أني احلمُ بوطنٍ من نور ِوشعبٍ كالملائكة

[أبو عامر اليافعي]

في ليلة من ليالي العمر التي لا نديد لها وبأجواء تزف البشرى بمقدم الربيع الجميل توسدت الفرح وافترشت ماء سلسبيل وتدثرت بغمام أبيض حاني رأيت في منامي ما لم أره فيما مضى من عمري المتعب المنكود وحالي المهدود ولم يخطر على قلبي قط أن أرى هذا الجمال وهذا الصفاء والسعادة .

رأيت حلم لا استطيع أن أصفه ولا يمكن لعقلي أن يتخيله وخمنت حينها أن هذه هي الجنة الموعودة للمؤمنين الصادقين أصحاب الميمنة والسابقون السابقون والمضطهدون والمستضعفون .

لا ادري كيف وجدت نفسي في ارض تسحر القلوب وتأخذ العقول كل مأخذ ولكن قيل لي هذه هي بلادك وهذا هو وطنك وهؤلاء هم اهلك.

طاف بصري في كل ماهو مدا للإبصار وشاهدت سهول ومراعي ووديان وهضاب خضراء كأجمل ماتكون الطبيعة وفي أزهى لون لثوب قشيب لا يمكن للعقل الإنساني أن يجاريه بأي حال من الأحوال منظر يسعد النفوس وأطلقت حينها زفرة حراء لفظت فيها كل ما عانيت وما تألمت في حياتي بزفرة واحدة فقط وإذ أنا اسعد إنسان والسعادة تتملكني من قمة راسي إلى أخمص القدم.

رأيت جبال بألوان سوداء وبنية وفي قممها وهج ازرق يجذبك بشدة ما تكتنفه من أسرار ربانية لتفتح أمامي صورا أخاذة للكون الفسيح.وجدت نفسي في قرية بيوتها صغيرة وبسيطة ولكنها منسقة وجميلة بشكل بديع واعتقد أن توقيت ما رايته كان بين الظهر والعصر السماء تمطر بهدوء اشعر بزخات المطر تلامس جسمي ولا أتبلل برذاذ الماء وهواء عليل تصطدم بي ذراته بكل حياء وخجل وتخترق أنحاء جسدي مدغدغة كل مشاعري وعواطفي وباعثة فوق السرور سرور هواء يشفي النفس السقيمة ويبرأها من كل أذى.

فبينما أنا مستغرق بهذا الجو اللطيف الرائع إذ بأناس قدموا إلي وكأني اعرفهم .. وجوهم ليست غريبة عني ومسحة الملائكة تكتسي وجوههم وبدون أن يعرفوني عن أنفسهم أدركت من هم أناس لأول مرة أشاهدهم وجها لوجه ولكن كأني التقيت بهم ألف مرة وذهبت ابحث عن تلك الوجوه الطيبة فيما مضى من حياتي اسأل نفسي عن حقيقة من يكونوا وماهم عليه ولا إجابة إلا بريق العيون البريئة والابتسامات المذهلة الجميلة وكي لا اغرق في بحور الحيرة قالوا لي الم تعرفنا؟ قلت ربما قالوا إننا نحن الجنوب ، فسألتهم والى أين راحلون؟ أجابوا والابتسامة الساحرة تعلو محياهم: إلى الجنة الموعودة .

ما رايته في حلمي أعلاه ليس كل شيء بل انه لاشيء أمام أمرين رايتهما وتمنيت لو لم أفق من نومي وحلمي إلى ابد الآبدين:

كان هنالك نور يغطي الآفاق نورا لطيفا رائعا ممتعا ولذيذا إلى أقصى درجة يمكن للإنسان أن يتخيلها وتمنيت لو أموت في هذا النور الدافئ الحنون وتمنيت لو حرمت كل متع الحياة لأجل ساعة من هذا النور الرباني الذي امتد إلى أقصى حدود الكون.. شعور لا استطيع أن أصفه ولا يمكن أن يبتدع مثله قلمي أو عقلي أبدا بحدود الوصف الإنساني والكلمات التي في متناول اليد .

نور يأخذك إلى عالم المعقول واللامعقول والدهشة شيء هين أمام مرأى وإحساس ذلك الجمال .

نور من يبعث من شمس حنونة لا حنان يضاهيه في الوجود على حد علمي لأنه حنان رباني مرسل بأشعة تسعد أعماق أعماق النفس.

وكان هنالك في هذه القرية بشر كالملائكة لا حقد ولا ضغينة ولا كراهية ولا حسد قلوب بيضاء بلون الثلج وجوها صافية عذبة تمر في محياها كل معاني الفضيلة والبساطة والوداعة والسلام . شعرت حينها أن لهم بصر يحتضن كل من كان معي .

هل يمكن أن يتخيل الإنسان كيف الشعور بعيون لها أبصار تحتضن القادمون؟

كما قلت لكم لا استطيع أن اصف ما رأيت ولا يمكنكم أن تتخيلوا ما شعرت به .

هذا كان حلمي وصحوت من نومي وحلمي سعيد جدا وفرحا بشوشا وكان ذلك في ساعة متأخرة من الليل.

كنت مشبع من النوم وفي حالة ارتياح نفسي لم أعهدها أبدا وكم أتمنى لو يمر ذلك الطيف الجميل مرات ومرات .

أول ما خطر على بالي أن افعله بعد الاستيقاظ ، هو أن أصلي لله ركعتين شكرا وفضلا منه لما أسعدني به واختصني به من كرمه الوافر العظيم ، ثم اتجهت إلى الكمبيوتر وفتحته وذهبت إلى عادتي الدائمة وهو التصفح لمنتدى الضالع وياليتني ما فعلت فقد هالني مارات وحزنت حزنا شديدا بفعل المقارنة مابين الحلم والواقع .

اقسم لكم بالله أن ما رأيت في الحلم فقد رايته وليس من نسج الخيال بل لم استطع أن انقله لكم كما شاهدته وشعرت به.

وما زلت احلم بوطن من نور وشعب كالملائكة.

لكم التحية.