كيف أضحت مديريات الصبيحة والمسيمير وكرش شعلة ثورة الجنوب

[المراقب اليافعي]

بقلم/ محمد الحميدي ـ الضالع.

بحثت في بطون الكتب والمراجع التاريخية كي أقدم للقارئ العزيز لمحة موجزة عن تاريخ منطقة الصبيحة ، فوجدت نفسي عاجزاً عن اختزال أسفار من عظمة الأمجاد التي سطرها أبناء هذه المنطقة خلال آلاف السنين في مقالة كهذه ، فهم بناة حضارة أرم ذات العماد التي ذكرها الله في محكم كتابه العزيز .
كما أن التاريخ المعاصر لهذه المنطقة مليء بالأمجاد ، فثورة 14 أكتوبر 1963م كان قائدها الأول من أبناء هذه المنطقة وهو الرئيس الراحل / قحطان محمد الشعبي ، ومفكرها ومنظرها الأول من أبناء هذه المنطقة وهو الشهيد العظيم / فيصل عبد اللطيف الشعبي ـ وغيرهم من قادة وشهداء ثورة 14 أكتوبر الذين دون تاريخ شعب الجنوب أسمائهم بأحرف من نور ـ رحمهم الله جميعاً . لكن هذه المنطقة كعادة أبنائها دائما يناضلون ويقدمون التضحيات بصمت ودون ضجيج ، واليوم هم كذلك ، فمنذ انطلاقة ثورة شعبهم السلمية الحضارية التحررية يقدمون التضحيات السخية من الشهداء والجرحى والأسرى والخروج المكثف إلى ساحات النضال ملبين دعوة وطنهم المغتصب وشعبهم الثائر ، ولا نبالغ إذا قلنا بان تاريخ شعبهم سجل لهذه المنطقة بأنها أول منطقة جنوبية محررة ويحكمها واحد من أبنائها البواسل ، وأنهم بفضل وعيهم الرفيع استطاعوا التغلب على أحداث الثار بين قبائل واسر المنطقة التي حاولت سلطات صنعاء الاستعمارية منذ احتلالها للجنوب في 7/7/1994م إحيائها من جديد تطبيقاً للسياسة الاستعمارية المعروفة ( فرق تسد ) فأصبح اليوم أبناء مديريات الصبيحة تجمعهم قضية شعبهم موجهين جهودهم وطاقاتهم في سبيلها . فهي قضية تستحق التضحية والبذل والعطاء .
وسنورد هنا مثال واحد فقط على عظمة تضحية أبناء هذه المنطقة. بأنه ذات يوم من العام الحالي تقدمت قوات الاحتلال بهدف إخضاع إرادة أبناء الصبيحة البواسل ، فكان رئيس فرع مجلس الحراك السلمي الجنوبي في منطقة الصبيحة المناضل الكبير علي علوان في مقدمة الصفوف وكان يقف إلى جانبه ابن شقيقته الذي لم يفارقه يوماً ، وكان دائماً يقول لذالك الشاب أرى فيك شبابي. فاستشهد اعز واقرب الناس إليه وهو ابن شقيقته . فهل توجد صورة للتضحية أروع من هذه الصورة ؟
لقد أرادت سلطات الاحتلال بقتلها لذلك الشاب اليافع إخضاع خاله ، لكن هيهات أن تركع الجبال الشامخة للأقزام وعشاق القتل .
أبناء الصبيحة لم يتفردوا بتحرير منطقتهم الشاسعة والكثيفة السكان ، ولكن يتفردون أنهم دائماً أول الملبين لنداء وطنهم وشعبهم سوى في الفعاليات السلمية أو في وقت الشدائد والمحن ، فعندما حاولت سلطات الاحتلال محاصرة مناطق ردفان في ابريل من عام 2008م وكذا عندما قامت بالفعل ذاته في الضالع في مارس من هذا العام ومن قبل ذلك محاصرة عاصمة محافظة لحج ( الحوطة المحروسة ) كان أبناء الصبيحة البواسل هم من يفكون الحصار عن أشقائهم في المحافظات والمديريات الجنوبية الأخرى .
إنهم يحملون قضية شعبهم في عقولهم كما تحمل وجوههم السمراء لون تربة وطنهم وجباله وثرواته .
أما إذا توسعنا قليلاً إلى المناطق المجاورة للصبيحة ، فان مديرية كرش بوابة الجنوب الغربية تحتاج إلى مجلدات ليس لسرد تاريخها القديم الناصع ، وإنما لتدوين بطولات أبنائها. فهذه المديرية كانت أول منطقة جنوبية ترفض قرار سلطات الاحتلال بفصلها عن وطنها ، وقدم رجالها وشبابها بطولات رائعة عمدوها بأرواحهم ودمائهم وعذاباتهم في سجون الاحتلال ومازالوا اليوم في مقدمة رتل مسيرة شعبهم النضالية .
أما المديرية الصغيرة بعدد سكانها والعميقة بجذور تاريخها والكبيرة بفعالة نضالها فهي مديرية المسيمير ، فهذه المديرية تباً لقلمي انه لم يستطع أن يعطيها حقها من الإنصاف ، لأنها أكثر منه غطاءا ، فهي مديرية العطاء اليومي لصالح قضية شعبها ولا تحتاج لمن يسهد لها، فأرواح شهدائها ودماء جرحاها وعذابات أبطالها في السجون هي وحدها الكفيلة بتدوين صفحات التاريخ الناصع لهذه المديرية في مسيرة ثورة شعبها السلمية .
هذه المناطق والمديريات من محافظة لحج الثورة المذكورة أنفا احتلت هذه المكانة الرفيعة في نضال شعبها بفضل اقتناع أبنائها بعدالة قضية شعبهم ، وامتلاكهم روح الاستعداد للتضحية في سبيلها ، وبحنكة وشجاعة قياداتها رؤساء وأعضاء مجالس الحراك السلمي والتحامهم بالجماهير ، ووجود الجيل الجديد من الشبان والشابات والطلاب والطالبات في الجامعات والمعاهد والمدارس الذين يشكلون طليعة نضال هذه المناطق ، فهم أول من يخرج إلى ساحات النضال السلمي, وأول من رفع علم دولتهم على أسطح المنازل والمدارس ورسموه على الصخور والجبال . وكل يوم جديد يرسمون لوحه جديدة عن نضال شعبهم وهم واثقون انه مع إشراقه ذات يوم قريب سوف تشرق شمس الحرية على ارض وطنهم رافعين شعارهم العظيم حتماً سوف تنتصر إرادة شعبنا لان إرادة الشعوب من إرادة الله.