دعوة لإصلاح مسار الحراك

[ali algahafee]

دعوة لإصلاح مسار الحراك
شفيع العبد

الأربعاء 26 أكتوبر 2011 12:56 صباحاً

شفيع العبد

ينتابني شيء من القلق، ويراودني شعور مخيف، كلما أحاول أتخلص منه أجده يفرض نفسه أمر واقع.

مرد كل ذلك ومنبعه واتجاهه الحالة الراهنة التي يعيشها الحراك الجنوبي السلمي، شكلنا النضالي الذي وجدنا أنفسنا فيه، وتعلمنا منه الشيء الكثير، في بدايات حسدنا عليها الآخرين، حين أدهشناهم بحركة احتجاجية قل مثيلها، قامت على مداميك التصالح والتسامح والتضامن، حين كان الحراك الجنوبي للكل بلا استثناء، بلا مكونات، بلا ولاء لأفراد، او التعصب لزعامات، حين كنا نخرج ملبين نداء واحد هو "نداء الجنوب"، نداء ذواتنا جميعاً، لا ذات واحدة تريد أن تحولنا جميعاً "رعايا"، تفكر نيابة عنا وتقرر كذلك، تمارس دور الوصاية، وأخضعتنا لحالة من "الإرهاب الفكري" المنظم، والمخطط له، لا تريد إلا أن تسمع صوتاً واحد، معيدة إلى الأذهان "لا صوت يعلو فوق صوت ...!!"، يرفضون الحزبية لكنهم يمارسون الوصاية بشكل مقزز، يريدوننا جميعاً بلون واحد، ونضفي القداسة على أشخاص بذواتهم، وأفكار بعينها.



بدايات جميلة عشناها، كنا فيها كالجسد الواحد، نجلس جميعاً على طاولة واحدة، نتناقش بعقل وود، لم تكن ثقافة الكراهية قد تسربت إلينا، والرغبة في الانتقام تمكنت منا، لم يكن التخوين قد ظهر حينها، ولا التشكيك قد اطل بوجه القبيح، لم يكن الحراك صك بأيدي البعض يمنحه من يريد، ويمنعه عمن يريد، لم تكن وسائلنا الإعلامية عوامل هدم وفرقة، كانت تتبنى قضايا الجميع وتدافع عنها، لم تكن "مقايلنا" قد انحرفت عن مسارها لتمارس دور تفكيكي وتحريضي في آن، ليس هذا فحسب بل أن "المال السياسي" لم يكن قد تدفق بيننا، حيث كان الكثير يستقطع من "راتبه" او يبيع من أغنامه ومواشيه.



كنا تيار واحد، لم تكن التصنيفات قد ولجت الحراك، والتقسيمات والفرز، فرز على مشاريع كلها تخدم القضية لو أمعنّا فيها بتعقل، او تصنيف على أشخاص ومكونات لم تبن على أساس مؤسسي وتفتقر للديمقراطية والشفافية ولم نجن منها إلا التقسيم والشتات والتباعد، مكونات جاءت من اجل أشخاص لتلمعهم ولتبقيهم في واجهة المشهد، وان اقتصرت هذه المكونات على مؤسسيها فقط.



واقع الحراك اليوم يجده الناظر كلوحة سريالية شبيهة بلوحات "سلفادور دالي"، تعجز أن تفك طلاسمها، او تفهم خطوطها واتجاهاتها وحتى ألوانها، وهو ما يجعل الضبابية تحيط بمستقبله، والغموض يكتنفه من كل النواحي والاتجاهات، حراك مبعثر، مفكك، تتقاسمه المكونات، وتتلاعب به أهواء أفراد وصفناهم بـ"القيادات"، ومنحناهم الثقة، وسلمناهم زمام الأمور، لكن الأيام أثبتت أنهم لم يكونوا عند مستوى المسئولية بما يليق بحجم القضية التي نتبناها، ونناضل من اجلها، وكانت تصرفاتهم سبباً مباشر في ما نحن عليه اليوم.



المرحلة تتطلب تدخل العقلاء لإصلاح مسار الحراك المعوّج، والحفاظ عليه، قبل أن يتجه إلى مسارات أخرى بدأ يلوح في الأفق شيء منها أمام مرأى الجميع لكنهم يغضون الطرف بتعمد يثير الاستغراب والاندهاش معاً رافعين شعار "لا يعنينا"، وهو الشعار الذي عمد البعض داخل الحراك إلى تحويله لمنهجية يتعامل من خلالها مع القضايا المصيرية والملحة.



إذا لم يتم تدارك الأمور وإصلاح ما تم إفساده خلال سنوات الحراك الماضية سنجد أنفسنا أمام مأزق يصعب الخروج منه.. دعونا نناقش الفكرة بشيء من العقلانية، ونعطي مساحة اكبر للعقل الذي غيبناه خلال المرحلة الماضية لمصلحة ضجيج أزعجنا بلا فائدة.... ولنا عودة.