الرئيس البيض يجمع ،فلماذا الاختلاف ؟ وماذا نريد منه ؟

[أبو عامر اليافعي]

لست من هواة التطبيل للأفراد ولا أهيم عشقا بالقائد الضرورة ولا أؤمن بالزعيم الفلتة ولا استسيغ فكرة الأوحد لأني مقتنعا تمام الاقتناع بان الجماهير هي من تصنع التاريخ وان التطور التاريخي في سياقه هو من يفرض الوقائع ولا احد يستطيع أيا كان أن يوقف عجلة دوران التطور أو يلغيها من الوجود ومع ذلك فللفرد دورا لا يستهان به في تسريع أو إبطاء ذلك التطور التاريخي ولكنه لا يلغيه .
في كل المجتمعات هنالك أفرادا كان لهم دور بارز في حياة شعوبهم سلبا أو إيجابا وغالبا ما كانت أحكام الآخرون عليهم ليست كما ينبغي وكم قادة أنصفهم التاريخ في وقت لم تنصفهم شعوبهم وكم زعماء رقص الناس لهم وكبّر في وقت لم يكونوا منصفين لشعوبهم ولا يعيروهم أدنى احتراما .
الرئيس البيض واحدا من تلك القادة ومن أولئك الزعماء الذين ظلموا من إخوانا لهم بتعمد أو بغير تعمد في منعطفات كثيرة وخطيرة قررت مصير شعب وأثرت تأثيرا عميقا فيه .ربما من مساوئ القدر أن يكون البيض زعيما للجنوب بعد حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس ربما يكون من سوء حظه ومن حسن طالع قوى أكثر سوءا أن تنتهي منظومة الاشتراكية في نفس الزمن الذي كان فيه زعيما للجنوب . ربما كانت الأحداث احدث تسارعا من أن تستوعب في تلك الفترة هي من جعلت الأمور تمضي على هذا النحو التراجيدي والدرامي .
العديد يلوم الرئيس البيض بأنه تسرع في الوحدة والكثير يرونه عمل الصحيح البعض يستدرك ليقول لنا لم تكن الوحدة باستفتاء والكثير يعلم بان الاستفتاء لم يكن أن ينطوي بعيدا عما سار إليه الوضع . كان الجميع وحدويون للخلاص من كل الماضي والحاضر والبحث عن واقعا جميل .لم يكن يدرك لا الزعيم ولا لشعب أن تلك المصيبة هي الأمل المنشود ولقد عمل البيض ماكان سيعمله غيره كنتيجة طبيعية للشعارات البراقة والنضال الطويل لأجل الوحدة ولم يكن باستطاعة أحدا أن يقف ضد هذه الحقيقة أما رغبة فيها أو هروبا من وضع لم يعد مرغوبا وبظني الاثنين معا.قد نختلف مع الرئيس البيض وقد نتفق عما جرى ولكننا نشعر في أعماقنا بأنه لم يكن أمامنا إلا ماقد حصل ولم نجد حينها من يقول عكس ذلك أو يحاول رفضه لان رهبة الموقف في تلك الفترة كانت اكبر من أي قول يمكن أن يقال أن وجد.
حصل ما حصل وانهارت الأحلام وبرزت الحقائق المروعة وكشفت الغولة عن حقيقتها وكشرت الكلاب عن أنيابها وظهرت السوءات والعورات ونشطت الأحقاد في ربيعا دام وصيفا ساخن شربنا فيهما المرارة والألم وتجرعنا العلقم الأمر والهزيمة والشتيمة .تشرد منا من تشرد وطرد منا من طرد كبلونا وكممونا وقتلونا ونحن احياء كل شيء انهار أمام أعيننا وعلى مرأى منا .لم نجد من نلقي عليه السبب والنتيجة إلا ذاك بينما كنا جميعا السبب والنتيجة والضحية والجلاد .ثم أخذنا نبحث عن شيء من بقية كرامة أو هيبة أو وطن أو حتى فتات لقمة نظيفة ولم نجن إلا الحصرم القاتل منا والمقتول المنتصر منا والمهزوم .
كان الآخرون يشربون دمنا وعرقنا وحقنا على نخب المكر والخديعة والفيد والغنيمة .كانت اللطمة بنا شديدة والأماني عنا بعيدة شعرنا بضياع كامل وظلم شامل وحظ مائل وليل اسودا كاحل كنا نظن انه لن يزول حتى انطلق المارد الجنوبي وانتفض طائر الفينيق من بين الرماد كأجمل مايكون وأسمى مما كان وأشرقت النفوس بالأمل وتبدد الخوف والوجل وفي كل منعطف وكل مرحلة كان البيض ماثلا في القلوب عميقا في القلوب كان منا من ينتظره فارسا ومخلصا ومنا من يرى عودته بحكم الضرورة ومنا من يراه أمرا واقعا كحكم القدر بحكم انه من وقع وامهر وأعلن واصدر.
قادة الحراك في كل مناسبة كانوا يناشدون البيض للخروج عن صمته .كتاب ومثقفي الجنوب كم تمنوا وكتبوا المقالات واسترسلوا بالأشعار حبا في ظهور البيض لأجل الجنوب .الجماهير حملت صورة الرئيس البيض على الأعناق وفي الصدور تناشد الرئيس البيض بان لا يخذلها .
في كل ملتقى ومجلس كان الجنوبيون في داخل الوطن وخارجه ينتظرون خروج البيض .كان البعض يريد خطابا والبعض إعلانا والبعض خروجا عن الصمت .كنا جميعا نتمنى منه الكثير الكثير ونطلب منه القليل القليل حبا في الجنوب ولأجل الجنوب .
واللحظة ... خرج البيض عيانا وبيانا وأعلن للجميع وكان كما كنا نتمنى وأكثر ، كان صريحا كان ودودا للجنوب كان واضحا في إيمانه وقناعاته .أعلنها بكل جدية انه على العهد والوعد وان الحق لا يتجزءا وانه لايعرف ولن يقبل أنصاف الحلول .فلماذا الآن يختلف حوله المختلفون ؟ ويرجف المرجفون؟ ويشكك المشككون؟ لماذا اطل الحقد من البعض؟ ولماذا خبت صوت الصادقون وهم الأعلون؟أليس نحن من ناشده؟ أليس نحن من طلبناه؟ أليس نحن من هتفنا باسمه ورفعنا صورته وأعلنا السمع والطاعة؟ أليس نحن من ارتضينا وتمنينا أن يكون رمز الجنوب ؟لكل ذلك ماذا تريدون منه أو بالأحرى ماذا نحن نريد منه؟ لماذا يستهوينا الاختلاف في وقت نحنن في اشد الضرورة إلى الاتفاق ؟ لماذا البعض لا يحلو له العيش إلا بالنزاع والتشرذم والضياع؟
بكل صدق ومن أعماق القلب لا نملك لهذا القائد وهذا الإنسان إلا الحب والتقدير والاحترام .ففيه شيء يسحر النفوس مهما كان رأينا فيه مهما قلنا له أو عليه نشعر في أعماقنا انه نقي السريرة صادق النية رجل في أعماقه تسكن العفة رجل أراد أن يجمع بين صدق القول وصدق العمل أراد أن يجمع فيه نفسه السياسة والفضيلة في معادلة صعبة وعسرة فشل فيها اغلب الزعماء في العالم.
وأخيرا ،، قد يقول قائل ماذا تريد أن تقول وماهو المطلوب منا ؟
أقول إننا في اللحظة هذه وبرغم الظلم والقهر والاحتلال نعيش أفضل لحظات التاريخ الجنوبي . وكما هي فرص للأفراد في الحياة فإنها أيضا فرص للشعوب يجب أن تستغل . ما نعمله في هذه اللحظات سيكون له مصير امة الجنوب ومصير أجيالا وأجيال قادمة .فالجنوب يستحق منا أن تنازل عن كثير من الأمور لأجلنا ولأجيالنا القادمة ولنترك الماضي بآلامه ومنغصاته ونتوحد خلف رمزا لنا وقائدا لنا يعمل بكل إخلاص لأجل الجنوب فهذه هي المرحلة وتلك هي حكم الضرورة.