هل نحن سايكس بيكويين جدد؟

[حضرمي مناضل]

لقد انزعجت كثيرا عندما قرأت مقالا للدكتور/ فيصل القاسم مقدم برنامج الاتجاه المعاكس عندما كتب عن وحدة اليمن و اتهم مناضلينا الاحرار بالعمالة و بانهم ادوات الاستعمار لتفيذ السايكس بيكو الجديد فكتبت هذا الموضوع الذي احببت ان أطلعكم عليه:

يتحدث البعض عن دعاة الاستقلال في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من الاحتلال من قبل الجمهورية العربية اليمنية بأنهم عملاء و أدوات ينفذون أهداف الغرب و أمريكا و دعاة سايكس بيكو جديدة.
في الحقيقة لا ادري هل نسي هؤلاء أم أنهم يجهلون أصلا أن الذين يدعونهم سايكس بيكويين جدد هم أكثر الناس رفضا و أبعدهم عن السايكس بيكوات لا أقول الجديدة و لكن تلك القديمة التي صارت عند البعض اليوم أمر واقع لا يعارضونه بل و لا يفكرون حتى في التمرد عليه. نعم فهؤلاء الجنوبيون الأحرار و منذ تحقيق استقلالهم عن بريطانيا ظهرت فيهم المعارضة و الرفض للسايكس بيكوات فكانت شعارات ثورتهم و أهدافها ( لنناضل من اجل الحفاظ على الثورة اليمنية و تحقيق الوحدة اليمنية و تنفيذ الخطة الخمسية)، و بالفعل فقد كانوا رجالا على مستوى طموحهم و أهدافهم الوطنية القومية الصرفة و استطاعوا تحقيقها و ضحوا من اجل تحقيقها بالمناصب و السلطة، و تنازلوا لقناعاتهم الوطنية الراسخة بالوحدة عن قيادة دولة إلى الشراكة في قيادة الدولة الجديدة بل ومن لعب دور الرئيس في دولة إلى لعب دور النائب في الدولة الجديدة و هانت عليهم جميع المراكز و المناصب الشخصية لأجل الوطن الكبير الذي يحلمون به و رضوا بتسليم دولة بمؤسساتها و جيشها كانت بقبضة يدهم لأحلام الشعب و طموحاته و تطلعاته.
هؤلاء الوحدويون الذين يؤمنون بالوحدة إيمانا راسخا رسوخ الجبال هم نفسهم من يطالب بالاستقلال (و ليس الانفصال) اليوم، و هم نفسهم الذين طالبوا به في العام 1994. و لكن ألم يخطر على بال أحد هذه الأسئلة: ما الذي قلب كل ذلك الإيمان بالوحدة و التمسك بها و السعي اللاهث لتحقيقها و التضحية الكبيرة من اجلها إلى كفر بالوحدة و التخلي عنها و السعي من اجل الخلاص منها في غضون أربع سنوات بعد تحقيقها فقط؟ و ما الذي حول هؤلاء الوحدويون و الوطنيون و المعارضون للسايكس بيكو القديمة إلى انفصاليون و عملاء (كما يتهمهم البعض) و دعاة سايكس بيكو جديدة في غضون أربع سنوات فقط؟
لو كان الهدف الذي نشده هؤلاء منذ سنين طوال قد تحقق فعلا فهل تظنون أنهم سيتنازلون عنه بالسهولة التي تتحدثون عنها في غضون أربع سنوات؟ الجواب كلا و ألف كلا، فالذي قلب أفكار و مشاعر هؤلاء مليون و ثلاثمائة و ستين درجة هو أنهم وجدوا أن هدف الثورة الذي قد سعوا لتحقيقه منذ استقلالهم عن بريطانيا قد أعادهم تحت وطأة الاحتلال مرة أخرى و أرجعهم سبعة و عشرون عاما إلى الوراء.
أمر آخر يغفله الذين يتحدثون عن هؤلاء الثوار و هو التفريق بين حالة اليمن الشمالي و اليمن الجنوبي و حالة جميع الدول العربية الأخرى و كأن السايكس بيكو التي صنعت الحدود و قسمت جميع الدول العربية بالتقسيمات التي نراها اليوم ليست نفس السايكس بيكو التي صنعت الحدود بين اليمن الشمالي و الجنوبي، فلماذا العتب على دعاة استقلال جنوب اليمن دون العتب على باقي الدول العربية التي تعيش وفق تقسيمات السايكس بيكو؟ أم أن هذا هو عقاب معارضة هؤلاء الأحرار للسايكس بيكو القديمة و محاولتهم التمرد عليها و رفضها؟ فنأتي اليوم لنتهمهم بالعمالة و تنفيذ أهداف و مخططات الغرب.
دعاة الاستقلال في جنوب اليمن اليوم براء من العمالة و تنفيذ مخططات الغرب لأنهم أكثر الناس وطنية و قومية و لأنهم من أوائل الرافضين للسايكس بيكو القديمة و لأنهم أول من سعى لتحقيق الوحدة اليمنية وكلهم أمل بأنها خطوة أولى نحو تحقيق الوحدة الكبيرة التي ينشدها جميع العرب إلا أن هذه الأحلام و المشاعر الوطنية الصادقة تكسرت و تحطمت عند الأطماع الشخصية و المصالح القبلية و حب النفوذ و السلطة الخالية من الوطنية و القومية و مراعاة مصالح الشعوب و الأمم التي قوبلوا من قبل شريكهم في الجمهورية العربية اليمنية.
فوي كأن لسان هؤلاء الأحرار يقول: لقد رفضنا الفوارق و الفتن و الخلافات التي زرعها بيننا الاستعمار و ضحينا من اجل التخلص منها إلا أننا فشلنا و للأسف الشديد في التغلب عليها بسبب تأصلها في قلوب و عقول العنصريين و المتنفذين و المتسلطين الذين لا يأبهون و لا يلهثون إلا خلف مصالحهم و مطامعهم الشخصية ضاربين بعرض الحائط أيا من القيم الوطنية أو الحضارية التي تحقق السلام و الرخاء للشعوب و الذين هم و للأسف الشديد من أبناء جلدتنا الذين بذلنا لهم الأخوة فقابلوها بالعداوة و الطائفية و التهميش, فدعونا نعيش كما كنا مثلما يعيش غيرنا من الشعوب العربية اليوم، فمثلنا مثلهم بل إننا قد تفوقنا و زدنا عليهم بعدم الاستسلام لما زرعه بيننا الاستعمار و بالسعي للتغلب عليه إلا إننا لم نجد من يبادلنا نفس الشعور.
و وي كأن لسان حال هؤلاء الذين ينتقدونهم و يتهمونهم بالعمالة يقول: سحقا لكم لأنكم رفضتم العيش في ظل السايكس بيكو القديمة و رفضتموها، تغلبوا على السايكس بيكو و لو كلفكم ذلك العيش في ظل التهميش و القتل و التمييز العنصري و الاحتلال و القهر و الظلم و أبقوا في مأزقكم الذي وقعتم فيه و إلا فأنتم أدوات لتنفيذ الأهداف الغربية الرامية لتقسيم الدول العربية.
رسالة أخرى أود إرسالها للذين ينتقدون هؤلاء الأحرار و هو أن اليمن الجنوبي يختلف عن دارفور السودان و يختلف عن لبنان و العراق، فاليمن الجنوبي هو دولة لها هويتها و شعبها و خصوصياتها و ليس مجرد إقليم أو طائفة تدعوا للخروج عن الدولة و عصيانها.
و في الأخير أقول لهم: لسنا سايكس بيكويين جدد و إنما نحن رافضون قدامى للسايكس بيكوية.