إلى حسن كرم .. لم تستطع القوة فرض الانفصال

[طيف الجنوب]

إلى حسن كرم .. لم تستطع القوة فرض الانفصال
بقلم...حسن شمسان

واهم من ظن يوما بأن الوحدة في اليمن تحققت بقوة الساعد والسلاح، ولو استطاع السلاح أن يقلب الموازين وأن يقيم الوحدة؛ لكانت استطاعت صواريخ (اسكود) آنذاك أن تفرض الانفصال ولكانت استطاعت تلك الصواريخ أيضا أن تهدم أساسات الوحدة وقواعدها من جذورها، فلن تقوم لها قائمة بعد ذلك.

إذا فالوحدة - يا حسن كرم – قد كانت نبتت في قلب شعب الجنوب وحناياه قبل أن ترسي قواعدها على الأرض. الوحدة في اليمن لم يرسخ قواعدها ولم يقوِ سوقها قوةُ الساعد والسلاح ولو كان ذلك كذلك لكان نظام البيض أقرب إلى أن يفرض الانفصال بما كان يمتلكه من ترسانة لا تقارن آنذاك بقوة الشمال وأظن لو كانت المقارنة تحسب بمثل هذه حسابات لكانت القوة إلى جانب الانفصال أكثر منها إلى جانب الوحدة
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا - يا كرم باش – إذا كانت حسابات القوة لا تجدي نفعا في هذا السياق والمقام فما الذي قلب الموازين إذا إلى صالح الوحدة (لا الانفصال) وهل ما زلت مصمما على حسابها من جانب قوة ؟ أظن لا وألف لا.
إذا يبقى علينا أن نحسبها بصورة أخرى، لا يكون فيها لمنطق القوة أي رصيد أو نصيب، وبهذا سوف تنقلب المعادلة ضد قراءتك المبنية على كثير من المغالطات، بل وتنفي كلما ذكرته في مقالك من أن الوحدة تحققت بالقوة والسلاح، وأنها فرضت فرضا على إخوتنا وأحبائنا في الجنوب إن الحقيقة والمنطق والعقل كل ذلك يقول: إن الوحدة قامت بفضل الشعب الجنوبي، ولولا ذلك الشعب الذي يؤمن بأن الوحدة دين، ومن صميم عقيدة المسلم، ما كان لها أن تقوم أو تستوي على سوقها تعجب الزراع الذين بذروا بذورها وسقوه بدمائهم وتغيظ منها الحساد ولست أضنك إلا واحدا منهم وذلك مقالك الذي يدعوا للفرقة.
إنه لو لم تكن إرادة الشعب الجنوبي – أغلبه – في صف الوحدة (لا الانفصال) لما استطاعت أعتى قوة في الأرض أن [تحصد الانفصال أو تزرع الوحدة] في الجنوب، ولا ما كانت استوت الأخيرة على أصولها بعد أن امتدت جذورها في الوجدان والقلوب، وليس باستطاعة أحد بعد ذلك أن يزايد أو يدحض حب الجنوبيين للوحدة وسقي بذورها بدمائهم مهما بلغ من البيان وقوة الحجاج والبرهان، فقد أثبتوا بأنهم أكثر منا حرصا على الوحدة لأنهم من حققها في الأصل.
مما سبق توصلنا إلى نتيجة مفادها: إن الشعب الجنوبي – يا حسن كرم – هو من يرجع إليه الفضل – بعد الله – في قيام الوحدة (لا قوة السلاح) وهو من اقتنع بها ولم تفرض عليه، ويبقى مع ذلك عدم نكران التضحيات التي قام بها الشهداء من الجنوب والشمال معا- أمام ثلة قليلة كانت تريد الانفصال والذي وقف أمام هذه الثلة هو الشعب الجنوبي أولا ثم الشعب الشمالي ثانيا، فكان الجميع شركاء في قيام الوحدة المباركة وهم اليوم سوف يكونون شركاء في دحر الفساد الذي بدأ ينخر في قواعد تلك الوحدة.
وما دام الفضل يعود للجنوبيين – بعد الله – في بذر نواة الوحدة؛ فإن على السلطة الحالية أن تعي الدرس تماما، وتفهم أن الحفاظ على الوحدة وترسيخ دعائمها لا يكون بقوة السلاح إنما يكون بالعدل وإحقاق الحق، فالق أحق أن يتبع ولو كان استطاع السلاح بسط نفوذه لكانت استطاعت – كما أسلفنا - صواريخ (اسكود) روسية الصنع التي كان يمتلكها نظام البيض أن تفرض الانفصال على شعبها وعلي اليمنيين جميعهم، لكن إرادة الشعوب لم تستطع ولن تستطيع أي قوة في الأرض أن تفرض عليها [وحدة أو انفصالا] فينبغي أن يعي هذا الدرس الجميع.
ذلك على السلطة أن تدرك بأن العنف لا يولد إلا العنف، وأن النار لا تشعل إلا المزيد من النار، فينبغي عليها ألا تقع في نفس الفخ الذي وقع فيه البيض سابقا وألا تعيد نفس التجربة المحتومة النتائج، فإرادة الشعوب إذا أصرت على شيء لا يستطيع أحدا مهما بلغ من القوة والجبروت أن يثنيها عن إرادتها .
وأظن بل اجزم ويجزم معي الجميع أن أغلب الجنوبيين ما زالوا في صف الوحدة وتحت [كنفها]، فلا تأطروهم باستخدام أساليب القوة والقمع أن ينسجوا بنفس أيديهم التي بذرتها وأحيتها [كفنها]. كما ينبغي السلطة أن تعي بأن الحراك ليس كله انفصاليا، والرئيس الآن هو وحده فقط من يستطيع ترسيخ دعائم الوحدة، وسوف يسجل له التأريخ ذلك في صحائف من نور، تخلد ذكره إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، لكن ليس بقوة السلاح والعنف؛ بل عن طريق الحوار الشامل الواسع الذي لا يستثني أحدا وبالتي هي أحسن (فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

منقـــــول