عين على الصحافه -سيناريو الانقلاب الأبيض بين الممكن والمستحيل

[عبدالله البلعسي]

تحليل إخباري
سيناريو الانقلاب الأبيض بين الممكن والمستحيل آخر تحديث:الخميس ,09/06/2011


صنعاء - “الخليج”:

يتجه مشهد الأحداث المتسارعة في اليمن إلى ترجيح إمكانية منع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن العودة من مشفاه السعودي إلى سدة السلطة في البلاد، عبر إحداث ما يمكن وصفه ب “الانقلاب الابيض”، الذي قد يقوده في حال أثمرت الضغوط الداخلية والخارجية، القائم بأعمال الرئيس الفريق عبدربه منصور هادي، الذي بات مطالباً من قبل أطراف متعددة ونافذة في الداخل والخارج بالتطوع لأداء دور “المنقذ” لما تبقى من مقومات الدولة ووقف حالة الانزلاق الموثوق باتجاه مستنقع الحرب الأهلية الوشيكة . فيما يبدو الأخير أكثر تردداً وتأثراً بحالة متوقعة من الولاء المزمن لشخص الرئيس الغائب والمثخن بجراح غائرة لاعتبارات تتعلق بعلاقة الصداقة الحميمة التي تربط الرجلين، والتي دفعت الرئيس صالح ذات يوم إلى فرض تزكية هادي كنائب أول له على رأس القيادة التنظيمية لحزب المؤتمر الشعبي العام “الحاكم” مع احتفاظه بمنصبه الرسمي كنائب لرئيس الجمهورية على خلاف التوجهات التي كانت سائدة في أوساط أعضاء اللجنة العامة للحزب الحاكم، ما يمكن معه تفهم صعوبة الخيارات المحددة والمطروحة على شخص هادي للتعامل مع استحقاقات الظرف الراهن والحرج التي يمر بها اليمن .



انعقاد الرهانات على شخص عبدربه لقيادة المرحلة الانتقالية بين عهدين، ارتكز على اعتبارات من أبرزها كون الرجل المخول بمقتضى الدستور المعتمد والنافذ بتسيير شؤون الحكم في حال عجز الرئيس المؤقت - كما هو الحال الراهن - أو الدائم بإقصائه عن هرم السلطة، سواء بالموت أو الاستقالة الجبرية أو الخلع، إلى جانب كونه يشغل منصب النائب الأول لرئيس الحزب الحاكم، وهو ما يمكن أن يؤمن انتقالاً سلساً وأكثر أماناً للسلطة، في حال تمكن من اقناع “اللجنة الدائمة” المكتب السياسي للحزب بالموافقة على بدء ترتيبات عملية لانتقال السلطة، وهو ما يعني عملياً قيادته “لانقلاب أبيض” على الرئيس صالح ونظامه، وهو الأمر الذي في حال تحققه، سيضع هادي ومناوئي الرئيس في مواجهة حتمية مع “صقور” السلطة العائلية الذين يسيطرون فعلياً على مقدرات القوة الضاربة في المؤسسة الأمنية والعسكرية المتمثلة في قوات الحرس الجمهوري الموزعة في “28” لواء مجهزاً بأحدث الاسلحة والمعدات القتالية، ووحدات القوات الخاصة التي تلقت تدريبات خاصة على مختلف المهارات والتقنيات القتالية من قبل خبراء في الجيش الأمريكي والتي يقودها النجل الأكبر للرئيس صالح، إلى جانب قوات الأمن المركزي التي تحولت خلال العشر سنوات الأخيرة من وحدات أمنية محصورة المهام ومحدودة الإمكانيات والتجهيزات والعناصر، إلى أحد أبرز التشكيلات الأمنية القتالية التي شهد أداؤها وتجهيزاتها خلال السنوات الأخيرة تطوراً لافتاً إلى حد اضطلاعها بدور محوري في توجيه الضربات الأكثر قوة وتأثيراً إلى تنظيم القاعدة، عبر وحدات متخصصة في مكافحة الإرهاب ألحقت مؤخراً بجهاز الأمن المركزي، يقودها نجل الشقيق الأكبر للرئيس العميد يحيى محمد صالح، كما يسيطر هؤلاء على قوات “سلاح الجو” التي تأتمر بتوجيهات من الشقيق الأصغر للرئيس علي صالح .



واعتبر الأكاديمي المتخصص في مجال إدارة الأزمات الدكتور عبد الهادي أحمد القرشي في تصريح ل “الخليج” أن نجاح الضغوط التي تقودها الدبلوماسية الأمريكية ومراكز قوى عسكرية وسياسية وشعبية متمثلة في المعتصمين بالساحات العامة المطالبين بإسقاط النظام الحاكم، في دفع عبدربه منصور هادي إلى الاعتراف بانتقال السلطة والبدء بممارسة الصلاحيات الرئاسية الكاملة لرئيس الدولة، تمهيداً للشروع الفعلي في نقل السلطة بشكل سلمي وسلس سيمثل انتقالاً نوعياً للأزمة السياسية القائمة من مربع المراوحة المستمرة منذ أربعة أشهر إلى مربع التغيير القسري للنظام الحاكم، عبر “انقلاب ابيض” قد يجنب البلاد تداعيات فادحة ومبكرة في حال كان الانقلاب عسكرياً، لا إنه في الغالب لن يمر دون كلفة .



وقال القرشي: “اعتراف اللواء عبدربه منصور هادي المجرد بصفته القائم بأعمال رئيس الدولة لفترة مؤقتة ولسبب فرضه عارض صحي بانتقال السلطة يعني عملياً قيادته “لانقلاب أبيض” على الرئيس ونظامه القائم، كونه سيضطلع وفق استحقاقات هذا الاعتراف بممارسة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية الكاملة ليس لتسيير شؤون البلاد بصفة مؤقتة، ولكن للإشراف على إحداث الانتقال السلس للسلطة من نظام سياسي ماثل إلى نظام سياسي جديد . وفي حال حدوث مثل هذا السيناريو فإن كلفة إحداث هذا الانتقال قد تكون أخف وطأة وفداحة من الكلفة المفترضة لو أن الانتقال تم عبر انقلاب عسكري، لكنه قطعاً لن يمر بدون كلفة لن تكون بسيطة كون “الانقلاب الأبيض” سيواجه أيضاً بعنف من قبل القوات التي يسيطر على قيادتها بشكل فاعل أقارب الرئيس علي عبدالله صالح وعلى رأسهم نجله الأكبر التي ستخوض معركة مصير لاستعادة سيطرة النظام الراهن على زمام السلطة مجدداً في البلاد، بإيجاز اليمن على موعد حتمي مع دفع كلفة التغيير السياسي سواء تم عبر بوابة الانقلاب العسكري أو الأبيض” .



تهافت قوى المعارضة الرئيسة في البلاد ومناوئي النظام القائم من قيادات ائتلاف العسكر المنشق وزعماء القبائل وحتى شباب الثورة المعتصمين بالساحات العامة على استغلال ظرف غياب الرئيس صالح وابرز أركان نظامه الحاكم عن مشهد الأزمة والسلطة في البلاد عبر تركيز الضغوط على شخص نائب الرئيس والقائم بأعماله لدفعه إلى الشروع الفوري في نقل السلطة بشكل سلس وآمن عبر الاعتراف أولا بجزئية الانتقال القسري للسلطة والتعاطي مع شرعية هرم النظام القائم باعتبارها تتقاطع مع استحقاقات شرعية ثورية قائمة ومتصاعدة في البلاد .



يحدث ذلك مع تزامن ضغوط دولية مساندة يمارسها العديد من القوى المؤثرة على رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الرجل الذي تحول محيط منزله بمنطقة حده الذي استهدف مرتين خلال أقل من أسبوع من قبل مسلحين مجهولين إلى ساحة لمسيرات حاشدة نظمها المعتصمون في ساحة التغيير بصنعاء لمطالبته بالإسهام الفاعل في بدء المرحلة الثالثة من الفعل الثوري المتمثل في انتقال السلطة، إلا أن نجاح مثل هذه الضغوط في دفع اللواء عبدربه منصور هادي الذي يمثل احد أبرز أركان نظام حكم الرئيس علي عبدالله صالح إلى قيادة الانقلاب الأبيض على الأخير ونظامه بأقل سقف من الكلفة لا يزال مرهوناً ليس فقط على مدى قدرة كافة هذه الأطراف على ممارسة الفعل المؤثر في الحد من تداعيات النزيف المرتقب والناجم عن ردة فعل عنيفة ومتوقعة من قبل القوات الموالية للرئيس صالح تجاه أية محاولات انقلاب قسري على النظام القائم ولكن حتى على حقيقة الاستعدادات المتاحة لدى شخص اللواء هادي للتطوع بإطلاق رصاصة الرحمة على رأس النظام المتهالك وإدارة ظهره لحليفه وصديقه الحميم والجريح في غمرة ظرف استثنائي حرج تمر بها اليمن قد يكون التشبث فيه بأواصر الولاء لشخص واحد بمنزلة تخل عن وطن وإيذان ببدء خيارات تصعيد مغايرة وأكثر كلفة لإحداث التغيير المنشود للنظام من قبيل تشكيل مجلس انتقالي من قبل الثوار الشباب في الساحات أو إحالة خيار الحسم لتشكيلات العسكر المنشق وميلشيات القبائل المسلحة، وهو ما سيفرض بالضرورة إفراد مساحة لاحتمالات ممكنة من قبيل اختطاف الثورة الناشئة واختزال مشهد التغيير في مشاهد قاتمة لصراعات دامية وضارية بين قوى متنافسة على الاستحواذ على السلطة .
http://www.alkhaleej.ae/portal/03019...c174711bf.aspx