلامي المتشدد في بيانات البيض (خصمه الاشتراكي)، إضافة إلى نشاط تنظيم القاعدة هناك، دعما قويا في مهاجمة السلطة المركزية، التي ما زالت تدعو الخارجين عن سلطتها إلى الحوار تحت سقف الوحدة والدستور والقانون. هنا يبدو أن الزعماء المطالبين بالانفصال يدفعهم إلى ذلك حنين قديم للحكم وتولي السلطة، أو على الأقل الحصول على «مزايا»، فالبيض كان رئيسا، والفضلي كان ابن صاحب سلطنة، والأول ذاق مرارة المنفى (وما زال)، والثاني عاش جانبا من حياته في خيمة بعد مصادرات ومطاردات سياسية. هكذا يعتقد يمنيون من الجنوب وهم يتحسسون مفارق الطرق هناك. ولم يكن مثل هذا الخروج للمطالبة بالانفصال ليحدث لو كانت الدولة قوية منذ بداية وحدتها.
ويقول مسؤول حكومي سابق في دولة الوحدة، وهو أصلا من محافظة عدن في الجنوب، إن مشكلة اليمن تكمن، ببساطة، في أن وحدتها التي أعلنت عام 1990، بُنيت على «القسمة والتقاسم. هذا أثّر على إدارة الدولة.. بحكم التقاسم السياسي بدأنا نتجاوز الأنظمة واللوائح والقوانين.. مؤسساتنا ضعفت، وما تراه من مشكلات الآن هو نتيجة لهذا الأمر».
وفي سنوات بناء الوطن الواحد عرف الرئيس اليمني الحالي، الذي يوصف بأنه مؤسس دولة الوحدة، علي عبد الله صالح، كلا من البيض والفضلي، وآخرين ممن يطالبون بالانفصال، لكنه يقول إن الوحدة خط أحمر، و«الدعوة إلى الانفصال خيانة وطنية كبرى».
وبعد نحو أسبوعين من توقف الحرب في صعدة شمال غربي البلاد تبدو الدولة عازمة على استئصال مسببات «الفتنة الجنوبية»، سواء كانوا قيادات على الأرض، أو تجار سلاح، أو مشكلات تخص عامة المواطنين، كالبطالة وغياب الخدمات وارتفاع الأسعار وتملك الأراضي.
ويشرح السفير اليمني السابق، محمد القباطي، الذي عيّن قبل ثلاث سنوات كسفير لليمن في لبنان وقبرص، قائلا: «طبعا القسمة والتقاسم بدأت عبر عدة مراحل.. أولها في السنوات الأربع الأولى من الوحدة عام 1990، ما بين الحزب الاشتراكي (كان يحكم الجنوب) والمؤتمر الشعبي (الحاكم للبلاد الآن)، ثم السنوات الأربع التالية.. أما بعد الحرب الأهلية (بين الجنوب والشمال عام 1994) فبدأت القسمة ما بيننا (في حزب المؤتمر الشعبي)، وبين حزب الإصلاح (المعارض). أما المرحلة الثانية من القسمة والتقاسم، أي في المدة من 1994 إلى 1998، فكانت أبعادها خطيرة، لأن القسمة في هذه المرحلة كانت بين حزبين، في الأساس، من الشمال (هما: المؤتمر الشعبي الحاكم والإصلاح المعارض ذو التوجه الإسلامي). وحاول الإصلاح أن يرث مواقع كثيرة من مواقع الحزب الاشتراكي الذي كان حاكما للجنوب. وحين بدأت عملية تعيين الكوادر والمسؤولين في مختلف مرافق الدولة، وخصوصا في المحافظات الجنوبية، أعطيت المواقع لأناس من أصول من المحافظات الشمالية، مما خلق انطباعا لدى الجنوب بأننا نبعد أبناء الجنوب، ومن هنا بدأت أبعاد ما تسمى بالقضية الجنوبية، تكبر».
ولتداعيات كثيرة لم يخرج البيض والفضلي من حلقات القسمة والتقاسم هذه فقط، بل لم يتمكن أي منهما، في نهاية المطاف، من الاحتفاظ بأي أرضية قوية تمكنه، مثل انفصاليين آخرين غيرهما، من العمل ضمن دولة الوحدة. ولم تُغضب سياسة القسمة والتقاسم بعض الأشخاص فقط، بل كانت مراحل هذه القسمة قد أثرت على نظرة اليمنيين، خصوصا في الجنوب، إلى وطنهم الموحد، وخصوصا بعد أن انفرد الحزب الحاكم بالقسمة كلها، وأثرت كذلك على كافة مناحي الدولة، وعلى وزاراتها أيضا، من التعليم والصحة وحتى وزارة الخارجية.
ويقول السفير القباطي الذي يشغل حاليا رئيس دائرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم): «لاحظ أن مؤسساتنا ضعفت بحكم الوحدة التي تمت بين الشمال والجنوب من منطلق أن الوحدة بنيت على القسمة والتقاسم.. نصف لي ونصف لك.. وللأسف الكثير من المؤسسات، وأنا أتكلم وكنت حينها أستاذا في جامعة صنعاء، عقب عودتي من بريطانيا، وأعرف أن الجامعتين في عدن وفي صنعاء كان فيهما تقاليد أكاديمية إلى حد مقبول.. لكن بعد الوحدة، وبحكم التقاسم السياسي بدأنا نتجاوز الأنظمة واللوائح والقوانين وأصبح يتم ترقية الأساتذة في الجامعات وتعيينهم على حساب قرارات سياسية.. المهم أن القوانين واللوائح والأنظمة ضُربت».
ويضيف السفير القباطي، الذي عمل في السابق كمستشار لرئاسة مجلس النواب اليمني، موضحا تأثير قضية القسمة والتقاسم، أن وزارة الخارجية نموذج من نماذج المؤسسات التي ضُربت أيضا.. «المقاييس التي كانت تبنى عليها وزارة الخارجية قبل الوحدة، سواء وزارة الخارجية في عدن أو وزارة الخارجية في صنعاء.. كلتا المؤسستين كانت لديها تقاليد مؤسسية إلى حد كبير في قضايا الترقية والتعيين، وغيره، ونتيجة للقسمة والتقاسم ما بين الشمال والجنوب، أو ما بين حزبين، الاشتراكي (جنوبا) والمؤتمر الشعبي (شمالا) انعكست على وزارة الخارجية، وبالتالي ضعُف البناء المؤسسي لكثير من المؤسسات وضاعت تقاليد كثيرة جدا كنا كسبناها، وضعف أداء المؤسسات بشكل عام داخل الدولة».
وبعد أن انتهت الشراكة أو القسمة بين حزبي الاشتراكي والمؤتمر، دخل الأخير في شراكة مع حزب الإصلاح، بمن فيه من إسلاميين متشددين ينتمي غالبيتهم إلى الشمال، وهؤلاء حلوا محل الاشتراكيين في إدارة شؤون كثير من المؤسسات اليمنية في الجنوب.. يوضح القباطي قائلا: «مع عام 1998 تم إحلال كثير من الكوادر التي جاءت من الإخوة في حزب الإصلاح، بدلا عن الحزب الاشتراكي. كانت معظم كوادر الإصلاح من أصول شمالية.. وخلق هذا الوضع نوعا من التذمر والشعور بالظلم في بعض المحافظات الجنوبية.. وهذا هو الآن ما بدأ يظهر مع الوقت بالشعور بعدم وجود شراكة بين الشمال والجنوب.. هذه حقيقة الوضع الآن الذي يجري في الجنوب، لأنه بعدها أيضا ترافق هذا مع أن بعض القيادات العسكرية بحكم الحرب وغيرها أبعدت وبقيت خارجا، وأعيد استيعابها لكن كان الوقت قد فات، والقضية خرجت من أبعادها».
حسنا، وحيث يرى البعض أنه لا توجد مظاهر للدولة هناك، كيف يرى هذا الرجل الجنوبي والدبلوماسي السابق في دولة الوحدة، الأمور الآن في الجنوب؟ خصوصا أنه كان في يوم من الأيام، وهو طالب في لندن، مسؤولا عن منظمات الحزب الاشتراكي في أوروبا الغربية. يجيب القباطي قائلا إن المشكلات في الجنوب تكاد تتركز على خط الطريق الدولي الرابط بين عدن وصنعاء، والمارة في محافظة الضالع وفي محافظة لحج. لكن السلطة موجودة بالكامل في حضرموت، التي تكاد تشكل تقريبا أكبر محافظة في الجمهورية كلها، لكن هذا لا ينفي أن هناك بعض الاضطرابات الموجودة.. هذه الاضطرابات تعكس إلى حد كبير الشعور بأن المحافظات الجنوبية كأنها أبعدت من الشراكة».
ويتابع موضحا بقوله: «أنا من عدن.. وفي عدن نحو 36 مديرا عاما.. مدير للصحة والتربية والتعليم والطرق والجمارك... إلخ.. ومن بين أبناء عدن من يشعر أن من بين هؤلاء الـ36 مديرا لا يوجد بينهم، من أبناء عدن، إلا 7 أو 8 مديرين فقط.. أما الباقون فكلهم قادمون من مناطق أخرى، في وقت توجد فيه كفاءات من عدن.. هذا يخلق نوعا من الشعور بعدم الشراكة وشعورا بالضيم.. الحل يكمن في نظام للخدمة المدنية المفتوح يتسابق فيه الناس حسب مؤهلاتهم».
ويتحدث اليمنيون في جنوب البلاد عن الكثير من المشكلات الأخرى التي يلمسونها كل يوم، ويرون أن الشمال هو المسؤول عنها.. ومثل هذه الحكايات تزيد من الهوة بين الجانبين، وتزيد من الشحن ضد إخوانهم الشماليين، إلى درجة تصل إلى الاشتباك أو الطرد من محل العمل، وكذا الطرد من السكن. وتتطور الاشتباكات والتحرشات إلى اعتداء وضرب، وحين تتدخل قوات الأمن لتطبيق القانون وحماية أرواح المعتدى عليهم، يتدخل مسلحون تابعون للحراك الجنوبي الذي يغذيه كل من الرئيس السابق البيض، والقيادي الجنوبي الفضلي، للاشتباك مع قوات الشرطة، وبعدها مع قوات الجيش أو الشرطة العسكرية حين تتدخل.. هنا يسقط القتلى والجرحى. وتبدأ البيانات تصدر من قيادات الانفصال من الداخل والخارج.. ويبدأ حشد الأنصار، وتحويل القضية الجنائية إلى قضية سياسية فقضية انفصالية، للتظاهر والطواف في الشوارع بجثث الضحايا كدليل، كما يقولون، على ظلم الشمال وقتله لأبناء الجنوب.
وفي جلسات الجنوبيين، خصوصا في مناطق بالضالع وحضرموت، تجد انتقادات للطريقة التي تدير بها السلطة المركزية في صنعاء الدولة اليمنية، مقارنة بالطريقة الموروثة من الإنجليز التي كانت عليها الإدارة في دولة اليمن الجنوبي، قبل الوحدة.. ومن أشهر هذه الحكايات التي يسعى السياسيون الانفصاليون لتحويلها من مجرد مزح، كما كانت، إلى نوع من الكراهية لكل ما هو شمالي، شخصية دحباش التي ظهرت في مسلسل تلفزيوني يمني، وتدور عن طريقة رجل طيب وساذج وفهلوي يمني من منطقة الشمال في التحايل لكسب العيش. ويقول الممثل اليمني الشهير بهذه الشخصية، آدم سيف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد دفعت الثمن غاليا، دون ذنب، لأن أحد السياسيين الجنوبيين أعلن في خطاب عام أن الشماليين ما هم إلا (دحابشة)».
وحول هذه النقطة يشير التقرير الاستراتيجي اليمني الأخير بقوله: «ربما كان أخطر مفردات تلك التعبئة النفسية هو استخدام مصطلح دحباشي في وصف كل ما هو شمالي دلالة على الفوضى والتخلف والرعونة.. وهو المصطلح الذي اقتبس من مسلسل تلفزيوني كوميدي عرضه التلفزيون اليمني في بداية عهد الوحدة، ويمارس بطله (دحباش) كل أنواع الكذب، والنصب، والفهلوة ضد الآخرين. وسريعا صار مصطلح (دحباشي) يطلق على الشماليين الذين تدفقوا بعشرات الآلاف إلى المناطق الجنوبية للتجارة والعمل في مجالات كثيرة شهدت نهضة بعد الوحدة بعد اعتماد النهج الاقتصادي الحر».
ويضيف: «والحق أن انتقال المواطنين لم يقتصر على الشماليين فقط، فقد انتقل المواطنون الجنوبيون أيضا ليعيشوا في الشمال ويستقروا فيه بمحض إرادتهم، كما انتقل الآلاف من الكوادر الرسمية إلى العاصمة صنعاء أو ضمن وحدات الجيش بحسب مقتضيات إقامة الدولة الجديدة. وهكذا لم يشفع للشماليين - الذين صاروا دحابشة للجمع ودحباشي للمفرد - أنهم ذهبوا إلى جنوب بلادهم لتبادل المنفعة، وظهرت موجة من النكات والطرائف التي تتناول (الدحابشة) على طريقة النكات التي يطلقها أهل القاهرة في مصر على (الصعايدة).. وبدلا من (مرة واحدة صعيدي) صارت النكتة (مرة واحدة دحباشي)».
نائب رئيس تحرير التقرير الاستراتيجي اليمني، الباحث ناصر يحيى، يقول لـ«الشرق الأوسط» عن تصاعد المشكلة الجنوبية: «إذا تُركت دون معالجة حقيقية لا شك أنها ستتطور مثلما تُركت المشكلة في صعدة فترة طويلة دون علاج، لكن الأمر يختلف في الجنوب عن الشمال، لأن القيادات الجنوبية لم تكن موحدة كالشمالية (الحركة الحوثية)، ومن غير المتوقع أن تتمكن من الاتحاد في أي وقت قادم، لأن غالبية تلك القيادات التي تحارب وجود الدولة في الجنوب، متنافرة بالأساس، وحارب بعضها بعضا في الماضي، وسيحارب كل منها الآخر في المستقبل».
يقول يحيى: «بالنسبة للجنوب، الحراك ليس موحدا لا على مستوى القيادة ولا على مستوى القواعد، وكذلك الشعارات التي يطلقها تستفز الكثير من أفراد المجتمع، مثل قضية الانفصال وأننا نحن شمال وهم جنوب، وقولهم إنهم ليسوا يمنيين، كل هذا استفزّ جزءا كبيرا من المجتمع، فهذه كلها نقاط ضعف عند الحراك الجنوبي، لكن لديه أيضا نقطة قوة، وهي استثمار الهويات الصغيرة.. لدينا في اليمن الهوية العامة، وهي الهوية اليمنية، لكن عبر التاريخ نشأت هويات صغيرة داخل هذه الهوية العامة.. هوية المناطق وهوية القبائل وهوية السلطنات القديمة. كل هذه لم تنتهِ.. الجنوب نفسه أيضا يعتبر هوية أخرى غير الهويات الصغيرة داخل هوية الجنوب.. هذه كلها ظلت باقية في النفوس، واستغلال هذه الهويات أصبح سهلا جدا، خصوصا مع المصاعب الموجودة هناك.. إضافة إلى وجود أناس متضررين سياسيا أو اقتصاديا.. أيضا وجود ظلم في الدولة، ووجود تخلف وعدم وجود المجتمع الدستوري القانوني الذي يجعل الناس يشعرون أن هذه بلادنا جميعا. هذه عوامل كثيرة جدا».
ويعلم كثير من المسؤولين في صنعاء مثل هذه المشكلات، بل لديهم أدلة على وجود أخطاء لا بد من تصويبها، ومن الحكايات القادمة من الجنوب والمنتشرة في صنعاء، ويمكن أن تجعل الحكومة تعيد النظر في النظام المالي البيروقراطي فهيا، والذي أرهق الجنوبيين والشماليين على حد سواء، تلك الحكاية المستفزة ضد الشمال. تقول القصة إن خطابا جاء لمدير بمديرية التربية والتعلم بجنوب اليمن باعتماد عشرين مليون ريال (نحو 100 ألف دولار). وفرح المدير، لكن عليه، لكي يحصل على هذا الاعتماد المالي لصيانة مدارس بإدارته، أن يتوجه إلى العاصمة صنعاء على بعد 794 كيلومترا. في العاصمة يقيم في فندق، ويبدأ في رحلة الطواف على وزارات الدولة لإنهاء أوراق صرف المبلغ. هذا يستغرق شهرا أو شهرين..
مطلوب من المدير أن يراجع وزارة الإدارة الملحية، ثم يراجع وزارة التربية والتعليم، وبعدها وزارة التخطيط، ثم وزارة المالية، وبعد ذلك البنك المركزي، لكن لكي يحصل على المبلغ، عليه أن يكون ماهرا جدا، وأن ينفق منه ما يتراوح بين 4 إلى 5 ملايين ريال، وبسبب البيروقراطية الموجودة في المركز ونتيجة للفساد الذي تراكم منذ فترة طويلة، سيعود هذا المدير إلى مديريته بالجنوب بنحو 15 مليون ريال فقط، لا عشرين.
ويقول الدكتور القباطي، الذي تعود أصوله إلى جنوب اليمن، عن هذه الحكاية، إن «مثل هذا المدير جاء ليتسلم ميزانية صيانة مدرسة فوجد نفسه يتدرب على الفساد. وحين يعود إلى مديريته في إحدى المحافظات الجنوبية، بالـ 15 مليون ريال، ولأن إداراتنا ضعيفة وليس هناك شفافية فيها أو مساءلة، تصبح الـ15 مليون ريال التي معه هي خمسة ملايين لي وخمسة ملايين لك وخمسة ملايين للمقاول الذي سيقوم بالعمل. أي أن كفاءة إدارة الدولة التي رصدت 20 مليون ريال لم يصل منها فعلا إلا 5 ملايين.. أي أن الكفاءة لا تزيد هنا عن 25%، في بلد إمكاناته شحيحة.. ولو كان هناك نظام مالي وإداري جيد لتم تحويل العشرين مليون ريال مباشرة إلى فرع البنك المركزي في داخل عاصمة المحافظة، وترصد وتنفق في محلها وفق نظام إداري شفاف».
وتتجمع قطرات من الحكايات ومن الأقاصيص ومن الحوادث العرضية التي يمكن أن تحدث في أي مكان باليمن، وشكّل منها سياسيون انفصاليون، داخل البلاد وخارجها، بُحيرة يغطسون فيها أنصارهم ليخرجوا منها مبللين بالكراهية ضد إخوانهم الشماليين. وأسهم في نشر التعصب ضد اليمن الموحد، والجنوح إلى المطالبة بـ«يمن جنوبي» أو «جنوب عربي» مستقل، وسائل الاتصال من هواتف نقالة، وإنترنت، ومحطات تلفزة فضائية، وغيرها.. المشكلة الظاهرة للعيان هنا أن القياديين الانفصاليين يريد كل منهم أن يستقطع جزءا من الشعب ومن الأرض لإقامة دولته أو إمارته أو سلطنته الخاصة، خصوصا أن تلك المناطق كانت أيام الاستعمار الإنجليزي تخضع لنظام حكم بريطاني غير مركزي.
يقول السفير القباطي: «الجنوب كان قائما من أيام الاستعمار البريطاني على لامركزية كبيرة جدا.. أي أن الجنوب جاء مكونا من 22 مشيخة وسلطنة وإمارة بالإضافة إلى أربع ولايات منها ولاية عدن مثلا.. يمكن أن تقول إنه كان هناك حكم ذاتي. وكل وحدة من هذه المشيخات والسلطنات والولايات كان لديها جماركها وشرطتها وكل شيء، فبالتالي هذا الشعور في الجنوب هو انعكاسات لعدم الكفاءة في الإدارة وانعكاسات الفساد.. الشكوى من هذا بارزة جدا في الجنوب بحكم أن الذاكرة ما زالت تختزن تجارب قريبة كان فيها شراكة من قبل المواطن في إدارة شؤونه، وبالتالي المَخرج الآن هو ما سيجري من قضية الحوار حول الحكم المحلي واسع الصلاحيات. هذا، إلى حد كبير، سيعالج أو يلبي المطالب الموجودة في كثير من محافظاتنا، وخصوصا على صعيد المحافظات الجنوبية والشرقية».
لكن، وعبر التاريخ، لم يكن القسم الجنوبي من اليمن دولة منفصلة عن باقي البلاد، إلا في فترة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الإنجليزي.. كان المحتلون الأتراك قبل الحرب العالمية الثانية يطلقون على جنوب اليمن «عدن والمحميات التسع» التابعة لولاية اليمن. وحين حل البريطانيون محلهم رفضوا الخروج، قائلين بعد تطورات الحرب العالمية الثانية إنهم قاعدون هناك بناء على اتفاق مع دولة جنوب اليمن، أي الإمارات الأربع والعشرين المبعثرة في جنوب البلاد مع عدة مشيخات وسلطنات في ذلك الوقت، إضافة إلى مدينة عدن بطبيعة الحال. وبعد رحيل الإنجليز عما عُرف بجنوب اليمن بدأ صراع من نوع آخر بين اليمنيين في الجنوب، مبني على تحالفات مناطقية وقبلية وسياسية. وتم في عام 1969 إقصاء أول رئيس للجمهورية، قحطان محمد الشعبي، بعد نحو عامين من حكمه. وكانت تنحيته بزعامة سالم ربيع علي الذي سيخلفه في الرئاسة، ويتم إعدامه بعد ذلك، وهكذا استمرت أجواء المؤامرات، وكان هناك صراع دموي بين الجنوب والجنوب، لأسباب كثيرة، خصوصا في مناطق أبين وشبوة وعدن والضالع ويافع وحضرموت.
وفي الوقت الراهن بدأت تعود قصص البطولة ومن انتصر ومن انهزم في الحروب الغابرة، إلى الواجهة، وحين برز اسم الرئيس السابق البيض، والقيادي في الحراك، الفضلي، كانفصاليين، إلى جانب قيادات أخرى بالداخل والخارج، كان أنصار كل منهم يتحركون بطريقته.. بالنسبة لأنصار البيض، يسعون لإعادة دول اليمن الجنوبي، وبالنسبة لأنصار الفضلي، يقدمون السلطنة الفضلية في منطقته زنجبار التي كان يديرها والده، على أي شيء آخر، رغم ما يعلنه عن الحاجة لاستقلال «الجنوب العربي».
يتحدث البيان الصادر عن مكتب البيض، تعليقا على مظاهرة في جنوب اليمن قبل أسبوعين، عن أنه هو من دعا الناس هناك للتظاهر ضد «استمرار احتلال الجنوب»، مناشدا المجتمع الدولي لمساندة «نضالها من أجل ممارسة حقها المشروع في تقرير مصيرها»، و«إعادة بناء دولته المستقلة وعاصمتها عدن الأبية». ويتوعد أيضا قائلا: «إن الشعب الذي قدم التضحيات من أجل تحرير بلاده من الاحتلال البريطاني، قادر اليوم على دحر الغزاة الجدد الذين أخذوا بلادنا غنيمة حرب، وحولوها إلى مستعمرة ينهبون ثرواتها وخيراتها، ويحكمون شعبها بقوة الحديد والنار».
أما طارق الفضلي، ذو الخلفية القتالية، الذي ولد وترعرع وسط أجواء من الحروب والانقلابات والاغتيالات، وبعد هروب أسرته من اليمن، التحق بالمجاهدين في أفغانستان، وبعد أن عمل في صفوف حزب المؤتمر الشعبي الحاكم باليمن وحارب ضد الاشتراكيين بالجنوب، غيّر، منذ أبريل (نيسان) عام 2008 كل خططه، وتفرغ للعمل، كما يعلن، من أجل «وطني الجنوب»، قائلا: «استخدمنا لأغراض خاصة تبعد كل البعد عن المصالح الوطنية.. صُدمت بواقع مر. فحين عدت إلى مسقط رأسي لم يتم إرجاع أي شيء لنا من ممتلكاتنا، فعشت مشردا داخل وطني كما كنت أعيشه في المنفى، لم أستطع أن أقوم بحل عدة قضايا مهمة نظرا لموقعي في السلطة وعلاقتي الوثيقة بالقوى السياسية».
ويضيف: «وجدت أرض الجنوب أصبحت مستباحة فوجدنا أهلنا وناسنا البسطاء محرومين من كل شيء، والشماليين لهم الحق في النهب ولهم كل شيء مع تسهيلات كثيرة ومنافع مميزة وقروض ميسرة من البنوك، فرأينا أن المستقبل قاتم أمام أبنائنا نظرا لعدم المساواة في المعاملة، وتيقنت أن الجنوب محتل من أبشع استعمار في التاريخ، وأن أجيالنا القادمة لا مكان لها في وحدة النهب والتدمير والإقصاء. وعرفت ذاتي أخيرا وعرفت لأول مرة ماذا أريد».
ولن يسمح غالبية اليمنيين، من الشمال والجنوب، بتفتيت وطنهم إلى شطرين، كما يبدو، أو ترك الجنوب يتبعثر في كنتونات قبلية أو مذهبية أو غيرها، وهو ما لن تسمح به الدول المعنية بالمنطقة، وغالبية المجتمع الدولي أيضا، وآخرها الولايات المتحدة الأميركية، كما أعلن عن ذلك سابقا، خصوصا أن منطقة جنوب اليمن تطل على مسارات مهمة للملاحة الدولية. وبينما تضع الحكومة اليمنية الخطط، وتتلقى مساعدات من الدول الشقيقة والصديقة، للتعجيل بخطط التنمية وتحديث الإدارة وبسط الأمن، دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مَن له أي مطلب قانوني دستوري أن يأتي ليشارك في الحوار لأن الوطن يتسع لجميع أبنائه.
وكان صالح يخاطب منتسبي كلية الشرطة، وهو يدافع بضراوة عن وحدة البلاد، قائلا: «نعم.. نحن أسرة واحدة، ويا للعار في وجوه أولئك الخونة والعملاء الذين يتسكعون في الخارج أو في الداخل ويدعون إلى الشطرية.. يا للعار ويخس على وجوه أولئك العملاء الذين يرفعون العلم الشطري». * غدا : امرأة بنصف شمالي وآخر جنوبي

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:08 PM   #2
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الثامنة) : امرأة بنصف شمالي وآخر جنوبي: الشعب اليمني واحد منذ قرون
المخرجة اليمنية إنصاف علوي هربت من حكم بالإعدام وتعرضت لمحاولتَي اغتيال في صنعاء وعدن
المخرجة اليمنية إنصاف علوي («الشرق الأوسط»)
صنعاء: عبد الستار حتيتة
كانت الرياح تهبّ من ساحل البحر الأحمر فتحرك خصلات الشعر على وجهها العربي الأشمّ، متوجهة إلى جنوب اليمن الملتهب بنيران السياسة والتعصب القبلي والمذهبية. تذكرَت هذه المرأة، العائدة إلى مسقط رأسها، اللحظة التي تم إخطارها فيها بصدور حكم الإعدام. تَحسّست عنقها، وحين اعتصرها الألم، كانت الدموع قد جفّت. لحظة أخرى من الصمت. هذا هدير محرك السيارة يدفع بها فوق الجبال. من هنا تشرف على عدن، ومن هناك تبدو الحقول والأراضي الشاسعة كما تركتها أول مرة قبل 23 عاما. لم تكن تعلم أن محاولة أخرى لاغتيالها سينفذها أحد الانفصاليين أو الاشتراكيين. المحاولة الأولى اكتشفها جيرانها وأخطروا شرطة صنعاء حين لجأت إليها في فجر يوم بارد من تلك الأيام التي كانت فيها اليمن شطرين، والقلب نصفين.
هبّت رياح البحر بقوة داخل قمرة السيارة، ثم سكنت حين وصلت إلى المقبرة.. هنا ضريح أخيها الذي اغتاله السياسيون، وهنا بيت جدها الوزير الراحل الذي صادر الحزب الاشتراكي أملاكه.. وهناك يرقد والدها، السياسي البعثي، الذي مات كمدا ليلة إعلان الوحدة بين شطري اليمن، رافضا لهذه الوحدة.. وفي مكان قريب جثمان عمها الذي رباها على أن اليمن يمن واحد وأرضه أرض لا تتجزأ. لحظة من الصمت من جديد لعل دمعة تسقط، لتخفف هذا الحزن الثقيل على القلب. لكن الدموع كانت قد جفّت. حفرَت بأصابع يديها التراب علها تستعيد من رحلوا وتعيد ترتيب صور الماضي، لكن أظافرها تكسرت والغبار غطى شعرها والناس تجمعوا حولها يجذبونها لتتحمل أكثر، لتبدأ من جديد.
كان ليل عدن غير كل الليالي.. أمْضَت المخرجة والفنانة اليمنية إنصاف علوي الساعات الأولى في بيت استأجرته على عجل، تبحث عن العبق القديم ليلهم قلبها على النبض ويحيي الروح فيها. تغلبت على ما كان، وبدأت تغزل بأفكارها، وهي تستشرف الآفاق الجنوبية والغربية على سواحل باب المندب، ما يمكن أن يكون عليه الغد وما بعد الغد.. هذا مشهد، وهذا مشهد ثانٍ، هذه مسرحية جديدة، وهذه شاشة عرض سينمائي فوق خشبة المسرح عليها ظلال تأتي من بعيد، إلى أن تبرز كشخوص حقيقية أمام المشاهدين. هذا عالم جديد من الفن يعيد تركيب ما بعثره الزمن وتجار السياسة.
وُلدت إنصاف علوي وسط أسرة مرفهة في منزل تختلط فيه السياسة بكثير من الثقافة والموسيقى، في منطقة الشيخ عثمان في عدن.. كان المنزل كبيرا يضم ستة بيوت متجاورة وبنفس التصميم يحيط بها سور كبير، وبوابة واحدة. أحد أفراد هذه الأسرة، هو جد من أجداد إنصاف علوي، عبد الله عبد المجيد الأصنج، الذي كان، في ما مضى، وزيرا لخارجية اليمن. لكن كل هذا ضاع.. ضيعته الصراعات وألاعيب السياسة وغدر الأصدقاء والرفاق. وبعد أن ترعرعت وتعلمت وحلمت وأبدعت وهربت من القتل والموت، ها هي تعود من جديد، كأنها حالة يمنية خاصة لا تعرف الانكسار أو الاستسلام.
وحين التقتها «الشرق الأوسط» الأسبوع الماضي، كانت إنصاف علوي تقول، كأنها تُعِدّ لتأليف أو إخراج مسرحية جديدة، أو تمثيل مشهد تلفزيوني من مشاهد حياتها: «كان ياما كان.. في قديم الزمان.. ناس طيبين وحلوين فاتحين كل الأبواب.. لو بالبيت فيه حزن يحزن له شارع كامل.. لو فيه فرح يفرح له كل سكان الشارع.. حتى لو كان هذا لا يعرف ذاك.. حتى لو كان هناك غريب يتحول إلى قريب». لكن هذا لم يعد موجودا.
تلتقط أنفاسها، بعد أن تلقي نظرة على الأفق الممتد فوق الشوارع والبيوت والمزارع من عدن إلى صنعاء.. تضع يديها على أذنيها كأنها لا تريد أن تسمع صوت الرصاص المتطاير والمهاترات المتبادلة. تقول: «رحم الله جدودي.. كان يا ما كان لنا بيتنا وبيئتنا. كان أحد أجدادي، وهو عم جدي عبد الله عبد المجيد الأصنج، يقول لي وأنا طفلة: أشتهي (أتمنى)، يا بنيتي، أن تكوني مخرجة سينمائية. بينما أمي، رحمها الله، كانت تحلم أن أكون طبيبة.. أبي كان يحلم أن أكون محامية، لذلك سماني إنصاف.. العقل الباطن لعب دوره معي في حكاية الإخراج، وساعدني زوج أمي كثيرا في ما بعد. أنا أعتبر نفسي الآن مخرجة مسرحية احترافا ومخرجة سينمائية هواية، بل درست السينما من باب الفضول. السينما سحر.. منها نقلت تقنيات إلى الكثير من التجارب المسرحية، خصوصا بعد أن أصبحت السينما شبه متوقفة في اليمن»، بل إن إنصاف ترى أن العمل الفني بشكل عام تضرر إلى حد كبير بسبب الخلافات السياسية وظهور الحركة الانفصالية وتنظيم القاعدة في الجنوب، والتمرد الحوثي في الشمال، ومع ذلك يعمل المسرحيون بكل جد في كل مكان، حتى تحت رصاص المتمردين والمتشددين والانفصاليين في الشمال والجنوب.
و«كان يا ما كان.. كان هناك طفلة في بيت العائلة.. بيت مكون من ستة بيوت بعضها مع بعض، يضمها سور واحد، وحديقة واحدة يربطها جميعا بوابة، وكل بيت مكون من طابقين.. الطفلة حين كبرت في فترة الحكومة الاشتراكية في دولة ما كان يعرف باليمن الجنوبي، فقدَت بيت العائلة في عدن.. بيت جدها تأمم دون تعويض عام 1976 وفقدَت بيتها حين كبرت في ما بعد. وبدأت رحلة العذاب».
وكانت إنصاف علوي في تلك السنة تعزف وتكتب وتنسج من أحزانها الخاصة أحلاما يمكن أن تضمد جراحها وجراح الكبار من حولها.. كان الوطن ما زال منقسما إلى دولتين، وكان البعض يرى أن عدن تستحق أن تنفصل كدولة أو سلطنة وحدها للعدنيين دون شريك. وكان آخرون يردّون عليهم بأن اليمن يمن واحد، ومصيره إلى الوحدة، بلا ممالك وبلا سلطنات.. كان مثل هذا الكلام يخيف البنت الصغيرة التي تستذكر دروسها استعدادا لامتحانات نهاية المرحلة الابتدائية.. كل الجدل يتحول داخلها إلى أقطاب من النور تفتح عينييها على مستقبل باهر وغامض. وربما لهذا السبب، وهي في الصف الثالث الإعدادي (1979)، تقدم على خشبة المسرح أول عمل فني في حياتها اسمه «الخيانة والوفاء»، من الأدب الهندي. ثم يدفعها الحماس إلى مزيد من العمل، لتنخرط في تجارب إخراجية مسرحية، كان أولها «قارب في غابة»، سرعان ما نالت به لقب أول مخرجة يمنية في اليمن والجزيرة والخليج، وذلك في عام 1981، عقب تخرجها في معهد الفنون الجميلة في عدن. كان والدها قد طلّق أمها، وأصبحت إنصاف تنهل من ثقافة زوج أمها الذي تطلق عليه «عمي»، ومنه أدركت أن الوطن لا يمكن أن يتجزأ، وأن إعادته موحدا يتطلب وعيا وإدراكا وتعلما وثقافة وحبا لا ينقطع بين الجميع.
لكن كيف صدر حكم بالإعداد ضد هذه المخرجة الشابة؟ ولماذا؟ وكيف نجت من محاولتَي الاغتيال الأولى والثانية؟ حدث هذا بعد أن عادت من منحة دراسة المسرح في روسيا. عادت لتقدم بعض التجارب المسرحية في أرض الوطن (في الجنوب)، كشرط من شروط استكمال الدراسة بالخارج.. تقول: «حين عدت إلى عدن وقتها (1988) وجدت ضدي 16 تهمة، منها أنني على علاقة بالبعث الاشتراكي، والبعث العراقي والبعث القومي وغيرها. كانت كل هذه التهم بسبب زواجي من رجل سوري، وإنجابي لبنت منه. بغضّ النظر عن هذه التهم، حُكم عليّ بالإعدام عام 1988، لأنني اتُّهمت بالتفوه بحق رئيس الجهورية في ذلك الحين، سالم البيض، على خشبة المسرح وأمام الجمهور. كان اسم المسرحية «غلطة في حياتي»، وكانت عبارة عن حدوتة اجتماعية ليست لها أي علاقة بالسياسة. ولم أكن أعلم أن البيض قد أصبح هو رئيس الدولة حينها. المشكلة حدثت حين ماطل المسؤولون في صرف مستحقاتي المالية الممنوحة لي من الدولة (دولة اليمن الجنوبي آنذاك)، وماطلوا أيضا في فتح المسرح لإجراء البروفات النهائية عليه.. اضطررت إلى بيع مصوغات والدتي للإنفاق على المسرحية، لكن قبل العرض بليلة واحدة، رفض المسؤولون فتح المسرح لي لإجراء البروفة الجنرال (النهائية). وعلى هذا أخذت مطرقة وكسرت القفل وصعدت على خشبة المسرح، وهنا جاء رجال الأمن لاعتقالي. فأخذت الميكروفون وتفوهت ضد رئيس اليمن (الجنوبي)، وكنت أظن أن موقعه ما زال أمينا للحزب الاشتراكي، لا رئيس الدولة».
في أثناء رحلة هروب إنصاف من الإعدام كانت تتذكر كلمات عمها (زوج أمها). وكانت تحلم أن تعود في يوم من الأيام إلى وطن واحد اسمه اليمن، لا يمن شماليا ولا يمن جنوبيا، ولا ممالك فيه ولا سلطنات.. تقول: «رباني عمي زوج الوالدة.. كان هذا الرجل على علم بتاريخ اليمن وتفاصيله.. ينفخ فِيّ حب اليمن. كان رجلا وحدويا.. نحن شيعة، رغم أنني أقول إنه لا يوجد فرق بين الشيعة والسنة، كلنا مسلمون نؤمن بالله ورسوله. ولكن الوالد كانت له وجهة نظر محددة، أن تكون عدن خاصة بأهل عدن، لا دخيل عليها لا من الشمال ولا من الجنوب، ولا من الشرق ولا من الغرب. وربما صراعه مع الاحتلال الإنجليزي في السابق كان له تأثير عليه، لأنه تعذب كثيرا.. نظرته الانفصالية البحتة حول عدن ترعرعت عنده، وكان من الصعب على عقله أن يمحوها. أما عمي، زوج الوالدة، فكان يقول لي: الأرض واسعة، تكفينا وتكفي سكان القمر لو كان عليه سكان. وهو أصلا من تعز، وتعلم في عدن، واسمه سعيد. وكان مواطنا عاديا مثقفا واسع الاطلاع، لكنه لم يكن منتميا إلى أي حزب سياسي».
ليلة معرفتها بأن حكما بالإعدام ينتظرها، جاءها رجال من الحزب الاشتراكي إلى المسرح، وأمروها أن تسلم بيتها بكل ما فيه من أثاث للحزب.. تتذكر وتقول: «طلبوا مني أن أسلم البيت، بيتي، مع أثاثه إلى جماعة من الحزب الاشتراكي. وأذهب بعد ذلك إلى السجن. وبطريقة ما، وبسرعة، تحايلت على الأمر، وزُوّرَت لي جوازات سفر، لي أنا ولابنتي.. بعنا البيت سرا لنتمكن من الفرار بالاستعانة بالمال، وتركنا الأثاث لجارتنا. وحين هربت إلى صنعاء لحق بي عناصر من الحزب الاشتراكي، وزرعوا قنبلة في منزل استأجرته من رجل يُدعى الشوكاني، في شارع القاهرة في صنعاء. لكن جيراني اكتشفوا القنبلة قبل أن تنفجر في الفجر، حيث أبلغوا الشرطة والأمن السياسي الذي تمكن من إبطال مفعولها، قبل مقتلنا جميعا. كان ذلك عام 1989.. ومن صنعاء هربت إلى قبرص، ومنها إلى موسكو، ثم إلى روسيا البيضاء، وتم ذلك عن طريق السفارة الروسية. وبعد أن عدت في ما بعد إلى صنعاء، صدر لصالحي عفو عام، بعد الوحدة اليمنية (1990) بنحو سنتين».
الشوق إلى بحر منطقة أبين وإلى الطريق الساحلي الطويل وإلى النسيم المشبع برائحة اليود والورود.. الشوق يحثّها على العودة من صنعاء إلى عدن بالسيارة لا بالطائرة، حتى تقبّل الأرض أمام بوابة كل مدينة على طول الطريق.. «كان ذلك عام 1992.. صممت أن لا أعود إلى عدن بالطائرة. كنت أريد أن أعود إليها برا مثلما خرجت منها، هاربة، برا. كنت في كل بوابة من بوابات المدن التي مررت عليها وأنا في طريقي إلى عدن، أنزل وأبوس الأرض. وحين وصلت عدن كان كل وجهي ملطخا بالغبار، منهارة أبكي على الأرض. توجهت مباشرة إلى مقبرة الأسرة.. كان معي الوالد والوالدة وابنتي. ولم أدرِ ما كنت أفعل، إذ رفعني الناس عن قبر أخي الذي دفع الثمن بمقتله، وهو يشرف على إنشاء مبنى الحزب الاشتراكي اليمني في منطقة المعلا، عام 1986، وذلك نتيجة لخلافات سياسية ومناطقية مع أعز أصدقائه الذي قصّه بونش (رافعة) من منطقة الصدر. كنت أريد أن أخرج جثة أخي لأقبّلها وآخذها في حضني، لكن الناس منعوني قائلين إن هذا حرام، فانهرت وأخذت أبكي عليه».
كانت الأجواء السياسية متوترة في السنوات الأولى للوحدة، لأنه حالما سيحاول الزعماء الجنوبيون العودة للانفصال في عام 1994. وتفكر إنصاف علوي وتكتب وتمثل وتجدد في التجارب المسرحية بينما اتهامات التخوين وطلقات الرصاص من جانب الانفصاليين تفزعها في سكون الليل. حيث تقيم في منزل استأجرته في عدن. كانت الدنيا قد تغيرت.. «البيت الذي كان مفتوحا على كل البيوت لم يعد موجودا.. والبيوت التي كانت مفتوحة على بعضها أغلقت أبوابها. ولم يعد أحد يسأل عن أحد أو يشاركه أفراحه وأتراحه. ولم يعد الغريب قريبا كما كان. توجد كراهية مبطنة حتى في الوسط الفني، بسبب السياسة. لقد تغيرت الأجيال وتغير إيقاع الزمن. أمامنا مرحلة لا بد أن نستعيد فيها الوعي والإدراك».
ومع ذلك، وفي مثل هذه الأجواء من بداية التسعينيات عاودت إنصاف علوي النشاط المسرحي في عدن، رغم محاولة الاغتيال الجديدة التي ستتعرض لها.. وقدمت عدة مسرحيات من تأليفها وإخراجها وبطولتها، منها مسرحية بعنوان «أنا وحماتي ومدير المسرح»، قبيل الحرب بين الانفصاليين في الجنوب والسلطة المركزية في الشمال عام 1994. وكانت المسرحية تدور عن قضية الانقسام والتوافق السياسي في البلاد.. «كان معي حينذاك سيارة جديدة ماركة (لادا) موديل 1989 وكنت متوجهة من تعز إلى الحُديدة لعرض المسرحية هناك، وفي الطريق انقلبت السيارة عدة مرات.. بفحص السيارة وجد المحققون أن شخصا من الاشتراكيين تعمد إعطاب الفرامل. أُصبت بإصابات في العمود الفقري، رغم أنه ليست لي أي علاقة بالسياسة. عرفت اسم الجاني وعفوت عنه، لأنني أعلم أنه ليس لديه إدراك بما فعله. رغم كل شيء استمرت عروض المسرحية نفسها. وبعدها عرضت مسرحية أخرى من إخراجي، أما التأليف فكان بالتعاون مع الأستاذ المرحوم عبد المجيد القاضي والأستاذ (المصري) شوقي جمعة».
وتمكنت إنصاف علوي من العبور إلى اليمن الموحد.. وواصلت تجاربها المسرحية في الإخراج والتأليف، واستكملت أعمالها التلفزيونية كممثلة في عدة مسلسلات وسهرات، آخرها هذا العام، وهو مسلسل اسمه «حلقة من ثلاثين حلقة»، لتواصل، وهي تعمل، محبتها وعشقها لساحل أبين ومنطقة البريقة والطريق الطويل إلى منطقة لحج، فهي أساسا من بيت السقاف، من منطقة الوهد، حيث بداية لحج. وتقول عن أصولها التي تعود إلى ما يُعرف في اليمن بـ«بيت السادة» إن هذا يعني.. «أنني من آل البيت، جدتي فاطمة بنت الزهراء، وجدي عليّ بن أبي طالب.. لكن أنا لي منطق آخر بهذا الخصوص.. وهو أن السيد هو سيد عمله، والسيادة ليست مذهبا أو منهجا. نحن نحتفظ برأينا حول هذا، لأن الذين يتحدثون الآن في هذا الموضوع حوّلوا المذاهب إلى مهاترات سياسية، وجعلوها غير معروفة الملامح. أما في السابق فلم يكن بينهم أي روح عدائية أو أي توتر. هذا ليست له علاقة بالحوثيين.. هؤلاء (الحوثيون) سادة قتل ممكن.. إنهم كالأعمى. ما أراه من تشويه لصورة اليمن أمر مقزز. أنا لم أسمع عن كلمة حوثي إلا في السنوات الأخيرة. أصبحت توجد روح عدائية مسلحة.. هذا أمر مكروه. حتى النبي صلي الله عليه وسلم يكره العنف».
وتزيد قائلة: «الحوثيون يريدون أن يشترطوا علينا مذهبا جديدا. يريدون إقامة حكومة بالرؤى التي يعتقدون أنها صحيحة، بينما الدين معايشة. لا يصح العودة إلى الماضي. حتى الأديان تتطور مع المجتمع. أنا أنبذ أساليب العنف، وأتعاطف معهم لأنهم عميان يدّعون الإدراك. أخشى أن يكونوا آدميين أساسا، لو كان عندهم نسبة بسيطة من الآدمية، سواء (القاعدة) والحوثيون، ما رفعوا سلاحا في وجه عجوز أو شيخ».
لكن ما يخيف إنصاف علوي، وما يجعل القلق يتمكن منها، تحسبا للمستقبل، هو تنامي ظهور تنظيم القاعدة في البلاد، ودعاوى انفصال الجنوب عن الشمال مجددا في السنوات الأخيرة.. تقول عن دعاوى الانفصاليين الذين يعلنون تضررهم من الوحدة: «يُقال إنه بعد الوحدة تضرر الجنوب عن قبل. هل من الضرر بناء مدرسة، أو ملجأ أيتام، أو مستشفى، أو رصف طريق؟ أنا أكثر الناس تضررا، حيث لا بيت لي، وأعيش في فنادق، ولم تعد لدي سيارة، فلماذا لا أقيم غاغة؟ أنا أعالج الأمور بحكمة، مع ضبط الأعصاب.. الضرر الذي قد أتسبب فيه اليوم، يؤثر في الناس مدة خمسين سنة قادمة. فليجلس المثقفون والفنانون ويتحملوا مسؤوليتهم ويقترحوا حلولا بدلا من العنف.. مشكلة الحراك الجنوبي أن الواحد منهم يريد سيارة له ويريد سيارة لابنه، ويريد توظيف ابنه ذي العشرين سنة، وتخصيص وظيفة لابنته التي عندها سنة واحدة».
وتنظر إنصاف علوي إلى الأفق البعيد.. تحدق إلى ركام السحب القادمة من فوق البحر. هناك، في البعيد البعيد، حيث الظلام، سيولد النور، ويخرج أشخاص من بطن الليل، حاملين مشاعل النور.. هكذا تخطط وتسجل الملاحظات، في سياق تجربتها التي تسمَّى مسرح البحر، وهي تجربة مقترنة بمسرح السينما أيضا، خصوصا بعد أن كادت دور السينما تختفي من اليمن.. «مشغولة الآن بمسرح البحر.. هناك تجارب لهذا النوع في بلغاريا ومصر والعراق، لكن أريد أن أصل إلى حالة يمنية.. من ناحية الكيفية. أنا رُبّيت على البحر. تأملته كثيرا، وقلت لماذا لا نرجع إلى الطبيعة بكل ما احتوته من إمكانات سواء كانت تقنية أو أدبية.. يأتيني البحر بحواديت وبأقاصيص وأساطير ربما كانت حقيقية وربما كان مصدرها الخيال. لذلك عليّ أن أطوعها سواء كانت للصغار أو للكبار. ويمكن لمسرح البحر أن يكون مسرحا احترافيا يجانس المسرح القومي في اليمن».
«سلومة تسلم» هو اسم إحدى التجارب المسرحية الأخيرة لإنصاف علوي، تدور عن امرأة تحدت البحر وقهرت الموج، أي المستحيل، وكأنها المرأة اليمنية نفسها التي تعاني من الاختلالات السياسية والمناطقية في البلاد، وتحاول أن تنتصر على كل هذه العقبات.. تقول علوي عن نص المسرحية: «البطلة سلومة، تمكنت منذ الطفولة أن ترضع الحليب، وترضع عالم البحر أيضا.. حين كبرت كان عليها أن تعرف كيف تصطاد، حين لم يصبح لها سند ولا ولد. زوجها عاجز راقد في الفراش، ولا بديل.. عليها أن تحمل هذه الصعاب. وتخوض هذه المعركة الجديدة عليها، ذهبت واسترجعت ما رضعته في الصغر.. نجحت في التغلب على العقبات».
وعلى غير ما هو شائع عن اليمن يحظى المسرح في الوقت الراهن بنسب مشاهدة عالية من الجمهور، وبينما ترى إنصاف علوي هذا، فإنها تعوّل كثيرا على ما يمكن أن يفعله المسرح من تقدم في حياة اليمنيين، خصوصا أن اليمن عرفت المسرح منذ دخول الاحتلال الإنجليزي عدن بمسرح عرائس هندي في قديم الزمان. تقول إنصاف: «في الوقت الحالي هناك عائلات لا تجد موضعا لقدم من أجل مشاهدة عرض مسرحي. العروض ليست متركزة في مدينة أو محافظة.. المسرح اليمني أصبح موجودا في كل مكان. حتى المسارح التي توقفت بسبب مشكلات معينة، مثل المسرح الموجود في محافظة المُهرة، هناك مساعٍ حكومية لعودته إلى العمل. هناك فرق مسرحية تعرض في محافظات لا يتخيل أحد أنه يمكن أن يجد فيها فرقة مسرحية، مثل محافظة صعدة، وأنت تعلم ما يدور في محافظة صعدة (من تمرد وحرب وقفت أخيرا). بينما كانت أمطار من الرصاص تنهمل من جانبهم (المتمردين)، يذهب شباب يمنيون، قبل شهرين، لتقديم عروض لأهالي صعدة في محاولات منهم لاستئصال الغضب والحزن وزرع الابتسامة هناك».
وتتحدث إنصاف علوي عن الجوائز التي حصلت عليها باعتبارها جوائز يفخر بها جميع اليمنيين، خصوصا أنها غير منتمية إلى أي حزب سياسي.. ومن ضمنها جائزة درع مهرجان دمشق الدولي الرابع عشر، والجائزة الذهبية في مهرجان المسرح التجريبي الثامن عشر بالقاهرة. تقول: «أنا غير منتمية إلى أي حزب.. ليس لديّ ولاء لأي شخص من الأشخاص الموجودين. ولائي لله سبحانه وتعالى. الشعب اليمني شعب واحد منذ قرون وقرون. أنا نصفي في الشمال ونصفي في الجنوب. وعيب أن أقول هناك شمال وهناك جنوب. لكن هناك فئة معينة ربما فقدت مصالحها. أقول للبيئة المثقفة في الشعب اليمني إنه آن الأوان لترتيب أفكارنا وترتيب أوضاعنا، ليس من أجل اليوم، ولكن من أجل المستقبل، حتى يعيش أحفاد اليمنيين حياة سعيدة ومريحة. بناء الوطن مهمة المثقفين لا السياسيين».
* غدا : سباق الحكومة والمعارضة للأستحواذ على العيون والأذان
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:11 PM   #3
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

أفتح الرابط وأطلع على التفاصيل

http://dhal3.com/vb/showthread.php?t=43107&page=2
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:13 PM   #4
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الثالثة): «القاعدة» اخترقت قبائل في اليمن.. ولها 3 مصادر تمويل
خبير يمني في شؤون الإرهاب التقى قيادات «التنظيم» وقال إن عناصره تعيش بين الناس وداخل المدن في المناطق الجنوبية
صورة تنشر لأول مرة لعناصر من تنظيم القاعدة الملثمين في اليمن، أرسلها مصدر مقرب من التنظيم لـ«الشرق الأوسط» وقال إن فيها شبانا سعوديينخبير الإرهاب اليمني عبد الإله حيدر
صنعاء: عبد الستار حتيتة
كشف عبد الإله حيدر الخبير في شؤون الإرهاب باليمن، تفاصيل مثيرة عن زياراته لأماكن وجود المتعاطفين مع تنظيم القاعدة وعناصره، ولقائه بعدد من قياداته، من بينهم أمير تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب أبو بصير، ونائبه الشهري، وقائد الجناح العسكري أبو هريرة، إضافة لمقابلة له مع الرجل الآخر المطلوب للولايات المتحدة الأميركية، أنور العولقي، قائلا إن هناك شخصيات ذات ملامح غير عربية بين قيادات التنظيم وإن آخرين يحملون ألقابا غير معروفة، وإن البعض الآخر من دون أسماء، فيما يوجد بينهم أيضا عدد من السعوديين.
وقال حيدر في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن عناصر «القاعدة» تعيش بين الناس في المناطق الجنوبية، وأنه فهم من قيادات التنظيم التي التقاها، خاصة قائد التنظيم (اليمني) ونائبه (السعودي)، هدفهم إقامة إمارة إسلامية وتكوين جيش من 12 ألف مقاتل، مضيفا أن عدد «القاعدة» في اليمن ربما يدور حول ثلاثة آلاف (يزيد أو يقل) لأنه من الصعب الفصل بين عناصره ومناصريه، لافتا إلى أن مصادر تمويل «القاعدة» في اليمن تسمح بالتحرك لتحقيق أهدافه.
وأوضح حيدر أن تنظيم القاعدة لم يعد ضيفا على القبيلة في جنوب اليمن بل جزء منها بعد تجنيده لأبنائها، وقال إن الأمن اليمني يجد صعوبة في ملاحقة «القاعدة» برا حتى لا يصطدم مع السكان، مشيرا إلى أنه تربطه علاقة صداقة مع أنور العولقي الذي تشتبه الولايات المتحدة الأميركية في صلته بمنفذين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وبكل من الضابط الأميركي نضال حسن منفذ مذبحة فورت هود في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التي قتل خلالها 13 عسكريا أميركيا، والنيجيري عمر الفاروق عبد المطلب المتهم بمحاولة تفجير طائرة ديترويت عشية عيد الميلاد الماضي.
وأضاف حيدر، أنه تحدث مع العولقي في منزله، قبل شهرين، قائلا إنه ما زال يضخ الأفكار حول «الجهاد» إلا أنه أصبح أكثر احتياطا بعد الضربات الأخيرة على يد القوات اليمنية، مشيرا أيضا إلى أنه لا توجد تسجيلات تفيد بأن العولقي التقى عبد المطلب النيجيري أو أنه كان أحد طلابه، وأن ما نُشر على لسانه لم يكن صحيحا وجرى تحريفه. وإلى نص المقابلة..
* التقيت متعاطفين مع تنظيم القاعدة. لكن ماذا عن عناصر التنظيم وقياداته؟
- عناصر «القاعدة» يمكن أن تلتقي بهم على مدى شريط المناطق الممتدة من مأرب إلى وسط عدن.. نعم التقيت بعناصر وقيادات. وبعضهم كان شبابا سعوديا. ويمكن إذا نزلت الآن إلى أبين مثلا أن تلتقي بعناصر من «القاعدة»، لأنهم موجدون في تلك المناطق، خصوصا في مأرب، وشبوة، والجوف، وظاهرون على الناس، ويعرف الناس أن هؤلاء عناصر تنظيم القاعدة.
* هل هناك أسماء لقيادات؟
- من القيادات التي التقيت بها، أبو بصير أمير التنظيم، وسعيد الشهري النائب (لأمير التنظيم)، وأيضا المسؤول العسكري أبو هريرة. وهذا الأخير التقيت به مرتين، الأولى كانت في صنعاء، حين كان ينسق للقاء (صحافي)، والمرة الأخرى حين التقيت بـ«الأمير» في حضوره. هناك ألقاب وشخصيات من دون أسماء كان بعضهم شخصيات سعودية وبعضهم شخصيات ربما غير عربية، كما بدا من ملامحها، لكن لم تكن تشاركنا الحديث، وأبو بصير (الأمير) لم يفصح عن أسمائهم أو كناهم وألقابهم.
* متى كان آخر لقاء لك بهذه القيادات؟
- هو لقاء وحيد كان في يناير (كانون الثاني) عام 2009.
* وأين كان هذا اللقاء تحديدا؟
- لا أعلم أين.. لأنهم هم الذين رتبوا هذا اللقاء.
* هل في جنوب اليمن بشكل عام؟
- (لا إجابة)
* ماذا يريد الوحيشي، أمير التنظيم، كما فهمت منه حين التقيت به؟
- تتماشى لديهم (لدى «القاعدة» في جزيرة العرب) 3 أهداف متوازية: هدف محلي وهدف إقليمي وهدف عالمي. الهدف المحلي هو إقامة إمارة إسلامية في أي منطقة يستطيعون السيطرة عليها والتمكن من الناس، ويحكمونهم بالشريعة الإسلامية بحسب ما ذكر أبو بصير. الهدف الثاني - بعد أن يقيم الإمارة الإسلامية - يجهز جيشا قوامه 12 ألف مقاتل لينصروا بهم المستضعفين في الأرض كما يقولون، بما في ذلك تحرير فلسطين. ولكي يمروا عبر هذه المناطق، سيدمرون أو يفككون الأنظمة الموجودة في المنطقة. يعتمدون على كثير من الاختلالات الموجودة في المنطقة. أما الهدف الإقليمي (كما يقولون) فهو إخراج المشركين من جزيرة العرب، حيث يرفعون شعار (أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب)، بمعنى أن هذا الأمر هدف استراتيجي إقليمي لإخراج القوات الغربية بالدرجة الأولى، والوجود الاستخباراتي والعسكري الأميركي والغربي. أما الهدف العالمي، بعد تشكيل إمارة في اليمن، وإمارة في العراق وإمارة في الصومال، وإمارة في أفغانستان وإمارة في باكستان، وفي مناطق متعددة أخرى، يتشكل ما يسمونه أو يعتبرونه النظام الإسلامي الكامل أو الشامل؛ نظام الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة. هذه الأهداف الثلاثة يعملون عليها، ولهذا تجدها تتكرر باستمرار في خطابهم الذي يكتبونه في مجلة «صدى الملاحم» التي تصدر دوريا، وفي خطاب أميرهم.. حتى آخر كلمة للرجل الثاني سعيد الشهري، كان يتكلم بحرص شديد على التركيز على هذه الخطوط الثلاثة، ولذلك تحدث عن حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وأنهم سيكونون يدا واحدة لإنجاز هذا المشروع.
* هؤلاء القياديون الثلاثة في تنظيم القاعدة (الوحيشي والشهري وأبو هريرة)، مؤكد أن لهم وسائل للتحرك، فهل لاحظت نوعا من القدرة على هذا التحرك، مثلا منازل وسيارات.. أم هي مجرد كهوف يقيمون فيها كما قد يتخيل البعض؟
- لا.. كان منزلا عاديا.. طبيعيا، وكأنك في المدينة، والتنقل كان بعدد من السيارات.
* وبالنسبة للأنصار.. هل كانوا هناك؟
- كان عددا من الشباب والرجال الملثمين.. ولم أنتقل لمقابلة «الأمير» مرة واحدة؛ بل انتقلت من مجموعة إلى مجموعة إلى مجموعة حتى وصلت إلى أبو بصير.
* وهل كانت المجموعات مسلحة؟
- كلها مسلحة وملثمة.
* وما أنواع السلاح؟
- لم ألحظ نوع السلاح لأنني كنت في كل المراحل مغطى «الوجه»، ولكن حين توقفنا فقط في الطريق، وجدت أن هناك شبابا وهناك مجموعة سيارات أظنها كانت 4 أو 5 سيارات، وهناك مجموعة شباب ملثمين يحملون السلاح. ثم حملوني إلى مكان آخر وانتقلنا وهكذا..
* قلت إن عدد عناصر القاعدة بالآلاف.. لكن، في اعتقادك، ومن خلال تعاملك مع هذا الموضوع، هل يكون العدد في الوقت الحالي قد وصل مثلا لـ3 آلاف أو 4 آلاف؟
- ربما.. قد يقل وقد يكثر. لا نستطيع تحديد العدد على وجه الدقة، لأن المبايعين للتنظيم حاليا لا نستطيع أن نفصلهم تماما عن الأرضية المناصرة لهم. والشركاء لهم الآن في نفس الهدف الذي هو مقاتلة الدولة إما بغرض الانفصال وإما بغرض الانتقام من الدولة وإما بغرض الانتقام من أميركا لأنهم يشعرون أنها قتلت أبناءهم في يومي 17 و24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في القصف الذي حصل في تلك المناطق.
* من أين يأتي تنظيم القاعدة في اليمن بالمال والسلاح والطعام والسيارات والمأوى، في اعتقادك؟
- هناك 3 مصادر للتمويل: المصدر الأول: الأشخاص الذين ينضمون لـ«القاعدة».. فالشخص الذي يلتحق بالتنظيم، في آيديولوجيا «القاعدة،» هو الشخص الذي ينفر في سبيل الله، وينفر بماله وبنفسه. والمصدر الثاني: القبائل التي يعيش التنظيم في أوساطها.. فهي قبائل كرم، وتأوي الغريب، وتعطي من يأتي إليها لاجئا أو طالبا النصرة. والمصدر الثالث: رجال أعمال وتجار وأناس محبين «للجهاد» في العالم، بطرق مختلفة سواء من داخل اليمن أو من خارجه، هذا التمويل يصل إلى «القاعدة» في اليمن كما كان يصل إلى الزرقاوي في العراق. وأعتقد أن هذا التمويل يمر عبر البنوك، لأن تنظيم القاعدة في اليمن ليس بعيدا عن الحياة المدنية، معروف أنه ليس تنظيما قبليا وليس تنظيما بدويا بحتا، بل يجمع ما بين البداوة والحضارة.
* هل ترى أن ما يحصل عليه تنظيم القاعدة في اليمن من تمويل مالي يجعله قادرا على الحركة بشكل كبير؟
- الذي أستطيع أن أؤكده هو أنه تمويل يسمح له بالاستمرار والتحرك بشكل يجعله يحقق أهدافه..
* هل لمست قلقا ما من جانب قيادات التنظيم بشأن المستقبل، من حيث التمويل، أو ما يمكن أن يتعرضوا له من ضربات أمنية من القوات اليمنية أو يتخوفون من غزو أميركي لهم مثلا؟
- أنا لم ألمس من قيادات «القاعدة» ذلك. لكن من خلال ما يدور من كلام محسوبين ومنظرين لتنظيم القاعدة في المنتديات، ومن خلال مقالات سابقة رسمية، فإنهم (مثلا) كانوا يقولون في البيان الذي تبنى تفجيرات مدريد في مارس (آذار) 2004: لقد فتحنا مستنقعا لأميركا والغرب في أفغانستان والمستنقع الثاني في العراق وسيكون المستنقع الثالث في اليمن. فهم كانوا يعدون ويرتبون أن يكون اليمن جبهتهم الثالثة.
* هل عناصر وقيادات «القاعدة» يعيشون في الجبال كما يتردد أم أنهم يعيشون مع أسرهم في بعض المدن؟
- على سبيل المثال سعيد الشهري لحقت به أسرته من السعودية.. وشعرت، ربما، بأن زوجها يستطيع هنا (في اليمن) أن يوفر لها حياة جيدة. كذلك هناك قيادات أخرى في تنظيم القاعدة يعيشون مع أهلهم.. مع زوجاتهم وأطفالهم.
* تعني أنهم لا يعيشون في الجبال أو المناطق النائية؟
- أنا من خلال لقائي بعدد منهم لم أجدهم في كهوف أو جبال. وجدتهم في بيوت وحولهم سكان كثيرون.
* أتعتقد أن هذا الأمر ما زال مستمرا حتى الآن؟
- أنا أتوقع ذلك.. نعم.. إنهم يعيشون في أوساط السكان.
* هل هذا يؤشر هذا على ضعف وجود الدولة اليمنية في محافظات بالجنوب ويؤشر على ضعف أجهزة مكافحة الإرهاب التي تريد أن تستأصل تنظيم القاعدة من البلاد؟
- لا نستطيع أن نقول إنه ضعف أو قوة.. إنما نمط العلاقة التي تشكلت بين القبيلة والدولة منذ زمن، هو الذي سمح لتنظيم القاعدة ومجوعات جهادية أخرى كانت تأتي لليمن وتؤويها القبائل.. سواء مجموعات جهاد مصرية أو تلك التي كانت تأتي من المغرب العربي أو سورية. ونتيجة أن القبيلة والدولة لديها علاقة ندية وليست علاقة هيمنة وسيطرة من الدولة بالتنمية أو بالقانون أو بالدستور، فإنه لا توجد سيطرة للدولة هناك منذ زمن، وليس بسبب تنظيم القاعدة الآن.
* أيعني هذا أنه يصعب على أجهزة مكافحة الإرهاب استهداف «القاعدة» هناك؟
- بالنسبة للعمليات التي نفذتها الدولة ضد «القاعدة» مؤخرا في أبين وشبوة ومأرب والأجاشر وأرحب وغيرها، لماذا لم تكن الدولة تعرف من قُتل ومَن جُرح من «القاعدة»؟. تحدثت بيانات الدولة بعد ذلك أن «القاعدة» في أبين ذهبت إلى المستشفيات وأخرجت جرحاها، وأنها (القاعدة) تمكنت من دفن قتلاها، فأين كانت الدولة؟ الدولة لم تكن موجودة على الأرض.. لا تستطيع أن تنزل إلى الأرض للتأكد. لماذا؟ لأن السكان سيواجهونها.. السكان في تلك المناطق يرفضون أي وجود عسكري للدولة. وهم أصلا لم يعرفوها من قبل.. لم يعرفوا الدولة من خلال التنمية. المناطق التي قصفت لا يوجد فيها أي نوع من الخدمات.. لا يوجد فيها ماء ولا كهرباء ولا طرق ولا مدارس ولا مستشفيات.. الدولة لا تستطيع أن تدخل إلى تلك المناطق برا.. كان بإمكانها أن ترسل قوات خاصة من مكافحة الإرهاب كي تعتقل عناصر «القاعدة».. كي تقتلهم، لكنها لا تستطيع، لأن السكان المحليين سيتواجهون معها. حين جاء الطيران العمودي ليقصف (عناصر من «القاعدة»)، في مأرب واجهه الناس بمضادات للطائرات. هم يعتبرون هذا عدوانا على القبيلة. كذلك ما حدث بين الجوف وصعدة، في منطقة الأجاشر، لماذا لم تستطع الدولة أن تحصل على جثث من قالت إنها قتلتهم من تنظيم القاعدة هناك أو جرحتهم. لأن السكان المحليين سيواجهونها. الدولة تقصف من الجو ولا تعرف ما هي النتيجة. هذا يعكس لك مدى عدم قدرة الدولة على مواجهة تنظيم القاعدة ميدانيا وعلى البر.
* رغم وجود مجالس محلية ومحافظين موالين للدولة في تلك المناطق.
- هذه المؤسسات المدنية تختلف عن الوجود العسكري.. حتى هذا الوجود المدني غالبا ما يتعرض للإيذاء والاستهداف من القبائل. لكن تختلف الحالة هنا في المجالس المحلية لأن بعضهم من أبناء القبائل نفسها لكنهم لا يقتنعون بمثل هذه المجالس لأنها لم تقدم لهم الخدمات.
* يعني هل نستطيع أن نقول إنه حتى المجالس المحلية تتستر بطريقة أو بأخرى على المطلوبين للدولة؟
- حتى لو عرفت من هم المطلوبون لا تستطيع مطاردتهم أو متابعتهم لأن تنظيم القاعدة في خلال السنوات الماضية تمكن من اختراق القبيلة. تنظيم القاعدة لم يعد ضيفا على القبيلة بل أصبح جزءا منها.. بسبب تجنيده لأبناء من القبائل ومن المشايخ، فماذا يفعل مشايخ القبائل وماذا تفعل القبيلة نفسها. هل تتبرأ من أبنائها، وهل تبلغ عن مطلوبين من أبنائها.. هل تدعو الدولة لكي تقتل أبناءها. هذا مستحيل في عرف القبيلة.
* متى التقيت بـ«اليمني الأميركي» أنور العولقي؟
- في أواخر العام الماضي.. ولم ألتق به بصفته من «القاعدة». إنما بصفته صديق قديم، بعد عودته من أميركا عقب أحداث 11 سبتمبر عام 2001. والتقيت به في بيته في شبوة..
* من هو أنور العولقي؟
- هو ابن أسرة ثرية من العوالق من شبوة وهي قبيلة شديدة البأس كان لها دور كبير في طرد الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن. العولقي وُلد ودرس في أميركا لأن والده كان يدرس الدكتوراه هناك. ووالد العولقي هو أحد الوزراء السابقين في الحكومة اليمنية (كان وزيرا للزراعة) وأحد القيادات الكبيرة في الحزب الحاكم، وكان رئيسا سابقا لجامعة صنعاء.. أما أنور العولقي نفسه فكان أيضا شخصا مهما في أوساط المسلمين في أميركا وبريطانيا ويحظى باحترامهم، ويقيم لهم المحاضرات والدروس. ثم حين عاد إلى اليمن استمر في مزاولة نشاطه وارتباطه بأصدقائه في الغرب الذين كان من بينهم نضال حسن الذي نفذ عملية فورت هود.
* ولماذا اختار شبوة للإقامة فيها بعد عودته لليمن؟
- العولقي أقام في صنعاء أولا عقب عودته من الخارج. وكان أيضا يتردد على شبوة. لكنه اختار أن يقيم في شبوة بشكل دائم بعد أن اعتقلته السلطات اليمنية لسنة ونصف السنة دون أن توجه له تهمة أو تقدمه إلى محاكمة. وكان الأميركيون يشتبهون في علاقته بأحداث 11 سبتمبر بسبب أن اثنين من منفذي عمليات الحادي عشر من سبتمبر كانا يصليان في مسجده (بأميركا)، لم يستطع المحققون الأميركيون فترة وجود العولقي في أميركا إثبات أي دليل عليه، لكن الأميركيين كانوا يريدونه أن يبقى في بلادهم كي يتمكنوا من اعتقاله بصورة أو بأخرى. وشعر العولقي بأن السلطات الأميركية بعد 11 سبتمبر خلقت أجواء متأزمة للمسلمين هناك فحمل حقائبه واستقر في بريطانيا لسنوات، ثم عاد إلى اليمن. وبعد أن أفرجت عنه السلطات اليمنية، ترك صنعاء وانتقل إلى قبيلته (في شبوة) التي تحميه ويعيش في أوساطها.
* هناك اعتقاد بأن العولقي انضم لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد الضربات التي استهدفت التنظيم في جنوب اليمن شهر ديسمبر الماضي.. هل هذا صحيح؟
- غير معروف من هو أنور العولقي في تنظيم القاعدة، بما يعني أن الحال كما هو عليه.. أي لا يزال ذلك الشيخ المتدين الذي يضخ الأفكار الإسلامية حول العزة والكرامة والجهاد وقضايا كثيرة يتكلم عنها في خطبه ومحاضراته. لا يوجد تغير كبير في خطابه حين تقارنه قبل 5 سنوات والآن. هو كتب رسالة (44 طريقة لخدمة الجهاد قبل عام ونصف)، ولم يكن في تنظيم القاعدة. وأعتقد أن الحال ما زال كما هو فيما عدا أنه بعد الضربات الأخيرة أصبح أكثر احتياطا.
* تناقلت بعض الصحف مقابلة معك أجرتها صحيفة أميركية منذ نحو شهر عن علاقة العولقي بالنيجيري عبد المطلب. هل مثل هذه العلاقة المباشرة بينهما كانت موجودة؟
- المقابلة أجرتها معي صحيفة «ذا نيويورك تايمز»، ونقلتها عنها بعض الصحف، وجاء في المقابلة كلام منسوب إلي لم أقله نقلا عن أنور العولقي. قالت إنني قلت إنه التقى بعمر الفاروق عبد المطلب. لم أقل إنه التقى. ولم يقل لي الشيخ (العولقي) إنه التقى بعبد المطلب. الصحيفة قالت عني إنه التقى، وهذه معلومة خاطئة وغير صحيحة. لم أقلها ولم أنقلها عن الشيخ. كما لم تكن هناك أي تسجيلات جديدة لأنور العولقي يقول فيها إنه التقى بعمر الفاروق أو إنه كان أحد طلابه، كما زعمت. للأسف تم نشر هذا الكلام على نطاق واسع، بما فيه من أخطاء وكلام غير صحيح.. طلبت من الصحيفة التصحيح للرأي العام، وقلت لمراسلها الذي أجرى معي المقابلة إنك قلت إن العولقي التقى بعبد المطلب، على غير الحقيقة، فاعتذر المراسل وقال لي إنه فهم خطأ من المترجم. قلت له إنك (ذكرت أنك) استمعت إلى تسجيلات، وأنت لم تستمع إلى تسجيلات. قال صحيح لم أستمع إلى تسجيلات ولم أستمع إلى أنور العولقي وهو يقول هذا الكلام. قلت له يجب تصحيح ذلك. وبعد أكثر من أسبوع، قامت الصحيفة بتصحيح بسيط غير عادل، لأن الأخطاء التي ذكرتها كانت في العناوين الرئيسية للموضوع وفي الصفحة الأولى. وبالتالي لم أقتنع بما قامت به من تصويب، فأصدرت بيانا صحافيا أكذب فيه ما نشر فيما يتعلق بتلك الأخطاء عن علاقة العولقي بعبد المطلب. * غدا صعدة: خيارات الحرب والسلام

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:14 PM   #5
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الرابعة) : وقود الحرب.. صبية تقل أعمارهم عن 18 عاما
الحزب الحاكم يدعو الحوثيين إلى الانخراط في الحوار الوطني والاندماج في الدولة والمشاركة في الإصلاح السياسي والدستوري
د. محمد القباطي: ندعو الحوثيين إلى المشاركة في الحوار الوطني إذا كانوا جادين في وقف الحرب
صنعاء: عبد الستار حتيتة
تواصل الدولة اليمنية فرض سيطرتها على المناطق الشمالية الغربية لتأمين الحدود مع السعودية، وسط تصميم حكومي على العودة إلى كامل المنشآت الرسمية في صعدة. وبينما يوجد اعتراف حوثي بالاعتماد على إيران في حرب التمرد باليمن، فإن معلومات تقول إن 50% من ميليشيات المتحاربين (الحوثيين ومتطوعي القبائل الموالين للحكومة) كانوا من دون سن 18 سنة. وفي مسح مبدئي لآثار الحرب هنا، فإن غالبية القبائل وقفت ضد حركة التمرد حين اكتشفت أنها تتسبب لهم في خسائر مادية واقتصادية. وفي حال ما أثبت الحوثيون جديتهم في الجنوح إلى السلم وتنفيذ شروط الحكومة اليمنية الستة لوقف الحرب، فإن الحزب الحاكم اليمني يدعو الحوثيين إلى الانخراط في الحوار الوطني والاندماج في الدولة والمشاركة في الإصلاح السياسي والدستوري.. هذا فيما يظهر في الأفق في صعدة هاجس جديد وهو المخاوف من المطلوبين الجنائيين، الذين كانوا يحاربون مع المتمردين، وما زالوا مختبئين في الجبال ويقومون بين وقت وآخر بقطع الطريق، وتقول القوات الحكومية إنها تحاول اصطيادهم حتى لا يعكروا تثبيت السلام.
ويرفع صبية، على أكتافهم سترات بالية، حواجز من على الطريق الواصلة بين صنعاء وعمران وصعدة. ومن خلف تبة تبدو مواسير دبابات معطوبة، وعلى التراب طلقات رصاص فارغة ومبعثرة، وحولها آثار لإطارات سيارات، وبقايا تبغ وأوراق نباتات من تلك التي يمضغها بعض اليمنيين طلبا لراحة الأعصاب. هنا كان محاربون من القبائل يشتبكون مع محاربين آخرين من جماعة الحوثي المتمردة التي وافقت أخيرا على شروط الحكومة اليمنية الستة، بوقف الحرب. ويقول القيادي في الحزب الحاكم باليمن الدكتور محمد القباطي: نحن متفائلون، وبهذا يمكن للحوثيين أن يدخلوا ضمن الحوار الوطني، الذي يعد له الحزب في الوقت الراهن. لكن إلى أي حد يمكن لهذا التفاؤل أن يستمر، وأن يجد له أرضية حقيقية على الواقع، بعد تجارب من الحروب بين المتمردين والسلطة المركزية.. لقد بدأت هذه الحروب منذ عام 2004، وانتهت اتفاقات وقف إطلاق النار عقب كل حرب بالفشل، لتشتعل النار في البيوت ومخيمات اللاجئين هناك من جديد، ويراهن مسؤولو الحكومة والجيش على أن هذه الحرب هي الأخيرة.
عندما تتأمل أولئك الصبية، الذين تقل أعمار بعضهم عن 18 عاما، ويعتمرون السترات البالية، تدرك أي لعبة خطرة كانت تدور هنا.. كانوا، كأبناء للقبائل المناوئة للمتمردين الحوثيين، يتواجهون مع أقران لهم من المتمردين، ويلعبون سويا لعبة خطرة يسقطون فيها قتلى الواحد تلو الآخر عبر هذه الجبال السوداء. وتمكنت منظمة سياج الأهلية من رصد 402 من الأطفال جرى تجنيدهم في الحرب من جانب الحوثيين، مقابل 282 من جانب أبناء القبائل أو ما تعرِّفه المنظمة باسم «الجيش الشعبي» الموالي للحكومة المركزية.
ومنذ يوم 12 فبراير (شباط) الماضي، انطلق صوت الرصاص مجددا لكنه كان، هذه المرة، ابتهاجا ببداية أول يوم لوقف إطلاق النار في شمال غرب البلاد، بين الحكومة وعناصر التمرد، حيث كان الحوثيون يحاولون بسط سلطانهم على آلاف الكيلومترات لتأسيس دولة مستقبلا تخضع لنظام حكم الإمامة على أن يكون الحكام من آل البيت. وهذه الفكرة التي لا يعلن عنها الحوثيون صراحة، تعتبر أهم إشكالية يمكن أن تفجر تمردا آخر مستقبلا، بحسب ناصر يحيى مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، الذي يجري مسوحا منذ الآن لدراسة الحرب السادسة التي انتهت أخيرا، معربا في الوقت نفسه عن تفاؤله، مثل كثير من اليمنيين، بوقف الحرب هذه المرة، باعتبارها مختلفة عن المرات السابقة، لسبب بسيط، يقوله ويلاحظه الجميع هنا في شمال غرب البلاد، وهو أن الحوثيين أُنهِكوا في هذه الحرب كما لم يُنهَكوا في أي حرب سابقة من حروبهم الخمسة مع الدولة.
وفي جانب آخر من الطريق المؤدية إلى صعدة يرفع جنود يمنيون أسلحتهم ليعكسوا للمارة فرحتهم ليس بوقف إطلاق النار، بل بالنصر.. «أجبرناهم على الخروج من كهوفهم.. هزمناهم، وإلى الأبد». ويقول ضابط يدعى يحيى من قوات الشرطة العسكرية، وهو يرافق وفدا من وفود لجان إحلال السلام في تلك المنطقة التي تبدو على شوارعها وجدرانها ومزارعها وحظائر بهائمها، مظاهر الدمار، إن القوات مصممة على الوصول إلى المؤسسات الحكومية التي «احتلها الحوثيون، ومنها مؤسسات احتلوها في الحروب السابقة، لكن لا بد أن يبتعدوا عن كل مباني الحكومة، حتى يعود الموظفون وتباشر عملها». هذا على الرغم من أن المتمردين لم ينتهوا، بشكل كامل، بعد من تنفيذ البند الأول من النقاط الست، الخاص بإنهاء حالة تمترس المتمردين في الجبال.. أو أن «هناك تباطؤا»، بحسب العميد محمد الحاوري رئيس اللجنة المعنية بالشريط الحدودي.
وما زال بعض الهاربين من القانون (محكوم عليهم جنائيا) ممن استغلوا الحرب للاختباء، يطلقون الرصاص وهم يتخفون في الجبال. وهؤلاء يمثلون مشكلة للجان وقف الحرب هنا؛ لأنهم يرفضون تسليم أنفسهم للسلطات. لكن كم عدد هؤلاء: إنهم بضع مئات، جاءوا من مناطق مختلفة من اليمن، من الجنوب والوسط، هاربين من ملاحقات الشرطة لارتكابهم جرائم مختلفة، وبعضهم صدر ضده أحكام غيابية من القضاء.
ومع دخول قوات حكومية إلى مناطق القتال المحيطة بصعدة ومناطق كانت معقلا للمتمردين حاول عدد من هؤلاء الهاربين الجنائيين، على طريق صنعاء - صعدة، توقيف قافلة مواد غذائية كانت متجهة إلى سفيان، لكن قوات من الجيش تمكنت من ملاحقتهم، وتبادلوا معهم إطلاق النار، وألقت القبض على اثنين منهم، وتبين أنه محكوم عليهما في قضايا في العاصمة صنعاء. كما تم مصادرة الأسلحة التي كانت معهما، أحدها من نوع كيه 47. وأقرا أنهما كانا، مع زملائهم الهاربين الجنائيين الآخرين، يحاربون في صفوف الحوثيين، وأن المتمردين تخلوا عنهم بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة.
وتضع لجان إحلال السلام مثل هذه الإفرازات الصغيرة التي تفرزها حروب كهذه، في الحسبان، على الرغم من تذمر البعض من هذه اللجان نفسها من تجاوزات حوثية، بعد إطلاق نار متقطع على الموالين للدولة منها حادثة في جبل الوزان، وعلى الرغم من اتهام الحوثيين، فإنهم ينفون أن يكونوا قد خرقوا الاتفاق، ويظهرون عزيمة وهم يمدون أيديهم لإزالة المتاريس التي أقاموها طيلة أيام الحرب السادسة التي استمرت لنحو ستة أشهر.
وفي محور سفيان يعمل جنود في الجيش، ومتطوعون من رجال القبائل على إزالة الألغام المضادة للمركبات، لكن بالنسبة للألغام المضادة للأفراد فإنها ستتطلب مزيدا من الوقت والجهد والتكلفة المالية لإزالتها من الدروب الواقعة بين الجبال، التي كان يتمركز فيها الحوثيون، ودروب أخرى كان المتطوعون والمحاربون في صفوف الدولة، يقيمون مواقعهم خلفها.
من أين جاء الإصرار على إضعاف التمرد الحوثي وإجباره على الموافقة على شروط الحكومة.. ولماذا يمكن أن تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، وما مستقبل هؤلاء الحوثيين.. هل سيواصلون التقوقع حول أنفسهم، والاستمرار في التعامل مع الدولة كندّ لهم، رافضين الدخول تحت عباءتها، أم ماذا؟ إن الأمر يتعدى الحوثيين، ويدخل في حساسات إقليمية خاصة ببعض الأطراف، ولا سيما أن أصابع الاتهام تتجه عادة، في مثل هذا الأمر، إلى إيران.. ومنذ اندلاع الحرب السادسة في أغسطس (آب) من العام الماضي، أظهر الحوثيون قوة أدهشت الحكومة، وجعلتها تستشعر الخطر من هذا التمرد.. لكن الأمور حالما تفاقمتن حين تجاوز العدوان الحوثي الأراضي اليمنية ووصل إلى الأراضي السعودية، مما اضطر الأخيرة إلى الرد على هذا التجاوز غير المسموح به على سيادتها. إلا إن المتمردين تمكنوا مع ذلك من خوض أطول حرب لهم مع السلطة المركزية في صنعاء، بل كانت من أكثر حروبهم خسائر وتخريبا وتدميرا وإثارة للفزع، وسقوطا لآلاف القتلى من الجانبين، وتشريدا لأكثر من مائتي ألف من سكان شمال غرب البلاد.
«الجولة السادسة من المعارك في الشمال، في صعدة، أخذت أبعادا جديدة.. أولا كانت المعركة كبيرة.. وأقحمت شريكا إقليميا بجانبنا، هم الإخوة السعوديون، بعد أن أدركوا وجود خطر إقليمي عليهم.. أيضا لم يكن شركاء اليمن الدوليون يصدقون لفترة بعيدة أن هذه الحرب كانت بهذا الحجم». يقول الدكتور محمد القباطي رئيس دائرة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم).
لقد كانت منطقة صعدة وما حولها منطقة رخوة.. ولهذا دخلتها أصابع إقليمية لتشعل فيها نارا.. يوضح القباطي قائلا: «أنا كسياسي ودبلوماسي، وكسفير سابق لبلادي، أدرك أنه لو كان هناك منطقة رخوة في أي بلد، على صعيد القانون الدولي وعلى صعيد الدبلوماسية والأجندات الدولية والاستراتيجية الدولية، من حق أي قوى دولية أو قوى إقليمية أن تستغل هذه المنطقة الرخوة، أو الفجوة أو الاختلال الموجود من أجل تحقيق أجنداتها، وبالتأكيد كانت هناك أجندة إقليمية ارتبطت بالحرب في صعدة.. ما في شك في ذلك».
والمقصود بهذه الجهة الإقليمية هي إيران. وفي لقاء بين سياسيين يمنيين من الحزب الحاكم والمعارضة جرى في ألمانيا أخيرا، حيث يقيم يحيى الحوثي، شقيق زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي، اعترفت أطراف حوثية صراحة بأن إيران تساند التمرد في شمال غرب اليمن، وحتى أمس لم يرد يحيى الحوثي على هاتفه للتعليق حول هذه الواقعة.
وكان القباطي حاضرا ذلك اللقاء، حيث أوضح قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كنت قبل شهر في ألمانيا، وقابلت الأخ يحيى الحوثي.. كان ذلك حين كانت القوات اليمنية قد أنجزت ضربة لـ(القاعدة) في منطقة صعدة، في الأجاشر.. وقلت له: يا أخ يحيى، كيف لـ(القاعدة) أن تظهر في داخل صعدة، وتنفذ عمليات من داخلها ضد الدولة، وأنه كان من عناصر التنظيم قيادات كبيرة مثل الريمي، القائد العسكري لـ(القاعدة) هناك، فقال يحيى الحوثي لي: يا دكتور، أنتم تعرفون أن هؤلاء الناس كانوا موجودين هناك. فقلت له: نحن نعرف أنهم موجودون هناك، لكن كونهم يوجدون في منطقة تكاد تكون تحت سيطرتكم، كيف غاب (هذا) عن بالكم، أم أن هناك نوعا من التعاون بينكم وبين ال-(القاعدة).. هل كنتم أنتم توصلون إليهم سلاحا، أم هم يوصلون إليكم سلاحا من إيران، وما القصة؟» ويروي الدكتور القباطي ما دار في لقائه مع يحيى الحوثي، وهو نائب ومحكوم عليه من القضاء اليمني، وهارب في الخارج، ويقيم في ألمانيا. ويضيف القباطي: «قال لي (الحوثي) بشكل مباشر: نحن تساعدنا إيران وأنتم تساعدكم أميركا وبريطانيا. وكان موجودا إخوة من أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) اليمنية. قلت له: يا أخي، هناك فرق بين النموذجين.. نحن دولة ولدينا تفويض شعبي وإذا تعاملنا مع أميركا أو مع بريطانيا فيوجد برلمان أجاز لنا مثل هذا.. لكن أنتم أناس متمردون على الدولة وتتعاملون مع قوى إقليمية لها أجندتها على الصعيد الإقليمي وتربك المنطقة كلها، ونحن ندفع أثمان تنفيذ أجندات إقليمية».
ويقول القباطي إن الحوثي كان يعني ما يقول، وإن اليمن، بالتوازي مع ذلك، كان يدرك أن الأمر في صعدة وفي قضية التمرد يأخذ تطورا جديدا.. «وبالتالي الجولة السادسة دخلت في أبعاد جديدة.. يحيى الحوثي كان جادا في هذا الكلام.. أنا شعرت لحظتها أن هذا بعد جديد في الأمر؛ لأنه ليس هناك شك في أن هناك دعما كبيرا جدا لهؤلاء المتمردين، كونهم يقفون لمدة ستة أشهر يواجهون جيشين نظاميين.. هناك أموال ضخمة تُضخ وتعطي للمتمردين إمكانية شراء السلاح أو تجنيد الناس والمحاربين في صفوفهم».
حسنا.. إذا كانت نوايا الحوثيين جادة في تنفيذ الشروط الستة التي وضعتها الدولة من أجل إيقاف هذه المعارك ووقفها نهائيا، فماذا سيكون مستقبلهم، وهل يقبلهم الحزب الحاكم في إطار الحوار الوطني، الذي يعد له.. يعلق القباطي قائلا: «إذا تم تنفيذ هذه الشروط بشكل حقيقي، وبأن هذه الحرب هي الجولة الأخيرة، فهذا يجعلنا متفائلين؛ لأننا مقبلون على حوار وطني شامل جامع، سيناقش قضايا الاختلالات الموجودة في اليمن بشكل كامل، وبالتالي إذا توقفت الحرب في صعدة وأقدمنا على حوار وإصلاحات سياسية وتعديلات دستورية وحكم محلي كامل الصلاحيات، فإن هذا سيهيئ لمعالجة بعض جوانب الارتخاء والاختلالات، التي كانت موجودة في الكثير من المحافظات ومن ضمنها صعدة».
وأضاف موضحا: «المهم هو ما يتم على الصعيد الميداني على الأرض، وما تقوم به هذه اللجان في صعدة، فالمؤشرات تظل إيجابية ومبشرة حتى الآن، مع اعترافنا أن هناك مصاعب كثيرة جدا لتنفيذ الشروط الستة؛ لأن هذه ليست هدنة.. الناس يجب أن تنزل من الجبال وأن تتخلى عن مواقعها وتسلم الأسلحة، وإلى آخر ذلك.. ستواجه العملية الكثير من المصاعب، لكن المنحنى في صعود، وهذا مؤشر إيجابي، وأيضا في هذا الجانب نشعر أن الإقليم والعالم يعرف أن المشكلة الآن ذات أبعاد خطيرة، ولا بد أن يقف الناس أمامها بالعقلانية والرشد؛ لأن ترك مسببات المشكلة من دون علاج إقحام للمنطقة في مشكلات كبيرة جدا».
والتفاؤل اليمني بإنهاء الحرب يقترن به التخوف من تكرارها. وهذا التكرار يمكن أن يحدث إذا تم تجاوز الحد الفاصل بين «المذهب الديني والسلاح». ففكرة الحرب مبنية، أساسا، على محاولات من جانب قادة التمرد لإقامة دولة دينية؛ لأن المذهب الهدوي (فرع للمذهب الزيدي) الذي يعتنقه الحوثيون، يقوم على قضية الإمامة. أو كما يقول ناصر يحيى، مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية، الذي يرى أن الدولة في اليمن معتادة مثل هذه القضايا.. «الدولة استوعبت من هم أخطر من الحوثيين، الملكيون في الستينات، وكانوا نسخة من الحوثيين.. ومع ذلك استوعبتهم الدولة، وما زالوا إلى الآن موجودين في الحزب الحاكم وفي أجهزة الدولة.. هناك كثير من الناس في اليمن يحملون الفكرة نفسها، لكن من دون الأسلوب نفسه من تمرد وقتال وغيره»، وخاصة أن غالبية القبائل ترفض هذا وترى أنه يهدد استقرارها، ولهذا شاركت في محاربة الحوثيين.
ويضيف ناصر يحيى أن «الفكرة نفسها التي يقوم عليها المذهب الشيعي الهدوي، وهي قضية الإمامة، وأن الإمامة حق لآل البيت، بأساليب أو بأحاديث أو بأسانيد مختلفة، أما باقي المذهب فهو مسائل عادية موجودة في المذاهب السنية كلها». ويواصل قائلا إن طبيعة المواجهة العسكرية التي واجهها الحوثيون جعلت سقف طموحاتهم بسيطا جدا.. «من الصعب أن تستمر الحركة الحوثية كحركة مسلحة مسيطرة على منطقة شاسعة مساحتها نحو 35 ألف كيلومتر.. تعمل وتنشط في هذه الاتجاهات كلها.. هذه المرة، بعد أن تم وقف إطلاق النار، أعتقد أن من الصعب جدا أن يعود الحوثيون إلى الحرب.. أصبح لدى الحوثيين، اليوم وأمس، شعور بأنه من الصعب أن يستمروا في طريق التمرد، بدليل أنهم نزلوا فعلا وقاموا بتطهير بعض الطرقات من الألغام».
ويتحدث مدير المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية بينما يقوم بجمع معلومات عن الحرب السادسة، حيث لاحظ أنها أكثر الحروب التي شاركت فيها القبائل ضد الحوثيين: «لاحظنا خلال جمع المعلومات أن هذه الحرب هي أكثر حرب شاركت فيها القبائل ضد الحوثيين.. ما كانوا يرضون في وقف النار في حروبهم السابقة مع الدولة، بإخلاء المواقع وتطهير الطرقات وفتحها.. موافقتهم على هذه الأمور وعلى هذه الشروط، من دون أن يكون لهم أي مطالب، دليل على أنهم أيقنوا أنه لم يعد باستطاعتهم الاستمرار في هذه الطريق أو أن يفرضوا وجودهم بالقوة المسلحة، أو أن يستمروا كندّ للدولة».
حسنا.. وماذا عن الفكر الذي يعتنقونه، والذي يتسبب في إشعال الحرب مرة تلو المرة.. يقول ناصر يحيى، عما إذا كان حاملو مذهب حكم الإمامة سيشكلون أي تقاطع مع دستور الدولة وتوجهاتها العامة مستقبلا، خاصة الحوثيين، إن الإيمان بأن حكم الإمامة وأنه حق لآل البيت، لا شك أنه سيشكل تقاطعا مع دستور الدولة، إن لم يكن الآن ففي المستقبل. ويضيف: «قبل ظهور الحركة الحوثية، لم تكن هذه القضية موجودة.. كان الناس الذين يؤمنون بها، يؤمنون بها في لقاءاتهم الخاصة كقناعات شخصية، وكدروس عن الإمامة وماهيتها، لكن لم تكن تجد تعبيرا أو حاملا سياسيا أو عسكريا.. وحين وجدت الحامل العسكري والحامل السياسي، تحولت إلى خطر.. وهذا من الممكن أن يتكرر في أي مرحلة تاريخية».
لكن ناصر يحيى يشير، أيضا، إلى أن توجهات الحوثيين المذهبية المسلحة، تتقاطع كذلك مع بعض التوجهات القبلية في اليمن.. «إذا كانت التكتلات القبلية لها توجهات سياسية وفكرية مستقلة عن فكرة الإمامة، فإن هذه التقاطعات ستحدث. وهذا موجود بالطبع في الوقت الراهن؛ لأن المناطق القبلية ليست تحت سيطرة الفكر الإمامي»، مشيرا إلى أنه بعد قيام الثورة، حدثت تغيرات كبيرة جدا، وجذرية، من انتشار للتعلم وانتشار النظريات السياسية ودخول الأحزاب بأفكارها، سواء كانت إسلامية أو قومية أو اشتراكية أو ماركسية.. كل هذه الأحزاب دخلت القبائل وأوجدت لها مرتكزات وأوجدت لها أنصارا.. طبعا تختلف النسب من حزب إلى آخر.. هؤلاء بلا شك سوف يحدث تقاطع بينهم وبين الفكر المذهبي وإن كان هذا الفكر الإمامي لا يعبر عن نفسه صراحة، ولا يقول للناس إننا - نحن - أصحاب الحق».
ويتابع، مشيرا بقوله، إن الحوثيين كانوا حريصين على عدم التحدث، بشكل مباشر، عن ما يعتقدون أنه حقهم في الحكم، ويوضح: الحوثيون لا يقولون مثل هذا الكلام مباشرة، لكن منتهى كلامهم، ومنتهى حركتهم هو هذا الأمر؛ حكم الإمامة.. لكن لجوءهم إلى حمل السلاح ومحاربة الدولة جعل القبائل، التي تمثل غالبية السكان في اليمن، بما في ذلك المناطق الشمالية الغربية، استشعرت خطرهم، وأنهم خطر على مناطقهم، وأنهم أيضا تسببوا لهم في مشكلات مع الدولة. ومن الناحية الفكرية اتضحت قضية الفكر الحوثي للقبائل من أنه مجرد فكر مذهبي يتقاطع مع إيمان كثير من رجال القبائل والمنتمين إليها. كما أن هذه القبائل تضررت من الحرب الحوثية اقتصاديا وماديا، من بيوت ومزارع.. الآن صعدة شبه مهدمة.. آلاف الأسر خرجت من صعدة ومن قراها..
محطات حروب صعدة:
خاضت الحكومة اليمنية ستة حروب في صعدة منذ بدء التمرد الحوثي قبل نحو ست سنوات:
الحرب الأولى: بدأت 20 يونيو (حزيران) 2004، وانتهت 10 سبتمبر (أيلول) في العام نفسه. وقُتل فيها الزعيم الأول للمتمردين حسين بدر الدين الحوثي.
الحرب الثانية: بدأت 19 مارس (آذار) 2005، وانتهت في 12 أبريل (نيسان) من العام نفسه.
الحرب الثالثة: بدأت 12 يوليو (تموز) 2005، وانتهت في 28 فبراير (شباط) 2006.
الحرب الرابعة: بدأت 27 يناير (كانون الثاني) 2007، وانتهت مطلع 2008.
الحرب الخامسة: بدأت مايو (أيار) 2008، وانتهت في 17 يوليو (تموز) من العام نفسه.
الحرب السادسة: بدأت 11 أغسطس (آب) 2009، وانتهت 12 فبراير (شباط) الماضي.
النقاط الست لوقف الحرب:
1 - وقف إطلاق النار، وفتح الطرق، وإزالة الألغام، والنزول من المرتفعات، وإنهاء التمترس في المواقع وجوانب الطرق.
2 - الانسحاب من المديريات، وعدم التدخل في شؤون السلطة المحلية.
3 - إعادة المنهوبات من المعدات المدنية والعسكرية اليمنية والسعودية.
4 - إطلاق المحتجَزين المدنيين والعسكريين اليمنيين والسعوديين.
5 - التزام الدستور والنظام والقانون.
6 - التزام عدم الاعتداء على أراضي المملكة السعودية. * غدا : الجولة السادسة آخر الحروب

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:16 PM   #6
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة السادسة) : خلافات الحزب الحاكم والمعارضة تعطل الإصلاحات في اليمن
أهمها التعديلات على مدة الرئاسة والبرلمان وتوسيع صلاحيات الشورى والمحليات
مدخل مجلس النواب اليمني («الشرق الأوسط»)سلطان العتواني القيادي في تكتل اللقاء المشترك المعارض و محمد الطيب القيادي في الحزب الحاكم
صنعاء: عبد الستار حتيتة
يتبادل الحزب الحاكم في اليمن والمعارضة الاتهامات حول من منهما المسؤول عن تأخر استئناف الحوار وعرقلة توقيع اتفاق بين الطرفين حول الخطوط العريضة لإصلاح القوانين والدستور والنظر في مدد تولي الرئاسة ومدد عمل البرلمان في البلاد وتوسيع صلاحيات الشورى والمحليات. ويعلن السياسيون من الجانبين أنهم يسعون للخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن بين الألفاظ الخشنة التي يستخدمها كل طرف تجاه الآخر، تظهر كلمات مبشرة، في الغرف الخلفية، بقرب التوصل لتوقيع هذا الاتفاق الذي طال انتظاره. لكن الأجواء العامة في البلاد، مع ذلك، لا تخلو من غيوم.. غيوم من تلك التي تحمل نذر الشك والريبة في نوايا كل طرف خلال الفترة المقبلة. إن الوقت يجري بسرعة، ولا بد من إنجاز أجندة الحوار وما ستسفر عنه من إصلاح دستوري وتشريعي وعلاقة سلطات الدولة ببعضها، قبل موعد الانتخابات البرلمانية، المقرر لها أبريل (نيسان) من العام المقبل.
حزب المؤتمر الشعبي الحاكم يقول إن المعارضة تتحمل الجزء الأكبر من اللوم في تأخير بدء الحوار، متهما إياها بالتشدد في أمور لا تستحق التشدد، وتبتزه للحصول على تنازلات كبيرة منه.. وبينما يفصح الحزب عن مثل هذه المشاعر تجاه المعارضة، يعود، مع ذلك، ويعترف بأنه، وفي هذه الأيام التي أعقبت وقف الحرب السادسة في صعدة، توجد جهود حثيثة، بعضها علني وبعضها في السر، لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية، أو كما يقول قيادي فيه متحدثا لـ«الشرق الأوسط»: «خلاصة الأمر، إنه لو جرى التوصل لاتفاق باستئناف الحوار، فإن هذا لن يكون حوارا سهلا على الإطلاق».
شروط المعارضة تتلخص في أنها تريد حوارا وطنيا شاملا تشارك فيه كل القوى السياسية وكل أطراف الأزمة في الساحة اليمنية في الجنوب، حيث الحراك الانفصالي، والشمال، حيث المتمردون الحوثيون، إضافة للأطراف المعارضة غير الممثلة في البرلمان.. وفي هذا السياق لا تترك المعارضة كلمة يمكن استخدامها في نقد ومهاجمة الحزب الحاكم إلا واستخدمتها، رافضة المنطق الذي يتحدث به قياديو حزب المؤتمر الشعبي.. وتعتبر مجموعة أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة) (وهي الطرف الرئيسي في الحوار المتوقف مع الحزب الحاكم) أن هذا الحزب يتعامل مع موضوع الحوار بينهما باستهانة وبلا جدية، وأنه يعبث بهذا الجانب، ويحوله إلى ضجيج إعلامي لا أكثر.. «هو (الحزب الحاكم) لا ينظر إلى الحراك كقضية الساعة.. إنه يتجاهل مخاطر هذه القضية على الوحدة الوطنية.. تارة يصف عناصر الحراك بأنهم شرذمة، وتارة يصفهم بأنهم لا يزيدون عن مائتين، بينما القضية أخطر من قضية صعدة».
فصول الجدل بين الحزب الحاكم والمعارضة الممثلة في البرلمان بدأت بعد توقيع اتفاق عرف باسم اتفاق فبراير (شباط) عام 2009، بغرض فتح حوار شامل تدعى إليه بقية القوى والأحزاب من أجل الدخول في «توافق للحوار»، وصولا لإصلاحات سياسية وتعديلات دستورية والانتقال لنظام انتخابي جديد، يتم تطبيقه على انتخابات البرلمان المقررة العام المقبل، خصوصا بعد أن تم التمديد لمجلس النواب الحالي لمدة عامين، تنتهي في أبريل (نيسان) 2011. فهل يا ترى يمكن إنجاز كل الإصلاحات المأمولة قبل موعد تلك الانتخابات، وحتى لو جلست الأطراف السياسية المتجادلة على طاولة الحوار اليوم، وهذا أمر يبدو بعيد المنال، فستقع مع ذلك الكثير من الأخطاء، لأنه لا يمكن تعديل دستور وقوانين دولة خلال نحو 13 شهرا، ناهيك عن المشكلات الكبيرة الأخرى التي تمر بها البلاد، من الشمال إلى الجنوب مرورا بتنظيم القاعدة والتدهور الاقتصادي وانخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع الأسعار، ومشاريع إعادة الهيكلة خصوصا في قطاع الدعم. ويقف مجلس الشورى اليمني، وهو أحد مجلسي البرلمان، في انتظار أن يأخذ إشارة البدء لإعلان الأطراف السياسية بالعودة إلى الحوار. وعلى رأس اللجان المعنية بهذا الأمر لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني في المجلس، وهو مجلس معين من رئيس الدولة، ويوصف بأنه «مجلس الحكماء». ويقول رئيس اللجنة، محمد الطيب، حول ما إذا كان يمكن الوصول لاتفاق باستئناف الحوار مع المعارضة للوصول إلى إصلاحات جوهرية في تشريعات البلاد، وإنجازها قبل انتخابات البرلمان العام المقبل: «هذا كلام مهم.. الآن نحن في سباق مع الزمن.. وما زال هناك أمل كبير في أن نستطيع أن نتمكن من إنجاز هذه الاتجاهات (الإصلاحات) قبل حلول الانتخابات. ولكن كلما اقتربنا من موعد الانتخابات ولم ننجز بعد أي حوار (مع المعارضة) نكون قد ضغطنا أنفسنا بصورة تهدد فعلا إمكانية أن يكون الوقت كافيا للتعاطي مع هذا الموضوع الكبير، لأنه بلا شك سيكون محل حوار ونقاش معمق، ولن يكون نقاشا أو حوارا سهلا على الإطلاق، وقد يستغرق وقتا. ولهذا هناك جهود حثيثة تجري الآن علنا وسرا لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المعنية حتى تتفق على البدء والشروع بالعمل الجدي باتجاه إنجاز الاتفاق على هذه الاتجاهات».
ويوضح الطيب قائلا لـ«الشرق الأوسط» أن تأجيل انتخابات البرلمان إلى 2011 كان بموجب اتفاق أبرم بين القوى السياسية المختلفة الفعالة، حتى تتمكن الفعاليات السياسية من أن تأخذ وقتها اللازم لدراسة الاتجاهات العامة لعدد من التعديلات الدستورية.. هناك صيغ متعددة لمضامين التعديلات الدستورية.. وهي ستشمل تعديلات تتصل بتوسيع صلاحيات مجلس الشورى بالدرجة الأولى، وتوسيع السلطة المحلية، وقد تمس بعض الأمور الأخرى المتصلة بمدد البرلمان وربما أيضا فترة رئاسة رئيس الجمهورية، وأمورا أخرى.. هناك تصورات موضوعة حاليا، وهي تنتظر مزيدا من البحث والتحاور بين الفعاليات السياسية، ويفترض أن تنجز كل هذه الاتجاهات قبل حلول موعد الانتخابات البرلمانية القادمة في أبريل 2011. والحوار الساخن الآن بالحزب الحاكم وأحزاب المعارضة هو في حقيقته يتصل بمستقبل هذه الحوارات المتصلة بالاتجاهات العامة لتعديل الدستور».
وبينما يحمل البعض الحزب الحاكم مسؤولية تأخر الحوار والاتفاق يرى آخرون أن المعارضة هي المسؤولة. ويقول الطيب: «أنا من الحزب الحاكم، كما تعلم، وجرت العادة أن كل طرف يحمل الطرف الآخر مسؤولية التأخير وإنجاز الاتفاق، لكن الحقيقة أن هناك مشكلة.. هناك سوء تفاهم أو سوء فهم بيننا كحزب حاكم وأحزاب المعارضة، حول كثير من القضايا التي كنا قد اتفقنا عليها كخطوط عريضة في الاتفاقية السابقة التي تمت مع أحزاب اللقاء المشترك (المعارضة)، والتي بموجبها تم تأجيل الانتخابات.. أعتقد أنا، ولو بصورة محايدة، أن المعارضة تتحمل الجزء الأكبر من اللوم في هذا الاتجاه، باعتبار أنها تتشدد في أمور لا تستحق التشدد، وترفع سقف مطالبها باستمرار.. المعارضة تريد أن تحصل من الحزب الحاكم على تنازلات كبيرة ترفضها الغالبية العظمى من الحزب، وتعتقد أنها ابتزاز».
لكن ما السبب الذي أوقف الحوار؟.. أين هو بالتحديد؟ وما الأمثلة على مثل هذا التشدد من جانب المعارضة؟ يقول الطيب: مثلا.. كنا على وشك أن نبرم اتفاقا مع المعارضة حول المرحلة القادمة من الحوار، وحول الآلية التي من خلالها سيتم تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه لإنجاز الحوار في اتجاه الانتخابات القادمة. كان طرفا الحوار قد اتفقا على مسودة اتفاقية كانت معدة للتوقيع، لكن المعارضة في آخر لحظة طلبت أن يكون ممثل المعارضة طرفا لم يكن شريكا أساسيا في الاتفاقيات السابقة (يقصد اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، ويشغل القيادي في التجمع اليمني للإصلاح، حميد الأحمر موقع أمينها العام)، ونعتقد نحن في (حزب) المؤتمر الشعبي العام أن هذا الطرف ليس له أساس قانوني في العملية السياسية.. هذا الأمر أوقف الحوار حيث هو، وأوقف توقيع الاتفاقية ولا تزال الوساطات، في الحقيقة، قائمة الآن، في محاولة للوصول إلى حلول مع المعارضة في هذا الأمر، وفي اعتقادي أننا في النهاية سنصل معهم إلى حلول.. نحن، في الحزب الحاكم، نرى أن أحزاب اللقاء المشترك هي التي كانت قد وقعت الاتفاق مع الحزب الحاكم في البداية.. الآن أحزاب اللقاء المشترك تريد لهذه اللجنة التحضيرية (ومن قيادييها حميد الأحمر) أن تضطلع بمهام الطرف الثاني أمام الحزب الحاكم.
وتتضمن مسودة الاتفاق هذه، والتي لم توقع بعد، بسبب إشكالية من سيوقعها مع الحزب الحاكم، خطوطا عريضة للآلية التي ستتبع لإنجاز الحوار بين الأطراف السياسية الحزبية الممثلة في البرلمان، ولا تدخل في التفاصيل.. ولكن هذه الخطوط تقود إلى النتائج المتوخاة من الحوار المزمع. ويقول الطيب إنه «من دون توقيع هذا الاتفاق سيصعب أن نخطو أي خطوة قادمة من حيث نحن الآن».
وعلى الرغم من التعثر في الإنجاز، فإن رئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني في مجلس الشورى يكشف عن وجود عدة مشاريع الآن لتعديلات دستورية تعطي لمجلس الشورى تقريبا صلاحية الغرفة الثانية الكاملة (في البرلمان)، إضافة إلى دراسة أن يكون ثلثا أعضائه بالانتخاب.. «أغلب الظن يمكن أن يأتي المجلس القادم، في جزء منه، معينا، وجزء أكبر يكون منتخبا من الشعب. هذا الموضوع ما زال قيد البحث، لكن التوجه هو أن يكون معظم أعضاء مجلس الشورى منتخبين، ويكون جزء، ربما الثلث، معينا. هذا الأمر قابل للأخذ والعطاء، والتغيير.. وستخضع لمناقشات البرلمان والاستفتاء، وستمر بمراحل طويلة، وسيتم انتخاب غالبية أعضائه من الشعب مباشرة، وكذا توسيع صلاحيات مجلس الشورى أيضا ليسهم ذلك في الاستقرار السياسي وامتصاص بعض المشكلات في بعض المناطق، من خلال توسيع قاعدة المشاركة الشعبية، والتمثيل السياسي والجغرافي في الجمهورية اليمنية.
ويرتبط الإصلاح السياسي والدستوري وتعديل القوانين وصلاحيات مجلسي البرلمان والمجالس المحلية في البلاد، بما تأمل فيه البلاد من استقرار نزع فتيل أزمات الجنوب والشمال، وكذا بطريقة عمل الجهاز الإداري في الدولة، والأهم، بمستقبل التنمية في البلاد بطريقة أو بأخرى.. فالبرلمان، بتركيبته السياسية الحالية تسبب في تأخير التصديق على كثير من اتفاقات التنقيب عن النفط، وعلى اتفاقات المنح والقروض التي خصصها المجتمع الدولي في مؤتمر لندن الأول الذي انعقد حول اليمن عام 2006.
ويقول الطيب: «صحيح.. في الفترة الماضية ظهرت إلى السطح الكثير من الانتقادات تتحدث عن أن مجلس النواب لا يعطي للوقت أهمية في مناقشة قضايا التنمية، وبالتالي الاتفاقيات المتصلة بالقروض والمساعدات، وكذا اتفاقيات النفط، وقيل إن مجلس النواب قد عطل بعض الاتفاقيات، أو أخر إقرارها.. القضية كانت مطروحة فعلا للنقاش.. إن هناك خلافات بين أعضاء في مجلس النواب حول هذه الاتفاقيات، الأمر الذي أفقد اليمن وقتا ثمينا، على اعتبار أن الاكتشافات النفطية تعتبر موضوعا جوهريا في اليمن».
ويضيف: «لكنني على يقين أن القائمين على الأمر في اليمن يرون أهمية هذا الموضوع، وأن تعطى لهذه الاتفاقيات السرعة المطلوبة عند المناقشة.. على كل حال، هذا الموضوع حساس، وقيل عنه كلام كثير، وتبادلت الحكومة والمجلس اتهامات في هذا الجانب، وعلى حد علمي، فالمشكلة تم حلها، وأن كثيرا من الاتفاقيات مررت أو خرجت إلى النور.. وكانت هناك توجيهات رئاسية حثت المجلس على أن يرتقي إلى مستوى الاهتمام المطلوب، وهذا بالطبع، على الأقل، تجاوزناه، وأصبح من الماضي، وليس قضية مطروحة الآن». وماذا عن التأخير في استخدام العون أو المساعدات الدولية المتاحة لليمن، والمخصصة له منذ عام 2006، ولم يتمكن من إنفاقها في مشروعات على الأرض، مما دفع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى الإشارة إلى هذه المشكلة في مؤتمر لندن الثاني مطلع هذا العام؟.. يجيب الطيب قائلا: «طبعا هذا موضوع لا نستطيع أن ننكره. فالمجتمع الدولي عندما اجتمع في لندن في 2006، وكان رئيس الجمهورية حاضرا، قدر لليمن تمويلات قدرها نحو خمسة مليارات دولار، وكان يفترض أن يتم استخدام هذه التمويلات، وللأسف حتى الآن القليل جدا من هذه الأموال استخدم، في بلد يحتاج إلى كل مليم.. عندما تذهب وتتحدث مع العالم عن تعاون إضافي، فهذه هي الحجة الكبرى، وهي لماذا لم تستخدموا ما هو متاح. فهذا على ما أعتقد هو ما قصدته وزيرة الخارجية الأميركية، وهو محل بحث داخلي مكثف في اليمن الآن.. هناك سعي كبير لتحسين أداء الأجهزة الحكومية، وهناك دراسة تجري الآن لتقييم التجربة ولماذا أخفقنا في أن يكون لدينا جهاز فعال لاستخدام هذه الأموال».
وعلى الرغم من أن النصوص الدستورية تعطي للبرلمان حق مساءلة الحكومة ومحاسبة من يقصر من وزرائها، فإن اليمنيين، وعلى رأسهم القوى المعارضة، وحتى بعض المسؤولين والقياديين في الحزب الحاكم، يرون أن البرلمان لا يقوم بدوره.. ويعلق الطيب على هذه النقطة قائلا: «أغلبية البرلمان من الحزب الحاكم أغلبية مريحة، وفَّرت لوزراء الحكومة، إلى حد ما، حصانة، لكن هذا لا يمنع أنه كانت هناك أوقات استجوب فيها وزراء، وكاد البرلمان أن يقيلهم، وكانت هناك اتجاهات حتى في إطار الحزب الحاكم للتعامل بقوة مع هؤلاء الوزراء، ولأسباب، يمكن أن تسميها أسباب سياسية أو تقليدية أو ما شئت، عولجت القضايا التي استجوب الوزراء من أجلها، من دون أن تتم إقالة الوزير، لكن حقيقة نحن نتطلع إلى اليوم الذي نرى فيه برلماننا فعال فعالية تؤدي إلى إقالة وزير، ومن هو أكبر من الوزير إذا رأى ممثلو الشعب ذلك».
ولا يثق كثير من اليمنيين في برلمانهم، ويصفونه، كما يصف غالبية العرب عادة برلماناتهم، بأنه «مكلمة، لا تودي ولا تجيب»، ويشككون حتى في فعالية جانب من النواب وفي جدوى الأحزاب وفي العائد من الانتخابات، بأحوالها الراهنة.. ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني في مجلس الشورى، إنه، مبدئيا، لا توجد انتخابات في العالم الثالث سليمة مائة في المائة.. «لكن الانتخابات اليمنية حظيت بمراقبين دوليين كثر، وقالوا عنها إن نزاهتها مقبولة بالمعايير الدولية. وهذا يعتبر إنجازا كبيرا.. الشيء المهم هو ما بعد الانتخابات.. وكيف انتخب الشعب نوابه، من طينة معينة ومن شكل معين من كفاءة معينة.. هذا الاختيار هو اختيار حر للمواطن، فكونه اختار نائبا جديرا أو غير جدير، هذه ليست مشكلة الانتخابات».
ويرتبط الحوار المتوقف بين الأحزاب المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي الحاكم بالطريقة التي ستجري بها الانتخابات البرلمانية القادمة، بما في ذلك تشكيل اللجنة العليا للانتخابات.. ويعلق الطيب قائلا: «كان هناك حوار وحديث حول إمكانية تغيير قانون الانتخابات.. وهو من الأمور التي تندرج في إطار الحوار، لكن ليس بالضرورة أن الانتخابات مرهونة بتغيير القانون.. يمكن أن تتفق هذه الفعاليات على تغيير القانون، أو تتفق على إجراءات يكون من شأنها أن تحسن القانون الحالي في الصيغة التنفيذية له».
وتعترف قوى المعارضة، سواء من اللقاء المشترك، الذي يضم أربعة أحزاب، أو من القوى الأخرى التي انضوت، مع اللقاء المشترك، تحت اسم واحد هو «اللجنة التحضيرية للحوار الوطني»، بأن المشكلة التي تعطل مواصلة الحوار مع الحزب الحاكم، هي هذه اللجنة.. لكن لماذا تكونت هذه اللجنة (المشكلة)؟ وكيف؟. يرى أمين اللجنة، حميد الأحمر، بحسب ما أعلنه حينذاك، أنه بعد أن وقَّعت أحزاب اللقاء المشترك الأربعة اتفاق فبراير 2009 مع الحزب الحاكم، وبسبب تعثر هذا الحوار فيما بعد، ارتأت أحزاب اللقاء المشترك أن تفتح أبواب الحوار مع أطراف أخرى، وكان من بينها أطراف سياسية، إلى جانب منظمات للمجتمع المدني وشخصيات عامة ومجالس قبلية وغيرها.. أثناء ذلك، ومع تفاقم المشكلات في الشمال والجنوب، إضافة للمشكلات التي يعاني منها اليمن في القطاعات الأخرى، كان الجميع يعملون بدأب على تقديم تصورات لما يمكن أن يكون عليه حال البلاد مستقبلا.. هذا العمل تمخض عما أصبح يسمى بـ«اللجنة التحضيرية للحوار الوطني»، وحين أرادت هذه اللجنة أن تباشر عملها، وتعيد فتح باب الحوار مع الحزب الحاكم، بناء على اتفاق فبراير 2009، رفض الحزب الحاكم ذلك، على أساس أن أحزاب اللقاء المشترك هي من بدأ الاتفاق مع الحزب، وليس اللجنة المشار إليها.
ويقول سلطان العتواني الذي تولي في السابق رئاسة تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض، الأمين العام للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن: «انقطاع الحوار يرجع في المقام الأول إلى الحزب الحاكم، وعدم جديته في التعامل مع الحوار كقيمة حضارية، وكمدخل ووسيلة لمعالجة مشكلاتنا. هو يتعامل مع الحوار باستهانة.. يلجأ إلى الحوار عندما تكون هناك ظروف داخلية، وعندما تنتهي هذه الظروف يتنصل من كل الاتفاقيات التي أبرمت بينه وبين المعارضة».
النقاط التي ترى أحزاب اللقاء المشترك والقوى السياسية الأخرى التي أصبحت تنسق معها، بما فيها اللجنة التحضيرية، أنها نقاط خلافية مع الحزب الحاكم، تتلخص أيضا في أن المعارضين يريدون لكل الأطراف، التي ربما تمثل حساسية معينة للحزب الحاكم، أن تشارك في الحوار الوطني، كحوار شامل وجامع لكل أطراف اليمن وأطيافه، خاصة بعد حرب صعدة، والمشكلات الجارية في جنوب البلاد من جانب من يطلق عليهم الحراك الجنوبي، وإرهاب «القاعدة».. يقول العتواني موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نطالب بحوار وطني شامل.. الحزب الحاكم يعبث بهذا الجانب، ويحوله إلى ضجيج إعلامي لا أكثر.. نحن نريد حوارا وطنيا شاملا تشارك فيه كل القوى السياسية وكل أطراف الأزمة في الساحة اليمنية في الجنوب والشمال، لأن الحوار لا بد أن يكون بين مختلفين، ولا بد أن نسمع من هؤلاء ما هي قضاياهم. وبالتالي نصل إلى موقف وطني لمعالجة هذه المطالب».
ويزيد العتواني قائلا إن «الحزب الحاكم لا يريد أن نتعامل في قضية الحوار بتلك الجدية والمصداقية.. هو يحاول أن يستثني بعض الأطراف من الحوار.. ففي وقت يتحاور فيه مع الحوثيين بشكل مباشر، يرفض أن يدخل الحوثيون في حوار وطني شامل. هو لا ينظر إلى الحراك كقضية الساعة، ونحن نرى أن تجاهل هذه القضية له مخاطره على الوحدة الوطنية اليمنية.. الحزب الحاكم يتعامل مع قضية الجنوب باستخفاف أيضا.. تارة يصفهم بأنهم شرذمة، وتارة يصفهم بأنهم لا يزيدون عن مائتين، وتارة بأنهم ممن فقدوا مصالحهم، بينما القضية تتفاقم كل يوم، وقد تتجه اتجاها آخر مغايرا لخطها السلمي المرسوم في الوقت الحاضر. ونحن نرى أن قضية الجنوب أخطر من قضية صعدة، ومن الممكن أن تكون آثارها أخطر من قضايا صعدة».
واستدرك العتواني، فيما يتعلق بالأمل في إنجاز الإصلاحات السياسية المنشودة قبل موعد انتخابات البرلمان في أبريل من العام القادم، معربا عن خيبة أمل المعارضة حتى الآن، لأنه طالما ظل الحوار معطلا، ستظل الإصلاحات تراوح بلا إنجاز حقيقي، وقال: «هذا من أسباب الخلاف بيننا وبين الحزب الحاكم. نحن مددنا مجلس النواب سنتين بتعديل دستوري، بغرض إجراء إصلاحات. وهذا الأمر لم يتم». ويأمل العتواني، مثل كثير من السياسيين اليمنيين في سرعة إنجاز الحوار والإصلاحات، مشيرا إلى أن الحكومة لم تأت للبرلمان حتى الآن «لتقدم تقارير عما تم في صعدة وعن خلفيات تلك الحرب، لأنه، وحتى الآن، كلٌ يبرر موقفه بشكل مغاير لما يطرحه الطرف الآخر».
وتابع موضحا: «نحن، في إطار أحزاب اللقاء المشترك، نطالب بأن تطرح مشكلة صعدة ومشكلة الجنوب على طاولة البحث، لكي نعرف ما هي الأسباب والدوافع، ولكي نصل، وطنيا، إلى معالجة شاملة تقضي على مسببات هذه الحروب والمشكلات.. نحن لسنا مع الأصوات التي ترفع نداءات الانفصال.. نحن مع المطالب المشروعة للحراك، سواء مطالب حقوقية أو مطالب سياسية، وإعطاء اهتمام خاص بالمحافظات الجنوبية لقطع الطريق على دعاة الانفصال، وكل هذا لن يتحقق إلا بالحوار الوطني الشامل وبالاتفاق على إصلاحات دستورية وقانونية من أجل يمن يتسع للجميع». * غدا : الحراك الجنوبي: أخطاء القسمة والتقاسم

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:17 PM   #7
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة التاسعة) سباق الحكومة والمعارضة: الاستحواذ على العيون والآذان
الخصوم السياسيون يخططون للتوسع في البث المرئي والإذاعي والوصول إلى المناطق الملتهبة ودخول البيوت
د. محمد قيزان، المدير التنفيذي لـ«سهيل» («الشرق الأوسط»)
صنعاء: عبد الستار حتيتة
يخطط الخصوم السياسيون في اليمن للتوسع في البث المرئي والإذاعي والوصول إلى المناطق الملتهبة ودخول البيوت من خلال التلفزيون والراديو.. إنه سباق الحكومة والمعارضة للاستحواذ على العيون والآذان، بعد أن انتهت الحرب السادسة ضد المتمردين في صعدة شمال غربي اليمن الشهر الماضي. هذه الأيام تستعد الدولة لجولات أخرى لحسم مشاكل عالقة في جنوب البلاد من حركات لانفصاليين، وإرهاب لتنظيم القاعدة، في الجنوب، في الوقت نفسه الذي يشمّر فيه سياسيون ورجال أعمال وشيوخ قبائل سواعدهم لخوض انتخابات البرلمان مطلع العام المقبل.
وعلى هذه الخلفية أصبحت القنوات الفضائية الخاصة التي تبث من خارج البلاد، بعد أن ظهرت أخيرا، تثير جدلا بين اليمنيين، وتخلق حالة من الاستنفار عمن سيطلق قناة جديدة قريبا، وعمن يمكن أن يكون له السبق في الحصول على حق البث الإذاعي، لأول مرة في البلاد.. ويعتبر بعضهم أن قناتي «السعيدة» و«سُهيل» لسان المعارضة، في مقابل «العقيق» و«سبأ» المحسوبتين على الدولة.. وفي خضم هذا التنافس الأهلي على القنوات، بدأت أربع قنوات رسمية تعد لإنتاج برامج تستقطب المشاهدين، على أساس أن الحكومة لا بد في نهاية المطاف أن تقبل بوجود قنوات وإذاعات أهلية في البلاد، بضوابط معينة، تساعد على تنفيس الغضب، والتوعية أيضا، إلى جانب الدور الذي تلعبه الصحافة الورقية والإلكترونية في البلاد، سواء كانت حكومية أو معارضة.
وتخطط الدولة للتوسع في قنوات التلفزة، وبدأت بالفعل مشروعا لتقوية موجات البث الإذاعي في الشمال والجنوب، وتتعاون عربيا ودوليا لتحسين الأداء والمنافسة القادمة. ويقول رئيس الإذاعة والتلفزيون اليمني عبد الله الزلب لـ«الشرق الأوسط» إن بث قنوات التلفزة الخاصة من الخارج خسارة لليمن، ولدينا طلبات لإنشاء محطات إذاعية أهلية.. ونحتاج لقانون ينظم العمل ويحمينا من الفوضى الإعلامية. ويوضح حسن سلطان المدير التنفيذي لمكتب قناة «السعيدة» بالقاهرة، بقوله: نحن لا ننافس القنوات العربية الأخرى، لأن اهتمامنا موجه لليمنيين في الداخل والخارج، وبرامجنا تهدف لكسب ثقة المشاهد، أما الدكتور محمد قيزان، مدير قناة «سهيل» بصنعاء، فيشير إلى اعتماد القناة على رجال الأعمال وأنها، على خلاف ما يقال.. «بعيدة عن التطرف، ولسنا محسوبين على المعارضة، ومع ذلك فإن الحكومة تحاصرنا».
وتأسست القنوات الأهلية اليمنية في لندن ودبي والقاهرة، وتعمل في داخل البلاد بدون لافتات، وتستعين بشركات إعلامية باليمن للحصول على خدمات مصورة من مناطق الأحداث..
وتدق الهواتف النقالة في أيدي سياسيين وإعلاميين، ليلا ونهارا، لتعكس نشاطا استثماريا محموما يديره القطاعان الحكومي والأهلي، في مجال الإعلام المرئي والمسموع. وتقول السلطات المختصة، في اليمن التي تعاني من الفقر والبطالة وبعض الاضطرابات السياسية، إنها لا تخشى من تزايد عدد قنوات التلفزة الأهلية، ولا من تأسيس القطاع الخاص محطات إذاعية مستقبلا، وأن السبب في عدم السماح للقطاع الخاص بالبث التلفزيوني والإذاعي من داخل البلاد، يرجع لنقص في التشريعات المنظمة لهذا العمل الجديد في الدولة، حيث يقول رئيس المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، الدكتور عبد الله علي الزلب، إن البلاد في حاجة إلى قانون ينظم البث الفضائي والإذاعي، أولا حتى لا تحدث فوضى.
القنوات الخاصة الجديدة التي بدأت البث بالفعل، هي: «السعيدة» و«سُهيل» و«العقيق»، الأولى، «السعيدة»، أطلقها من القاهرة مجموعة من رجال الأعمال، وتقول إنها أثبتت نفسها في الأوساط اليمنية داخل البلاد وخارجها، وتبدو أكثر رصانة مما قد يعتقده البعض عن قناة عربية في دولة ذات توجهات سياسية تعمل بالكلام والسلاح أحيانا. أما قناة سُهيل فيعتبرها كثير من اليمنيين لسان حال المعارضة، وبالذات حزب الإصلاح اليمني ذو التوجه الإخواني، فيما ينظرون للثالثة، «العقيق»، التي ما زالت في طور التجريب، على أنها محسوبة على رجال يميلون إلى توجهات الدولة.
وسوف يطلق رجال أعمال يمنيون قنوات فضائية أخرى إحداها ستكون أيضا من العاصمة المصرية التي تحتفظ بعلاقات طيبة مع اليمن. ومن قبل، أي في العام الماضي، حاول معارضون إطلاق قناة باسم «سبأ»، لكن الحكومة استبقتهم، وأطلقت قناة بنفس الاسم، مما دفع بعضهم لتأسيس قناة أخرى، هي التي أصبحت تحمل اسم «سُهيل».
ومن جانبها توجد أربع قنوات تلفزة يمنية تابعة للدولة. ويمكن أن يزيد عدد القنوات الخاصة للضعف قبل نهاية هذا العام، لأن الدولة، وهي تنفق كل مليم بحساب في ظروفها الاقتصادية الحالية، لن تتمكن من مجاراة الملايين التي يخصصها رجال الأعمال على قنواتهم وتوجهاتهم السياسية والقبلية والعقائدية. وتبلغ رسوم الإيجار السنوي لقناة فضائية على القمر الصناعي المصري، مثلا، نحو ربع مليون دولار في المتوسط.
وعلى الرغم من أن قناة «العقيق» ما زالت في طور التجريب ولم تبدأ بعد في تقديم البرامج الحية، فإن العديد من اليمنيين، وهم يجلسون في «مقايل التخزين»، أي غرف الضيافة الملحقة بالبيوت حيث يمضغ غالبيتهم نبات «القات» الذي يدفع للاسترخاء.. يجلسون متكئين ويتنقلون بالريموت كنترول بين قناة وأخرى من هذه القنوات الخاصة، في إطار حب استطلاع واستشراف لما يمكن أن يكون عليه المستقبل، وما إذا كانت هذه القنوات مجرد أبواق سياسية أم أنها قنوات يمكن الاعتماد عليها والتفاخر بها بين قنوات الأمم، من حيث الحياد والتغطية السريعة والحية للأحداث التي تمر بها البلاد، ومن حيث الإنتاج الدرامي من البيئة اليمنية الغنية بالقصص والحكايات والموسيقى والجدل على كافة المستويات.
بالنسبة لقناة «السعيدة»، التي يمكن التقاطها من القمر الصناعي المصري نايل سات على تردد 10758، يقول حسن سلطان المدير التنفيذي بمكتبها في العاصمة المصرية، عبر الهاتف: «نحن نعتبر أول قناة أهلية يمنية. وينصب اهتمام القناة على التركيز على اليمنيين داخل اليمن وخارجه.. نحن لا ننافس القنوات العربية الأخرى (الإخبارية الكبيرة)، لأن هدفنا أن يشعر اليمني في أي مكان أننا قناته التي تعبر عنه». ويضيف موضحا أن القناة تنتج أيضا أعمالا درامية وغير درامية، منها مسلسل يمني يدعى «كيني ميني» (أي السمن والعسل)».. ويأمل الدكتور حامد الشميري، وهو المدير التنفيذي (الرئيسي)، أن تتمكن القناة، من الاستمرار في كسب ثقة المشاهد اليمني من خلال برامج قوية تعبر عن كافة المجالات والاهتمامات، واختار لهذا طاقم مذيعين من العرب على مستوى عال من المهنية، إلى جانب تدريب كوادر يمنية لهذا المجال.
ويعتقد كثير من اليمنيين أن قناة «سُهيل» تتبع تيار جماعة الإخوان المسلمين في اليمن أو حزب التجمع اليمني للإصلاح. ولم تتمكن هذه القناة من البث عبر قمر النايل سات أو عرب سات، وهي تبث حاليا من القمر أتلاتنك بيرد (نفس مدار النايل سات) بتردد 11555. وعما يقال عن أنها محسوبة على المعارضة، يعلق الدكتور محمد قيزان، الذي يشغل موقع مدير عام القناة بصنعاء قائلا: «القناة ليست تابعة للمعارضة، وليست تابعة لـ(أحزاب اللقاء) المشترك (المعارض). وليست تابعة لحزب بعينه. لكن الآخر، أي الحكومة، يريد أن يحصرنا في زاوية أننا معارضة، لأن قناتنا تعبر عن هموم المواطن. فأنا عندما أتحدث عن الغلاء وعن الفساد المالي والإداري وعن الخدمات في الصحة والكهرباء والمياه، بلسان المواطن اليمني، فإن هذا يعتبره البعض يصب في الاتجاه الآخر، لأن الناس اعتادوا على وجود أربع قنوات فضائية رسمية يمنية لا ترى إلا بعين واحدة، ولا تسمع إلا ما تريد. ولا تمثل إلا لونا واحدا، وهو السلطة والحزب الحاكم».
وعن فكرة إنشاء هذه القناة، قال قيزان: «كانت فكرة تراود اليمنيين، بالذات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، خاصة رجال الأعمال، وتم تشكيل فريق لوضع التصورات والدراسة، وبدأ بالخطوات النظرية. ثم وضعنا خطة للانطلاق. تحركنا للبحث عن أقمار صناعية؛ النايل سات والعرب سات. وجدنا أن هناك مشكلة في هذا الأمر، لأننا لم نجد حيَّزا بالنسبة للنايل سات. كما أن عرب سات من خلال الدراسة الجغرافية والمشاهدة اليمنية، وجدنا أنه أقل من نايل سات». وأخيرا بدأت سُهيل البث الرسمي، بداية من يناير (كانون الثاني) هذا العام، عن طريق القمر الصناعي أتلانتك بيرد تو، الذي يسير على نفس مدار النايل سات، حتى يمكن لليمنيين أن يلتقطوا القناة من خلاله داخل اليمن.
وعن توجهات رجال الأعمال الداعمين للقناة قال الدكتور قيزان إن هذه التوجهات عبارة عن خليط.. «هناك أناس من الحزب الحاكم وهناك من المعارضة، وآخرون مستقلون، وكذلك هناك أناس يقتصر دورهم على رأس المال، أي «بزنس». القناة تتبع أساسا شركة (سبأ ميديا)، ومقرها في بريطانيا، وهي شركة مرخص لها بالإنتاج التلفزيوني، تابعة لمجموعة من المستثمرين اليمنيين داخل الوطن وخارجه. ويرأس مجلس إدارتها الشيخ همدان بن عبد الله بن حسين الأحمر».
وتعمل القنوات الخاصة الجديدة داخل اليمن بدون لافتة خاصة بها، وتعتمد على عقود اتفاق مع عدد من الشركات اليمنية العاملة في المجال الإعلامي والتلفزيوني. وهذه الشركات هي التي تنفذ أعمال القنوات الخاصة سواء في صنعاء أو في بعض المحافظات الأخرى. ويقول قيزان إن مكتب القناة في صنعاء مكتب إقليمي،..«وتقدمنا بطلب لوزارة الإعلام للترخيص بحيث نعمل بشكل رسمي، لكن للأسف ما زلنا ننتظر الرد».
ومثلما تسعى القنوات الخاصة والحكومية اليمنية للمنافسة بقوة في الفضاء التلفزيوني اليمني، عن طريق جلب الخبرات الإعلامية المحلية والعربية، اتخذت قناة «سهيل» خطوات مبدئية لتعزيز كوادرها البشيرة بأطقم ذات خبرة.. «نحن الآن نعتمد اعتمادا كليا على الكادر اليمني، لكن نفكر في الاستعانة ببعض الكوادر العربية، خاصة في المجالات الفنية.. نحاول الآن التعاقد مع البعض».
لكن بعض العاملين في القنوات الأهلية الجديدة لديهم هاجس آخر، فإلى جانب الجري وراء الحصول على الموافقات الرسمية للعمل في البلاد، يبدو القلق من التوجه الذي تقوده أميركا بحظر القنوات التي تدعو للإرهاب والتطرف. لكن الدكتور قيزان يقول إن قناته بعيدة كل البعد عن زمرة القنوات الناطقة بالعربية، والمتهمة بالتطرف.. «لسنا في هذه الخانة.. البعض يحاول أن يصنفنا ببعض البرامج الدينية التي تظهر على قناتنا، لكن نحن نراعي طبيعة الشعب اليمني. نحن لدينا خارطة برامج متنوعة أيضا، سياسية واقتصادية واجتماعية وبرامج عن المرأة».
فيما يتعلق بقناة «العقيق» التي يرعاها مسؤول سابق في الحكومة وشخصيات سياسية أخرى، بحسب مصادر يمنية مطلعة، فإنها تتخذ من دبي مقرا لها، وتحاول جاهدة الحصول على ترخيص لنقل مكتبها الرئيسي إلى اليمن، مستقبلا. وتبث هذه القناة برامجها التجريبية منذ نحو شهر على القمر الصناعي نايل سات، على تردد 11595، ويخطط القائمون عليها لكي تكون قناة منوعات عامة، تنافس كلا من «السعيدة» وسهيل، وباقي القنوات الحكومية.
وكان يمكن أن تكون قناة «سبأ» قناة خاصة يديرها السياسيون المعارضون، لكن، على كل حال، لا بد هنا من ذكر واقعة طريفة تتعلق بالطريقة التي جعلتها قناة حكومية خفيفة يلتقطها اليمنيون بسهولة على النايل سات بتردد 10895.. ففي العام الماضي فاجأ القيادي في حزب الإصلاح ذي التوجه الإسلامي حميد الأحمر وزارة الإعلام اليمنية معلنا عزمه إطلاق قناة خاصة بهذا الاسم، مقرها بريطانيا، وحاول أن يبدأ البث بالفعل على قمر النايل سات أو العرب سات، أو نور سات 2 (المعروف أيضا بنايل سات 103)، إلا أن ما وصل لليمنيين في نهاية المطاف كان قناة بالاسم نفسه، لكن تهيمن عليها الحكومة، بعد أن تمكنت من الانطلاق، والظهور على التلفزة اليمنية كقناة منافسة ذات برامج منوعة أكثر جرأة من برامج القنوات ذات الطابع الرسمي الرصين والجاف.
وتبث قنوات اليمن الفضائية الرسمية على عدة أقمار عربية وأجنبية، منذ عام 1995، منها عرب سات ونايل سات وفي 2008 أصبحت اليمن تمتلك باقة قمرية كاملة بتردد 12181 على عربسات بدر 4، وتخطط الحكومة للتوسع في إطلاق القنوات الفضائية لتصل مستقبلا إلى 12 قناة.. وعرفت اليمن البث التلفزيوني لأول مرة عام 1964 عندما أنشأ الاحتلال البريطاني في عدن محطة للبث التلفزيوني المحدود، وتعرف باسم «القناة الثانية» أو «يمانية»، بينما عرف الجزء الشمالي من اليمن أول محطة بث تلفزيوني في صنعاء عام 1975، وأخذت اسم «القناة الأولى» أو قناة «اليمن». وبينما تأخذ هاتان القناتان الطابع الرسمي، يمكن أن تجد في قناة سبأ التي تم افتتاحها عام 2008 طابعا ذا توجه شبابي سياحي وتعليمي أيضا، وتعتبر قناة «الإيمان»، وهي الرابعة في عدد قنوات التلفزة اليمنية الرسمية، ذات توجه ديني معتدل ومستنير.
قضية القنوات الأهلية وقانونية عملها في اليمن، وقضية طلب القطاع الخاص السماح له بإنشاء محطات بث إذاعية على موجات الراديو، انتقلت من مجرد أمنيات في مجالس القات، إلى حلقات نقاشية علمية يشارك فيها مختصون وإعلاميون ونواب بالبرلمان، على أساس أن اليمن الجديد أصبح في حاجة إلى منافسة بين الإعلام الحكومي والأهلي، والإعلام الأهلي وبعضه بعضا، وأن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بسن قانون ينظم عملية البث المرئي والمسموع.. «مطالبين بعدة خطوات جريئة، منها إلغاء وزارة الإعلام نفسها، طالما أنها تقيد حركة وسائل الإعلام هذه»، بحسب النائب اليمني محمد صالح.. فيما يرى النائب عيدروس النقيب أن قانونا عصريا لتنظيم البث الإعلامي أصبح من الأمور الضرورية التي ستدفع بالبلاد إلى مزيد من التقدم، وترسيخ التعددية والديمقراطية من خلال النقاش بين الرأي والرأي الآخر. ويقول رئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات والمجتمع المدني في مجلس الشورى اليمني، محمد الطيب، إن أي قانون جديد أو تعديل لقانون قائم يخص الإعلام والصحافة، لا بد أن يكون عصريا ومواكبا لحركة المجتمع والتوجه الديمقراطي للدولة.
ولا ترى الأجهزة الحكومية المعنية غضاضة في أن تدخل وسائلها الإعلامية المرئية والمسموعة في منافسة مع القطاع الأهلي، لكن بشرط أن يكون هناك قانون منظم لهذه العملية، وهذا بالفعل ما يقوله رئيس المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، الدكتور عبد الله علي الزلب، لـ«الشرق الأوسط»: «البلاد في حاجة إلى قانون ينظم البث الفضائي والإذاعي»، مشيرا إلى أن قيام القنوات الأهلية الجديدة بالبث من خارج البلاد يمثل خسارة لليمن.. «القنوات الأهلية الخاصة رافد جديد للإعلام، ومن الممكن أن يسهم في تطوير العمل الإعلامي المرئي والمسموع، لكن ظهور هذه القنوات الخاصة، ربما استبق وجود تشريع أو قانون ينظم العمل فيها داخل البلاد.. غياب مثل هذا القانون قد يؤدي إلى خلق الفوضى وخلق العمل غير المهني، في الوسط الإعلامي الجديد، لكننا على أية حال نشجع أي قناة يمنية جديدة، ونعتبرها إضافة ونتمنى أن تكون حافزا للقنوات الرسمية لمزيد من التطوير والإبداع»، إذ إن المنافسة أدت لارتفاع عدد الأعمال الدرامية في التلفزة الفضائية اليمنية خلال العام الماضي إلى 15 عملا محليا.
ويوضح الدكتور الزلب أنه في الوقت الراهن «كل القنوات الأهلية تبث من خارج البلاد، وتعمل داخل اليمن من خلال مكاتب لها، مثلها في ذلك مثل القنوات العربية العاملة في اليمن.. هذا وضع غير سوي، ولا بد أن يكون هناك تشريع ينظم عملها بالداخل، وأن تكون هناك ضوابط ومعايير يحترمها الجميع»، خاصة أن قنوات أخرى أهلية قادمة في الطريق.
وعن رغبة العديد من الشخصيات اليمنية في إنشاء وبث إذاعات أهلية، خاصةً مع صعوبة البث الإذاعي التقليدي من خارج البلاد، قال الدكتور الزلب: «نعم توجد طلبات كثيرة لإنشاء قنوات إذاعية، لكن كل هذا يتطلب وجود قانون منظم لعمل الإذاعة الأهلية»، مضيفا بقوله إن قانون المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون، يعطي المؤسسة الحق في البث الإذاعي الحصري، وأنه في الوقت الراهن يجري النقاش حول وضع قانون جديد ينظم هذه العملية».
ويوضح أن الإذاعات الرسمية التي تبثها المؤسسة عبارة عن إذاعتين رئيسيتين و10 إذاعات محلية تغطي 10 محافظات من محافظات الجمهورية.. «وتقوم هذه الإذاعات المحلية بدور متميز في العمل التنموي الاجتماعي، أكثر من الدور السياسي». وأعطى فوز إذاعة عدن (البرنامج الثاني)، الشهر الماضي، بالجائزة الذهبية لمهرجان الخليج الحادي عشر للإذاعة والتلفزيون بالبحرين عن برنامج أسبوعي اسمه «نحن والبيئة»، حافزا للإذاعات المحلية في التنافس والتجديد والتنوع. وتعول الحكومة كثيرا على أن يلعب الإعلام المرئي والمسموع دورا في دفع البلاد إلى الأمام، وإقالتها من العثرات التي تعترضها، خاصة في شمال غربي البلاد، وفي جنوبها.. واتخذت بالفعل عدة إجراءات لتوصيل صوتها للمواطنين عبر الإذاعة والتلفزة.
ويمتد تاريخ الإذاعة في اليمن، جنوبا وشمالا، إلى النصف الأول من القرن الماضي. وبدأ الاحتلال البريطاني في جنوب البلاد البث الإذاعي من عدن لأول مرة عام 1940، ثم تحول إلى إذاعة «راديو عدن» في 1954، وكانت تبث لعدة ساعات يوميا.. أما في الشمال، وحين جاءته بعثة عسكرية أميركية سنة 1946، كان معها «محطة لاسلكية» هدية للجيش اليمني، حيث بدأ البث منها في العام التالي بنطاق صنعاء، ولم تتطور وتصبح مؤسسة إلا بعد الثورة اليمنية هناك عام 1962، وبعد الوحدة عام 1990 تم دمج مؤسستي الإذاعة، شمالا وجنوبا في هيئة واحدة.
ويجري، منذ نحو شهرين، نصب هوائيات تقوية البث في مناطق بالشمال والجنوب، خاصة ذمار، ومأرب، وتعز، والضالع، وعمران وصعدة، وهي مناطق يشهد بعضها، بين حين وآخر، قلاقل أمنية مع متمردين وانفصاليين وإرهابيين، تكبد الدولة مليارات الدولارات. وأعطى وزير الإعلام اليمني، حسن اللوزي، إشارة بدء العمل في 10 محطات للإرسال الإذاعي بنظام FM ضمن مشروع كبير لتقوية وتوسيع مساحة التغطية الإذاعية العمومية للبرنامجين العام والثاني وإذاعة الشباب والإذاعات المحلية، بكلفة تبلغ نحو 2.2 مليون يورو، لرفع مستوى وعي المواطن دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، مشيرا إلى أن الأشهر المقبلة ستشهد تقوية إرسال العديد من محطات الإذاعة المحلية في محافظات صعدة، ومأرب، وشبوة وأبين وحتى أرخبيل سقطرى. ومنذ مطلع العام بدأ تعاون يمني مع دول شقيقة وصديقة في هذا المجال، آخرها تعاون مع السعودية يستمر حتى 2012 يشمل التنسيق الإعلامي بما يخدم القضايا المشتركة والمصلحة العليا اليمنية السعودية، والاستفادة من الخبرات المهنية في المملكة العربية السعودية للمساهمة في تنفيذ الدورات التدريبية بالمعهد الإعلامي في صنعاء وعدن.

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:18 PM   #8
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة العاشرة) تعز.. بوابة الشمال والجنوب
يقصدها سياسيون وأدباء وفنانون لقياس اتجاه الريح.. وأهلها خليط من محافظات اليمن.. ولديهم شغف بتذوق كل ما هو جديد
جامع المظفر في محافظة تعز و الفنان فرسان خليفة و عبد الله أمير، وكيل محافظة تعز و فيصل العامري، رئيس الفرقة الشعبية المسرحية في تعز
صنعاء: عبد الستار حتيتة
يعتبرها اليمنيون بوابة واحدة للشمال والجنوب. وتبدو على الخارطة كمدخل لكل البلاد، من خلال موقعها المتميز على باب المندب. إنها محافظة تعز التي يقصدها سياسيون وأدباء وفنانون، لقياس اتجاهات الريح في اليمن الموحد. أهلها خليط من محافظات البلاد، لديهم شغف بتذوق كل ما هو جديد. وهي أيضا العاصمة الثقافية لليمن بعد الوحدة، وتقع على بعد نحو 256 كلم من العاصمة.. وبسبب الإنفاق المالي الكبير الذي توجهه الحكومة لما خربه المتمردون الحوثيون في شمال غربي البلاد، وما يقوم به الانفصاليون وعناصر تنظيم القاعدة في جنوب وجنوب شرقي اليمن، أصبحت مدينة العلماء، والشعراء، والفقه، والتاريخ تعاني ويعاني أهلوها من مشكلات كثيرة، حيث تحتل المحافظة المرتبة الأولى في عدد السكان بالجمهورية.
وتحمِّل المعارضة السلطات مسؤولية الفقر والبطالة والفساد الإداري، فيما يدافع المسؤولون عما يقومون به من أعمال، مطالبين المجتمع الدولي، في الوقت نفسه، بمزيد من المنح والقروض للتغلب على المشكلات هنا، بما فيها معسكرات اللاجئين الأفارقة على شواطئ اليمن، فيما يراهن وكيل محافظة تعز، عبد الله أمير، على وعي الناس الذي «يقلل فرص تنظيم القاعدة من الظهور في محافظتنا»، ويأتي هذا فيما يقول فيصل العامري، مدير فرقة المسرح الشعبي في تعز، إن التحزب القبلي يهدر دماء الإخوة الأعداء.. لن نرجع للماضي. نريد التخلص من التصفيات والاغتيالات، بينما يحذر الفنان الشهير الملقب بفريد الأطرش اليمني، فرسان خليفة، من خطر وجود السلاح في أيدي الناس، قائلا: «كنا نمشي بخطوات سريعة لكن الحوثيين عرقلوا العمل.. والآن الحراك الجنوبي يحاول التخريب.. يجب ترك السلاح والتفاهم تجنبا للمجازر».
ومع ذلك تبدو هناك فرص استثمارية ضخمة في قطاعات السياحة والإسكان والطرق.. ومشروعات تنموية لتوفير فرص العمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الريف، وعلى الرغم من انخفاض عائدات السياحة بالمحافظة بسبب التوترات السياسية والحرب ضد المتمردين وقلاقل الحراك الجنوبي، فإنه توجد توقعات بزيادة النمو في 2010. وفي سفوح الجبال التي يصل ارتفاعها لثلاثة آلاف متر فوق سطح البحر، يعمل مزارعون وحمالون قادمون من مدن جنوبية وشمالية كتفا لكتف، دون تفرقة.. فهنا مدينة الوحدة التي رفضت حصار الملكيين الإماميين لصنعاء، ورفضت تكميم أفواه اليمنيين في دولة ما كان يعرف باليمن الجنوبي، هكذا يقول أحد المناصرين للحزب الحاكم في جلسة نقاشية بالمدينة.
وفي ظل الظروف التي تمر بها البلاد حاليا، تحاول تعز أن تضرب المثل للمحافظات الأخرى على الصبر والعمل وإدراك الواقع، ومحاولة إصلاح ما أفسدته الأيام، على الرغم من تحفظات المعارضة وانتقاداتها. وتخطط الدولة لزيادة التنمية في المحافظات الجنوبية التي تشهد بعض مديرياتها حركة انفصالية متنامية، بالتوازي مع خطتها لإعادة إعمار صعدة. ومن بين الأيدي التي تبني بلا هوادة في طول البلاد وعرضها، بدعم من الدول الشقيقة والصديقة لليمن، يمكن أن تسمع ضجيج العمل في تعز، لكثرته وكثافته، وتزامنه.
نكهة خاصة ولون خاص يراه اليمنيون في تعز، على الرغم من الفقر والضنك في كثير من المواقع.. فقد كانت تعز الرافد القوي لدعم مسار الثورة والوحدة. أبناء تعز يتميزون بقدرة كبيرة على التعامل مع الآخرين، ولهم هذا الموروث الحضاري الجميل الذي جعل العلاقات بين أبناء تعز والآخرين تتميز بالشفافية والصدق. وهذا لا يعني أن المحافظات الأخرى تعيش حالة من الانحسار في هذا الجانب.
وتعلن أحزاب المعارضة في تعز، منها التجمع اليمني للإصلاح، والناصريين عن خيبة أملها في واقع تعز، مشككين في قدرتها على أن تصبح بالفعل عاصمة للثقافة، وهي تعاني من «الجوع والفساد»، و«تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات». وتشكو اليمن عامة من أحد أعلى مستويات النمو السكاني في العالم، حيث وصل معدله إلى 3% سنويا. ويبلغ عدد السكان نحو 23 مليونا، وتعتبر تعز في المرتبة الأولى من حيث عدد السكان على مستوى الجمهورية، أي نحو 12.2% من إجمالي سكان اليمن، ينتشرون في 23 مديرية تابعة للمحافظة.
ويعاني معظم السكان من ضعف مستوى التعليم، فيما تنتشر ظاهرة عدم الالتزام بالقانون في عدد كبير من مديريات الجنوب والشمال. وتختلف الحكومة والمعارضة حول الطريقة المثلى للعلاج. ويريد المعارضون في مدينة تعز «تغييرا شاملا»، و«نظاما إداريا جديدا»، و«انتخابات، وديمقراطية صحيحة، وليس ما هو موجود الآن من محاولات لترقيع نظام إداري وسياسي مهلهل»، كما يقول المسؤول الناشط في الحركة الناصرية بالمدينة، جمال عبد الله.
ويقول المسؤولون في محافظة تعز إنها تمشي وفق خطة بناء تتضمن بناء الإنسان أيضا، ولأن بناء الإنسان أصعب من بناء الحجر، فإن عبد الله أمير، وكيل المحافظة، الرئيس المنتخب لاتحاد الكتاب اليمنيين في تعز، يجيب موضحا: «نحن نراهن على مستقبل أفضل، ولكن كيف نراهن.. هل بالمسألة العمرانية من مبان من الأسمنت فقط.. لا.. نريد أن نراهن على ما هو أكبر.. أي على قدرات الإنسان، وكيف نوظف هذه القدرات في التنمية الحقيقية التي نخدم بها حاضرنا ومستقبلنا».
وعلى غير ما هو معتاد في كثير من المدن العربية، تجد على أسوار بعض المباني في تعز لوحات للفن التشكيلي لفنانين من المدينة يعرضونها للمارة، آخرها كانت لوحات للفنان نادر الإرياني، على رواق المركز السويدي بالمدينة. كما يتردد أبناء المحافظة على بيت الفن الشهير في تعز، حيث تجد هناك أعمالا للفنان التشكيلي الراحل «هاشم»، تصور حبه للطبيعة والإنسانية، وهنا أيضا يعمل أكثر من عشرين فنانا آخرين، في هذا الوقت، على تنفيذ مشروع لأعمال نحتية على الحجر ممول من صندوق التراث والتنمية الثقافية.. ومن سيارة نقل، أمام المكتبة العامة بالمدينة، يفرغ العمال شحنات من الكتب القادمة من العاصمة، من تلك التي كان قد أهداها سمو ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز، للهيئة العامة للكتاب باليمن..«كتب دينية وثقافية وعلمية، ما لا يقل عن ألف عنوان جديد». ويقول مسؤول في المكتبة: هذا سيكون له تأثيره في المستقبل.
وبعد عناء يوم من العمل، يتجادل أهل تعز بطريقة هينة فيها كثير من العقلانية والتفهم للظروف التي تمر بها بلادهم، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.. جدل سلس كالماء، وجدل مختلف عن الطريقة الخشنة المنتشرة في معظم المحافظات الأخرى، خاصة في الجنوب والشمال الغربي. ويطلب اليمن من المجتمع الدولي المزيد من المساعدات من أجل حل مشكلات التنمية، وتحقيق الاستقرار في بلد يحظى بأهمية جغرافية كونه يطل على البحر الأحمر وبحر العرب، وقريبا من الخليج العربي..
ويتهم ناشطون معارضون هنا الحكومة بالفساد وإهدار أموال المنح والقروض. ومع ذلك، وبغض النظر عن الجدل والاتهامات، لا بد من أن تقوم جهة ما بحل مشكلة مثل نقص المياه التي تعاني منها البلاد، مما يؤثر بالسلب على المزارعين، وحتى على توافر مياه الشرب. وحين تحاول محافظة من المحافظات، مثل تعز، زيادة معدل التنمية فيها، فإن أول شيء تحتاجه هو المياه.
ويعترف المسؤولون في تعز بوجود مشكلة «نقص» المياه.. والآن بدأت خطوات حثيثة وسريعة من أجل رفد المنطقة بالماء عن طريق تحلية مياه البحر.. عملية التحلية، تقريبا، هي الحل في هذا الجانب.. هذا سيساعد في إنجاز البنية التحتية، وتوسيع رقعة المدينة.. يقول وكيل المحافظة ويضيف: «نريد الانتهاء من إنجاز مشاريع كبيرة بدأت بالفعل، مثل مشروع مدينة الصالح التي ستكون لمحدودي الدخل».
وماذا عن الأموال، وماذا عن القدرات البشرية والإدارية.. إن تعز مثل أي محافظة يمنية أخرى، في حاجة إلى موازنات ضخمة، ورؤوس أموال كبيرة، للعمل، حيث توجد فرص غير محدودة للاستثمار.. يقول وكيل المحافظة إنه «في الحقيقة نحن في كثير من الأحيان (نشكو من نقص) الجوانب المالية. هذا نعتبره عائقا رئيسيا. بالفعل هذه ربما تكون في بعض الحالات، أو في كثير من الحالات، هي العثرة التي تعيق عملية التنمية، لكن هناك أيضا رؤى ثاقبة للسلطات في معالجة مثل هذه القضايا. هناك أيضا عثرات على مستوى الأداء.. هذه عملية كامنة في الأشخاص أنفسهم، مثلا بعض الأشخاص لا تكون لديهم حالة من الاقتدار ليتعامل مع المنجز بشكل أقوى وبروح وثابة.. أعتقد أن الإرادة التي تتشكل في نفوسنا سوف تقهر الكثير من الإعاقات والعثرات، سواء كانت في الجانب المالي أو في غيره». وبينما تفرغ الشاحنات الإسفلت لرصف شبكة طرق حول المدينة وحتى المطار، يتدرب مزارعون من أصول شمالية وجنوبية، في الجانب الآخر على أساليب جديدة لترشيد المياه وتصنيع الخضراوات أملا في تحقيق الاكتفاء الذاتي وخلق فرص عمل جديدة لأبنائهم.. وهذا مشروع ممول أوروبيا (من فرنسا)، على علاقة مباشرة بحياة المواطنين اليومية في أرياف تعز، وينتهي بنهاية هذا العام، لتعليم آلاف المزارعين طرق جديدة لصناعة الخضراوات والألبان، من بينهم نحو 3000 مزارع ومزارعة تمكنوا، خلال العام الماضي فقط، من ترشيد تكلفة الزراعة، ومن صناعة الجبن وصلصة الطماطم، وخلق فرص عمل لأبنائهم، ودعوة أقارب لهم للانضمام لهم من جنوب البلاد وشمالها.
ومثل هذه الأنشطة الاقتصادية التي تدعمها الحكومة وجهات عربية ودولية أخرى، بدأت تظهر في عدة مديريات جنوبية من تلك التي يظهر فيها أنصار الانفصاليين الغاضبين من الفقر والبطالة، بعد اندماج الشطر الجنوبي في دولة الوحدة.
«الأغلبية الساحقة في اليمن متفقة على أن مسألة الوحدة مسألة محسومة، وقد حسمت من زمان.. ونحن نلاحظ الكثير من المنجزات التي تتحقق في مناطق الجنوب، وليس هذا من باب المن»، يوضح عبد الله أمير، ويضيف: «نحن في محافظة تعز لم نحظ بالكثير من مثل تلك المشاريع التي تتحقق في مناطق الجنوب بالمليارات. لكن نقول إن المنطقة الجنوبية حرمت إبان الاستعمار (البريطاني) وحرمت أيضا أيام الحكم الشمولي (في دولة اليمن الجنوبي السابقة). وكل الأموال التي تم ضخها ويجري ضخها في المنطقة الجنوبية هي من أجل تعويض الخسائر التي كانت تعيشها، وتعويض كثير من مظاهر الحياة المنقوصة هناك. كان لا بد أن نعوضهم.. وبدلا من شظف العيش، يكون رخاء العيش، بدلا من الملامح السوداء نعطيهم ملامح أكثر زهوا وأكثر جمالا، وهذا لا يأتي من باب المن، لأن كل يمني له حق على الآخر، ونحن لحمة واحدة ومنظومة واحدة وحياة واحدة».
وعلى الرغم من الثقافة والفنون والآداب فإنك تستشعر في المدينة تواجدا ملحوظا للتشدد الديني. هل توجد هنا مخاوف من أن تستغل عناصر من تنظيم القاعدة هذه الأرضية للتواجد في محافظة تعز.. يجيب وكيل المحافظة: «أفكار القاعدة بعيدة عن أفكارنا كمسلمين وكعقائديين نؤمن برسالة واحدة. وما يمكن أن يعالج بالقوة يمكن أن يعالج بالسلم والحوار.. مثل هذه الخروقات التي تحصل هنا أو هناك بفعل تنظيم القاعدة أو غيره لن تبقى طويلا. ولا نتوقع أن تكون محافظة تعز بؤرة لتنظيم القاعدة.. في اعتقادي حتى لو القاعدة تواجدت بشكل خفيف في تعز، فهي أيضا قد تكون محكومة بفعل ضوابط الانتماء والوعي وصحوة الناس وثقافتهم».
تعز، كونها تقع على البحر تعاني، مثل المحافظات اليمنية الشاطئية الأخرى، من تسلل اللاجئين القادمين من القرن الأفريقي، وما يمكن أن يشكله ذلك من خطر تسلل إرهابيين، خاصة بعد أن أعلنت حركة الشباب المجاهدين التي تقاتل الحكومة في الصومال، أنها سترسل مقاتلين لدعم تنظيم القاعدة في اليمن في حربه ضد السلطة.. وينسق مسؤولو تعز ومحافظتي الحديدة ولحج المجاورتين لها، لمكافحة التهريب والمتسللين عبر مناطق الشريط الساحلي هناك. وجرى تعميم أسماء لمهربين يمنيين مطلوبين، وتزويد وحدات عسكرية وأمنية من خفر السواحل بمراكب ومعدات حديثة ورصد مكافآت لجهات الضبط وفقا للقانون.
ويدخل متسللون تلقي بهم مراكب على شواطئ محافظة تعز، وأحيانا يصل العدد إلى نحو 200 لاجئ صومالي وإثيوبي في اليوم. ويتم نقل هؤلاء اللاجئين من تعز إلى مخيم للإيواء المؤقت تابع لمفوضية اللاجئين بمديرية أحور في تعز ومخيم «خرز» القريب.. ودخل المخيم قبل أسبوعين 141 لاجئا بينهم 73 امرأة و35 طفلا، كانوا في حالة يرثى لها، بعد أن ألقى بهم قارب على ساحل أحور. ويقول وكيل المحافظة إن «تعز أصبحت تعاني كثيرا جدا من مشكلة هؤلاء المهاجرين، وعددهم كبير جدا.. يأتون من الصومال ويدخلون تعز بالتهريب.. وقبل شهر تقريبا كان محافظ تعز الأخ محمد خالد الصوفي مع مجموعة من البنك الدولي لبحث هذا الأمر وكيفية بناء معسكرات لإيواء مثل هؤلاء النازحين. وفي كثير من الأحيان لا نستطيع أن نواجه هذا الضغط العددي الكبير الذي يصل لتعز، وكل منهم يريد الطعام والسكن والملبس، وغيرها من تبعات وأعباء.. فلا بد للمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في معالجة أوضاع مثل هؤلاء النازحين.. الآن يتم وضعهم في إصلاحيات لفترات معينة حتى يتم معالجة أوضاعهم وعودتهم لديارهم».
وعلى الرغم من المشكلات التي تمر بها عدة مديريات بمحافظات الجنوب، وكذلك ذكرى مقتل عدد من السياح هناك منذ نحو ثلاث سنوات، فقد بدأ آلاف السياح الأوروبيين، ومنذ مطلع العام الجاري، يقلبون النظر بخلو بال في آفاق تعز الخلابة، واحتفى بمجيئهم مسؤولو المحافظة، حيث اصطحبهم مدير مكتب السياحة، صادق صلاح، في جولة إلى المناطق الأثرية، وأنفقوا عدة آلاف من الدولارات في أسواق المدينة ومطاعمها. وهذا مؤشر إيجابي في نسبة الوافدين للسياحة، إذ بلغت نسبة النمو في هذا المجال نحو 4%، إلا أن مستوى الإنفاق السياحي انخفض فيها من 1.7 مليار ريال عام 2008، إلى 872 مليون ريال فقط عام 2009، بسبب التوترات السياسية والحرب ضد المتمردين وقلاقل الحراك الجنوبي.
ومع ذلك هناك توقعات بأن تزيد نسبة إقبال السياح وكذا ارتفاع نسبة الإنفاق هذا العام، خاصة مع المشروعات السياحية التي تنفذها السلطات المحلية، إلى جانب التيسيرات التي تمنحها للمستثمرين في هذا المجال. ووصلت تكلفة المشاريع الاستثمارية لهذا الغرض 1.1 مليار ريال في العامين الماضيين. فيصل العامري، مدير فرقة المسرح الشعبي في تعز، والتي تأسست عام 1987، يتملكه حنين لتأسيس أرضية لمسرح وطني كبير، ليس في تعز وحدها، بل في كل محافظات اليمن شمالا وجنوبا، خاصة بعد أن تحققت الوحدة بين شطري البلاد. ويشغل العامري وظيفة في وزارة الثقافة من خلال عضويته في لجنة الرقابة على النصوص المسرحية. وتنتقد أعماله الفنية البيروقراطية الإدارية، وتعكس الهم السياسي الكبير في اليمن. وعلى الرغم من أنه ينتمي إلى محافظة تعز المحسوبة على دولة الشمال قبل الوحدة، فإنه يحمل على عاتقه أيضا هموم أهله في المحافظات الجنوبية المجاورة لتعز، والتي كانت قبل عام 1990 تابعة لما كان يعرف بدولة اليمن الجنوبي. ويحمل كذلك هموم زملائه من ممثلين ومسرحيين ومؤلفين. وتزدحم أسر يمنية قادمة من شمال البلاد وجنوبها، في تعز، حول حديقة «جاردن سيتي» العامة، للاطلاع على آخر الأنشطة الثقافية والمجادلات السياسية وطرق حل مشكلات البلاد من دون اللجوء للسلاح. ويأمل العامري في أن يتزايد الاهتمام بمحافظات الجنوب، وأن تدخل إليها مزيد من الإصلاحات العامة، لرفع المعاناة عن الناس، ولاستعادة المباني المسرحية التي استولى عليها مواطنون جنوبيون، عقب الوحدة، ادعوا أنها ملك لهم من عهود السلطنات القديمة، وانتقلوا للسكن فيها، أو حولوها لمتاجر، أو أغلقوها، ما أدى لتشريد فرق مسرحية عريقة من الجنوب، مثل فرقة المطافئ الكوميدية، وفرقة العمال، في عدن.
ومع ذلك يقول العامري وهو ينظر إلى كثير من المنشآت الجديدة التي يجري العمل فيها في تعز وبعض المدن الجنوبية الأخرى: «على الرغم من كل شيء فإنه ينبغي أن نفهم أن مرحلة الانفصال بين شطري اليمن قد مضت وانتهت إلى الأبد، بقيام الجمهورية اليمنية الواحدة. هذا لا يمنع من وجود مشاهد مؤلمة كثيرة جدا، نراها على امتداد البصر.. نحن في تعز أقرب إلى الشمال وإلى الجنوب على حد سواء.. نرى في بلادنا صراعا اجتماعيا وسياسيا.. دماء الإخوة الأعداء، مثل هذه الصراعات قامت على التحزب القبلي، هذه ثقافة استرجاع للماضي. ثقافة التصفيات (الجسدية) والاغتيالات. أصبحنا في القرن الحادي والعشرين حيث الكيانات تتوحد والناس تكبر. ويدهشني أن طارق الفضلي (القيادي الانفصالي في الجنوب) ما زال ينتهج التشدد.. مثل هذه التصرفات ناتجة عن إرادة جائعة تريد العودة إلى الماضي».
أما ابن الجنوب، وابن عدن، فرسان خليفة، الشهير بتاريخه الطويل كمطرب للثورة وللوحدة في اليمن، فقد غنى هنا في تعز مناديا بتوحيد شطري الدولتين منذ زمن، رافعا صوته عبر حدود تعز ليصل إلى محافظات الجنوب والشمال، حتى باتت الجماهير المتعطشة للوحدة في ذلك الوقت تترقب حافلته في الطرقات، وتجبر فرقته على النزول والغناء مجددا. كانت شهرته قد ملأت الآفاق بسبب موقفه الرافض لحصار الملكيين الإماميين لصنعاء قبل أربعين سنة، وهو الحصار الذي استمر سبعين يوما.. يقول فرسان خليفة وهو يتذكر تلك الأيام، فيما ينظر إلى مستقبل محافظات بلاده شمالا وجنوبا: «رجعت لليمن، وغنيت في المعسكرات.. كنت أناشد الشباب أن يقفوا ليقاتلوا في سبيل الوحدة والثورة سواء في الشمال أو الجنوب. غنيت في تعز والحديدة وكل مناطق الجمهورية. كان معنا باص (حافلة) وفرقة بسيطة.. إيقاعات وعود، وكانت الجماهير تترقبنا في الطرقات».
ويضيف معلقا على محاولات بلاده للبناء والتقدم: «كنا نمشي بخطوات سريعة، وجاء (المتمردون) الحوثيون وعرقلوا العمل. والآن الحراك الجنوبي يحاول التخريب.. نحن نمشي بخطوات ثابتة وأتمنى أن تكون الحكومة شديدة وأن يتم نزع السلاح.. يجب أن نترك السلاح ونتفاهم لأن الوحدة لازم تتم.. الانفصاليون؛ على أي أساس يريدون الانفصال.. لو عادوا للحكم ستصير مجازر للشعب».
وتوجد في تعز كثير من الفعاليات الصغيرة المعنية بالسياسة والثقافة والأدب والمسرح والفنون التشكيلية والنحتية، تتخذ أسماء كثيرة بعضها طريف مثل رابطة «العراطيط»، ورابطة «جدل»، ورابطة «ضد القات».. ويقف مثل هؤلاء، بأنشطتهم المتواضعة ضد ما يسمونه «تسييس» المؤسسات الثقافية، «أو مشيختها، أو عسكرتها»، وكان لهم دور في ما يسميه أهل تعز «انتفاضة الخبز» التي وقعت قبل نحو عامين. ويتحلق مثقفون وأنصاف مثقفين، وغاوون، داخل منتديات الشعر والأدب والسياسة ومقاهي الإنترنت بالمدينة، للتحدث عن كل شيء، التجديد والشغل، والفساد والتخلف، وسط رؤى نقدية عفوية «تتسم بتدقيق وتمحيص عجيبين»، بشأن حركات المتمردين في الشمال، والانفصاليين والإرهابيين في الجنوب والشرق.. وفي كل مكان هنا يمكن أن تشعر بالزخم الثقافي، ودرجة من الوعي أكبر من أي مدينة يمنية أخرى، بما في ذلك العاصمة صنعاء، وربما لهذا السبب كانت تعز قِبلة للسياسيين والأدباء والفنانين، لا يمرون إلى عموم اليمن إلا عبر بوابتها، سواء كانوا من الشمال أو الجنوب.. وسواء كان ذلك لمَنْ ولدوا فيها، أو لمن حرصوا على أخذ البركة من أهلها الذواقة لكل جديد.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:20 PM   #9
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الأخيرة) : قصر الإمام يحيى.. توافقات للسنة والشيعة
يمنيون في دار الحجر يعتبرون الحكم الإمامي تراثا من الماضي يمكن زيارته فقط.. ويتبرأون من حرب الحوثيين
قصر دار الحجر («الشرق الأوسط»)
صنعاء: عبد الستار حتيتة
يقف طالب يمني أزهري يتجادل مع أحد خدام المسجد الشيعي الملاصق لقصر دار الحجر، قصر حاكم اليمن الأسبق، الإمام يحيى، جنوب غرب العاصمة صنعاء.. كان كل منهما يسند ذراعه على جدار بناه عمال من السنة والشيعة اليمنيين قبل مئات الأعوام. وستحل صلاة الجمعة بعد نحو نصف ساعة من الآن. ويطلب خادم المسجد إلى هذا الطالب السني أن يدعو المسلمين من زوار القصر، الذي حولته الحكومة إلى متحف عام، إلى الصلاة في المسجد الوحيد هنا. كان أغلب الزوار السنة يصلّون في الخلاء عادة قرب مبنى القصر، بسبب الصبغة الشيعية التي يتسم بها دعاء شيخ المسجد، وكأنهم يعبّرون بذلك عن رفضهم لما يقوم به الحوثيون من تمرد شيعي ضد الدولة.
واتسعت حلقة الجدل بين عدد من اليمنيين، السنة والشيعة، لكن الخليط الغفير من الناس توجه مرة واحدة إلى حيث المسجد، وصلّوا جميعا هناك. ولم يتضح ما إذا كانوا قد توافقوا على أن يكون إمام الصلاة سنيا، أم أنهم طلبوا إلى الإمام الشيعي أن يخطب ويصلي ويدعو بطريقة لا تغضب السنة، ولا تغضب الشيعة، ولا تثير الفتنة. وهذا ما كان، حيث خرج المصلون من الباب وعلى وجوههم نوع من الرضا والاطمئنان، فيما كان مكبر الصوت فوق المسجد ما زال يدعو للنبي والصحابة وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء.
ليست توافقات السنة والشيعة وحدها ما يمكن أن تلمسها هنا داخل قصر الإمام يحيى، ابن أسرة حميد الدين، أو فيما حوله من مبان وزوار وسكان محليين، بل توافقات من جانب الزوار الجمهوريين والإماميين، أنصار حكم الإمامة المنتهي عام 1962، الذين أصبحوا يتعاملون مع قصر الإمام يحيي، حكم من 1904 إلى 1948، كمتحف وطني لليمنيين جميعهم، يحمل ذكريات من الماضي، وتظل كما هي ذكريات من الماضي، لا يمكن أن تعود، حتى لو حاول المتمردون الحوثيون في صعدة، شمال غربي البلاد، الزعم بأحقيتهم، كشيعة ينحدرون من آل البيت، في حكم اليمن، كما كان الإمام يحيى يحكمها.
«الإمام كان رجل دولة، فمن هؤلاء الحوثيون؟ لا يمكن مقارنة هذا بذاك.. الحركة الحوثية ترفض أن يتولى أي يمني ليس من آل بيت، وليس من الشيعة، المواقع القيادية العليا والوسطى فيها، لدرجة أنهم حاربوا القبائل أيضا، لأنها سنية، وهذه الحساسيات لم تكن موجودة أيام الإمام يحيى»، هكذا يقول الدليل السياحي محمد منصور، وهو يشرح لخليط من السياح اليمنيين القادمين من شمال البلاد وجنوبها، وإلى جانبهم عدد من السياح العرب والأجانب. لكن أحد أحفاد الإمام يحيى، ويدعى الأمير علي، 70 سنة، ويعيش منذ الإطاحة بالنظام الإمامي وإعلان الجمهورية عام 1962، في الخارج، وصف الزعيم الذي أشعل التمرد في صعدة، حسين بدر الدين الحوثي، كمخلّص، أو كمهدي منتظر، قائلا: «أراد حياتهم فقتلوه».
قصر جده، دار الحجر، يرجع عهد بنائه إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، على أنقاض حصن قديم كان شيده الحميريون قبل 5 آلاف عام، أي في عام 3000 قبل الميلاد، وتعرض للتدمير بسبب حوادث الدهر، الطبيعة والحروب، قبل أربعمائة عام. وقام ببناء قصر دار الحجر الفنان والمهندس علي بن صالح العماري، بأمر من ملك اليمن في ذلك الوقت، حيث أراد أن يتخذ منه مقرا صيفيا يعينه الاسترخاء داخله على إدارة شؤون الحكم، إلى أن قتله فيه خصومه حينذاك، هو وحراسه، ودفنوه جواره.
ومثلما مرّ ذلكم الحاكم، وكان يسمى الإمام المنصور، بخلافات مع عدد من القبائل اليمنية، اجتاز الإمام يحيى التجربة نفسها، لكن على نطاق أوسع، حيث تقاتل مع جيرانه، ومع بريطانيا، ومن خلال إعلانه قيام المملكة المتوكلية اليمنية في العقد الثاني من القرن الماضي، حاول الدخول في تحالفات دولية، ليس لبسط سلطانه على مناطق القبائل اليمنية جميعها فقط، بل للتوسع والهيمنة، وهو ما أدى إلى إنهاك قواته في أكثر من جبهة للقتال، وهو ما ظل الإمام يدبر الأمر فيه طيلة أيام وليال في هذا القصر المرتفع المشرف على الوديان الخضراء.
وتكاد الجدران هنا تنطق بما كان.. لكن، على أي حال، يمكن الآن أن تتأمل أن بناء القصر غلب عليه في البداية النحت في الصخرة الكبيرة التي يقوم فوقها، حيث توارثه الكثير من الملوك اليمنيين عبر عقود عدة، إلا أن الحالة التي عليها القصر حاليا، لم يكن قد تم استكمالها إلا حين آل إلى الإمام يحيى بن حميد الدين، بداية القرن العشرين، حيث قام بترميم القائم منه، وإضافة مبان جديدة، وبناء المسجد الذي كتب عليه «بناه لله المتوكل على الله».
ويتكون قصر دار الحجر، بتصميمه المعماري العجيب، من سبعة طوابق، تضم 35 غرفة، وهو قائم أعلى صخرة ناتئة من بين سفوح الوديان، جنوب غرب العاصمة. وبعد أن تجتاز الطرق المرصوفة خارجا من صنعاء، لا بد أن تسلك طريقا ترابيا يجري تعبيده، يهبط بك رويدا رويدا، لتجد نفسك بين رؤوس عالية من الجبال، ومنحدرات عميقة من الوديان.. إلى أن تصل، من بين شق واسع مفتوح بين جبلين، إلى واجهة القصر الذي سُمي باسم الصخرة المبني فوقها، حيث يبدو لك للوهلة الأولى بألوانه الرمادية والبُنية والبيضاء، كأنه جزء منها. يحيط بالقصر عدد من البيوت من الطراز اليمني، كانت تابعة لحاشية الإمام فيما مضى كوزراء الإمام وكتّابه وحراسه. ومن خلف ذلك كله ترى فوق رؤوس الجبال المحيطة بالمكان بقايا لحاميات ونقاط حراسة كانت تكشف الآفاق جميعها التي يمكن أن يأتي منها أي عدو أو غريب.
شجرة ضخمة، زرعها شخص ما منذ نحو سبعة قرون، تفرد أوراقها على مدخل القصر، ولا بد من المرور عبر الباب الرئيسي للدخول.. الباب خشبي سميك، له مصراعان يمكن فتحهما على اتساعهما بما يسمح بمرور شاحنة، لكن أحدهما أكبر من الآخر، وفي المصراع الأكبر يوجد باب صغير مخصص لدخول الأفراد. هذا الباب العملاق مكون من خشب ثقيل الوزن مصفوف بالطول، وعليه، من الداخل، كتل أخرى بالعرض، مدكوكة في بعضها بمسامير حديدية طويلة وعريضة، ويقف أمامها حارس أمن، يدعى عدنان الزهيري، يرحب بالسياح بلا كلل. أما الجدران المحيطة بهذا الباب، فيصل عرضها إلى أكثر من متر ونصف المتر، سواء كانت من جانبي الباب أو من العتبة التي فوقه.
تضع الباب خلفك، وتمشي داخلا عبر أرض صخرية صاعدة إلى أعلى، وتجد عن يمينك مقار كانت مخصصة للحراسة والأمن. وتواصل السير قُدما لتبلغ الطابق الأول.. هنا يمكن أن تلتقط أنفاسك، حيث تدخل جناحا للاستقبال وصالة للضيوف وغرفا أخرى، لمن يريد من أسرة الإمام يحيى وحاشيته، أن يختلي بالحديث مع أحد الزوار، وبخاصة للحديث في بعض الأمور السياسية السرية، مثل مشكلة ترسيم الحدود في الجنوب بين الإمام والاحتلال البريطاني، أو لحل بعض المشكلات القبلية والأسرية، أو للتفاوض من أجل الوصول لحلول وسط، كما يحدث عادة في عمل الحكام والساسة.
صعود الدرجات للتنقل بين طبقات القصر أمر مجهد لكبار السن والأطفال، بسبب ارتفاع كل درج عن الآخر بأكبر مما هو معتاد في المباني الحديثة. في الطابق الثاني تستقبلك ردهة فسيحة، يمكن من خلالها أن تتجول أفقيا أو صاعدا بين دور القصر وفسحاته الداخلية، وكل جدار عريض منها مزين بنوافذ خشبية وزجاجية ذات أضلاع ودوائر ملونة، تعكس أضواء صفراء وحمراء وخضراء على الجدران الصخرية البيضاء، وتنشر جوا من البهجة والارتياح والرضا والطمأنينة.
ومن كل فتحة أو نافذة، من أي طابق، ومن أي اتجاه، يمكنك أن ترى الوديان الفسيحة والأشجار تعلو فيها.. هنا كان الإمام وحاشيته يستوحون الأفكار التي أطاحت بحكم أسرته في نهاية المطاف.. ومن هنا أيضا ترى المزارعين يقودون حميرهم هناك، وفتيات يجلبن الماء من البئر. وترى كذلك إذا كان الحراس يقفون يقظين في أبراج حراساتهم المبعثرة على القمم البعيدة أم لا.
«هذا كان في الماضي».. يقول رجل الأعمال أحمد الحبيلي، القادم من محافظة تعز، جنوب اليمن، مع أسرته، وهم يشاهدون من نافذة قصر الإمام، الأطراف المترامية من الأرض اليمنية حول القصر، ويشير إلى البعيد، وهو يضع يده على رأس أحد أطفاله، قائلا إن آباءه كانوا من مبايعي أسرة الإمام يحيى.. «كانوا من السادة الذين يحق لهم حمل السلاح، والعمل لصالح الدولة (في الزمان الغابر)»، وإن عددا من أشقائه ما زالوا يعتبرون أنفسهم من أتباع الإمام، و.. «بعضهم حارب مع الحوثيين، لكن أنا أحاول أن أغير وجهة نظرهم. نحن الآن جمهورية، ولدينا دستور، ولا بد أن نتوحد على هذا الأساس، حتى لا يسخر منا الناس (في الخارج).. نريد أن نعتاد على شيء آخر غير الحروب والفتن».
على أية حال.. يمكن، قبل أن تترك هذا الطابق، الوصول عبر سرداب منخفض، إلى الجهة الأخرى من هذا الجانب، حيث مطبخ القصر وغرف العجن والخدم، وخلافه.. وأكثر الدرجات عددا داخل القصر هي تلك التي توصل بين نصفه السفلي بملحقاته، حيث الحريم والمطابخ، ونصفه العلوي، حيث مجالس الرجال وغرفهم. وأثناء الصعود من هنا إلى أعلى، تجد على يسارك غرفة كأنها محفورة في الصخور من الداخل، هي غرفة الدويدار، أي القائم على المراسلة، مستخدما صوته، ومن مكانه، ومن هذا الخن، لإبلاغ الأوامر والطلبات بين نصفي القصر.
وتوجد في الجزء الملحق بالمبني غرف الجواري، ومطحنة لطحن الحبوب، وكذا منشر لنشر غسيل ملابس القصر.. وفي أول طابق، فوق غرفة الدويدار، أي الرابع، تجد جناحا لغرف والدة الإمام، وفي الطابق التالي جناح لولي العهد، الذي سيستعيد حكم أبيه من الثوار قبل أن يفقده مرة أخرى إلى الأبد، مكونا من غرف عدة بمستلزماتها. ومن الطابق التالي، سيكون أمامك اتجاهان، الأول تصعد من خلاله، وعبر درجات عالية، إلى جناح علوي خاص بالإمام، حيث كان يختلي إلى نفسه للتفكير والقراءة والكتابة.. أو إلى الجناح الضخم المخصص لنساء القصر، حيث النوافذ هنا عبارة عن مشربيات تسمح بالرؤية من الداخل للخارج، وليس العكس.
في الطابق الأخير، وهو الطابق السابع، يوجد مكان مفتوح من الجهات كلها للجلوس، ويمكن من هذا المكان رؤية كل ما يحيط بالقصر، والتأمل في الحياة بالنظر إلى المناظر الخلابة والمتناقضة أيضا، من خضرة وجمال في الوديان، مستمرة طوال العام، إلى اصفرار وخشونة على الجبال، وما بين هذا وذاك من ألوان متدرجة ومشاهد متباينة، تشبه تباين التقاطعات التي تعصف باليمن بين حين وآخر، سياسيا وقبليا ومذهبيا.
ومن الملحقات المهمة المجاورة للقصر، يوجد في الجهة المقابلة، من الداخل، الشذروان الذي هو عبارة عن جناح استقبال صيفي مزود بمغطس يشبه حمام السباحة الصغير، وفي وسطه تقف ثلاث نافورات تضخ المياه إلى أعلى، فتزيد المكان انتعاشا. والمبنى، بشكل عام، مزود بالكثير من المقار الإدارية الصغيرة التي كان يستعين بها الإمام في شؤون الحكم، منها: المحكمة وخزانة المال والأوراق المهمة، وكذا حمام بخار خاص بالإمام، وغيرها من أدوات.
لكن كيف بدأ حكم الإمام يحيى وأولاده؟ وكيف انتهى؟ وما موقف أحفاده الذين يعيشون الآن خارج البلاد، من قضية التمرد الحوثي الشيعي الذي أنهته القوة العسكرية اليمنية في شمال غرب البلاد الشهر الماضي؟
الإمام يحيى بن حميد الدين، ولد عام 1869، وعُرف وهو يعيش في هذا القصر، باسم إمام اليمن، خلفا لوالده الإمام الملقب بالمنصور بالله، محمد بن يحيى، الذي توفي عام 1904. وحين يثير أتباعه المذهبيين والموالين فكرة أن يكون الحكم لهم، فإنهم يثيرون انقسامات في المجتمع اليمني، كما حدث في صعدة.
نعود إلى أجواء اليمن في بداية القرن الماضي.. فحين لم تعترف الدولة العثمانية المحتلة لليمن، بإمامة الإمام يحيى، نشبت حرب بين الطرفين انتهت عام 1911 بالاعتراف به «إماما»، وأجرى محاولات حثيثة لتوحيد عموم اليمن تحت سلطته، كما حاول تحديث المؤسسة الحكومية والعسكرية، لكن معارضي حقبته يقولون إن فترة حكمه كانت مثالا على التخلف والفساد، وهو ما ينفيه حفيده بقوله إن جده كان محدثا وعادلا.
وشهد هذا القصر خلافات بين الأبناء.. وخرجت منه قرارات غيرت مستقبل الوطن شمالا وجنوبا.. وهنا، اليوم، ومن بين مئات السياح اليمنيين والعرب الذين يفدون إلى قصر الإمام، لا تكاد ترى إلا عددا قليلا من وجوه الأجانب الغربيين أو الآسيويين، والسبب يرجع إلى الحرب التي خاضتها الحكومة ضد المتمردين الحوثيين طوال السنوات الست الأخيرة، وكذلك إلى حوادث تقع بين حين وآخر بين الانفصاليين في مديريات جنوبية عدة، إلى جانب حوادث اختطاف وقتل سياح أجانب مرات عدة في السنوات العشر الأولى من هذه الألفية، مما كلف البلاد خسائر بمليارات الدولارات.
وربما أدى غياب الأجانب عن هذا المعلم السياحي، قصر دار الحجر، إلى حالة من النقاش بين يمنيين وعرب قادمين من مناطق عدة داخل اليمن، ومن دول عربية عدة، وبخاصة من منطقة الخليج.. وللنقاش بين هذه الجدران العتيقة والآثار القديمة مذاق خاص.. يتناولون كل شيء: خلافات السنة والشيعة في اليمن والمنطقة، وما يمكن أن يصلوا إليه من توافقات، وما ينبغي لرجال الدين عمله، وما يجب على الناس في اليمن أن يقوموا به لنزع فتيل أزمة الشمال، ونزع فتيل دعاة الانفصال، والتخلص من تنظيم القاعدة، الذي دمر مستقبل هؤلاء المرشدين السياحيين وأصحاب المحال السياحة الموجودة في القصر الأثري.
الناس من الزوار اليمنيين والعرب هنا، أكثر هدوءا وعقلانية وزهدا، ربما هذا يرجع إلى ما تفرضه أجواء القصر الذي يشير كل ركن فيه إلى أن الإنسان إلى زوال، وأن ما قام به من أعمال هو ما سيبقى، وبخاصة لو كانت أعمالا حسنة. لكن البعض ما زالت لديه، مثل الدولة، هواجس بأن أسرة حميد الدين ومن يبايعونها في الداخل، تريد العودة إلى الحكم.. ويقول الأمير علي: «الإمامة اختيار، والأمر عائد للأمة، ولو كانت الانتخابات في اليمن صحيحة، فمن انتخبته الأمة هو الإمام، بوسائل أكثر تطورا وحداثة، ولكن للأسف التطبيق غير النظرية.. نحن لا ندعي وراثة أي حق في الحكم عن غيرنا من اليمنيين».
ويتنقل الأمير علي، بحسب ما بثه موقع «المصدر» اليمني منتصف العام الماضي، بين دول عربية وأجنبية عدة. وكان الأمير قد ولد في دار شهيرة في العاصمة صنعاء، تابعة لجده الإمام اسمها دار السعادة، تحولت بعد الثورة إلى متحف شعبي يضعه السياح على أجندة زياراتهم قبل أن يغادروا قصر دار الحجر هنا.
«كان السياح الأجانب يتدفقون على هذا المبنى»، يقول بشير محمد العزي، الذي يدير محلا صغيرا مستأجرا من وزارة السياحة، وهو أول محل تقابله في مدخل القصر، ويبيع العزي الصناعات الحرفية اليمنية. ويضيف: «تضررنا من نقص عدد السياح الأجانب، لكننا نأمل أن تشهد هذه السنة حجوزات معقولة.. الأكثر الآن هم السياح اليمنيون والعرب».
ويضطر العزي إلى تخفيض الأسعار، ويمكن أن تنتقي الخنجر اليمني الذي تقدر قيمته بنوع مقبضه، والذي كان يبيعه في مواسم السياحة الغنية بنحو 60 مليون ريال (الدولار يساوي نحو 200 ريال)، بأقل من هذا المبلغ بكثير. ويشتري السياح المحليون خناجر متواضعة، لا يزيد ثمنها على 100 ألف ريال، لماذا؟ «لأن مقبضها عادي، ليس مصنوعا من قرون الغزلان، أو قرون وحيد القرن»، كما يقول العزي.
وبينما تضع النقاب على كامل وجهها، ولا ترى منها غير العينين، تصف الفتاة اليمنية، إشراق، أدوات صنعتها أيدي نساء يمنيات لملابس ومفارش تراثية، وكذا مشغولات معدنية طوعها حرفيون يمنيون في تشكيلات هندسية بديعة، وتبيع أيضا مشغولات مستوردة من الهند.. وتبيع إشراق الـ«معوز»، وهو رداء يشبه المئزر، بنحو 1800 ريال، لكنها تعرض معاوز أخرى بأسعار تصل إلى 30000 ريال، في حال وجود سياح مقتدرين يقدرون قيمة التطريز اليدوي فيه. وتخاف إشراق من فقد عملها هنا مستقبلا في حال استمرت القلاقل في البلاد، واستمر تراجع السياح الأجانب.
وقبل أن تمر أمام هذا المحل للوصول إلى غرف القصر وباحاته، يذكرك صاحب متجر آخر مجاور، ويدعى نوح، بأن هناك من سيدعو لصلاة الجمعة بعيدا عن المسجد الملحق بالقصر، وأن هذا لا يصح، لأن المسجد هو بيت لله، ويسع الناس كلهم، ما داموا ينطقون الشهادتين. ويكتفي نوح بالابتسام، رافضا أن يفصح عما إذا كان سنيا أم شيعيا.. «لكن غالبية الناس هنا شيعة، وهم جيران للسنة، ويعملون معهم في زراعة الوديان، ويصلّون معا في هذا المسجد». يقول المرافق السني، وينصح بعدم طرح مثل هذا السؤال مجددا «حتى لا ينفر منا الناس، فهم مسالمون، هنا، بطبيعتهم».
واغتيل الإمام يحيى على يد ثوار مناوئين لحكمه عام 1948، إلا إن ابنه، أحمد، تولى الإمامة من بعده، وأنشأ كليات عسكرية، تخرج فيها ضباط سيشارك بعضهم في ثورة ضد حكمه، متهمين إياه أيضا بالرجعية. وعقب وفاة هذا الرجل بأسبوع، متأثرا بجراح أصيب بها في محاولة اغتيال سياسي، تولى ابنه محمد البدر، آخر حكام ما كان يعرف بـ«المملكة المتوكلية اليمنية»، حكم البلاد لمدة أسبوع، قبل أن يعلن الثوار الإطاحة به، والإعلان عن قيام الجمهورية في 26 سبتمبر (أيلول) عام 1962، فيما توفي الإمام البدر في لندن عام 1996.
وفي عام 2004، وعلى بعد نحو 400 كلم شمال غرب هذا القصر الذي أصبح أثرا، خرج حسين بدر الدين الحوثي، من محافظة صعدة، متمردا على الدولة، داعيا إلى عودة النظام الإمامي الزيدي الذي قضت عليه ثورة 1962. والمذهب الزيدي مذهب شيعي، تحول على أيدي قيادات حوثية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي إلى مذهب متوافق مع المذهب الشيعي، الذي تستند إليه الثورة الإيرانية الحاكمة في طهران. واعتبر حسين الحوثي السلطة اليمنية خارجة على الإسلام، وأعلن عليها الحرب، قبل أن يلقى مصرعه في مواجهات عسكرية في 2004، ويخلفه شقيقه عبد الملك الحوثي الذي خاض خمس حروب أخرى ضد الدولة، كان آخرها الحرب السادسة التي اعتدى فيها المتمردون على الحدود السعودية، وأجبرتهم الحكومة اليمنية على وقف إطلاق النار الشهر الماضي.
وبحسب تصريحاته الأخيرة تعليقا على اتهامه بـ«أن لكم يد في حرب صعدة، وأن هناك من يريد إعادة الإمامة عن طريق ترويج الحوثيين لمشاريع رجعية، يقول الأمير علي إنها أقاويل، لا تملك الحد الأدنى من المنطق والحجة، مستبعدا في الوقت نفسه عودة أسرة آل حميد الدين إلى اليمن «في ظل هذه الظروف»، قائلا عن موقفه من الأحداث في البلاد، إنه لا يريد أن يتكلف كلاما قد يدخله «في تفسيرات بعيدة عن حقيقة منطلقاتنا». أما زوار قصر جده هنا، قصر دار الحجر، من السياح المحليين والعرب، فيتداولون مثل هذه العلاقات، معتبرين أنها أصبحت جزءا من الماضي، بما فيها «فتنة التمرد الحوثي بمطالبها المذهبية»، التي أنهتها الدولة أخيرا.. وبعد قليل، أي قبل أذان صلاة الجمعة بنحو نصف ساعة، كانت هناك حلقة، أمام حمّام سباحة الإمام يحيى، تجمع فيها عدد من اليمنيين والعرب.. كان الطالب الأزهري يتجادل مع خادم بالمسجد الشيعي، وكل منهم يسند ذراعه على الجدار. كان الكل يريد أن يصل إلى «توافقات»، لكي لا تكون صلاة الجمعة صلاتين، صلاة للشيعة وصلاة للسنة، بل صلاة واحدة للجميع. وهو ما كان في نهاية المطاف.

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 2010-08-29, 08:23 PM   #10
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

اليمن بعد الحرب السادسة (الحلقة الأولى): القربي: «باب الحوار قد لا يُعلَن لكنه لا يُغلَق إطلاقا.. وأي صوت لتقريب وجهات النظر لن يواجه صعوبة»
وزير الخارجية اليمني في حوار مع «الشرق الأوسط»: مستعدون للحوار مع القيادات الجنوبية «تحت سقف الوحدة»
د. أبو بكر القربي وزير الخارجية اليمني («الشرق الأوسط»)يمنيون في مقهى بمدينة سيؤون في محافظة حضر موت جنوب شرق اليمن (رويترز)
صنعاء: عبد الستار حتيتة
في حوار مع «الشرق الأوسط» في صنعاء جدَّد وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي استعداد الحكومة اليمنية للحوار مع القيادات الجنوبية بمن فيها تلك التي تعيش خارج البلاد وتطالب بالانفصال عن اليمن، قائلا إن باب الحوار في البلاد قد لا يُعلَن لكنه لا يُغلَق إطلاقا. وأضاف أن أي صوت يسهم في التقريب في وجهات النظر ويقدم الحلول التي تكون منطلقة من ثوابت الجمهورية اليمنية الواحدة، لن يواجه أي صعوبة. وتابع أن باب الحوار، مع مَن يُطلق عليهم زعماء في جنوب البلاد، مفتوح ما داموا يأتون ليتحاوروا تحت سقف الوحدة والدستور والقانون.
وقال إنه لا يجب تجاهل عناصر تنظيم القاعدة في البلاد، مهما كان عددهم، مشيرا إلى أن ضرب التنظيم لأهداف ناعمة، لا يعني أنه لم يؤثر على الاقتصاد اليمني، مشيرا إلى أن مستثمرين ورجال أعمال يتخوفون من الاستثمار في اليمن لهذا السبب، موضحا في ما يتعلق بالتعاون اليمني الأميركي، والتسريبات عن مشاركة طائرات أميركية دون طيار لضرب أهداف لـ«القاعدة» في اليمن، بقوله إن اليمن لن تقبل بقوات أجنبية على أراضيها، ولكنها تقبل بتدريب قواتها وتقبل بتوفير الدعم اللوجيستي من اتصال ونقل ومعدات عسكرية.
وأضاف القربي أن اليمن يستعين بمدربين من أميركا وبريطانيا وفرنسا لتدريب قوات مكافحة الإرهاب وقوات خفر السواحل وقوات الأمن في البلاد، إلى جانب التعاون مع المملكة العربية السعودية والأردن، وأن مصر متى طُلب منها أن تقدم دعما ماديا لليمن ستقدمه لها حتى لو وصل شكله إلى الدعم المباشر، مشيرا إلى أن ما تريده اليمن هو المساعدة في دفع التنمية بوتيرة عالية لمواجهة مخاطر الفقر والبطالة وبالتالي مكافحة التطرف وتطوير مناهج التعليم، وشبكة الضمان الاجتماعي وغيرها.
وحول اجتماع الرياض حول اليمن هذا الشهر قال القربي إنه استكمال لمؤتمر لندن الذي عُقد الشهر الماضي من أجل مساعدة اليمن، وكذا تقييم تجربتها بعد مؤتمر المانحين الذي عُقد في بريطانيا أيضا منذ أربع سنوات، قائلا إن نسبة تخصيص التزامات الدول على المشروعات، منذ مؤتمر لندن عام 2006، وصلت إلى نحو 70%، لكن التنفيذ على أرض الواقع لا يتعدى 10%، بسبب وجود إشكاليات في آلية عمل الدول المانحة والصناديق المختلفة، وأيضا في آليات العمل في اليمن نفسها.وإلى نص الحوار..
* بعد وقف إطلاق النار في صعدة أصبح الضوء مسلطا على ما يسمى بالحراك الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن البلاد. هل ترون أن هذا الحراك له قاعدة شعبية كبيرة؟ أو كيف تتعاملون معه؟
- حين بدأ الحراك الجنوبي بدأ بالمطالبة بمطالب حقوقية. ونتيجة لتطبيق الحكومة لسياسة الإصلاحات الاقتصادية والإدارية وبرنامج الهيكلة لوزارة الخدمة المدنية وإحالة من يصل إلى سن التقاعد إلى التقاعد، خُلقت إشكالات في المحافظات الجنوبية. كانت هناك أيضا مشكلات إدارية في المحافظات الجنوبية. وهذه المطالب المشروعة التي بدأت والتي بدأت الحكومة في معالجتها في الحقيقة، واتخذت إجراءات في بعض الحالات دفعت ثمنها باهظا: ماليا وفي تعاملها أيضا مع المانحين. لكن لكي يتحقق السلم الاجتماعي ولكي يُخفف من المعاناة على إخوتنا في المحافظات الجنوبية والشرقية، أخذت الكثير من الإجراءات، لكن للأسف الشديد دخلت عناصر كانت تتربص بالوحدة منذ عام 1994.. عناصر انفصالية أرادت أن تستغل هذه المطالب المشروعة أو تحولها إلى قضية تمس بوحدة اليمن، وهذا، للأسف الشديد الآن، الوضع الذي نعمل على معالجته، لأن المطالب المشروعة لكل أبناء اليمن، ليس فقط في المحافظات الجنوبية، لأن هناك في الحقيقة مطالب أيضا لمحافظات في الجزء الشمالي الغربي من اليمن. ومعالجة هذه المطالب تكون من خلال الدستور والقانون ومن خلال مؤسسات الدولة، لا من خلال الشغب والتخريب.
* بحسب بعض ما يُكتب، فإن عددا ممن يقفون وراء الحراك الجنوبي هم من الزعماء السابقين في جنوب اليمن، فهل وضعت الحكومة في حسبانها الحوار مع مثل هؤلاء الزعماء للقضاء على مسببات القلاقل في الجنوب؟
- الحكومة من البداية أعلنت استعدادها للحوار، وكلما كانت هناك مظالم مشروعة كانت هناك أخطاء، هي مستعدة لتصحيحها. لكن يجب أن ينطلق المتحاورون من ثوابت الوحدة والدستور والقانون.
* هل حدثت وساطة أو مبادرات للتحاور مع زعماء بعينهم معروفين بأسمائهم وهم موجودون في بعض الدول في الخارج؟
- باب الحوار في اليمن لا يُغلَق إطلاقا.. قد لا يُعلَن، لكنه لا يُغلَق. وبالتالي أي صوت يسهم في التقريب في وجهات النظر ويقدم الحلول التي تكون منطلقة من الثوابت التي أشرت إليها لا أعتقد أنه سيواجه أي صعوبة.
* معني هذا أننا نستطيع أن نقول إن باب الحوار مع مَن يُطلَق عليهم زعماء في الجنوب، مفتوح؟
- ما داموا يأتون ليتحاوروا تحت سقف الوحدة والدستور والقانون.
* ننتقل إلى جانب آخر يهتم به العالم، وهو تنظيم القاعدة في اليمن. هل ترون أن هذا التنظيم بنفس الضخامة التي يصورها البعض في الخارج؟
- عددا لا، لكن خطورة (عناصر) «القاعدة» مهما كان عددهم أعتقد يجب أن لا يتجاهلها أحد، لأن عمليات «القاعدة» قد لا يكون لها تأثير الدمار المادي، لكن لها تأثيرا كبيرا في ما يتعلق بالبعد الاقتصادي وفي الاستثمارات وفي التنمية، وهذا ما حدث في اليمن. حدثت حوادث من قِبل «القاعدة» ربما ليس لها تأثير حقيقي لأنها استهدفت أهدافا ناعمة، ولكن مع ذلك أثرت على اليمن اقتصاديا، لأن المستثمرين ورجال الأعمال بدأوا يخافون من الاستثمار في اليمن. فنحن نتعامل مع «القاعدة» كخطر حقيقي، لا على اليمن فقط وإنما على دول المنطقة في الجزيرة العربية، ومن خلال علاقة «القاعدة» أيضا بمتطرفين وإرهابيين في العالم.
* وما الإجراءات التي لم تُتّخذ من قبل وبدأت اليمن في اتباعها؟ كان هناك حديث عن تعاون يمني أميركي. بل هناك من يسرب معلومات عن مشاركة طائرات أميركية دون طيار لضرب أهداف لـ«القاعدة» في اليمن.
- طبعا كثير من الصحف تنشر كثيرا من معلومات غير دقيقة وغير موثقة، ولكنها تستنتج أحيانا بسبب الإثارة وأحيانا بهدف إظهار أن لديها سبقا صحافيا. وللأسف الشديد السبق الصحافي أصبح الآن الهم الرئيسي لا وضع الناس في مسؤولية الحقيقة. لكن اليمن كما أشرنا دائما يتمسك بأن محاربة «القاعدة» هي مسؤولية اليمن وقوات الأمن اليمنية، لا بالاعتماد على القوى الخارجية، وأن اليمن لن يقبل بقوات أجنبية على أراضيه، ولكن اليمن يقبل بتدريب قواته سواء في مكافحة الإرهاب أو قوات الأمن. يقبل بتوفير الدعم اللوجيستي له سواء في الاتصال أو النقل أو قوة المعدات العسكرية، هذه التي يطلبها اليمن.
* ألا يوجد مدربون أجانب في اليمن؟
- موجودون.. موجودون من أميركا ومن بريطانيا ومن فرنسا، لكن دورهم لا يتعدى تدريب قوات مكافحة الإرهاب وقوات خفر السواحل وقوات الأمن.
* وهل هناك أيضا أطراف عربية تشارك في تدريب قوات الأمن اليمنية؟
- نعم.. هناك تعاون مع الأردن في هذا الجانب، وتعاون مع المملكة العربية السعودية.
* رأينا في الفترة الأخيرة زيارات كثيرة لمسؤولين مصريين لليمن، خصوصا بعد تصاعد الأعمال في الجنوب وفي الشمال.. إلى أي مدى وصل التعاون المصري مع اليمن؟
- اليمن ومصر - كما تعرف - علاقاتهما تمتد إلى ما قبل الثورة (عام 1962) وتعرف وقوف الشعب المصري والجيش المصري مع ثورة 26 سبتمبر (أيلول)، وبالتالي نجد في مصر الدولة الشقيقة التي تقف مع اليمن دائما عندما ترى هذا النظام الجمهوري والاستقرار اليمني وأمنه مهدد. وتأتي هذه الزيارات كلها لتؤكد الموقف المصري الداعم للوحدة والأمن والاستقرار في اليمن.
* سبق لمصر أن قالت إنها تقف مع اليمن معنويا وسياسيا، وإنها ستقف معها في ما هو أكثر.. ماذا يعني تعبير «ما هو أكثر»؟
- يعني أنه متى ما طُلب من مصر أن تقدم أي دعم مادي ستقدمه.
* حتى بشكل مباشر؟
- حتى بشكل مباشر.
* بالنسبة إلى المحور اليمني السعودي.. السعودية دافعت عن أراضيها حين هاجمها المتمردون الحوثيون. وتَضمّن القرار اليمني بوقف إطلاق النار مع الحوثيين أن يلتزم المتمردون بوقف إطلاق النار على الحدود السعودية. هل تلقي لنا الضوء على هذا؟
- هذا شرط من الشروط الستة التي وضعتها الحكومة اليمنية (لوقف إطلاق النار) انطلاقا من مبادئ رئيسية: أولا أن ما يهدد أمن اليمن هو تهديد لأمن السعودية، والعكس بالعكس أيضا. ثانيا أن العناصر الحوثية دخلت إلى الأراضي السعودية ونتيجة لهذا الدخول تدخلت المملكة العربية السعودية في الحرب، في إطار حدودها وبالتنسيق مع الحكومة اليمنية. وبالتالي كان من الضروري أيضا أن تكون المعالجة للأمن على الجانب الحدودي جزء من الاتفاق مع الحوثيين. والنقطة الثالثة أننا مهتمون في الحقيقة بأن نؤسس لعلاقات أمن حدودية يمنية سعودية تضمن أن لا تُستغل الحدود اليمنية لتهريب السلاح أو تهريب المخدرات أو لإثارة القلاقل وعدم الاستقرار على الحدود وفي المناطق الحدودية.
* هل سيتم التحدث في هذا الأمر مع الجانب السعودي، أم أنه تم التحدث فيه بالفعل؟
- أولا هذا الموضوع هو جزء من التنسيق القائم بيننا وبين المملكة العربية السعودية.
* وهل نقول إنه سيطبق على الحدود بعد قرار وقف إطلاق النار؟
- إحدى اللجان المشكَّلة (الخاصة بوقف الحرب) هي اللجنة المتعلقة بالجانب الحدودي التي ستضمن تنفيذ الشروط المتعلقة بالحدود وانسحاب الحوثيين من الأراضي السعودية وانتشار القوات اليمنية على الحدود.
* أيعني هذا أنه يمكن القول إنه، بعد وقف إطلاق النار، سيكون هناك المزيد من التعاون الأمني بين اليمن والسعودية على الحدود الشمالية؟
- التعاون الأمني بين اليمن والمملكة العربية السعودية قائم حتى من قبل هذه الحرب، لأن نحن والسعودية في حرب وفي شراكة حقيقة في مواجهة «القاعدة»، وبالتالي هناك تنسيق أمني وهناك تنسيق استخباراتي بين اليمن والمملكة العربية السعودية. وكلنا يدرك أن على اليمن والمملكة العربية السعودية أن تتعاونا لجعل الحدود اليمنية السعودية آمنة، ولا تشكل خطرا على أي من الدولتين.
* أي أن قرار وقف إطلاق النار يشمل زيادة بسط سلطان الدولة اليمنية على الحدود مع السعودية في المنطقة التي شهدت التمرد الحوثي؟
- معنى وقف الحرب أننا سنعود إلى تطبيع كامل للأوضاع في صعدة، وبسط سلطة الدولة في كل أنحاء صعدة، بما فيها المناطق الحدودية. وبعد الحرب الخامسة (عام 2008)، أنشأت الحكومة اليمنية صندوقا لإعادة إعمار صعدة، وبدأت فعلا تنفيذ الكثير من الخطوات لإعادة الإعمار والبنية التحتية وتعويض المواطنين، لكن للأسف الشديد ونتيجة لاستمرار الحوثيين في أعمالهم التخريبية قامت الحرب السادسة (عام 2009) ووقفت الكثير من إعادة الإعمار التي كانت قد بدأت بها الحكومة. الحقيقة الآن - كما سمعت في تصريح فخامة الأخ الرئيس - واضحة تماما، وهي أننا نريد أن ننتقل من الحروب إلى التنمية، وأن نوجه طاقاتنا كلها للتنمية بدلا من الاقتتال، وهذا ما أتوقع أنه سيتم الآن.
* لكن المطلوب لإعادة الإعمار بعد الحرب السادسة، سيكون أضعاف ما كان مقررا لإعادة الإعمار بعد الحرب الخامسة. كيف ترى هذا الأمر؟
- طبعا، الالتزامات المالية على الحكومة ستكون أكبر ولكن هذا لا يعفيها من السير في طريق إعادة الإعمار، ومن تحديد أولوياتها، والطلب من الدول الشقيقة والصديقة أن تسهم معنا في إعادة الإعمار.
* ومع كل هذا هل تتوقعون أن يصمد قرار وقف الحرب في صعدة، وتتحول منطقة شمال غرب البلاد إلى منطقة سلام دائم وشامل؟
- أعتقد أن هذا هو ما يأمل فيه كل اليمنيين، وعلى رأسهم فخامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، في أن هذه هي الحرب الأخيرة، وأن الجهود الآن ستنصبّ إلى إحلال السلام، وإلى إعادة لإعمار والتنمية في المنطقة.
* هذا رغم عملية خرق قرار وقف إطلاق النار من جانب الحوثيين، بعد إصداره بنحو يومين؟
- بالنسبة إلى عملية خرق الهدنة، لم تتم عملية وقف حرب دون أن تتم فيها عملية خرق هنا أو هناك. طبيعة الحروب.. طبيعة لعناصر التي تقاتل.. الخلافات التي ربما تتشكل بينهم أيضا.. ولكن لا أعتقد أنها تشكل إشكالية في السير في تحقيق السلام والأمن.
* الملاحظ بين عامة المواطنين في اليمن الالتفاف حول الوحدة اليمنية والدستور اليمني. لكن لديهم مخاوف من أن يستغل الحوثيون وقف إطلاق النار لإعادة تسليح أنفسهم وإعادة تنظيم صفوفهم.. هل تضعون مثل هذه المخاوف في الاعتبار؟
- إذا انطلقنا من الشك في النيات فلن يتحقق سلام في العالم كله، لا في اليمن فقط، ولذلك نحن ننطلق من أن هناك نيات صادقة من جانب الحوثيين كما هي نيات صادقة من جانبنا في أن تكون هذه الحرب هي الحرب الأخيرة، وأن يدرك الحوثيون أن ما ألحقوه من دمار ومن إراقة دماء يمنية من الجانبين لا يمكن أن يكون لها أي مبرر إطلاقا، خصوصا وأن الحكومة تردد دائما أننا على استعداد في إطار الدستور والقانون والوحدة والجمهورية لمعالجة المطالب المشروعة كافة لأبناء صعدة ولأبناء اليمن جميعا.
* بالنسبة إلى الحرب التي انتهت.. هل هناك تقييم عام للخسائر من الجانبين، أو تقييم لحجم الخسائر العامة بسب التمرد؟
- سيتم هذا التقييم. بالتأكيد هناك أجهزة أمنية وعسكرية عندها تقديرات، لكن سيتم حصر دقيق لهذه الخسائر.
* ماذا يطلب اليمن من دول الخليج خصوصا أنه في بعض الأحيان تشير أصابع الاتهام إلى بعض الدول في الخليج بأنها تساعد الحوثيين؟
- أولا، أنفي أن يكون من دول الخليج أي دعم للحوثيين. في بعض دول الخليج مجموعات شيعية قدمت دعما ماديا للحوثيين، هذا ما نقوله نحن. دول الخليج تمثل في ما بينها نحو 60% من الدعم التنموي الذي يقدم لليمن وبالتالي هي شريك حقيقي للتنمية في اليمن. ما نريده الآن في الحقيقة، خصوصا بعد اجتماع لندن والنيات والمواقف الممتازة التي سمعناها من كل دول مجلس التعاون، هو كيف الآن تترجم إلى آليات تدفع بالتنمية في اليمن بوتيرة عالية وبأسرع مما كان في الماضي بحيث نستطيع أن نواجه المخاطر الرئيسية التنموية في اليمن وهي الفقر والبطالة وأيضا البعد الآخر في هذه التنمية وهو مكافحة التطرف. نحن نعتبر أن مكافحة التطرف في عالمنا الإسلامي، لا في اليمن(فقط)، من أهم القضايا، لأن هذا التطرف هو في النهاية يُستغل من العناصر الإرهابية عن طريق استقطاب الشباب المتذمر من الأوضاع المعيشية في بلدانهم سواء في اليمن أو غير اليمن، ولهذا نعتقد أننا في حاجة إلى الدعم الذي سيمكّن، ليس فقط من خلق فرص العمل، وإنما في تطوير مناهج التعليم أيضا، وفي الجانب الاجتماعي، وفي شبكة الضمان الاجتماعي التي تتبناها الدولة. وهذه قضايا تثار ولا شك من قِبل وزارة التنمية والتعاون الدولي في أثناء اجتماع الرياض (المقرر له السبت 27 الحالي).
* هل هذا الاجتماع استكمال لمؤتمر لندن الذي عُقد الشهر الماضي من أجل مساعدة اليمن، أم هو مؤتمر منفصل؟
- هو استمرارية لمؤتمر لندن. مؤتمر لندن كان اجتماعا للكثير من الدول المهتمة بالشأن اليمني عربيا ودوليا والتي دعت إلى عقد هذا الاجتماع، لكي ينظر في بعض الأمور: أولا احتياجات اليمن في ما يتعلق بخططها التنموية وفي ما يتعلق باحتياجات اليمن في الجانب الأمني ومكافحة التطرف والإرهاب، وتقييم تجربة اليمن بعد مؤتمر المانحين الذي عُقد في لندن في 2006، بحيث ترفع تقريرا إلى الاجتماع الوزاري الذي يعقد لأصدقاء اليمن والذي على ضوئه سيتحدد تقديم الدعم لليمن في هذه المجالات المختلفة التي أشرت إليها.
* حسنا.. منذ مؤتمر لندن عام 2006 حتى الآن، ومرورا بالاجتماعات المختلفة التي عُقدت عربيا ودوليا من أجل مساعدة اليمن، كم تحقق من المساعدات التي تم الوعد بها؟
- من ناحية الالتزامات، وتوزيع التزامات الدول على مشروعات، يمكن أن نقول إنه أنجز الكثير.. نسبة التخصيص تصل إلى نحو 70%، لكن التنفيذ على أرض الواقع لا يتعدى 10%. هناك إشكالية في آلية عمل الدول المانحة والصناديق المختلفة، وأيضا في آليات العمل في اليمن نفسه.
* هل هذا يشمل أيضا ما يقدم من الأمم المتحدة ومن الاتحاد الأوربي؟
- يشمل الجميع.. طبعا أسلوب التنفيذ يختلف من جهة مانحة إلى جهة أخرى. يعني بعض الصناديق، كالصندوق العربي والمشروعات المتعلقة بالبنك الدولي، مستوى التنفيذ فيها أعلى.
* وماذا عن الجامعة العربية؟ ما مدى التزاماتها تجاه اليمن؟
- لا توجد التزامات من الجامعة العربية في الجانب التنموي في اليمن.
* لكن هناك اعتقادا أن الجامعة العربية قدمت وعودا في الماضي لمساندة اليمن.
- هذا في الجانب السياسي فقط لا في الجانب التنموي.
* وهل لمساندة الجامعة العربية على الجانب السياسي لبلادكم مردود على أرض الواقع في اليمن؟
- نعم؛ جاءنا الأخ عمرو موسى (الأمين العام للجامعة) إلى اليمن والتقى فخامة الأخ الرئيس وناقشوا الأوضاع السياسية في اليمن، وأعتقد أنك تابعت نتائج تلك الزيارات.
* أتوجد أي خطط مستقبلية ستقوم بها الجامعة العربية لمساعدة اليمن؟
- سننظر ما تقوله الجامعة العربية.
* بالنسبة إلى اجتماع القمة العربية الشهر المقبل، هل لليمن مطالب محددة من هذا الاجتماع؟
- في ما يتعلق بماذا؟
* بالوضع العام في اليمن، كالمساعدات المالية والمساعدات السياسية وغيرها؟
- أعتقد أن هذه المسائل تثار في الإطار الثنائي وستُثار في إطار مجموعة أصدقاء اليمن التي ستكون فيها مجموعة من الدول العربية.
* حسنا، لا نريد أن نقول إن الجامعة كمؤسسة لا يعوَّل عليها كثيرا في ما يتعلق بالتنمية في اليمن. ما رأيك؟
- لا، لا، أعتقد أن الجامعة العربية حتى الآن لم يكن لها نشاط في ما يتعلق بالدعم التنموي في البلدان العربية هي تواجه الآن مشكلات في الحصول على التزاماتها المتعلقة بإعادة إعمار دار فور في السودان ودعم الحكومة في الصومال، للأسف الشديد لا يوجد بنك عربي للتنمية كما هو الحال في البنك الدولي أو البنك الأفريقي أو البنوك المرتبطة بمنظمات أخرى والتي يمكن أن تسهم في هذه المجالات. وهذا لا يمكّن الجامعة العربية من القيام بهذا الدور. * غدا: الأولويات العشر

__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحراك الجنوبي: أخطاء القسمة.. والتقاسم سفير الجنوب المنتدى السياسي 2 2010-10-16 09:16 AM
صحيفه الشرق الاوسط _اليمن: منع الدراجات النارية من السير في شوارع أبين بعد ازدياد است عبدالله البلعسي المنتدى السياسي 0 2010-09-15 01:58 PM
ملفات الشرق الاوسط اليمن بعد الحرب السادسة00(صحيفه الشرق الاوسط ) عبدالله البلعسي المنتدى السياسي 0 2010-08-28 04:45 AM
الجنوبي: أخطاء القسمة.. والتقاسم salah المنتدى السياسي 0 2010-08-05 07:41 AM
الحراك الجنوبي أخطاء القسمة والتقاسم معين الجنوب قسم الأخبار والمقالات السياسية المنقولة 0 2010-05-12 09:52 AM

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر