متابعة 20
فإن قيل: فأين حظ الجزء الناري؟
قيل: هٰذه مسألة تكلم فيها الأطباء، وقالوا: إن في البدن جزءاً نارياً بالفعل، وهو أحد أركانه واسطقسَاته.
ونازعهم في ذلك آخرون من العقلاء من الأطباء وغيرهم، وقالوا: ليس في البدن جزءٌ ناري بالفعل، واستدلوا بوجوه:
أحدها: أن ذلك الجزء الناري إما أن يدعى أنه نزل عن الأثير، واختلط بهذه الأجزاء المائية والأرضية، أو يقال: إنه تولد فيها وتكون، والأول مستبعد لوجهين، أحدهما: أن النار بالطبع صاعدة، فلو نزلت، لكانت بقاسرً من مركزها إلى هذا العالم. الثاني: أن تلك الأجزاء النارية لا بد في نزولها أن تعبرَ على كرة الزمهرير التي هي في غاية البرد، ونحن نشاهد في هذا العالم أن النار العظيمة تنطفىء بالماء القليل، فتلك الأجزاء الصغيرة عند مرورها بكرة الزمهرير التي هي في غاية البرد، ونهاية العظم أولى بالأنطفاء.
وأما الثاني؛ وهو أن يقال: إنها تكونت هاهنا، فهو أبعد وأبعد، لأن الجسم الذي صار ناراً بعد أن لم يكن كذلك، قد كان قبلَ صيرورته إما أرضاً، وإما ماءً، وإما هواء لانحصار الأركان في هذه الأربعة، وهذا الذي قد صار ناراً أولاً، كان مختلطاً بأحد هٰذه الأجسام، ومتصلاً بها، والجسم الذي لا يكون ناراً إذا اختلط بأجسام عظيمة ليست بنار ولا واحدٍ منها، لا يَكون مستعداً لأن ينقلب ناراً لأنه في نفسه ليس بنار، والأجسام المختلطة باردة، فكيف يكون مستعداً لانقلابه نارا
|