((( السقف العالي )))

[بوعمر]

السقف العالي




مقدمة :
هارولد بيلي :
ارتعدت اعضائي عند سماعي اصرار وفد الجبهة القومية في المفاوضات على ضم دولتهم الجنوب العربي إلى دولة عدوهم التاريخي المعرفة باسم اليمن ...








لن يجرؤ أحد من كان أن يتجاوز حتمية مواجهة التاريخ الصحيح ، فلكل أجل كتاب ، وها نحن واليمن ، وحتى المتيمننيين نقف وجهاً لوجه ، فالصراع الذي يصل إلى غايته القصوى يكاد أن يتحول إلى حبل غليظ يلتف على رقاب الشرذمة التي حاولت زمناً بعيداً جرنا إلى متاهات في دروب ظل اصحابها هداهم فها هم اليوم أمام التاريخ يقفون عاجزين ...

لقد قلنا سابقاً بأن يوم زنجبار سيكون له تبعاته التالية ، وأن لهذه التبعات تجاوزات لابد وأن تضبط فيها الأمور بمقدار مسؤولية رجالات الوطن كل في موقعه ، وكل في طريقه نحو تحرير الجنوب العربي ، وفيما يخرج من يخرج من أقزام اليمن يشدون من عزم قيادتهم مطالبين بفتح فوهات البنادق لحصد كل أرواح القاطنين بالجنوب العربي ، فالدعوة للحرب المفتوحة بدأت في اليمن تداول ن وقريباً ستخرج صكوك الجنة للمتقدمين إلى معركة الجنوب العربي ، في هذا السبيل أليس حري بنا أن نعيد قراءة ما نحن .. فنحن الجنوب العربي ...

قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في 11 ديسمبر 1963م الخاص باستقلال ووحدة الجنوب العربي في ما يلي نص القرار

وأخيرا قدمت لجنة تصفية الاستعمار تقريرها عن قضية الجنوب العربي - عدن والمحميات-بواسطة اللجنة الرابعة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ونوقش التقرير في النصف الأول من شهر ديسمبر سنة 1963م وتحدث كثير من الوفود حول القضية منددا بالاستعمار البريطاني وعدوانه وتلكؤه في تنفيذ نص الإعلان العالمي بتصفية الاستعمار بالنسبة للجنوب العربي وامتناعه عن السماح للجنة الفرعية بدخول المنطقة 0 وقد وافقت الجمعية على هذا هو التقرير المختص بعدن التقرير كما أصدرت في 11 ديسمبر 1963م بأكثرية 77 صوتا ومعارضة 10 أصوات وامتناع11 عضوا عن التصويت منهما اليمن
أن الجمعية العامة: وبعد إن وضعت في اعتبارها الفصل الخامس من تقرير اللجنة الخاصة بالنظر في تطبيق الإعلان القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وهو التقرير المختص بعدن وإذ تشير إلى قراراتها رقم 1514 الصادر في ديسمبر 1960م ورقم 1954 الصادر في 27 نوفمبر 1961م ورقم1810 الصادر في 17 ديسمبر 1962م وإذ جعلت نصب عينيها الرغبة الاجتماعية التي أعرب عنها للجنة الفرعية المختصة بعدن في الإنهاء العاجل للسيطرة الاستعمارية وإذ أحاطت علما بالرغبة القوية للسكان في وحدة المنطقة وإذ تعرب عن اهتما مها العميق للأحوال المتردية في المنطقة وان استمرارها قد يؤدي إلى اضطراب خطير ويهدد الأمن الدولي ويعكر صفوه0 وبعد إن اقتنعت بضرورة استشارة شعب المنطقة في اقرب وقت ممكن

1 ـ تصادق على تقرير اللجنة الخاصة بتطبيق الإعلان العالمي القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة وتؤيد استنتاجات وتوصيان اللجنة الفرعية المختصةبعدن0

2 ـ تعرب عن أسفها البالغ لرفض حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وشمال ايرلندا التعاون مع اللجنة الفرعية المختصة بعدن خاصة رفضها السماح للجنة الفرعية بالذهاب إلى المنطقة تنفيذا للمهمة التي كلفتها بها اللجنة الخاصة 0

3 ـ تؤيد قرارات اللجنة الخاصة التي أصدرتها في 3 يونيو 1963م و19 يوليو 1963م0

4 - تجدد التأكيد بحق شعب المنطقة في التحرر من الحكم الاستعماري وتقرير المصير طبقا للإعلان العالمي القاضي بمنح الاستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة

5 - تعتبر إن الاحتفاظ بالقاعدة الحربية في عدن يلحق أضرارا يكدر صفو الأمن في تلك الجهات ولذلك فان إلغاؤها العاجل أمر مرغوب فيه 0

6 - توصي بوجوب السماح لشعب عدن ومحمياتها بمزاولة حقه في تقرير مصيره بالنسبة لمستقبله على إن تتخذ مزاولة ذلك الحق شكل التشاور بين جميع السكان يجرى في فرصة ممكنة على أساس من حق التصويت العام لكل البالغين 0

7 - تطالب الدولة صاحبة الإدارة بان0

أ - تلغي كافة القوانين التي قيدت الحريات العامة.

ب - تطلق سراح السجناء والمعتقلين السياسيين والمحكوم عليهم لقيامهم بنشاط ذي طابع سياسي0

ج - تسمح بعودة المنفيين أو اللذين منعوا من الإقامة في المنطقة لنشاطهم السياسي0

د - إن تكف في الحال عن جميع عمليات القمع ضد شعب المنطقة خاصة توجيه الحملات العسكرية إلى القرى وقصفها 0

8 ـ وتطالب الدولة صاحبة الإدارة إن تحدث التعديلات الدستورية الضرورية لغرض إقامةجهاز تمثيلي وإقامة حكومة مؤقتة لعموم المنطقة طبقا لرغبات السكان على إن يقام ذلك الجهاز التمثيلي وتلك الحكومة بناء على انتخابات عامة تجري على أساس من حق التصويت العام لكل البالغين مع المراعاة الكاملة لحقوق الإنسان الأساسية وحرياته السياسية 0

9- ترجو السكرتير العام بالتشاور مع اللجنة الخاصة والدولة صاحبة الإدارة أن يرتب وجودا فعالا للأمم المتحدة قبل الانتخابات المشار إليها وأثناءها 0

10 - وصي بوجوب أجراء هذه الانتخابات قبل نيل الاستقلال الذي سيمنح طبقا للرغبات التي يبديها السكان بملء حريتهم 0

11 ـ توصي بوجوب عقد محادثات دون إي تأخير بين الحكومة التي تسفر عنها الانتخابات السالفة الذكر وبين الدولة صاحبة الإدارة لغرض تحديد موعد الاستقلال وترتيب نقل السلطة 0

12ـ ترجو السكرتير العام إن يبلغ هذه القرارات إلى الدولة صاحبة الإدارة وان يقدم تقريرا إلى اللجنة الخاصة حول تنفيذها 0

13 ـ ترجو اللجنة الخاصة إن تدرس الحالة في عدن مرة أخرى وان تقدم تقريرا عنها إلى الجمعية العامة في دورتها التاسعة عشر0


لقد عرف الجنوب العربي رجال وطنيون لم يعرف لهم العرب مثيلاً ، رجال أرادوا استقلالاً حقيقياً لوطنهم ، استقلال لا يرتبط بعهود ومواثيق هزيلة ، بل لأنهم هامات شامخة جداً كانت طموحاتهم بمدى الأفق الواسع ، فكان على بريطانيا العظمى أن تدفع التعويضات عن احتلالها لمدينة عدن عن مائة وثلاثين عاماً ، المسألة عند المناضل شيخان الحبشي يرحمه الله لم تكن مجرد استقلال وجلاء فحسب بل معاقبة المحتل على احتلاله ليعلم أنه احتل وطناً فيه أمة ناهضة فالحة ، ها نحن نجرد التاريخ العربي أي ثورة من ثورات العرب كانت تفكر في معاقبة المحتل ، السوريين المصريين الجزائريين الليبيين كل العرب كانوا وسيضلون أمام السقف الجنوبي العربي العالي أقزاماً وحتى كثير من بلدان العالم تأخذهم بريطانيا إلى ما أسمته دول الكومنولث ، وايطاليا صنعت لمستعمراتها نادياً ، وهولندا تجمعهم كل عام لتناول كوباً من الشاي ...

لطالما تأملت في مكنون السقف العالي الذي وضعه شيخان الحبشي إبان مفاوضات الاستقلال ، هل كان بالفعل يمتلك أدوات القوة اللازمة لمقارعة بريطانيا ؟؟ ، هل كانت تجربته في الشرق الأقصى هي من منحته هذا التصميم لشروط استقلال الجنوب العربي ؟؟ ، هل كانت بريطانيا العظمى بهذا الضعف والوهن لتقبل شرطاً تعجيزياً ؟؟ ، أسئلة كثيرة لكنها تصل إلى إجابة واحدة أن الجنوب العربي كان متوحداً في داخله ، في قراراه ، في اجتماعه ، لم يكن تحالف شيخان ومحمد علي الجفري والسلطان العبدلي تحالفاً ينظر إلى الاستقلال فقط كهدف استراتيجي بل كان الاستقلال هو مرحلة من مراحل بناء الوطن ...

الاستقراء في تاريخنا ليس مجرداً من نقد الذات الجنوبية العربية الحاضرة ، غياب الوعي بمفهوم الوطن الجنوبي العربي هو أشبه بالانتحار الذي مارسه قبلنا العراق عندما ظن من ظن أن العراق شيعة فقط ، وإذ في العراق سنة وأكراد ووطنيين وأشياء يوم بدت كان العراق في قبضة المجهول ، تاريخنا الذي كلما استعدنا شيء من قبساته استدركنا كم نحن اليوم في مأزق من الخطأ القفز عنه وتناول الأمور كأنها شيء عابر يسهل تصحيحه ...

فيما أن بعضاً من أبناء الوطن الجنوبي العربي مازالوا يخجلون من الانتماء لهذا الجنوب لأنهم يعتبرون أن ما قبل 22 مايو 1990م هو المسار الذي يجب أن يستعاد فحسب ، هم فقط يخجلون ، وغيرهم يقبلون باستعادة الوطن الجنوبي العربي كاملاً لا ينقص منه شيء لأنهم يريدون استعادة وطن ما قبل 30 نوفمبر 1967م ، وفي المنتصف يقف أصحاب العيون الضيقة من يبحثون عن مصلحة ولو كانت عند رئيس دولة الاحتلال اليمني علي عبدالله صالح ، وإن جاء الاستقلال فسيعمدون إلى مصالحهم الرخيصة التي لا تساوي تضحيات الوطن الكبيرة ...

في كل يوم علينا أن نترقب بيان صادر عن مجلس قيادة ثورة ، وعلينا أن ننتظر بيان لمجلس هراء آخر ، وعلينا أن نقرأ بيان لتشكيل فارغ ، ولدينا قيادة سياسية لا نعلم أهي معنا أم هي تنتظر يوم مجزرة لتصدر بيان استغاثة ، يدعون إلى مؤتمر عام ويحددون كل شيء ولا يبقى غلا أن تلتقط الصور في قاعة المؤتمر ، كل هذا الهراء في كفة ، وفي كفة أخرى شارع ملتهب فيه عظيم يأتيه الإنذار أن لك ثلاث ليالٍ وإلا ..!! ، فيأتيهم الجواب في اللحظة والتو لن أخرج إلا شهيداً ....

لنتأمل في المشهد الفلسطيني ، حماس من طرف والسلطة من طرف كلهم يقولون بتحرير فلسطين ، وكلهم يقتلون بعضهم ويعتقلون بعضهم ويكرهون بعضهم ويخونون بعضهم ، وكل يصدر في الصباح بيان ، وعند الظهيرة بيان ، وعند العشاء بيان ، وفي نهاية الأمر هم تحت الاحتلال لا يستطيعون إيصال الخبز إلى بيوتهم بغير موافقة سلطة الاحتلال ، شيء من العقل والتدبر إلى كل الباحثين والعاملين على تشكيل القوى المدعية للوطنية الجنوبية العربية ، والذين لا يكفون من إصدار بياناتهم وصناعة تشكيلاتهم من خولكم بكل هذا ...؟؟؟

لن يفرط الجنوب العربي بكل تضحيات قدمها ، بأرواح شهداء ، بجرحى ومعتقلين ، بأمهات مكلومات ، باليتامى والزوجات الأرامل ، بالصغار الذين عرفوا أبائهم في المعتقلات تهان كرامتهم بيد المحتل اليمني الغاشم ، كل هذا وأكثر من هذا إنما يضع السقف العالي لكل الجنوب العربي حتى وإن جاء من جاء يرسم خارطة طريق لاستقلال ، ويعد بأن فصيله وتشكيله سيفعل كذا وكذا ، كل هذا لن يحوي مشروعاً سياسياً يرتكز على أساس أن الجنوب العربي بريء كامل البراءة من ما بعد الثلاثين من نوفمبر 1967م ، وأن أي مفاوضات مع المحتل ، وحتى خوض معركة حرب لن تقبل بغير هذا السقف ...

لقد شكل المناضل حسن باعوم حفظه الله نقطة التحول الكبرى في مفهوم النضال السياسي لتحقيق غاية الوطن الجنوبي ، فلقد أخذ المطالب الصغيرة وحولها إلى مطلب كبير سقفه الاستقلال والحرية لكل الجنوب العربي ، لم يضع كثير من نظريات وتحليلات بمقدار ما وضع نطاقاً لصناعة السقف العالي لقضية الجنوب العربي ، وقد تكون هنالك اختلالات ما ولكنها أضحت فيما بعد قضية لابد أن يستوعبها الجميع ويتعاطى معها كل الوطن الجنوبي العربي ...

إن شئنا استقلالاً ، فعلينا أن نبني الاستقلال على قاعدة صحيحة ، وان نستدرك من الماضي أخطائنا وعثراتنا ، بل حماقاتنا ، الاستقلال ليس فقط هو غاية بمقدار ما هو مرحلة لها ما بعدها من تبعات ، منها بناء الوطن الجنوبي العربي ، ومنها احتواء الكل ، وتصفية خطايا سنوات الجريمة اليمنية المرتكبة على الأرض الجنوبية العربية ، صناعة الأوطان يلزمها كثير الحنكة ، وكثير جداً من الشجاعة في اعتبار أن الماضي هو جزء للعبرة والعظة وأننا جيل آخر لن يرتضي بغير الثوابت الأولى هدفاً وغاية ...