اللـه يقويكم يا فاقـدي الوطـن

[الأيوبي]

كنا ثلاثتنا سائرون في طريقنا وسط عدداَ من المارة الذاهبون والآيبون على ضفاف بحيرة " لأمان " الحاضنة لمدينة جنيـف السويسرية .. وبينما نحن منغمسون في تداول أطراف الحديث عن اعتصام جماهيرنا الجنوبية في مدينة زنجبار وما تخلله من أحداث دامية .. إذ بصوت خافت يصل إلى مسامعنا، ينطـق من حنجرة واثقة من ترانيم صوتها العذب.. صوت لفتاة لا تتجاوز الخامسة عشر من العمر، وهي تهمس بصوت مسموع لوالدتها.. ماما .. " ها هو بن فريد .. إنه بن فريـد " . وبلفـتـة الواثقة من نفسها ، بدئت الأم وكأنها لم تصدق ما سمعته من ابنتها ، وإذ بها تنظر بإكبار إلى وأجنة " بن فريد " دون سابق معرفة .. متشخصة في هامة ذلك الرجل الذي تبصره لأول مرة ، متحققة من إنه هو بلحمه وشحمه ..
وبحركة فطنة، وكأنها استئذان من زوجها المرافق لها .. أطلقت وبصوت جهوري دعاء استغاثة إلى الله سبحانه وتعالى ، اقشعرت منه أبداننا نحن الثلاثة .. مبتهلة إلى المولى عز وجل بكلمات صادقة من أعماق قلبها ، خرجت من جوف صدرها بحرقة وآلم ... داعية (( اللـه يقويـكم ، اللـه يقويـكم )) .. (( نحن نتابعكم عبر النت )) .. قالتها وهي متأكدة من إن الله سبحانه وتعالى سيستجيب لها ، حيث قد سبق للمولى عز وجل وأن استجاب لدعاء مماثل لها ، كونه دعاء المظلومين المستعينين بنضالهم بقوة الله سبحانه وتعالى .. بعدها توارت هي وأسرتها بهدوء عن أنظارنا .
لم يسع لـ المناضل أحمد بن فريد إلاّ أن يكبر فيها موقفها التضامني النبيل ، القادم من أخت عربية ذو جنسية كويتية تكن لشعبنا الجنوبي كل الإعجاب في نضاله ضد الاحتلال .. وها هو بن فريد يرفع يديه ابتهالاَ لسامع الدعاء بكلمة (( أميــن )) مرددينها نحن ورائه .. آميــن .. آميــن.
هكذا عبرت تلك المرأة الكويتية عن تضامنها مع قضية شعبنا ، بدعوة استغاثة دوت كلماتها إلى أعالي باب السماء لتصل إلى مسامع من يستجيب الدعاء سبحانه وتعالى ، دعوة بقدر ما هي استغاثة ، فإنها تنطوي على ثقة من إن النصر آت لا ريب فيه بإذن الله ، وإن ما يخوضه شعب الجنوب لا محالة نتيجته التحرير والاستقلال .
.. لقد عبرت تلك المرأة الكويتية عن ما يجيش في صدرها ، وهي تدعي دعاء المتضامنين والمناصرين لشعب شقيق مظلوم مكبل بقيود الاحتلال .. كيف لا وهذه المرأة قد شربت من نفس الكأس الذي نشرب منه حالياَ ، وسبق لها أن عانت نفس معاناتنا ، حين أضاعت وطنها المغدور، وتجرعت مرارة الاحتلال إبان اجتياح جيوش الغير لأراضيه.. وفي الوقت نفسه فإن تلك المرأة قد طعمت حلاوة الحرية وزهو النصر بعودة وطنها الحبيب لها . وها هي تنعم اليوم بحرية وطنها وتحرره.. متمنية لشعبنا بأن يصل إلى تلك اللحظة والاستمتاع بالنصر القريب إن شاء الله .
لقد كانت لكلمات دعائها أثر على نفسيتنا نحن الثلاثة ، وأدركنا حينها بأنها تحملنا رسالة من شعب الكويت الشقيق إلى شعبنا الجنوبي المناضل ضد الاحتلال .. مفادها بان شعب الكويت يبادلنا المشاعر التواقة للحرية والفداء ..
لقد وصلت رسالتك يا إبنت الكويت الشقيق ، وما تتضمنه من تجربة شعب الكويت في تحرير أرضة ونيل حريته ، مدركين ما تتضمنه من معاني تعبر ليس عن تضامنكم معنا فحسب ، بل ومؤازرتكم لنا حتى النصر ..
نحن نطلب من المولى عز وجل أن يستجيب لـ دعائك لنا بمثل ما استجاب لدعائك إبان احتلال وطنكم العزيز .. وأن يمنحنا القوة في نضالنا السلمي ضد الاحتلال ، وأن يمنحنا القوة الكافية لاستعادة وطننا ودولتنا المسلوبة .. وأن يمـدنا بالنصر القريب إن شاء الله ، إنه سميع الدعاء .. آمين .
لقد وصلت رسالتك يا إبنت الكويت .. ولا سيما وإنها منك أنت يا من تدركين معاني " فقـدان الوطـن " ومنك أنت يا من لمستي وتعيشين عذوبة الحرية بـ " عودة الوطـن " بعد فقدان ..
إن ذكرى الثاني من أغسطس المشؤوم على الأبواب .. ولتأخذها عبرة يا من تعتبر .