حقاً إن شر البلية ما يضحك!!!

[أبو فؤاد الشعيبي]

رأيت فيما يرى النائم أن إحدى الصحف، التي كنا نحسبها جنوبية ويبدو أنها قد حولت البوصلة نحو الإتجاه المضاد وصارت تسبح ضد التيار، أصدرت ما اسمته بمسودة نظام لجماعة تخيلت نفسها بين عشية وضحاها ممثلة للجنوب رغم أن الجنوب لا يعرف عنها شيئاً.

نهضت فزعاً من نومي واستعذت بالله من الشيطان الرجيم وحاولت استئناف النوم ولكن هيهات عاد هذه الكابوس أشد الحاحاً ليسرق لحظات الرقاد مني.

ولهذا لم اتمالك نفسي من الامساك بقلمي وسرد تفاصيل هذه الرؤيا عليكم لأنها تمس القضية حتى وإن كانت “أضغاث أحلام”.

حلمت أن هناك فرداً من ابناء الجنوب يلح ومنذ فترة أنه الأولى بالزعامة والرئاسة بحجة أنه من بدأ بالتظاهر على أرض الواقع ونسي أنه لم يبدأ الحراك وحده بل بفضل الجماهير التي التفت حوله ولكن يبدو انه جنون العظمة وما أدراك.

نصبت فئة من الجماهير الجنوبية هذا “المناضل” ناطقاً رسمياً للمطالبة بحقوقها من النظام الذي أقصاهم إجحافاً ودون وجه حق، برغم أن البعض أكد أنه هو من حاول فرض دور القيادي عليهم ولكن هذه ليس موضوع حديثنا في هذا المقام.

بدأ هذا “المناضل” قيادة المظاهرات السلمية المطالبة بحقوق هذه “الفئة” المغبونة شأنها شأن كل ابناء الجنوب.

وقد تبلورت هذه المطالبة الحقوقية الى مطالبة سياسية هدفها الاستقلال عن احتلال سبعة يوليو 94. دخل العديد من قادتنا المعتقلات ولكن إرادة الجماهير أبت أن تتركهم حتى رضخ الزبانية وعاد الأبطال إلى ثكناتهم.

أما “مناضلنا” فقد ناله الأسر في البداية ومن ثم تم الإفراج عنه ليغرق بعدها في غياهب صمت مهيب مطبق وكأن على رأسه الطير. وطالت فترة الصمت هذه لأشهر عدة. لم ينتقد أحد هذا الصمت، لم يخون “مناضلنا” أحد، لم يشكك فيه أحد، ولم يكسر صمته أحد. أحترم الجميع هذا “الصمت” المريب المفاجيء رغم أنه كان يتوقع الصولات والجولات.

واستمر الحلم الكابوس ،،،،،


عاد “المناضل” ثانية الى الميدان، وتفائل من أقلقهم صمته بهذا العودة “المحمودة”. عاد “مناضلنا” الى الميدان ولكن الميدان لم يعد هو نفس الميدان. فهذه الأشهر قد عملت عملها فيه، أثبتت مواقف السجن والاعتقال “معادن الرجال” وقوة احتمالهم ومدى حبهم للوطن وابنائه.

وأختار الجنوب من فرض نفسه بقوة بأمانته ووطنيته وصدقه وثباته. لم يحن رأسه رغم كبر السن ووهن العظم واشتعال الرأس شيبا ورغم الاعتقال والتهديد. وبدأ “قائدنا” مسيرته لمحاولة لم الشمل وتنظيم خطى الزحف نحو الحرية والسيادة تباركه الجماهير الملتفة حوله.

ولكن “مناضلنا” اعترض وتململ وثار. رفض اختيار الجماهير “لقائدنا وزعيمنا وبطلنا” وانكر على الجنوب حقه في الاختيار.

بدأ في الشكوى والتذمر والتململ، قال أنه هو أول من بدأ المظاهرات والحراك وبذلك فإن الزعامة من حقه، وكأن الزعامة صارت هي أقصى أحلامه وكأن قضية الجنوب ومعاناة ابنائه صارت سلماً يتسلق عليه ليشبع نهمه في السيطرة والقيادة!!!!

نسي أن من اختاره أختاروه ليكون عوناً لهم، ليعيد اليهم حقوقهم المسلوبة، لا ليستغل معاناتهم لأجل شهرة وحب ظهور ونرجسية عمياء.

نسي أن هناك من ضحوا بدمائهم لينعم اخوانهم وابنائهم وابائهم بالحرية والكرامة، نسي أن هناك من شرد عن ابنائه واهله وأصبح طريداً شريداً حتى يعيد للجنوب أمنه وثرواته.

نسي أن الشعب هو من يختار “مناضليه” وأنه لا يسمح بالأوصياء والمتسلقين.


نسى كل هذا وذاك وياليته أكتفى بذلك، بل تمادى في غيه. نبذ إرادة الجماهير وإجماعهم حول “زعيمهم” ورفض المشاركة في “المجلس” الذي اختاروه ليمثلهم.

ومنذ ذلك الوقت، وهو يدور في حلقة “جنون العظمة” المهلكة. ويتخيل نفسه طول الوقت المتحدث الرسمي بل والمقرر عن الجنوب. فانبرى “مناضلنا” يقول أنه سيحاور النظام بشروط خاصة. تحدث عن الحوار مع المحتل دون الرجوع لأصحاب الشأن وكأنه يحقر دورهم وإرادتهم.

أراد الحوار مع من سخر من حراك الجنوب وحقره وعندما رأى أن الخناق ضاق عليه وأوشك على لفظ انفاسه لجأ الى طلب الحوار لكسب الوقت ومحاولة الخداع و”مناضلنا” تناسى كل هذا وفتح أذرعه للحديث مع من “يديه ملطختاه بدماء الجنوب” و ما زال يرفض الإعتراف بالحراك علانية وصراحة.

فهل يمكن أن يتم الحوار ضمن هذه الظروف؟ اليس قبول مجرد الحديث مع من لم يعترف بالحراك ولا بالدماء الجنوبية التي اراقها ظلماً وعدواناً هو خذلان للحراك؟

رغم ذلك، قلنا أنها ربما “وسوسة شيطان” وتناسينا الأمر ودعينا “لمناضلنا” بالهداية. ولكن هيهات. ها هو اليوم يعود “لوسوساته” ويصدر مسودة بيان عن هيئة هو يرأسها حتى تقود سفينة الاستقلال حسب زعمه.

أين اسماء أعضاء هذه الهيئة؟ وكيف صدر هذا البيان؟ وأين ومتى تم عقد الاجتماعات التأسيسية لهكذا بيان؟ أم أنه أمر دبر بليل؟!!!

اين الاحترام لإرادة الجماهير ولنضالها ومعاناتها. أين التضحية وحب الجنوب؟ لماذا تحدثت عن حقك في الزعامة وتجاهلت حق الجنوب في الاختيار؟ لماذا لم تحترم تغاضي الجنوب عن صمتك الغريب المريب؟ لماذا تجاهلت العديد من النداءات للمشاركة في المهرجانات المقامة للاختيار “مجلس” الجنوب؟

انا لن اسألك الرد عن الاسئلة، برغم أن للجنوب حقاً عليك في، هو من أختارك، هو من جعلك بطلاً وتلاعبت به للأسف وخذلته. نسيت أنك لست إلا فرداً واحداً فيه وأن فيه المئات والالاف من الأبطال بل أن كل ابنائه أبطالاً وأرضه معطاءة ولادة.

ألم يحن الوقت لتتراجع عن غيك قبل أن يلفظك الجنوب غير آسف عليك. سكت العديد عنك أملاً في أن تعود إلى رشدك ورغبة منهم في عدم إثارة الفتن ولكن ما تفعله انت ليس إلا خلقاً للفرقة والضعف والتمزق بل وتعطي الطامعين فرصة للطعن في الحراك ونخره من الداخل.

أدعوك وأدعو جميع القادة والمخلصين في الداخل الى إجراء انتخابات جديدة يختار فيها الجنوب “مجلسا أو هيئة واحدة فقط” لتمثله. وعلى كل من يحب الجنوب نسيان كل الخلافات والمشاكل وأي شيء يكون قد علق بالنفس من أمراض الزعامة والسيادة وحب الظهور والسلطة ويترك الكلمة للجنوب.

هذه الانتخابات لا غير هي من ستكشف جميع الأوراق ويعرف الجنوب من هم مستعدون لبذل الغالي والرخيص لأجله ومن هم يتظاهرون بالوطنية لأجل غايات في نفس يعقوب وسيتخلص الجنوب تلو تلك الانتخابات من الطفيليين والعملاء والخونة و”المطبلين” إن كان لهم وجود.

من يرفض المشاركة أو يتغيب عن تلك الانتخابات إنما يفصح عن نفسه وعن نواياه وعندها على الجميع ايقاف اسلوب المداهنة والخوف على المشاعر والعواطف ونبذهم بصورة مطلقة. على هؤلاء أن يتنحوا جانباً وعلينا أن نحترم مواقفهم هذه ونكف عنهم. لكنا لن نقبل أن يظلوا حجر عثرة أمام حراكنا.

إن السكوت عن مثل هذا الوضع لهو ضرب في حراكنا. تفاقم هذا الوضع والتأخر في معالجته يتيح “للمندسين” محاولة شق الصف وزرع الفرقة وتشكيك البعض في قضيتهم. والأدهى من ذلك والأمر، أن هذا “التخاذل” في ردع المتلاعبين وامثالهم يصيب الجنوب بالاحباط ويجعله يحس ببعد المسافة بينه وبين “الحرية”.

كلمة أخيرة “لمناضلنا”، كلامي هذا صادر عن حب، لا تسمح لنعيق البوم أن يتسلل إلى قلبك ويبث الخراب فيما حولك. دورك في النضال محفوظ لا ينكره أحد ولكن هذا لا يسمح لك بفرض الخيارات والوصاية على الجنوب. ولزعيمنا أقول، الجماهير اختارتك عن رغبة وحب وإرادة فيجب عليك أن تقدر هذه المسؤولية وتقف موقفاً أشد حزماً وصرامة مع كل ما يمكنه أن يمس الحراك من قريب أو بعيد.

علينا أن نواجه أنفسنا ونتخلص من جميع الشوائب قبل أن نواجه العدو الخارجي.

كانت هذا آخر ما اتذكره من كلمات هذا الكابوس الفظيع. قمت من النوم فزعاً مرة أخرى وتعوذت بالله من نزع ابليس الرجيم، إن حراكنا مستمر مناضلينا على قلب واحد وأيديهم متشابكة معاً يسيرون بصلابة وقوة نحو الاستقلال ويرددون معاً

عاش الجنوب حراً أبياً.