عدن بين الالغاء والبقاء

[تحرير الجنوب]

عدن بين الإلغاء والبقاء
الوسط -الأربعاء , 15 أبريل 2009 م
كتب/ د.علي جارالله اليافعي


البداية عدن بين الإلغاء والبقاء (حكاية)، وجيلها الحاضر هو من يرسم لجيل المستقبل الطريق الذي يسلكه؛ لأنه هو من يتابع على الساحة اليمنية التطورات ويطالب بتحقيق العدالة
ويفند تغيير الحقائق ويرفض تزوير التاريخ من قبل البعض كما زُوّر وغيّر سابقاً وصُور في ثورة (48) ضد الإمام يحيى -رحمه الله- بصورة الثورة ثم نقل للأجيال بصورة مغايرة مخالفة للحقيقة وإذا ما سطرنا اليوم التاريخ -أعني تاريخ النضال- فإننا سنحتاج إلى أجيال وأجيال تناضل وتكتب حتى تنقح وتصل إلى الحقيقة المطلقة ولهذا نقول إن التاريخ يحتاج إلى تحرير وصدق ووعي وتجرد حتى نستطيع أن نصل إلى الحقيقة المجردة عن التعصب والتقييد والتزوير الذي يساير الأحداث اليوم في الجنوب(الحراك السلمي) بل وفي الشمال معاً(الأحداث في صعدة).
لكننا اليوم نتكلم عن عدن اليوم، وعندما نتكلم عن عدن فنحن نتكلم عن كل شيء في عدن يعني نتكلم عن الكفاح والظلم والسعادة والحزن نتكلم عن ترابها ورمالها وجبالها وبحرها بل نتكلم عن تاريخها القديم وحاضرها المؤلم ومستقبلها المجهول؛ لماذا؟ لأن عدن قصة وغُصَّةُ وحكاية ترويها الأجيال من جيل إلى جيل بدماء الأبطال، أبطال التاسع عشر من يناير(1839) مثلاً يوم بدأ الاجتياح البريطاني لعدن، يومها أثبت فيها الأجداد أن البلاد ليست سهلة المنال أمام الطامعين أبداً، وكأنهم قالوا للبريطانيين في حينها لا تفرحوا فقد رأيتم منا ما رأيتم وسوف نربي أبناءنا على ما رأيتم وسوف تخرجون من هنا من البحر من حيث دخلتم. إلغاء عدن استمر حتى وثيقة الاستقلال في 29/من نوفمبر وإعلان الوفد المفاوض الاستقلال للجنوب اليمني في 30/من نوفمبر(1967) يوم الجلاء ورحيل آخر الجنود البريطانيين عن عدن، ثم ألغيت في نظر الكثير يوم تحولت من عاصمة لدولة إلى محافظة رقم (2) ثم ألغيت بعد حرب صيف (94) إلغاء كليا وحقيقياً فصارت من محافظة رقم(2) إلى محافظة ضمن محافظات الجمهورية وهي تحاول اليوم استعادة مكانتها وجغرافيتها وتاريخها ومكانتها الإستراتيجية.
وعندما نتكلم عن إلغاء عدن فنحن نقصد الصمود والبقاء؛ لأننا نتكلم عن عدن التي تتحكم بباب المندب، عدن التي تعتبر بوابة الجنوب للبحر الأحمر، عدن التي عرفت قبل ثلاثة آلاف سنة، عدن التي حكمها الزياديون والنجاحيون والصلحيون والزريعيون والحاتميون والأيوبيون والرسوليون والطاهريون والعثمانيون والزيديون والبريطانيون فكان لكل دولة أو حكمٍ فيها حكاية، حيث روت الرفض والقبول وسجلت في رمالها وجبالها وخليجها تاريخ البطولات والعطاء، فكتبت في صيرة بدماء الأبطال روايات تحكي جيلاً ويرسل لجيلٍ آخر اللواء والأمانة، أمانة إبقاء عدن قيد البقاء من جيل إلى جيل ومن زمن إلى زمن، إلى أن تخرج النار من قعرها تسوق الناس إلى أرض المحشر، كما جاء في الحديث الشريف :" ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذر والنمل".
حقيقة الموضوع هو ابسط من ذلك والكلام فيه لا يحتاج إلى إنشاء بل مجرد ذهابك إلى عدن والتجول فيها أو بمرافقها الحكومية ستجد أنها أصبحت مسرحاً وملاذا للصوص ومحمية لأصحاب النفوذ على حساب المواطن البسيط الذي أصبح لا يؤمن بتغيير الوضع القائم بطريق الديمقراطية التي أصبحت جزءاً من أولئك الفاسدين وجلباباً لجوهرهم وبقاء لآلامهم وأحزانهم هناك وأنت تتجول ستجد الإنسان العدني الذي كان بالأمس مرتبطاً بها ستجده يحكي لك الصورة الحقيقية لعدن، التي قد لا تستطيع مخيلتك إلمامها مثلاً بل ستجد في وجوه العدنيين عدن الملغية أو المنسية وستجد كل شيء يشبه صورا مرت في تاريخ عدن بالأمس البعيد وإذا أمعنت في تفسيرك للوضع ستجد روح النضال من أجل البقاء في عيون أبنائها كل أبنائها دون استثناء.
وهنا سأضرب لك مثالاً أخي القارئ الكريم، عادة لا أخرج من بيتي إلا للضرورة فأنا معتكف في مكتبتي وبين بحوثي وفجأة رن التلفون فإذا به إنسان عزيز على نفسي قادم لزيارة اليمن من المملكة العربية السعودية، الطائرة ستصل بحدود الساعة السابعة ليلاً ومن المفترض أن أكون هناك لاستقباله في مطار عدن الدولي (كما يجب أن يكون) وعند وجودي في المطار اندهشت حين وجدت المطار شبه خالٍ من الناس إلا من بعض مستقبلي الركاب أمثالي وبعض الموظفين هنا وهناك وعند استقبالي للزائر فوجئنا أن حقيبة الزائر غير موجودة فتأخرنا قليلاً لنعرف سبب اختفائها -والذي علمنا بعد أيام أنها ما زالت في مطار جدة- وهناك وجدنا المطار وكأنه محل تجاري، أو سوق تجاري بسيط، ذهب الركاب وذهب طاقم الطائرة وذهب مدير المطار وذهب الموظفون ولم يبق في المطار غيري والزائر وقليل من الحراس، فسألت شخصا في المطار(موظف مناوب) فقال خلاص أكثر الرحلات والعمل في مطار صنعاء الدولي (نوع من أنواع الإلغاء) فقلت حينها للزائر ممكن نروح؛ لأن المكان أصبح شبه مظلم وبقاؤنا لا يعني شيئاً.
وبعدها بيوم قال الزائر لي إن عنده زائر من جنسية (....)؟ مقيم في المملكة العربية السعودية وهو يحب أن يزور اليمن وفي القنصلية في جده أخبروه إنه لا يستطيع القدوم إلا بطلب شخصي من الهجرة في اليمن عدن أو صنعاء وتوجهنا إلى عدن (الهجرة) وقدمنا طلب زيارة إلى مدير الهجرة وهناك في مكتب المدير وجدناه يتبادل السباب مع شخص يعرفه يعني يمزح معه وهو جالس بدون عمل يقرأ الصحيفة فلما قدمنا له الطلب فاجأنا بقوله هذه المعاملة ليست عندنا بل في صنعاء (نوع من الإلغاء) فقلت له مباشرة وبدون تفكير (هل ألغيت عدن؟) فأجاب بكل بساطة هذا كلام كبير وأنا لا أقبله في مكتبي! وهنا انتهى الحديث، والشاهد من الكلام الآتي:-
هل ألغيت عدن؟ بين نعم، ولا، الجواب عند العدنيين بل عند كل أبناء الجنوب الذين تضرروا حين أُلزموا بالروتين القاتل في كل المعاملات بالذهاب إلى صنعاء دون مراعاة الظرف الاجتماعي للموطن الفقير -والأغلبية تحت خط الفقر- والذي يسكن في المحافظات الجنوبية البعيدة عن صنعاء والذي لا يربطه بصنعاء الكثير غير أنها العاصمة وحسب يعني أنه لا يملك المال ولا يملك الأقرباء والمعرفة، فإذا وصل إلى صنعاء تخطفته يد الردى وأصبح كالضائع بين تلك الدوائر الحكومية التي سيطر عليها الفاسدون واللصوص وتملكتها أسر دون أسر وكأنها أماكن خصصت لما وضعت له، كل إدارة تنافس الإدارة الأخرى بنظام السلب والنهب.
أخي القارئ نحن اليوم في الجنوب أو في عدن نريد أن نهرب إلى المستقبل ومع ذلك فنحن لا نستطيع أن نتجاوز الماضي ولا نستطيع أن نتجاهل الحاضر، لأن الحزن مادة الوصل بين الفترتين ومهما هربنا فنحن نهرب من أحزان الماضي إلى أحزان الحاضر كالذي يهرب من الهروب إلى الهروب ومن الموت إلى الموت ومع ذلك فالزمن هو ذاك الماضي وهذا الحاضر ومستقبل يرسمه الإنسان لكن لا يحدد فيه القانون النهائي الذي يعتبر فيصلا بين الحقيقة والخيال إلا أننا نهرب إلى المستقبل ولو كان مجهولاً من ناحية التقدير ومع ذلك فنحن نهرب إليه لكن لا نحدد مصيرنا فيه وإن رسمناه وتخيلناه، لماذا؟؛ لأنه مجهول معلوم، ولو كنا نستطيع أن نهرب إلى الحقيقة المطلقة لما تكررت الأخطاء وما هربنا إلى الخيال الذي يحتمل الحقيقة ويحتمل العدم، ولأصبح الجنوب اليمني أو عدن كما نريد أن نتصورها في عقولنا، إلا أننا لا بدّ أن نهرب إلى المستقبل ولو استمرت الأحزان وتكررت الأخطاء؛ لأن التوقف لا يعني الحل وهذا يعني البقاء. نعم البقاء الذي يرفض استمرار الحزن ومعاناة أبناء عدن بل والمحافظات الجنوبية التي أخذت نصيبها من التهميش وعدم الاحترام والمساواة بينها وبين المحافظات الشمالية فبدأت الأصوات ترتفع من هنا وهناك تطالب بالعدل من كل فئات وأطياف أبناء الجنوب مع اختلافاتهم الفكرية أو المنهجية كلهم قالوا بأعلى صوتهم لا لكل مسببات الأحزان، وإلغاء عدن يعني إلغاء شعب الجنوب بأسره، بثقافته، بنضاله وهذا مستحيل.