اليمن: طريق الحوار مزروع بألغام صالح ( عارف اليافعي - جريدة القبس الكويتية )

[يافع اليافعى]

أزمة
اليمن: طريق الحوار مزروع بألغام صالح

عارف اليافعي

يستعد اليمن لإجراء الحوار الوطني الشامل في شهر نوفمبر المقبل* الذي نصت عليه المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية* التي وضُعت من قبل دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة والأمم المتحدة لإخراج البلاد من أزمته الطاحنة جراء الثورة الشعبية* التي أطاحت بالرئيس علي عبدالله صالح. لكن الطريق الى طاولة الحوار الوطني ما زال مزروعاً بألغام الأزمات والحروب التي خلفها عهد صالح* وكان يستخدمها وقودا لبقاء نظامه على مدى الثلاثة والثلاثين عاما الماضية* وقد أثبتت الوثائق والوقائع أنها حروب مفتعلة من نظام صالح لابتزاز دول الإقليم والولايات المتحدة من أجل الحصول على الدعم المالي والمعنوي لبقاء نظامه وتوريثه لابنائه.

اليمن من أكثر دول الربيع العربي خطورة من حيث تقاسيم الخارطة السياسية والتركيبة الاجتماعية والثقافية والانتماءات والولاءات المناطقية والمذهبية. فحتى ثورته الشعبية التي أطاحت بصالح لم تسلم من تلك التسميات والتقسيمات الموروثة من الماضي والمرسخة من النظام. ولعل الوضع السياسي الشائك الذي أفرزته الثورة يؤكد تلك الحقيقة. وإذا كان من الطبيعي أن تتباين الرؤى وتحدث الخلافات بين المتحاورين أثناء الحوار* فإن الوضع في اليمن مختلف تماما. فقد بدأت الخلافات قبل أن يبدأ الحوار نفسه. ومعظم الأحزاب والتيارات والتكوينات السياسية رفضت تشكيلة أعضاء اللجنة الفنية الرئاسية المكلفة الإعداد لهذا الحوار* لأنها لم تخضع للمحاصصة المعتادة في مثل هذه الأمور. وفيما يلي أهم المشاكل والتعقيدات التي تواجه اليمن واليمنيين:

الدولة المدنية
الدولة المدنية الحديثة* دولة النظام والقانون والمؤسسات الدستورية والقضاء العادل النزيه المستقل* ويطالبون بها كل من أحزاب اللقاء المشترك ذات التوجه العلماني والليبرالي* كالحزب الاشتراكي اليمني* والتنظيم الشعبي الناصري* وشباب الثورة المستقلين* والجنوبيين المؤيدين للفدرالية مع الشمال* بالإضافة الى المثقفين وطلاب الجامعات والفئات المهمشة واليهود وعدد كبير من النقابات والمنظمات المهنية وجمعيات النفع العام* حيث يرون أن اليمن لن يخرج من أزماته السياسية المتلاحقة إلا بدولة ديموقراطية مدنية قوية* تستوعب كل فئات ومكونات المجتمع من دون إلغاء إو إقصاء أو تهميش* وذلك وفق نظام ديموقراطي حديث يضمن حقوق الجميع* ويستوفي كل شروط العدالة والمساواة والتنمية.

دولة القبيلة
دولة القبيلة المحافظة* ويسعى لإقامتها حزب التجمع اليمني للإصلاح والأحزاب ذات التوجه الإسلامي والقادة العسكريون القبليون المتنفذون* ومنهم: الجنرال المنشق قائد الفرقة الأولى مدرع علي محسن الأحمر (الأخ غير الشقيق لصالح)* وعلماء دين* وتجار كبار* ومتنفذون* ووجهاء وشيوخ قبائل* وفي مقدمتهم شيخ مشايخ اليمن وقبيلة حاشد* إحدى أكبر القبائل* صادق الأحمر وشقيقه الملياردير حميد (الممول الرئيسي للثورة). وهؤلاء والذين يتصارعون مع قيادات النظام السابق للسيطرة على التجارة والاستحواذ على مساحات شاسعة من أراضي الدولة* والشراكة مع الشركات العاملة في مجالات النفط والغاز والموانئ والصيد البحري. وهم يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين للدولة* ويسعون للإحلال مكان قيادات ورموز النظام السابق في المفاصل السياسية والعسكرية والاقتصادية* لتبقى الدولة تحت هيمنتهم وسيطرتهم الكاملة. وفي الوقت نفسه يسعون للدخول في شراكة سياسية محدودة مع باقي الأحزاب والتنظيمات لضمان ولائها* ولإضفاء بريق الحداثة والمدنية والشراكة الوطنية أمام الرأي العام* وطمس المعالم القبلية والصبغة الإسلامية الأصولية من النظام الجديد.

القضية الجنوبية
إن كان معظم الجنوبيين متفقون تماما على الانفصال* وضرورة عودة الوضع الى ما كان عليه قبل عام 1990* فإنهم مختلفون حول كيفية وتسمية ذهابهم الى مؤتمر الحوار الوطني* وعلى الأسس والأهداف. فمنهم من يرى أن تكون المشاركة من دون شروط او خطوط حمراء* ومنهم من يشترط قيام دولة فدرالية بين الشمال والجنوب* ومنهم من يرى أن مجرد الحديث عن الحوار مضيعة للوقت ما لم يكن حوارا بين دولتين تكون محصلته النهائية حل الدولة الموحدة* وعودة الوضع الى ما كان عليه قبل الوحدة. كما يحذر الجنوبيون من أن ذهابهم الى مؤتمر الحوار من دون هدف فك الارتباط* سيضفي صفة الشرعية الأبدية على الوحدة* الذين يعتبرونها أنها قد أفرغت من محتواها* وفقدت شرعيتها بمجرد شن صنعاء الحرب على الجنوب واجتياحه. لذا يفكرون بمواصلة الحراك السلمي حتى تحقيق هدفهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم.

الحوثيون
الى الأمس القريب* كان الحوثيون يرفضون المشاركة في الحوار الوطني* ولكنهم قبلوا الآن بشروط عديدة* منها ما هو عام ولا يختلف عليه اثنان* كالاعتذار عن الحروب الستة السابقة ضدهم* واعتبار ضحاياهم شهداء* وتطبيق اللامركزية السياسية* واحترام حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية* وإنشاء المدارس والمعاهد الشرعية وإطلاق القنوات الفضائية والإذاعية. لكنهم يرفضون الرعاية الأميركية والخليجية للحوار* ويطالبون بإشراف أممي فقط. فهم يعتبرون أن الرعاة لن يسمحوا بنجاح المؤتمر ما لم يتضمن قرارات تضمن لهم التدخل الدائم بالشأن اليمني وانتهاك سيادة البلاد. وفي حال حدوث خلافات مستقبلية بين الفرقاء اليمنيين* سيتيح لتلك الدول التدخل بكل سهولة وتحويل اليمن الى ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية والدولية.

الفئات والأقليات الأخرى
هناك العديد من الفئات في المجتمع اليمني* التي وجهت لها الدعوات للانخراط في الحوار* بعضها اعلن موافقته وبعضها رفض أو تحفظ. وهي ترى أن تجاهلها وتهميشها على مدى العقود الماضية لن يمكنها من نيل أبسط حقوقها* في خضم هذا الصراع المحتدم بين الخصوم الأقوياء على من يظفر بالنصيب الأكبر* وإن مشاركتها لمجرد المشاركة سيؤدي الى ترسيخ تجاهلها واستمرار حرمانها من حقوقها. لذلك فمقاطعة الحوار والتحالف مع قوى أخرى تعتقد هي أيضا أنها لن تنال أي حقوق* سيؤثر على المضي قدما بعملية الحوار* وخاصة في ظل دعم وتشجيع فلول النظام السابق لمثل هذه الانشقاقات التي تدفع بإفشال حكومة الوفاق* وعرقلة السير باتجاه المصالحة الوطنية والاستقرار السياسي* لكي تضمن السيطرة على ما تبقى لها من مواقع حساسة ومؤثرة في مفاصل الدولة ــ المدنية والعسكرية ــ ووقف نزيفها المستمر المتمثل بتساقط كبار رموزها وأهم أعمدتها جراء القرارات الرئاسية الجريئة التي يتخذها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي* لإضعاف نفوذها وتقليم مخالبها لتخليص الدولة من قبضتها الحديدية.

رابط المقال في جريدة القبس الكويتية

http://www.alqabas.com.kw/node/114273

[يافع اليافعى]