ذكرى 21مايو بين الجدل العقيم والعبث السقيم: حامل المسك

[المصرب]

ذكرى 21مايو بين الجدل العقيم والعبث السقيم:

ذكرى21مايو بين الجدل العقيم والعبث السقيم:
مع اقتراب يوم 21مايو والدعوة الى اقامة فعالية كبرى فيه، برز على المواقع والصفحات الجنوبية على الشبكة العنكبوتية
جدل حاد حول صواب الاحتفال بتلك الذكرى من عدمه..
فهل لذلك الجدل ما يبرره ، وهل يأتي في سياق الحراك الفكري الذي تشهده أية ثورة شعبية، أم أنه من قبيل الجدل العقيم الذي تنتجه حالة التباينات المتصاعدة بين رموز الماضي وخصمائه؟؟
سأحاول الاجابة على تلك الاسئلة بشيء من الايجاز ولكن قبل ذلك سأتطرق الى بعض المعلومات التاريخية حول اعلان 21مايو1994م ، وعلى النحو الآتي:
أولاً: أعلن الرئيس علي سالم البيض في 21 مايو 1994م قيام دولة جمهورية اليمن الديمقراطية، وقد اطلق نظام صنعاء على ذلك البيان: إعلان الانفصال، ثم مؤخرا اطلق عليه الجنوبيون مصطلح قرار فك الارتباط، وهذا المصطلح ظهر واستعمل لأول مرة في مسار تداعيات القضية الجنوبية من قبل الرئيس/ حيدر العطاس خلال المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه قناة الحرة الامريكية في شهر اغسطس 2008م والتي دعا من خلالها الرئيس الجنوبي علي سالم البيض والرئيس اليمني علي عبدالله صالح بالتوجه الى مقر جامعة الدول العربية وإعلان فك الارتباط بين الجنوب والشمال.. ثم شاع عقب ذلك استعمال ذلك المصطلح كهدف ومطلب للحراك الجنوبي تضمنته وثائق وبيانات مكوناته كما اطلق في نفس الوقت على اعلان 21 مايو 1994م، كما درجت مكونات الحراك على اقامة فعاليات جماهيرية في ذلك التاريخ من كل عام ابتداءً من 2009م دون أن يؤصل مدلول ومفهوم ذلك المصطلح من الناحية السياسية والقانونية والخلفية التاريخية في استعماله، وهذا يعكس إحدى مظاهر أزمة المفاهيم المتناقضة التي تعاني منها القضية الجنوبية والحراك الجنوبي منذ انطلاقته..
ثانياً: أن الجدل أو بالأصح الضجة الدائرة حالياً حول شرعية أو صواب اعلان 21مايو94م ، ليس إلا من قبيل التوظيف الاعلامي لأزمة المفاهيم (الرؤى) التي تعاني منها الثورة الجنوبية ، في خلافات القيادات والرموز الجنوبية الدائرة منذ عدة سنوات، حيث مثلت تلك الضجة ردة فعل عن دعوة الرئيس البيض لإقامة فعالية كبرى بذكرى ذلك الإعلان، وهذا أمر مؤسف جداً ومخجل بحق الجنوبيين جميعاً، ذلك أنه بدلاً من العمل الحثيث على تأصيل مفاهيم وأسس ومنطلقات القضية الجنوبية السياسية والقانونية تأصيلاً منهجياً علمياً صحيحاً ، نلجأ الى توظيف تقصيرنا وإهمالنا بشأن ذلك ، في تصفية خصومات وحسابات شخصية أو سياسية بصورة فوضوية تثبط الهمم وتثير الضغائن بين العامة والشباب وتوهن وحدتهم وتخدم المحتل وتضر بالجميع دون أن نشعر، في حين أن منطق العقل والحكمة والمصلحة الوطنية يقضي؛ بأن جميعنا مسئول عن تأصيل مفاهيم ومنطلقات قضايانا الوطنية الكبرى تأصيلاً منهجياً سليماً، وأن يكون نقدنا لبعضنا بشأنها نقداً بناءً مستهدفاً الصلاح والإصلاح لمن ننتقده، لا فساده وإفساده أو افشاله..
ثالثاً: للتأكيد على أن الضجة الاعلامية المثارة حالياً حول الدعوة لإقامة فعالية 21مايو ليست من قبيل النقد البناء ولا من قبيل النصح وتصحيح الاخطاء أو تأصيل المفاهيم ، حتى وإن كانت نوايا المتبنين لها حسنة، سأبرز هنأ بعض الشواهد على ذلك:
1) يؤسس المنتقدون لإعلان استعادة الدولة في 21مايون94م انتقادهم على اسس ومنطلقات ومعايير خاطئة في معظمها، حيث يخلطون بين عناصر وشروط صحته(شرعيته ومشروعيته) كقرار سياسي سيادي، وبين آثاره ونتائجه على القضية الجنوبية بوضعها الراهن، بينما منهج التحليل القانوني يفرق بين صحة التصرف كعمل قانوني وبين ملائمة أو عدم ملائمة آثاره ونتائجه على اطرافه، بمعنى آخر أن منهج التحليل والتأصيل القانوني لقرار استعادة الدولة في 21مايو94م ، لا يهتم ولا يعبأ بما إذا كان ذلك القرار يخدم القضية الجنوبية بوضعها الراهن أو لا يخدمها(ينفعها أو يضرها) ، وهذا التمييز يلتبس حالياً لدى المنتقدين لذلك القرار حيث أنهم تارة يتحدثون عن عدم صحته(بطلانه) وتارة عن أنه يضر القضية ولا ينفعها..
2) تبعاً لما سبق الاشارة اليه ، فإن الحديث عن صفة مصدر ذلك القرار(فرداً كان أو جماعة أو هيئة) هو من قبيل الحديث عن صحة وبطلان (شرعية) ذلك القرار، والحديث عما تضمنه ونص عليه ذلك القرار ، هو حديث عن آثاره ونتائجه، وبالتالي فإن من ينتقد ما تضمنته الفقرة الخامسة من ذلك القرار من أن دستور الجمهورية اليمنية، يعد دستوراً مؤقتاً لدولة جمهورية اليمن الديمقراطية..الخ فإن ذلك النقد ينصب حول آثار ذلك القرار وليس حول صحته، وبالتمعن في ذلك يتضح أنه لا إشكالية حقيقية في تلك الفقرة من شأنها أن تعيق تنفيذ ذلك القرار أو تفرغه من مضمونه الذي جسدته الفقرة الأولى منه بنصها : (تعتبر جمهورية اليمن الديمقراطية دولة مستقلة ذات سيادة في اطار المحافظات الست الجنوبية والشرقية المكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً، وعاصمتها عدن، وهي جزء من الأمة العربية والإسلامية) ومن ثم فالفقرة الخامسة من القرار قد نصت على استعارة مؤقتة لدستور الجمهورية اليمنية لتنظيم المرحلة الانتقالية المحددة بسنة واحدة حسب الفقرة (12) من ذلك الاعلان والتي ستتولى خلالها الجمعية المؤقتة للإنقاذ الوطني بإعداد الدستور الدائم للجمهورية المعلن عنها وفقاً للفقرة (14/ج) من ذات الإعلان..
أما من يستدلون بنص المادة الأولى من دستور الجمهورية اليمنية التي تنص على أن الجمهورية اليمنية وحدة واحدة لا يجوز التنازل عن أي جزء منها.. فإن هذا الاستدلال ينصب حول مدى صحة قرار استعادة الدولة وليس حول آثاره، وهو استدلال فاسد ، لأن مؤداه بأن ذلك النص قد جعل الوحدة بين الشمال والجنوب وحدة أبدية لا يجوز لأي طرف الرجوع عنها تحت أي سبب ، وتبعاً لذلك، فإن إعلان 21مايو94م باطل ولو لم ينص في فقرته الخامسة على اعتبار دستور الجمهورية اليمنية دستوراً مؤقتاً للدولة المعلن عنها، كما أن مطالب الجنوبيين اليوم بالاستقلال واستعادة الدولة باطلة وغير جائزة طبقاً لذلك النص..الخ والحقيقة أن دلالة منطوق ومفهوم ذلك النص لا تدل على ذلك المعنى، وإنما هو نص شائع وروده في كثير من دساتير العالم ويقصد به عدم جواز التنازل عن سيادة الدولة على أي جزء من أقليمها للغير الأجنبي، وهذا لا ينطبق البتة على مطالب الجنوبيين باستعادة سيادتهم على أرضهم..
ومما سبق يتضح بأن النقد الموجه للفقرة الخامسة من اعلان قيام الدولة أو فك الارتباط حسب التسمية الراهنة، لا يستند الى أساس واقعي سليم..
رابعاً: ما أشرت اليه سابقاً ليس من قبيل البحث والدراسة التأًصيلية لإعلان قيام الدولة بتاريخ21مايو94م ، بل من قبيل الاشارة الموجزة للتدليل على عبثية الجدل الدائر حالياً حول ذلك الاعلان لعدم استناده على منهجية علمية سليمة، وتحوله الى تنابز بالتهم والألقاب التي تبعثر الجهود وتحبط المعنويات، وتصب في مجرى الهجمة الممنهجة للتشويه والتشويش على ثورة شعب الجنوب العظيم وتضحياته الجسام في سبيل الحرية واستعادة السيادة على أرضه ووطنه
ولا ينبغي للجنوبيين أن يكونوا معاول هدم لثورتهم وتضحياتهم وآمالهم النبيلة.. ومما هو جدير بالملاحظة والتنويه، أن معظم النسخ المنشورة لإعلان 21مايو94م فيها تصحيف وحذف وإضافة عما هو بالأصل... فلأجل ماذا يحصل كل هذا العبث؟؟؟!!!