الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأ قسام السياسية > المنتدى السياسي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-02-08, 11:46 PM   #1
ali algahafee
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-06-26
المشاركات: 2,089
افتراضي الحدود السياسية السعودية البحث عن الاستقرار






مشاري عبد الرحمن النعيم
الرياض، تشرين الأول /أكتوبر 1998


الحدود السياسية السعودية
البحث عن الاستقرار
يعالج المبحثان الخامس والسادس النزاع السعودي ـ اليمني على جبهتين مختلفتين، فجنوبي عسير غدا خلال العشرينات والثلاثينات من هذا القرن محل تنازع بين الرياض وصنعاء، بعد أن تهاوت الإمارات المحلية في جنوب غرب الجزيرة العربية. وأرست اتفاقية الطائف خطاً حدودياً جديداً أقرته مذكرة تفاهم وقعها الطرفان بعد ما يقرب من ستين سنة. أما التخوم الجنوبية للربع الخالي، التي بقيت محل نزاع وترقب بين الرياض وسلطات عدن البريطانية لفترة طويلة. فهي ما عني المبحث السابع بتتبع تفصيلاتها. وكانت الاعتبارات النفطية وراء محاولات بريطانية دؤوبة لتوسيع مجال عمل الشركات البريطانية. والجدير بالذكر أن المكتبة العربية تكاد تخلو من دراسة منهجية لهذا النزاع، الذي ظل خارج دائرة الضوء فترة طويلة، باستثناء إشارات صحفية مقتضبة إلى المفاوضات الحدودية الصعبة الجارية حالياً بين الرياض وصنعاء.
خصص المبحث السابع للبحث في تفصيلات النزاع السعودي ـ البريطاني بشأن التخوم السعودية الشرقية والجنوبية الشرقية. ولم يكن لهذا النزاع أن ينجو من رائحة النفط التي بدأت تفوح عبر الصحاري العربية في تلك الأثناء، في خضم سعي أطراف النزاع وشركات نفطية متنافسة للتسابق على مد السيادات الوطنية ومناطق الامتياز إلى أوسع مدى ممكن عبر قفار داخلية ظلت مجهولة أو منسية قروناً طويلة. ويعالج المبحث الثامن النزاع السعودي ـ العماني، الذي تمحور حلول واحة البريمي شمالاً والأجزاء الداخلية من ظفار جنوباً.
يعرض المبحث التاسع تصنيفاً اثني عشرياً أولياً للنزاعات السابقة، وصولاً إلى فهم أعمق لمساراتها، وخصائصها. ويتضمن المبحث العاشر اقتراحات لتطوير التعامل مع الملفات الحدودية العربية. كما يوجد في آخر الكتاب ملحق بخرائط توضيحية.
تنبع أهمية الدراسات المنهجية من كونها أحد عوامل بناء الوعي السياسي العربي الحديث. ومن المأمول أن تساهم هذه الدراسة في تعميق فهم النخب والجمهور العربي الواسع في صوغ تعامل واع مع النزاعات الحدودية العربية بصورة عامة ـ المرتبطة بترسخ نظام الدول العربية الحديثة ـ بما يتواءم مع المصالح الوطنية لأطرافها والمصالح العربية العليا. ولا تخلو معظم النزاعات السابقة من ميراث استعماري هو حزء من التكوين السياسي العربي الحديث. فالمهمة الملقاة على العمل الدبلوماسي البناء لا تكمن في نفي هذا الميراث أو القفز فوقه، وإنما في تطوير الاتفاقيات الحدودية القائمة بما يتواءم مع المصالح المتجددة لأطرافها والأوضاع الإقليمية والعالمية المتغيرة باستمرار.
ويبدو أن هناك وعياً متزايداً لدى النخب السياسية العربية بتصفية القضايا الحدودية العربية ومترافقاً مع تزايد القدرات الوظيفية للأجهزة الإدارية العربية. وفي حين أن التجربة السعودية في التعامل مع الملفات الحدودية متماشية مع هذا الاتجاه، فإنها تتسم عموماً بسعي للبحث عن الاستقرار الوطني والإقليمي.


المبحث الخامس
الحدود السعودية ـ اليمنية
(جنوب عسير)
أسفرت هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وانسحابها من جنوب غرب شبه الجزيرة العربية ـ عسير واليمن، عن وجود منطقة فراغ سياسي في عسير على وجه الخصوص. أدّى ذلك إلى انتعاش أنظمة حكم محلية في كل من صنعاء في الجنوب، وأبها في الشمال، وصبيا الممتد عبر السهل الساحلي بينها. كان وضع إمارتي أبها وصبيا حرجاً نظراً إلى عدم قدرة أي منهما على ملء فراغ القوة في منطقة وقعت بين فكي كماشة جيران أقوياء في الشمال والجنوب. فبالنسبة إلى إمارة صبيا، زاد موقعها الجغرافي من حراجة موقفها، حيث كان جارها الجنوبي، اليمن، لا يكل من التوسع شمالاً، الأمر الذي هدّد وجود تلك الإمارة الإدريسية. كان التهديد اليمني جاداً، بالنظر إلى أن صنعاء اعتبرت عسير جزءاً من مفهومها لـ"اليمن الكبرى". وبالتطلع شمالاً، عصفت خلافات سابقة بعلاقات صبيا بجيرانها في مكة وأبها ( ).
في تلك الفترة العصبية، تنصلت بريطانيا، غداة الحرب العالمية الأولى، من التزاماتها التعاقدية مع صبيا، لم تمنع معاهدة نيسان /أبريل 1915 واتفاقية 1917 التكميلية ـ اللتان عقدتهما بريطانيا مع تلك الإمارة لتطويق الأتراك في اليمن ـ من إعادة تقييم لندن لسياستها في ذلك الجزء من شبه الجزيرة العربية بعد الحرب العالمية الأولى. كان تفسير لندن الجديد لارتباطاتها السياسية والعسكرية مع صبيا، في ضوء المعطيات السياسية المستجدة، يتمثل في أن تعهدها بالدفاع عن إمارة الإدريسي ضد " قوة أجنبية " (بحسب نص معاهدة 1915) كان ينصرف إلى تركيا؛ وفي ضوء انحسار النفوذ التركي عن شبه الجزيرة، اعتبرت لندن نفسها غير ملزمة بذلك التعهد، بل وبمجمل المعاهدة( ).
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
اتفاقية 1920
في تلك الأثناء، عقدت اتفاقية 1920 بين الرياض وصبيا( ), اعترفت الأولى بموجبها بسلطة الأخيرة على قبائل وأراضي جنوبي عسير، استناداً إلى توزيع القبائل ذات العلاقة بينهما، كان يمكن للأمر أن يبدو عابراً لولا أن الرياض حرصت على الإشارة إلى وجود حقوق تاريخية لها في تلك المنطقة ( ). شكلت اتفاقية 1920الخطوة الأولى على طريق فقدت صبيا في نهايته وجودها السياسي.
معاهدة مكة (خريف 1926)
على الرغم من اهتمام الرياض بالوضع السياسي لإمارة صبيا، لم يكن من الصعب على صنعاء تحقيق بعض المكاسب الإقليمية المهمة، على حساب صبيا، خلال النصف الأول من العشرينات، في وقت انغمست الرياض في نزاعات عسكرية وسياسية خطرة على تخومها الشمالية والغربية، وعلى الرغم من ذلك، وجهت الرياض ـ في غمرة انشغالها بصراعها العسكري ضد الحكومة الشريفية في مكة ـ إلى صنعاء إنذاراً للحد من نشاطاتها التوسعية على حساب صبيا ( ). غير أنه بعد خروج الرياض منتصرة في صراعها مع الهاشميين في الحجاز والإخوان بد ذلك، التفتت نحو تخومها الجنوبية الغربية، استهلالاً لنزاع حدودي مع اليمين لم تنته فصوله حتى كتابة هذه السطور.
بعيد ضم السعوديين للحجاز، وقّع السعوديون والأدارسة معاهدة مكة (1926)، التي أعطت الرياض إدارة الشؤون الخارجية والعسكرية والأمنية لصبيا، تاركة الشؤون الداخلية للأدارسة. وهكذا، أعلنت معاهدة مكة السيادة السعودية صراحة على مجمل إمارة صبيا، بحدودها السابقة، الأمر الذي وضع الرياض في مواجهة صنعاء بصورة مباشرة( ). غني عن الذكر انه لم تكن هناك لإمارة صبيا حدود، بالمعنى العصري للكلمة؛ فقد تمثلت سلطة الإدرايسي ـ كما هي الحال في عموم شبه الجزيرة العربية ـ في تعيين قبلي وإقليمي فضفاض لها. وكانت معاهدة مكة تعني ـ ضمناً ـ عدم اعتراف الرياض بالمكاسب الإقليمية اليمنية الأخيرة في الجزء الجنوني من إمارة صبيا، غير أنها كانت مستعدة ـ فيما يبدو ـ لغض النظر عن ذلك الأمر، لعدم رغبتها في مواجهة صنعاء في ذلك الوقت الحرج. وعلى الرغم من ذلك، أدى التوسع اليمني شمالاً إلى استيلاء صنعاء على جزء كبير من الأراضي التي خضعت لصبيا لبعض الوقت ومن ضمنها الحديدة "آذار /مارس 1925"ـ التي سبق لبريطانيا أن سلّمتها للأدارسة عشية الحرب العالمية الأولى ـ وميدي وحرض "1926". بعد ذلك، واصل اليمنيون توسعهم شمالاً حتى شرعوا في قضم بعض الأطراف الجنوبية لتلك الإمارة ( ).
الاقتراح الإيطالي باقتسام إمارة صبيا بين الطرفين
تبنت بريطانيا سياسة استرضائية لصنعاء لصرفها ـ فيما يبدو ـ عن الاهتمام بالتخوم اليمنية الشمالية ـ العدنية، والتي كانت محل نزاع مرير بين الجانبين( ). على الرغم من ذلك. ظلت لندن مهتمة بالتراشق الدبلوماسي والعسكري السعودي ـ اليمني لأسباب عدة، منها اهتمامها بمصير جزر فرسان ذات الأهمية الاستراتيجية البارزة في حوض البحر الأحمر الجنوبي. وفي المقابل، كانت إيطاليا تبحث عن دور سياسي لها في جنوب غرب شبه الجزيرة، فوطدت علاقتها باليمن التي أملت في توظيف الدعم السياسي والعسكري الإيطالي في مواجهة بريطانيا. وجدير بالذكر أن الإيطاليين اهتموا بالحصول على موطئ قدم في جزر فرسان, ولذلك كانوا تواقين إلى رؤيتها في أيدي اليمنيين. وهكذا، عقد الطرفان معاهدة في أيلول / سبتمبر 1926واتفاقية سرية في 1927 سرعان ما انكشف أمرها.
أدى وقوف كل من إيطاليا وبريطانيا على خط المواجهة الدبلوماسية في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية إلى توتر علاقاتهما. ولما كانتا غير راغبتين في تحول تنافسهما إلى نزاع مكشوف. فقد دشنتا مفاوضات روما "شتاء 1927" التي نجحت في احتواء تنافسهما في تلك المنطقة من العالم. تعهدت الدولتان بممارسة نفوذهما على حليفيهما العربيين للحفاظ على الوضع الراهن والوصول إلى تسوية سلمية مرضية للأطراف المعنية؛ كما تعهدتا عدم التدخل في أي نزاع محلي مسلح ( ). ضمن هذا الإطار، قدمت إيطاليا اقتراحاً بتقسيم إمارة الإدريسي بين الرياض وصنعاء، على أن تأخذ الأخيرة نصيب الأسد. ولعله من نافلة القول أن ذلك الاقتراح ـ الذي لم يقدم رسمياً للأطراف المعنيين ـ لم يلق قبول بريطانيا، وهي التي كانت لا تزال مهيمنة على البحر الأحمر وصاحبة النفوذ السياسي الأقوى في شبة الجزيرة العربية.
الاقتراح الإيطالي بالإبقاء على صبيا كدويلة عازلة بين الطرفين
قدمت إيطاليا في أثناء مفاوضات روما أيضاً اقتراحاً آخر بالإبقاء على إمارة صبيا كدويلة حاجزة بين جاريها الطموحين ( )، غير أن مصيره لم يكن أفضل من سابقه. في تلك الأثناء، ذاع خبر معاهدة مكة، فأثار ذلك حفيظة الإيطاليين الذين حثوا بريطانيا على عدم الاعتراف بالواقع الجديد. لم يجد هذا الاقتراح الإيطالي أذناً صاغية لدى البريطانيين، غير أن لندن ـ التزاماً منها بروح محادثات روما ـ وافقت على عدم إظهار تأييد علني لمعاهدة مكة، تحاشياً لاستثارة نزاع مسلح بين الأطراف العربية المعنية؛ بل إن معاهدة جدة "1927 " أغفلت الإشارة من قريب أو بعيد إلى الوضع السياسي المستجد في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية. على الرغم من هذا التحفظ البريطاني، استمرت العلاقات البريطانية ـ السعودية على وتيرتها السابقة ,ومع أن لندن دأبت على نصح الطرفين المحليين المتنافسين باللجوء إلى وسائل سلمية لحل نزاعهما، فقد نظرت بعين الرضا إلى امتداد السيطرة السعودية على جزر فرسان( ).
وضع أراضي صبيا تحت الإدارة السعودية المباشرة
كان التناوش بين الجارين الجديدين يتصاعد، في الوقت الذي لم تكن الإدارة الإدريسية تتسم بالكفاءة، ولذلك تولت الرياض إدارة أراضي تلك الإمارة المتهالكة بصورة مباشرة "1930"، ثم اتبعت ذلك بإلغاء معاهدة مكة وضمها رسمياً إليها "1932"( ). في أعقاب ذلك، أضحى شريط عرضه إثناء عشر ميلاً يمتد من الساحل حتى منطقة نجران، ميدان التسابق على بسط السيطرة بينهما( ).
الاقتراح السعودي برسم حدود سياسية
لجأ الطرفان إلى مفاوضات مباشرة شملت أربع جولات عقدت في أبها وصنعاء بالتناوب، لحل خلافهما بشأن ذلك الشريط ( ). ظلت الرياض مصرّة خلال تلك المفاوضات على مبدأ رسم حدود دولية سياسية تعين المجال السيادي لكلا البلدين. فعلى سبيل المثال، شدّدت التعليمات الملكية للوفد السعودي على رغبة الرياض في تثبيت الحدود مع اليمن في معاهدة جديدة "عصرية.... كالتي تسير عليها الحكومات الأوروبية في عقد المعاهدات ". وفي محاولة للجم التوسع اليمني المستمر فيما غدا تخوماً مشتركة؛ اقترحت الرياض تقسيم مناطق النزاع بين الطرفين برسم خط حدودي يتطابق مع خطوط التماس العسكري القائمة آنذاك. وقد ذكر الملك عبد العزيز أعضاء وفده أن بلاده لا تطالب بأن يتنازل الإمام "عما كان تابعاً للأدارسة قبل دخول الإمام نجران " الحديدة وميدي بصورة خاصة "؛ فالأساس هو بقاء كل جانب فيما تحت يده من البلاد ( ). طبعاً، لم يقبل اليمنيون ذلك الاقتراح؛ وواصلوا سياسة التسويف بغية توسيع نطاق سيطرتهم في منطقة التخوم المشتركة.
الاقتراح اليمني بجعل نجران يمنية
حتى ذلك الوقت، كانت نجران، بحكم موقعها الداخلي وعزلتها الاجتماعية نسبياً، خارج نطاق اهتمام كل من صنعاء والرياض، غير أن هذا الوضع ما لبث أن تحول في غمرة تسابقهما نحو توسيع سلطتيهما وإغلاق الجيوب السياسية القليلة المتبقية على خطوط التماس العسكرية. في هذا الإطار، دخلت نجران ـ ذات الموقع الاستراتيجي المهم ـ دائرة التنافس، باستيلاء اليمنيين عليها في حزيران/يونيو1933( ). فما ظنوا أنهم أمنوا على كسبهم المفاجئ، قبلوا بالاقتراح السعودي السابق، بحيث تترك نجران إلى الجنوب من الخط الحدودي المستهدف. كان ذلك يعني عرضاً يميناً بإبقاء نجران تحت السيادة اليمنية ,وهو الأمر الذي رفضته الرياض بشدة( ).
الاقتراح السعودي بجعل نجران منطقة محايدة
وهكذا، دخلت نجران دائرة الضوء بعد أن ظل وضعها السياسي مبهماً لفترة غير يسيرة. رفضت الرياض انفراد صنعاء بالسيطرة على تلك المنطقة الداخلية ,وقدمت في مقابل ذلك اقتراحاً بإنشاء منطقة محايدة تضم نجران كلها. يتعهد الطرفان ـ بحسب الاقتراح السعودي ـ بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه المنطقة المحايدة لتي يفترض أن تحتفظ بكيان متميز سياسياً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً. فتكون بذلك أشبه بمنطقة عازلة بين الطرفين. رفضت صنعاء اقتراح الرياض المعتدل وتمسكت بإبقاء نجران تحت سيطرتها العسكرية والسياسية.
الاقتراح السعودي باقتسام منطقة نجران
قدمت الرياض اقتراحاً آخر على طاولة المفاوضات يقضي باقتسام منطقة نجران على أساس من " المساواة والتكافؤ". لقي هذا الاقتراح مصير سابقه، فانهارت اخر فرصة لحل دبلوماسي. وفي ظل ما اعتبرته الرياض نمطاً سياسياً يمنياً من التسويف والمماطلة، ضربت موعداً لانسحاب القوات اليمنية من نجران لتفادي لجوئها إلى عمل عسكري في تلك المنطقة. شهدت تلك الفترة مراسلات دبلوماسية مكثفة على أعلى المستويات، غير أنها لم تفلح في حل النزاع سليماً( ).
خط الطائف (أيار /مايو1934)
وهكذا، أدى بلوغ الخلاف بشأن نجران طريقاً مسدوداً إلى نشوب حرب نيسان / أبريل ـ أيار / مايو1934، التي حققت فيها الرياض مكاسب إقليمية ذات شأن، من أبرزها السيطرة على تلك الواحة. أما في تهامة، فقد تقدمت القوات السعودية جنوبا ً حتى دخلت الحديدة، غير أنها سرعان ما انسحبت منها. لم يكن لصنعاء بدّ، في ظل نتائج الحرب، من العودة إلى طاولة المفاوضات، التي التأمت في الطائف، والقبول برسم خط حدودي معتدل حافظ على الوضع الراهن عشية اندلاع العمليات العسكري، غير أنه ترك نجران إلى الشمال منه.
يلاحظ هنا أن منطقة التخوم السعودية ـ اليمنية المشتركة "وفي مفارقة مع مثيلاتها الأخريات " انفردت بكثافة سكانية عالية. أدى ذلك إلى تشكيل عدة لجان وقفت على أرض الواقع بتفصيلاته الدقيقة. وقد تضمنت المادة الرابعة من اتفاقية الطائف وصفاً تفصيلياً لتوزيع القرى والأودية والبقاع على جانبي الخط الحدودي الجديد. وتبعاً لذلك، تولت لجنة فنية مشتركة وضع عد كبير من العلامات الحدودية على الأرض غطت المنطقة الممتدة من الساحل حتى جبل ثار شرقي نجران. وبذلك تنفرد التسوية الحدودية السعودية ـ اليمنية بكونها الحالة الأولى ـ وربما الوحيدة لوقت طويل ـ التي تضمنت، ليس فقط رسماً لخط حدودي على خريطة مرفقة كما في الحالات الأخرى، بل وتثبيته على الأرض أيضاً بعلامات حدودية( ). وجدير بالذكر أنه على الرغم من الملاحظات التي أثارتها الأطراف المحلية في مناسبات عدة سابقة على مبدأ الحدود السياسية الغربية، قامت تسوية الطائف على المبدأ ذاته، وهو ما يعني أنه كان حلاً عملياً وضرورياً صاحب ظهور نظام الدول القومية وتقسيم السيادات الوطنية على الأرض. وهكذا، وضع الجاران العتيدان نهاية للفصل الأول من ملفهما الحدودي الشائك.
اقتراح تشرين الأول /أكتوبر 1955السعودي
ترك خط 1934 المنطقة الممتدة من جبل ثار حتى جبل الريان، إلى الجنوب الشرقي منه، معلقة منذ ذلك الوقت. دخلت تلك المنطقة دائرة الضوء عندما زار فلبي philby))، في أثناء تجواله في التخوم السعودية الجنوبية، الجوف الواقعة في تلك المنطقة، الأمر الذي أثار شكوى يمنية بالنظر إلى أنه كان برفقة مجموعة حراسة وأمن سعودية. وقد نفى الملك عبد العزيز آنذاك علمه بذهاب فلبي إلى أبعد من نجران.
في تشرين الأول /أكتوبر 1955، اقترحت الرياض خطاً حدودياً يمتد من النهاية الطرفية لخط 1934 حتى جنوب جبل الريان، بحيث يتركه ضمن الأراضي السعودية، بينما يترك مأرب لليمن وظل الخلاف بشأن هذه المنطقة خامداً حتى التسعينات، عندما أثار منح صنعاء امتيازات نفطية لعدة شركات غربية في تلك الأرجاء وغيرها، احتجاجات سعودية. فلقد أرسلت الرياض خطابات رسمية إلى الشركات المعنية في مناسبتين "آذار /مارس 1992 وآب /أغسطس 1992" تعتبر فيها أن هذه الشركات تعمل في أراض سعودية. وفي الوقت ذاته، اعتبرت صنعاء أن مطالبها الحدودية في هذه الأرجاء ليست مقتصرة على مناطق الامتياز المعنية ( ).
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (شباط / فبراير 1995)
كانت المادة الثانية والعشرون من اتفاقية الطائف قد نصت على أن مدتها عشرون سنة، فتم تمديد العمل بها عشرين سنة أخرى في 1954. وقد دأبت الرياض على محاولة الحصول على موافقة صنعاء على إلغاء المادة السابقة وتحويل خط الطائف إلى خط حدودي دائم دون نجاح كبير، نظراً إلى الحساسية المفرطة التي تثيرها هذه القضية لدى أطراف سياسية يمنية. ففي آذار /مارس 1973، أصدر رئيس الوزراء اليمني آنذاك عبد الله الحجري بياناً اعتبر خط 1934 دائماً ونهائياً، غير أنه اغتيل بعد فترة وجيزة ( ). والحق أنه مع مرور الزمن، اكتسب الواقع السياسي الذي أطّرته تسوية الطائف صدقية جعلت المادة المذكورة أمراً غير ذي بال؛ غير أن استمرار الشد والجذب منذ 1954، أبقى الملف الحدودي بي البلدين عرضه للمزايدات.
لقد كان لكارثة آب/أغسطس 1990وحرب الخليج الثانية التي تلتها وقع مدو زاد في اهتمام دول المنطقة بإغلاق ملفاتها الحدودية العالقة. كما أضافت الوحدة اليمنية زخماً لتسوية جميع القضايا الحدودية العالقة بين البلدين، بما فيها المساحة الشاسعة الممتدة من الطرف الشرقي لخط 1934حتى منطقة المهرة في أقصى شرق اليمن. في هذه الظروف، استهل البلدان مفاوضات في جنيف تميزت بطابع انفراجي، إذ أعلن وزير الخارجية اليمني في مستهلها اعتراف حكومته باتفاقية الطائف. لم يمض وقت طويل حتى وقع البلدان مذكرة تفاهم في شباط / فبراير 1995، كانت في حد ذاتها نقلة مهمة في علاقات الطرفين بصورة عامة، وملفهما الحدودي الشائك بصورة خاصة. فقد وضعت مذكرة 1995نهاية للتشوش المحيط بهذا الوضع بتأكيدها أن خط الطائف دائم ونهائي، الأمر الذي شكل مكسباً ملحوظاً للرياض. وقد كلفت إحدى اللجان بإعادة نصب العلامات الحدودية لخط 1934( ). بقى بعد ذلك بعض القضايا الحدودية "البحرية " والأمنية، التي لا تزال موضوعاً لمفاوضات مستمرة حتى كتابة هذه السطور( ).
المبحث السادس
الحدود السعودية ـ اليمنية
(الربع الخالي)
ينفرد هذا النزاع السعودي ـ البريطاني بشأن التخوم السعودية الجنوبية عن غيره من النزاعات بكونه النزاع البري الوحيد الذي لم يشهد تسوية كلية أو جزئية حتى كتابة هذه السطور. فقد ثارت الخلافات حول تلك التخوم في أواسط الثلاثينات، في معرض تقديم الطرفين السعودي والبريطاني لاقتراحات حدودية متضادة لفصل المملكة العربية السعودية عن مناطق النفوذ البريطاني في شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها وجنوبها الشرقي. وفي أواسط التسعينات، استأنفت المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية مفاوضات شاقة لتسوية القضايا الحدودية العالقة بينهما، وعلى رأسها حدودهما البرية الممتدة من جبل ثار حتى منطقة المهرة. ولذلك، فإن المفاوضات الجارية حالياً تمثل المرة الأولى التي يجرى فيها التعامل مع هذا النزاع بين طرفيه العربيين بعد خموده فترة طويلة.
يرجع النفوذ البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى 1839 بالسيطرة على عدن، التي شكلت محطة مهمة على طريق المواصلات العالمية البريطانية. ولئن ظل الاهتمام البريطاني محصوراً في عدن طوال قرن ونيفاً، فقد استلزم ذلك تأمين اتصال هذا المرفأ مع محيطه المباشر، الأمر الذي جر السلطات البريطانية في عدن إلى إقامة نوع من النظام التعاهدي مع سبع مشيخات خلقية. ظلت قبائل حضرموت غير مشمولة بالنظام التعاهدي البريطاني حتى أواسط القرن الحالي، نظراً إلى بعدها النسبي عن عدن؛ غير أن الاهتمام البريطاني بتلك المنطقة تصاعد في أواسط الثلاثينات، عقب تقديم الرياض لخط حمزة، الذي أكدت فيه حقها في أراض واسعة تمتد ـ فيما يخص حضرموت ـ إلى دائرة عرض 17شمالاً. وفي الوقت ذاته، شمل الخط السعودي الشهير منطقة واسعة إلى الجنوب الشرقي من نجران، وهي النقطة التي وقف عندها خط الطائف.
في صيف 1935، عقدت اللجنة الفرعية للشرق الأوسط، وهي لجنة كانت تابعة للجنة الدفاع الإمبريالي، اجتماعاً خرج بتقرير في غاية الأهمية؛ إذ وصفت اللجنة في تقريرها وضع حضرموت والأراضي الواقعة شمال عدن بأنه غير محدد وغير سوي. ولاحظت اللجنة أن الحكومة البريطانية لم تبسط سيطرتها عليها، في الوقت الذي تمنع الدول المجاورة " السعودية، اليمن " من مد سيادتها عليها. وبناء على ذلك، اتخذت اللجنة، بالإجماع، توصية بضرورة مد السيطرة البريطانية المباشرة على تلك المناطق. ( )
توافقت الإدارات المعنية في لندن على تلك التوصية، ولذلك وجه وزير المستعمرات المعتمد البريطاني في عدن للعمل على مد سلطته بطريقة واضحة وفعالة إلى التخوم الشمالية لحضرموت وعدن " من أجل الحصول على حقوق تقادمية عليها ( ). ولهذا، عملت سلطات عدن على التمدد نحو تلك الأراضي الداخلية في عملية استغرقت وقتاً طويلاً وتطلبت إجراءات سياسية وإدارية وعسكرية. فعلى الجانب العملي، كان الأمر يتطلب إنشاء بعض الطرق والنقاط العسكرية، مثل المخافر الأمنية ومهابط الطائرات ( ). وعلى الجانب السياسي اتخذت لندن عدداً من الإجراءات لتعزيز سيطرتها على المنطقة الممتدة من عدن غرباً إلى أراضي ظفار شرقاً. فقد اقتراح المعتمد البريطاني في عدن اعتبار محمية عدن شاملة لحضرموت والتي أصبحت تشمل، بحسب مراسلات سابقة، أراضي قبائل المهرة والقعيطي والكثيري. وقد وافقت الحكومة البريطانية على ذلك رسمياً في شباط/ فبراير1933.
في آذار /مارس1937، أصدر الملك قانون محمية عدن ( )، الذي يشكل البداية السياسية لظهور دولية اليمن الجنوبي لاحقاً. فقد أكد قانون 1937 القرار السابق، الذي وسع أراضي محمية عدن لتشمل حضرموت وجزيرة سقطرى، كما وضع البداية العملية لظهور مؤسسات جديدة للمحمية في إطار شبه عصري تحت الإشراف المباشر لوزارة المستعمرات. وهكذا تحولت عدن إلى محمية تحت التاج البريطاني، الأمر الذي نقلها من اختصاص حكومة الهند( ).
ومن ناحية أخرى، تم توسيع النظام التعاهدي ليشمل جميع شيوخ وسلاطين تلك المناطق. ووصل عدد اتفاقيات الحماية وغيرها إلى اكثر من مئة وعشرين اتفاقية. وبالإضافة إلى ذلك، أعلن إنشاء محميتين تشملان الأراضي الداخلية لعدن؛ احداهما غربية تضم ثماني عشرة سلطنة ومشيخة وقبيلة تحت إدارة حاكم عدن وأخرى شرقية تضم سبع سلطنات ومشيخات تحت إدارة موظف سياسي بريطاني يعينه الحاكم نفسه. في 1959، بدأت عملية الدمج الفعلي لهذه الكيانات شبه المستقلة بإنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي، الذي ضم في عضويته ستة كيانات قبلية عربية، لتعاد تسميته اتحاد العربي في 1962، بانضمام عدد من الكيانات الصغيرة؛ كما شهد نقلة حاسمة بانضمام عدن إليه بعد شد وجذب ( ).
الخصائص العامة للنزاع
مشكلة النقص في المعلومات
على الرغم مما يبدو من إطار عصري لتزايد القبضة البريطانية على تلك الأراضي، فإن ذلك الأمر حدث بالتدريج وبصعوبة بالغة في مناطق لم يكن البريطانيون يعرفون عنها إلاّ اقل القليل. والحق أن جميع الأطراف كانوا يعانون مشكلة نقص في المعلومات " أو انعدامها في بعض الأحيان " عن مظاهر الحياة كافة في تلك المناطق الداخلية. أمام ذلك الوضع، عكست الاقتراحات المتضادة تشدداً عاماً أساسه المطالبة بأكثر مما يعتقد كل طرف انه راغب في ـ أو قادر على ـ الحصول عليه فعلاً، بغية كسب الوقت لمحاولة جمع المعلومات وممارسة مظاهر السيادة على أراض جديدة لتقوية مواقفهما التفاوضية ولفرض أمر واقع جديد. ومع ذلك فإن الاقتراحات السعودية استندت بصورة عامة إلى قدر اكبر نسبياً من الحقائق الموضوعية. فعلى سبيل المثال، كان التقرير الذي قدمه فؤاد حمزة عن ديرة المرة والآبار التابعة لها "161بئراً "، أول محاولة جادة لتقدم أساس موضوعي للتعامل مع ذلك النزاع المطول. لم يكن لدى البريطانيين اعتراضات جوهرية على قائمة الآبار الطويلة تلك، غير أنهم لم يتمكنوا من تحديد بعضها على الخريطة، كما شددوا على اشتراك بعض القبائل التي يطالبون بتبعيتها لعدن في الاستفادة من تلك الآبار ( ).
مشكلة الربع الخالي
كانت الرمال " أو الربع الحالي كما عرفت فيما بعد " تكويناً جغرافياً لا يمكن تجاهله، فكان على جميع الاقتراحات المتضادة أن تتعامل معه بشكل أو بآخر. كانت الرمال مسرحاً لقبائل لم يشك أحد في هويتها السعودية، مثل المرة وقحطان والدواسر؛ إلاّ أن سلطات عدن جادلت بأن قبائل تابعة لها تجول في قطاعها الجنوبي، وتشترك بالتالي مع قبائل سعودية في الاستفادة من بعض الآبار في تلك النواحي. وقد ذكرت وزارة الخارجية أن قبائل تابعة للسلطان القعيطي والسلطان الكثيري والسلطان المهري تصل في تجوالها شمالاً بحثاً عن أماكن الرعي إلى منطقة حدها الشمالي يصل بين نقطتي تقاطع: إحدهما تقاطع خط طول 55شرقاً مع دائرة عرض 20شمالاً، والأخرى تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً. وكان المندوب السامي في عدن في منتصف الثلاثينات قد أرسل إلى وزارة المستعمرات في لندن برقية يقر فيها بعدم معرفته بطبيعة المنطقة المحيطة بتقاطع خط طول 52شرقاً ودائرة عرض 18شمالاً ولا قبائلها؛ إلاّ أن خريطة لـ" المجلة الجغرافية " "أيلول/سبتمبر1931" تظهر أن قبائل حضرمية " العوامر والمناهل " كانت تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18شمالاً في تلك الأرجاء ( ). لم يكن من الصعب على السعوديين دحض ذلك الادعاء الذي يخلط بين مفهوم الديرة القبلية ـ وهو المفهوم الذي استندت عليه المطالبة السعودية ـ ونمط التجوال القبلي؛ فمن المعلوم أن الربع الخالي جزء من ديرة المرة، وبالتالي فإن تجول قبائل حضرمية تابعة لعدن في حافاته الجنوبية لا يشكل انتقاصاً من مفهوم الديرة القبلية، كما هو مألوف في الحياة الاجتماعية القبلية.
مشكلة الولاءات القبلية
بتشابه هذا النزاع مع غيره من النزاعات بشأن التخوم الشرقية والجنوبية الشرقية من شبه الجزيرة في أن جزءاً واسعاً منه كان يدور حول أراض ومجموعات بشرية لم يكن بعضها ـ في حقيقة الأمر ـ خاضعاً للمجال السيادي لأي من طرفي النزاع. فعلى طول الحواف الجنوبية لتلك الكثبان الرملية، يمتد شريط بري يختلف عرضه من مكان إلى آخر، ظل محلاً لمطالب متعارضة من قبل طرفي النزاع. ويمتد ذلك الحزام ـ الذي يفصل بين الأراضي السعودية وأراضي إمارة القعيطي في المكلا والشحر ـ من وادي مقشن في ظفار حتى الريان إلى الشرق من نجران. وقد اعتبر فلبي أن ذلك الحزام هو الحد الجنوبي للسلطة السعودية( ). والحق انه قبل أن يثور النزاع، لم يكن كثير من أراضي الكيانات القبلية الداخلية ـ ولا سيما في التخوم الشمالية لحضرموت ـ تابعاً لأحد من الناحية القانونية res nullius))؛ ولذلك تسابق طرفا النزاع على كسب ولاءات تلك القبائل سعياً لنشر علامات سياداتهما في تلك التخوم. غير أن ذلك السباق لم يكن متكافئاً؛ فقد أقر البريطانيون أن المرة لم تكن قبيلة الوحيدة التي أعلنت ولاءها للرياض، التي كسبت إلى جانبها أيضاً المناهل والكثير والعوامر وبني معروف وبيت إيماني والرواشد. كانت النتيجة التي استخلصوا وأبقوها سراً هي إقرارهم بإنه " يبدو أن النفوذ السعودي يمتد بين خطي 51شرقاً و53شرقاً لمسافة ستين ميلاً جنوب الرمال". طبعاً لم يكن ذلك يروق لهم، ولذلك قلبوا النظر في اعتبار الحافات الجنوبية للكثبان الرملية خطاً حدودياً عملياً.
لقد أدركوا، وقد تعلموا درساً مريراً في أثناء تجربتهم المريرة على التخوم السعودية ـ الظبيانية " انظر المبحث السابع"، أن ترك الوضع على ما هو عليه سيكون لمصلحة الرياض الأقدر على إدارة سياسة قبلية تكسب من جرائها ولاءات قبائل التخوم الواحدة تلو الأخرى. فعلى سبيل المثال، أثمرت زيارة قام بها فلبي، وطاف في أثنائها جزءاً واسعاً من التخوم السعودية الجنوبية آنذاك، عن استمالة شيخ شبوة إلى الرياض، الأمر الذي أثار غضباً شديداً في كل من عدن وصنعاء. ولهذا صمموا على أن يضعوا ـ بطريقة تعسفية ـ حداً لوضع وجدوا أنفسهم الخاسرين فيه لامحالة.
كانت التخوم السعودية الجنوبية كلها اذاً مفتوحة للنزاع والتسابق، غير أن معظم الخلاف تركز على ثلاث مناطق؛ تقع الأولى إلى الجنوب الشرقي من نجران وتضم العبر التابعة للصيعر، وهي منطقة تطلعت إليها صنعاء أيضاً. أما الثانية فكانت الحزام البري الذي يفصل حضرموت عن كثبان الربع الخالي، والذي يمتد بين خطي طول 48شرقاً و53شرقاً. أما الثالثة، فهي منطقة المهرة الواقعة في أقصى شرق المحمية. وقد أدرك البريطانيون حراجة موقفهم في تلك المناطق، فتنادوا لمد سيطرتهم عليها أو " الاعتراف " بكونها تابعة، بشكل أو بآخر، لإحدى قبائل نظامهم التعاهدي. وهكذا تضمنت سياسة التمدد البريطاني عدة محاولات لقطع الطريق على الرياض، التي كانت قد سبقت بالفعل إلى ممارسة قدر من النفوذ في أجزاء عدة من تلك المناطق( ).
مسألة النفط
في أواسط الثلاثينات، توفرت أسباب جديدة كلياً لمزيد من اهتمام كلا الجانبيين بمنطقة التخوم المشتركة؛ فقد بدأت شركتان عاملتان في أراضي طرفي النزاع، كاسوكCasoc)) وشركة نفط العراق ـ آي بي سي ipc))، التطلع للتنقيب عن النفط في مساحات واسعة من تلك التخوم، وظهرت تبعاً لذلك فرق مسح وتنقيب في عدة مواقع. كانت عمليات المسح والاستكشاف في بدايتها، وكان من المتوقع أن تستغرق وقتاً طويلاً وان تتطلب مبالغ غير قليلة في ظل ظروف عدم التيقن من الخروج بنتائج واعدة. والحق أن المصالح النفطية كانت محركاً أساسياً للنزاع ـ في أثناء تلك الفترة على الأقل ـ بشأن مناطق التخوم المشتركة. فلقد دعا وزير الدولة البريطاني للمستعمرات، وبناء على اتفاق الإدارات المعنية، إلى إقامة السلطة البريطانية ومدها بطريقة أكثر وضوحاً وفعالية في التخوم الشمالية من أجل الحصول على حقوق تقادمية، بالنظر إلى احتمال وجود نفط في المحمية ( ).
وقد أدى انهماك الشركات النفطية العاملة في أراضي الطرفين منذ أواسط الثلاثينات في سباق محموم للتنقيب عن النفط في أنحاء واسعة من شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها إلى شد انتباههما إلى كثير من تلك القفار ,فعلى سبيل المثال، ظهرت فرق تابعة لشركة كاسوك في ثمود، كما ظهرت فرق نفطية متعددة تابعة لآي بي سي شمال الخط البنفسجي وجنوبه في أراض ادعت بريطانيا تبعيتها لعدن ولمسقط، مع إنها لم تتخط دائرة عرض 20شمالاً؛ وقد تبادل الطرفان الاحتجاجات أو الإعراب عن القلق حيال تلك النشاطات. والتزمت السفارة البريطانية في رسالة إلى الخارجية السعودية بموقف يعتبر أن هذه المناطق محل نزاع بين الطرفين، بينما اعتبرت الأخيرة أن المناطق التي حدثت فيها المواجهات بين أرامكو وقوات الأمن العدنية ليست محل نزاع بين الطرفين، مؤكدة عدم أحقية دخول السلطات البريطانية الرسمية لها ( ). في هذا الإطار، نصحت لندن لشركة آي بي سي بضرورة الالتزام بخط الرياض في عملياتها المسحية والاستكشافية. وبالتحديد، كان على هذه الشركة أن تحصر نشاطاتها ضمن خط يمتد من تقاطع دائرة عرض18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55 شرقاً. كان ذلك يتماثل مع خط الرياض لا خط أم الصميم الأكثر تشدداً " انظر الصفحات اللاحقة ". في الوقت نفسه، تلقت الشركة الأمريكية " نصيحة " بتجنب تخطي دائرة عرض 20شمالاً وخط طول 55 شرقاً.
لم يكن من المتوقع أن تلتزم الشركات المعنية بتلك التعليمات ـ التي كانت محابية للشركة البريطانية بصورة جلية ـ حرفياً، غير أن الهدف منها كان التقليل من، أو منع، أي مواجهات بين الفرق النفطية والممثلين الرسميين لطرفي النزاع، كما حدث فعلاً في بعض المناسبات( ). أدى ذلك ـ على الرغم من بعض الاقتراحات والبدائل التي قدمت أو فكر فيها لأغراض تكتيكية ـ إلى أتباع الطرفين بصورة عامة، وحكومة عدن بصورة خاصة، سياسة التسويف أملاً في كسب الوقت لإتاحة المجال للفرق النفطية التابعة لكل منهما لمسح أكبر جزء ممكن، وممارسة ـ بالتالي ـ أعمال السيادة في كثير من مناطق النزاع بغية تقوية مواقفهما التفاوضية.
اقتراحات التسوية وإجراءاتها
الخط البنفسجي (1913ـ1934)
يعود الخط البنفسجي إلى اتفاق أنجلوـ تركي "آذار/مارس1914" نحت منطقتي نفوذ لكل منهما في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية. يبدأ هذا الخط من الطرف الجنوبي للخط الأزرق، ثم يتجه باستقامة إلى الجنوب الغربي باتجاه اليمن. وهكذا، "منح " الخط البنفسجي البريطانيين مساحة شاسعة من الربع الخالي تصل إلى دائرة عرض 20 شمالاً. لم يكن هذا الخط يخلو من خلل فاضح؛ فعلاوة على عدم إلزاميته القانونية نتيجة عدم إقراره من قبل السلطات العثمانية الزائلة، أكدت مذكرة للمستشار القانوني للخارجية البريطانية انه ـ نظيره الأزرق ـ لا يقومان على أساس صلب وفقاً للقانون الدولي، وقد اعترف أحد كبار المسؤولين البريطانيين بأن الخط البنفسجي خط اعتباطي رسم... في وقت لم تتوفر لدى السلطات البريطانية والتركية على حد سواء معلومات ذات شأن بخصوص تلك التخوم، بالرغم من ذلك لم يفتأ البريطانيون يعودون إلى ذلك الخط كلما احسوا بضعف موقفهم، الذي ثبت لديهم تهاوي أسسه القانونية والعملية، لمحاولة التقليل من خسارتهم في أي حل وسط قد تعتمده تسوية حدودية مقبلة( ).
وفي خضم ذلك الوضع العائم نوعاً ما، كانت الرياض تحتفظ في جعبتها بورقة الحق التاريخي. فبين الحين والأخر، كانت تلوّح بالحد الأقصى من مطالبها الذي يستند إلى حقوقها لتاريخية التي تسبق الوجود البريطاني نفسه في معظم تلك النواحي. كان ذلك يعني، بحسب وجهة نظر الرياض، أن أجزاءً واسعة من الأراضي الداخلية في حضرموت وظفار ومسقط تابعة لها. والحق أن كون هذه الأراضي غير خاضعة لأحد خلال المراحل الأولى للنزاع، فتح المجال واسعاً أمام عودة النفوذ السعودي إليها؛ فقد كانت الرياض ـ كما شهد البريطانيون أنفسهم ـ الأقدر على إدارة السياسة القبلية بنجاح يجعل السكان المحليين، الذين يعانون من تردي أوضاعهم المعيشية، يتطلعون في كثير من الأحيان إلى انضوائهم تحت السيادة السعودية( ).
اقتراح عدن الأول (آذار/مارس1935)
كانت الدلائل تشير إلى أن الطرفين يتجهان نحو نزاع طويل الأمد على التخوم السعودية الجنوبية، فاتجه التفكير البريطاني إلى محاولة إبعاد السعوديين قدر الأمكان إلى داخل الصحراء الرملية الواسعة لإتاحة مجال واسع لترسيخ المصالح البريطانية الاقتصادية والسياسية. ومن تلك المحاولات اقتراح تقدمت به عدن في ربيع 1935في ظل وضع قبلي وجغرافي مشوب بالغموض. كان هذا الاقتراح يقضي برسم خط مستقيم يصل بين تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، وتقاطع دائرة عرض 20شمالاً، مع خط طول 52شرقاً. بررت عدن اقتراحها بأن قبائل العوامر والمناهل الحضرمية تصل في تجوالها شمال دائرة عرض 18في الطرف الشرقي من خطها المقترح. وعلى كل حال، كان هدف سلطات عدن هو أن تعطي نفسها مجالاً رحباً لتوسيع نفوذها في تلك الأرجاء ( ).
خط حمزة (الخط الأحمر، نيسان /أبريل 1935)
كان ذلك الخط هو الاقتراح الوحيد الذي تقدمت به الرياض بصفة رسمية لرسم حدودها الجنوبية. يتماش الاقتراح السعودي مع دائرة عرض 17شمالاً في المنطقة الواقعة بين خطي طول 48و25 شرقاً حتى تلتقي بالخط البنفسجي الذي ينحدر في اتجاه جنوبي غربي. وهكذا، كان خط حمزة يترك في طرفه الشرقي شريطاً واسعاً جنوب الكثبان الرملية يصل عرضه إلى مئة وستين ميلاً تقريباً ـ ضمن الأراضي السعودية، غير أنه يضيق بالتدريج مع انحدار الخط البنفسجي في الاتجاه الجنوبي الغربي ( ).
اتسم خط حمزة، بصورة عامة، بالاعتدال، مقارنة بالاقتراحين البريطانيين السابقين. ففي حين ترك آبار سناو وثمود إلى الشمال منه، بقيت معظم أراضي الكثيري والقعيطي والمهرة داخل المحمية. وكان هذا الاقتراح مبنياً على عاملين: الأول القائمة المفصلة التي سبق أن قدمها فؤاد حمزة والمتضمنة حصراً للآبار التابعة لقبيلة المرة السعودية عبر منطقة واسعة من الربع الخالي وجنوبه على وجه الخصوص؛ والآخر تبعية بعض الأفخاذ والعشائر الحضرمية للرياض. وقد اعترف تقرير أعدّه قسم الأبحاث في الخارجية البريطانية بأن النفوذ السعودي يمتد فعلاً جنوب كثبان الربع الخالي في المنطقة الممتدة بين خطي طول 51و53 شرقاً. كان ذلك مرتبطاً بالاعتراف بتبعية بيت إيماني والرواشد للرياض، وهي القبائل التي تمتد منازلها جنوب الرمال بين الخطين المذكورين. وما دام برترام توماس B. Thomas)) ـ وهو أحد الرحالة البريطانيين والذي كان بعيداً عن أن يتصف بالود تجاه الرياض ـ هو الذي أكد هذه المعلومات، فقد اكتسبت اعترافاً بريطانياً شبه رسمي. وجدير بالذكر أن التقرير نفسه ذكر أن سناو تملكها قبيلة المناهل، والتي تشترك مع بيت إيماني في ملكية ثمود. وبالنظر إلى أن لندن شككت في تبعية المناهل، في الوقت الذي أكدت عدم تبعية الصيعر التي تقع إلى الغرب منها، للرياض، فإن مطالبة الأخيرة بتلك المنطقتين ظلت محل معارضة بريطانية ( ).
الرياض تلمّح إلى إمكانية تعديل خط حمزة
كان ذلك الخط يمثل بالنسبة إلى الرياض الحد الأدنى من مطالبها المعقولة، التي كانت تستند إلى انفرادها بممارسة بعض مظاهر السيادة على بعض قبائل وعشائر تخومها الجنوبية. والحق أن الرياض كانت ميالة إلى الوصول إلى حل منصف، في حين أن الطرف الأخر لم يكن يشاطرها ـ فيما يبدو ـ الاهتمام نفسه. فعلى سبيل المثال، لمح فؤاد حمزة بعد فترة قصيرة من تقديم اقتراحه إلى موافقة حكومته على حل وسط بين اقتراحها والاقتراح البريطاني الأخير، غير أن لندن تجاهلت ذلك. وكما كانت الحال في التخوم السعودية الشرقية، أسف البريطانيون فيما بعد لتجاهلهم ذلك الموفق السعودي المرن. والحق أن عدم اضطرارهم إلى اللجوء إلى الخيار التحكيمي أو القضائي على التخوم السعودية الجنوبية أخفى موقفهم الحرج لفترة ليست بالقصيرة( ).
اقتراح الخارجية (تموز /يوليو1935)
شرعت الخارجية البريطانية في إعادة تقييم الموقف البريطاني بخصوص ذلك النزاع، في ضوء الأدلة التفصيلية التي قدمتها الرياض والتي دعمتها جزئياً شهادات بعض الرحالة واعترافات بعض مسؤولي حكومة عدن نفسها، الأمر الذي أدى إلى إضعاف موقف لندن بصورة سافرة. وعلى صعيد آخر، كانت الخارجية البريطانية مهتمة بالحفاظ على صداقة العاهل السعودي في وقت تزايدت خلاله النشاطات الإيطالية في اليمن ومنطقة جنوب حوض البحر الأحمر.
في تموز /يوليو1935، اقترحت الخارجية خطاً مستقيماً يمتد من تقاطع دائرة عرض 18شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى تقاطع دائرة عرض 20شمالاً مع خط طول 55شرقاً( ). والحق انه على الرغم من أن هذا الاقتراح كان أكثر واقعية من مواقف حكومة عدن المتصلبة، فقد ظل بعيداً عن تلبية الحد الأدنى من المطالب السعودية بسبب اقتطاعه جزءاً لا بأس فيه من الحواف الجنوبية لكثبان الربع الخالي ليبقيه ضمن محمية عدن.
اقتراح عدن الثاني (آب /أغسطس1935)
تدخلت عدن، مرة أخرى، في الحوار الذي كان يدور بين عدن إدارات بريطانية حول تخومها الشمالية. فلقد تقدمت في صيف 1935باقتراح وتوصية. كان الاقتراح هو إلاّ يقل الخط المقترح عن دائرة عرض 18شمالاً؛ أما التوصية فقد ذهبت أبعد من ذلك بالتمني على أن يتضمن الخط المقترح الشريط الصحراوي الذي يقع جنوب كثبان الربع الخالي، والذي يشكل ـ بحسب وجهة نظرها ـ جزءاً من دير قبائل " تابعة " لها مثل المناهل والصيعر. بل أن عدن فضلت أن يتضمن مثل هذا الخط ما عرضه عشرون ميلاً من تلك الكثبان.
بررت حكومة عدن مطلبها بالإعراب من اقتناعها بأن دير قبائل " تابعة " لها، مثل الصيعر والعوامر والمناهل والمهرة، تشمل السهوب التي تفصل الربع الخالي عن عمق الأراضي الحضرمية. بل أن الحواف الجنوبية للربع الخالي نفسه تنتمي ـ بحسب وجهة نظر حكومة عدن ـ إلى بعض تلك القبائل " المناهل والصعير على وجه التحديد "أكثر من انتهائها إلى غيرها من القبائل التي طالب السعوديون بها، مثل يام والمرة والرواشد. وبالتوغل في عمق الصحراء الرملية، كان لحكومة عدن رأي ـ يعوزه الكثير من الدقة ـ يتمثّل في اعتبار عدد من الآبار الجنوبية التي ادعاها فؤاد حمزة لقبيلة المرة منطقة مشتركة لجميع القبائل المعنية، بزعم أن القبائل التابعة لعدن ترتادها بالقدر الذي ترتادها به القبائل السعودية. كان تكتيك سلطات عدن، كما هو واضح. يتمثل ف تمييع مفهوم الديرة القبلي ـ والذي قام على أساسه الاقتراح السعودي الأخير ـ بهدف تثبيت سيطرة حكومة عدن على الحواف الجنوبية لتلك الصحراء، وإبعاد السعوديين إلى الشمال قدر المستطاع ( ).
اقتراح وزارة المستعمرات (تشرين الأول /أكتوبر 1935)
في ضوء اعتراف لندن بأن أغلبية الآبار التي تضمنتها القائمة السعودية السالفة الذكر تابعة للمرة فعلاً، سعت لرسم إطار عام لديرة هذه القبيلة، " منحتها " بموجبه سبخة مجورة، على التخوم السعودية ـ العمانية، وآبار الشنا. وعلى الرغم من إقرار وزارة المستعمرات بذلك، فقد نادت بخط يقارب ديرة تلك القبيلة من دون أن يطابقها تماماً. كان هذا الاقتراح يقضي بأن يمتد الخط الحدودي المستهدف من تقاطع الخط البنفسجي مع دائرة عرض 18شمالاً، حتى تقاطع خط طول 52 شرقاً مع دائرة عرض19شمالاً؛ ومن ثم إلى تقاطع خط طول 54شرقاً مع دائرة عرض 20 شمالاً. وقد وصف وزير الدولة للمستعمرات هذا العرض بأنه نهائي ومعقول ويتسم بالكرم !وفي الوقت ذاته، اقترح تقديم مطالب توسعية لمصلحة الشيوخ المرتبطين ببريطانيا باتفاقيات حمائية كي تمثل عوائق " صلبة " أمام المطالب السعودية القائمة أو أي مطالب أخرى مستجدة ( ). وفي حين أن الخط الجديد " تخلى " عن شريط أرضي ضيق جنوب خط الخارجية السابق، فانه كان لا يزال يترك الحواف الجنوبية للكثبان الرملية العظيمة إلى الجنوب منه. ومن الواضح هنا أن مثل هذه المرونة التكتيكية تجسد اهتمام لندن المستمر بإبقاء مساحات شاسعة ضمن محمية عدن، سعياً وراء مكاسب نفطية محتملة.
خط الرياض (خط رايان، تشرين الثاني / نوفمبر 1935)
كان واضحاً أن قوة خط حمزة تفرض على بريطانيا التقدم باقتراح مضاد بصورة رسمية لتحسين موقفها التفاوضي الذي كان لا يزال ضعيفاً من الناحية القانونية، وذلك باعتماده رسمياً على الخطين البنفسجي والأزرق. كانت بعثة رايان إلى الرياض محاولة لتقديم اقتراح جديد يتسم بالجدية. وقد امتد خط رايان ـ فيما يتعلق بالتخوم السعودية الجنوبية ـ من نقطة تقاطع دائرة عرض 18 شمالاً مع الخط البنفسجي، حتى نقطة تقاطع دائرة 19شمالاً مع خط طول 53شرقاً؛ ومن هناك إلى تقاطع دائرة عرض 20 شمالاً مع خط طول 55شرقاً، ومع أن خط رايان Ryan))"ترك " شريطاً ضيقاً من الأرض إلى الجنوب من اقتراح وزارة المستعمرات السابق الاشارة اليه، فانه لم يخرج عن الإطار العام لمجمل الاقتراحات البريطانية السابقة، وهو الإطار الذي قضى بإبقاء الحواف الجنوبية لكثبان الرملية العظمية ضمن محمية عدن. وبالتحديد، ترك خط الرياض شريطاً يتراوح عرضه بين عشرين إلى ثلاثين ميلاً من تلك الكثبان ضمن المحمية( ).
في عمق الأراضي الحضرمية، كان الطرفان جادين لتثبت من دعاواهما بناء على معلومات ميدانية. ففي كانون الثاني /يناير 1937، عرض البريطانيون أمام فؤاد حمزة خريطة قبلية لمناطق النزاع المشتركة في التخوم الحضرمية ـ السعودية. كانت وجهة النظر البريطانية تقوم على أن خط حمزة، حيث يقترب كثيراً من البحر في منطقة المهرة، يقتطع أراضي ومجموعات سكانية تابعة لقبائل عدنية. وبصورة تفصيلية، تم البحث في أربعة مواقع آبار إلى الشمال من ذلك الخط، هي تضو وشيصور وسناو وثمود، بهدف التحقق من تبعيتها القبلية. كان ذلك الأمر ـ كما أقرّت الرياض ـ خاضعاً للبحث الميداني، الأمر الذي كان يتيح إمكانيات أخرى، من بينها استفتاء السكان المعنيين ( ).
اقتراح عدن الثالث (صيف 1937)
اتجهت لندن في تلك الفترة إلى قصر مطالباتها على الأراضي التي ترتكز دعاوى القبائل الحضرمية بشأنها على أسس راسخة. كان ذلك يعني التخلي عن أحد أهم العوامل التي أدّت إلى تشدّد ـ واعتباطية إلى حد ما ـ المطالب والاقتراحات البريطانية السابقة ,ووفق النهج الجديد، كان الاتجاه هو نحو التخلي عن فكرة إبعاد السلطة السعودية عن مناطق لم تتقرر ملكيتها بشكل واضح؛ ولذلك طلبت وزارة المستعمرات من حكومة عدن التفكر في إمكانية " التخلي " عن مزيد من الأراضي بين دائرتي عرض 17و18شمالاً، وخصوصاً غرب خط طول 51شرقاً. جسد ذلك التوجه الجديد اقتراب لندن أكثر قليلاً من تصور حل أكثر واقعية، يترك الكثبان الرملية العظيمة إلى الشمال من الخط المستهدف.
وكما يحدث بين الإدارات البيروقراطية، التي ينظر كل منها إلى أي موضوع من زاويته الخاصة، أفرغت حكومة عدن حماسة وزارة المستعمرات من محتواها باقتراح جديد لم يتضمن إلاّ تنازلاً محدوداً، مقارنة بالاقتراحات البريطانية السابقة. وقد تخلى الاقتراح الجديد عن قطاع أرضي عرضه عشرون إلى ثلاثين ميلاً على امتداد جبهة يصل طولها إلى ثلاثمئة ميل. كان هذا يعيني أن يمتد الخط الحدودي المقترح من تقاطع الخط البنفسجي مع خط طول 48شرقاً إلى نقطة ما على خط الطول 2و52 شرقاً جنوب دائرة عرض 19شمالاً. لم يكن وزير المستعمرات متحمساً لهذا " التنازل " المحدود في منطقة مقفرة لن يرى العاهل السعودي ـ في تقدير الوزير ـ فيها قيمة تذكر. والحق أن الاقتراح الجديد لم يمس السهوب الممتدة بين خطي طول 25و48شرقاً، بما فيها آبار سناو وثمود، والتي كانت أكثر المناطق إثارة للنزاع. وعلى أي حال، لم يقدَّم هذا الاقتراح إلى الرياض، مثله مثل أغلب الاقتراحات السابقة، حيث أن وزارة الخارجية البريطانية فضلت عدم إثارة موضوع الحدود الجنوبية السعودية في وقت كان البلدان قد وجّها جل اهتمامهما نحو التخوم السعودية الشرقية ( ).
والحق أن هذا الاقتراح كان أبعد كثيراً مما كان نطاق السيادة البريطانية قد وصل إليه فعلاً؛ ولذلك شددت وزارة المستعمرات على ضرورة جمع معلومات مفصلة عن منطقة التخوم وممارسة السلطة البريطانية عليها بطريقة أكثر ثباتاً من أجل تقوية موقف لندن في أي مطالبات لاحقة. وهكذا ظلت السلطة البريطانية تنتشر ببطء في قفار لم تكن قد أعطتها كثير اهتمام من قبل. وعلى الرغم من ذلك، ومع تجمع سحب الحرب العالمية الثانية، دخل هذا النزاع مرحلة سكون، فتوقفت المفاوضات والاقتراحات المتضادة.
اتفاق التوزيع السياسي للقبائل (آب/أغسطس1948)
يبدو من عرض الاقتراحات السابقة أن الاقتراب من حل وسط لذلك النزاع المطول لم يكن أمراً بعيد المنال. ففي الوقت الذي اتجهت مطالب الطرفين بخصوص التخوم السعودي الشرقية إلى التباعد في نهاية عقد الأربعينات، كان نزاعهما الحدودي الجنوبي يجري على وتيرة مختلفة نوعاًً ما. ففي خطوة مهمة على طريق حلحلة النزاع الأخير، عقد الطرفان اتفاقية في العبر لتسوية مسائل الغارات والتعويضات القبلية. وكان أبرز ما تمخضت عنه تلك الاتفاقية هو توزيع الولاءات السياسية لقبائل التخوم بينهما. فلقد عُرفت قبائل كرب والصيعر ونهد والكثيري " بني بدر " والعوامر والمناهل والمهرة وشيوخ البريك على إنها قبائل حضرمية؛ بينما سميت قبائل يام والدواسر وقحطان على إنها قبائل سعودية( ). ترجع أهمية تلك الاتفاقية إلى كونها وضعت إطاراً عاماً للتسوية يحاكي إطار اتفاقية المحمرة التي مهدت للتسوية الحدودية السعودية ـ العراقية؛ غير إنها لم تكن كافية بحد ذاتها للوصول إلى حل نهائي؛ فقد كان الأمر يحتاج إلى التوافق على عدة مفاهيم جوهرية وخطوات إجرائية محددة.
كان من الضروري تحديد معنى الديرة القبلية، وهو أمر لم يكن البريطانيون قد استوعبوه تماماً، أو أنهم فضلوا تمييعه عن طريق الخلط بين مفهوم الديرة القبلية وأنماط تنقلات القبائل عبر دير بعضها، وكان هناك غموض ـ وخصوصاً على الجانب البريطاني ـ بشأن تبعية بعض الآبار والمراعي الواقعة في جنوب الربع الخالي. ففي حين حصرتها المذكرة السعودية المقدمة في 1935في قبيلة المرة، أشركت تقارير بريطانية فيها قبائل حضرمية. وكانت محصلة ذلك أن الطرفين كانا لا يزالان مختلفين حول التبعية القبيلة، ومن ثم السياسية، لمنطقة صحراوية تمتد إلى دائرة عرض 20شمالاً.
ومن الناحية أخرى، كان من المحتم القبول بأن يكون مفهوم الديرة القبيلة أساساً رئيسياً، أو أحد الأسس الرئيسية، للخط الحدودي المستهدف. ففي حين يعد هذا المفهوم الركيزة الأساسية للموقف السعودي، فإن البريطانيين اتجهوا ـ مضطرين ـ نحو القبول به إطاراً عاماً، دون التقيد الحرفي به؛ بمعنى أنهم لم يروا ضرورة لتطابق الخط الحدودي المستهدف مع دير القبائل المعنية.
الرياض تطرح الحد الأقصى لمطالبها الحدودية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، طرحت الرياض الحد الأقصى لمطالبها على تخومها الشرقية، وأعلنت أنها في صدد مراجعة مطالبها الحدودية في تخومها الجنوبية. وفي السياق نفسه، رفض أحد كبار المسؤولين السعوديين الدخول مع السفير البريطاني في نقاش بشأن النزاع الحدودي السعودي ـ العدني، متحاشياً إعطاء أي انطباع بان حكومته تشك للحظة في سيادتها على كامل المنطقة محل النزاع. وبدا المسؤول السعودي واثقاً بأن سيادة بلاده على تلك المنطقة، التي شهدت مواجهات عدة بين ممثلي الشركات والحكومات المعنية، أمر واقع يمارس ومقبول ولا يمكن تحديه. وهكذا، واعتماداً ـ فيما يبدو ـ على ترجبتها على تخومها الشرقية، تبنّت الرياض موقفاً مؤداه التقليل من أهمية النزاع على تخومها الجنوبية. لا بد أن الموقف السعودي آنذاك قد أثار حيرة حكومتي عدن ولندن أكثر من ذي قبل، لأنه كان يرسم ملامح خيار سعودي جديد حده الأدنى خط حمزة، بينما يصل حده الأعلى إلى ما هو أبعد من ذلك كثيراً، أخذاً في الاعتبار مذكرة سعودية تعود إلى 1934، اعتبرت فيها الرياض إنها تمارس سيادتها فعلاً على قبائل حضرموت بعدة أوجه، مثل دفعها للزكاة وخضوعها للقوانين السعودية وتلبيتها نداء الجهاد( ).
خط أم الصميم ـ الريان (1949)
كانت لندن ـ التي ألفت نفسها منجرة، في خضم نزاعها الحدودي مع الرياض على التخوم السعودية الشرقية، نحو خطوات دبلوماسية وتحكيمية لم تكن تجري لمصلحتها ـ قد وجدت في سياسية التسويف أسلوباً لتحاشي وضع النزاع بشأن التخوم السعودية الجنوبية على طريق مماثل. لكن الحقائق على الأرض كانت تكشف باطراد أن السباق على نشر علامات السيادة على البشر والأرض بين الرياض وعدن لم يكن يجري لمصلحة الأخيرة. ولذلك بدأت السلطات البريطانية المختصة الاستعداد لمرحلة صعبة قادمة. في هذا السياق، تمنى أحد كبار مسؤولي حكومة عدن في 1954على لندن التراجع عن خط التحول البطيء في سياستها والتي كانت تستهدف البحث عن حل دبلوماسي لحدود المحمية الشمالية، والتي تمثلت أساساً في خط الرياض، وهو الاقتراح الوحيد الذي سبق أن قدم إلى الجانب السعودي بصورة رسمية.
وفي الوقت نفسه، شرعت عدن في التفكر في اقتراح جديد يمثل الحد الأقصى من مطالبها بخصوص تخومها الشمالية كلها. كانت النتيجة رسم خط يبدأ من نقطة تقاطع طول 56شرقاً مع دائرة عرض 30و21 شمالاً ليمتد غرباً في اتجاه جبل الريان حتى يتقاطع مع الخط البنفسجي( ). بررت حكومة عدن مطالبها الجديدة المتشددة، التي كانت أكثر تصلباً من معظم الاقتراحات السابقة "وخصوصاً خط الرياض، بل والخط البنفسجي في الأرجاء الغربية من التخوم المشتركة "، بزعم أن أدلة جديدة توفرت لديها تثبت أن جميع الأراضي الواقعة جنوب خطها الجديد تعود لقبائل موالية لها. والحق أن خط أم الصميم ـ الريان، الذي لم يقم على أساس صلب قبلياً وقانونياً، لم يكن ـ فيما يبدو ـ أكثر من خطوة تكتيكية لتعزيز الموقف البريطاني التفاوضي، في ضوء عزم الرياض توسيع مطالبها.
العودة إلى الخط البنفسجي
عادت لندن بعد ذلك إلى التمسك بالخط البنفسجي كخط دفاع أخير، في محاولة يائسة لتقوية موقفها في أي مفاوضات لاحقة، على الرغم من إقرار مسؤولين بريطانيين معنيين بحراجة موقفهم الجديد، الذي وجدوا فيه أنفسهم يطالبون في منتصف الخمسينات بأراض سبق أن " تركوها " للرياض قبل عشرين سنة خلت. ولهذا ترددت لندن بين ذلك الخط العتيق وبين تعديلات تأخذ في الحسبان مفاهيم أخرى، مثل الولاءات القبلية، التي وصفها المسؤول نفسها بأنها أقوى نقطة للسعوديين ( ).
الخط البريطاني المنفرد (1955)
في إثر انسحاب بريطانيا من عملية التحكيم الخاصة بنزاعها مع الرياض حول تخومها الشرقية " انظر المبحث السابع"، لجأت إلى فرض خط أمر واقع شمل التخوم الشرقية والجنوبية السعودية على حد سواء. امتد الجزء الجنوبي من خط 1955من نقطة تقاطع دائرة عرض 19شمالاً مع خط طول 52شرقاً وعلى امتداد الأطراف الجنوبية للكثبان الرملية، إلى تقاطع دائرة عرض 48و18 شمالاً مع خط طول 03و51شرقاً، ومن ثم إلى تقاطع دائرة عرض 10و18شمالاً مع خط طول 20و48شرقاً. يمتد خط 1955بعد ذلك في اتجاه جنوبي غربي حتى يلتقي مع الخط البنفسجي. غني عن الذكر ان الحكومة السعودية ـ التي أبلغت بهذا الخط رسمياً ـ رفضت الاعتراف به وبأية إجراءات ناجمة عنه ( ). وضع ذلك الإجراء التحكيمي نهاية للتواصل الدبلوماسي السعودي ـ البريطاني حول التخوم السعودية الجنوبية، ولهذا ظل ذلك النزاع خامداً حتى انسحاب بريطانيا من جنوب شبه الجزيرة العربية.
الرياض تعيد التمسك بخط حمزة
غلبت الصبغة الدبلوماسية على هذا النزاع لثلاثة عقود ونيف؛ غير انه مع نشأة دولة اليمن الجنوبية الجديدة في 1968، أضيف بعدُ أيديولوجي إلى ذلك النزاع الخامد، الأمر الذي نقله إلى طور جديد عكس التوتر المتصاعد الذي شاب علاقة الرياض بجارها الجنوبي الجديد. فبعد وقت قصير من نشأة اليمن الجنوبي، وعلى الرغم من حداثة مؤسساته السياسية والعسكرية، اشتعلت أحداث الوديعة " تشرين الثاني /نوفمبرـ كانون الأول / ديسمبر 1969". وقد اعتبرت حكومة عدن خلال تلك الأحداث أن الكرب والصيعر تابعتان لها، الأمر الذي يجعل الوديعة ضمن أراضيها. وجدير بالذكر أن سكان الوديعة ـ التي ربما جاز لنا أن نعتبرها أقصى موقع سعودي في منطقة التخوم الجنوبية وتبعد عن نجران نحو 370كيلاًـأفراد من قبيلة الصيعر التي عمرتها خلال 1954، بينما عمرت الكرب شرورة التي يفصلها عن الوديعة نحو 50كيلاً. والقبيلتان اختارتا الرعوية السعودية وخضعتا للسلطات السعودية في شرورة، وهما تدافعان عن هذه المنطقة. وقد استنتج أحد ابرز المختصين بالنزاعات الحدودية العربية من إشارة بيان سعودي إلى كون الوديعة تقع شمال الخط البنفسجي، أن الرياض تعترف واقعياً بذلك الخط في تلك المنطقة بالتحديد. والحق أن محاولة الربط بين تحركات القبائل المعنية وخط وهمي عفا عليه الزمن قد تبدو متعجلة ( ).
على الرغم من أن تلك الأحداث كانت استثناء لم يعكر الطابع السلمي العام لذلك النزاع الحدودي، فإن علاقة الرياض بعدن لم تكن تسمح باستئناف المفاوضات التي انقطعت منذ منتصف الخمسينات، فظل ذلك النزاع خامداً. خلال السنين اللاحقة، عكست خرائط أصدرها الطرفان موقفيهما الرسميين الأخيرين. فعلى سبيل المثال، أظهرت خريطة سعودية تعود إلى 1986تمسك الرياض رسمياً بخط حمزة الذي سبق أن أكدته مذكرة وزارة الخارجية السعودية "تشرين الأول/ أكتوبر 1955".
مذكرة التفاهم السعودية ـ اليمنية (1994)
كانت إعادة فتح هذا الملف الحدودي تنتظر حدوث تغير سياسي حاسم يتيح التعامل مع قضاياه المعقدة بأسلوب إيجابي. شكلت الوحدة اليمنية خطوة مهمة على هذا الطريق بالنظر إلى تولي صنعاء، وهي التي تربطها بالرياض علاقة جيدة، هذا الملف، في غمرة أوضاع سياسية اقتصادية مستجدة خلّفتها الحرب الانفصالية وتداعياتها. فقد أدت المشكلات التنموية التي تفاقمت بعد الحرب إلى اقتناع النخبة السياسية اليمنية بصورة خاصة، والرأي العام اليمني بصورة عامة ـ كما يبدو ـ بإقفال الملف الحدودي مع جارتهم الكبرى. وفي هذه الظروف، وقعت الرياض وصنعاء في شباط /فبراير 1995مذكرة تفاهم كرست خط 1934الحدودي ودشنت ست لجان لحل جميع القضايا الحدودية والسياسية العالقة. لا تزال التخوم البرية الطويلة الممتدة من النقطة التي وقف عندها خط 1934حتى عقدة التقاء الحدود المستهدفة لليمن والسعودية وعمان هي الموضوع الأبرز للمفاوضات الدائرة حالياً.
ظل المسؤولون في البلدين يحيطون مفاوضاتهم الثنائية بقدر كبير من التعتيم الإعلامي وسط جو تفاؤلي عام، غير أن المفاوضات التي دارت على مستوى اللجان واجهت صعوبات وتباينات ما لبثت أن طفت على السطح منذ أواخر 1994. وأدى ذلك إلى اتخاذ قرار برفع مستوى التفاوض. ففي آب / أغسطس 1997، اتفق الطرفان في أثناء زيارة للأمير سلطان بن عبد العزيز لصنعاء، على "التعجيل بحل قضية الحدود عبر المفاوضات الثنائية على أعلى المستويات ". غير أن ذلك لم يحل دون استمرار التباينات في مواقف الطرفين. فعلى سبيل المثال، نصت المادة الخامسة من مذكرة التفاهم على عدم جواز قيام الطرفين باستحداث أي منشآت في منطقة التخوم. وقد أكد اجتماع الجولة الأولى للجنة العليا المشتركة واجتماع الجولة السابعة للجنة العسكرية المشتركة هذا الأمر، وكذلك ـ في إشارة فيما يبدو إلى عدم الالتزام به ـ إزالة " أي استحداثات تمت من أي من الطرفين في المناطق الحدودية بعد توقيع مذكرة التفاهم "؛ غير أن هذه القضية ظلت ـ فيما يبدو ـ عالقة بحيث أن اللجنة العسكرية المشتركة اضطرت في جولتها التاسعة إلى إعادة تأكيدها، بل وزادت على ذلك ـ في دلالة مهمة على توتر الأوضاع في المناطق الحدودية ـ بالنص على " عدم استخدام القوة أو التهديد بها لحل أي خلاف ينشأ"( ).
وعلى صعيد الخط الحدودي المستهدف، أكمل الطرفان "مشواراً جيداً "رسماً" خلاله مسافة طويلة من الحدود "، غير أن خلافاتهما ثارت بشأن منطقة المهرة في أقصى الطرف الشرقي من تخومهما المشتركة ( ). وقد لوح نائب الرئيس اليمني ـ في إطار ما يبدو انه مناورة للضغط على الرياض باللجوء إلى التحكيم ـ في حالة عدم قبول الأخيرة "بالتصور النهائي " فيما يتعلق بقضية الحدود المشتركة، والذي قدمه الرئيس اليمني للأمير سلطان بن عبد العزيز. وفي السياق نفسه، اقترح الرئيس اليمني تأجيل المفاوضات الحدودية " لفترة غير محددة "، متهماً الرياض بعدم توفر الرغبة والقناعة التامة بذلك. وردّت الرياض بتصريح هادئ أكدت فيه حرصها "على حل ما تبقى من خط الحدود مع الجمهورية اليمنية الشقيقة دون تأخير، خاصة أن المملكة العربية السعودية توصلت إلى حل معظم مواضيع الحدود مع الدول المجاورة لها بأسلوب ودي وأخوي"( ). وعلى الرغم من توقف المفاوضات الحدودية بين الجانبين، فإن من المستبعد إلاّ يعودا إلى إكمال العمل المضني الذي أنجزاه في ظل توفر رغبة مشتركة في إقفال الملف الحدود بينهما بصورة نهائية. لقد ساد مبدأ الصفقات المتبادلة والمتوازنة التسويات التي أبرمتها الرياض مع جيرانها خلال الأعوام الثلاثين الماضية " الأردن وقطر 1965، عمان 1971، أبو ظبي 1974". ولهذا، فانه من المتوقع ألاّ تخرج التسوية الجديدة المنتظرة لهذا النزاع عن هذا النمط المتوازن.
يبدو أن مجموعة من العوامل ستؤثر على شكل التسوية القادمة. فقد مرت عدة عقود منذ بروز هذا النزاع إلى السطح ثم كمونه مرة أخرى، في وقت كانت الأطراف المعنية تواصل بناء وترسيخ وتوسيع المدى الإقليمي لمؤسساتها السياسية والإدارية والاقتصادية. ولقد شهدت السنوات اللاحقة تغيرات اجتماعية ـ سياسية مهمة فرضت واقعاً جديداً يستبعد أن تتجاهله أي تسوية لاحقة. ومن ذلك أن بعضاً من قبائل الصيعر والكرب التي اتفق الطرفان في 1949على اعتبارها تابعة لعدن، اختارت الرعوية السعودية استقرت في أراض سعودية " شرورة والوديعة "، وخضعت بالتالي للسيادة السعودية فترة طويلة ومتواصلة. ويفرض الواقع الجديد بعض التعقيدات التي من المفترض أن تكون ضمن جدول أعمال المفاوضات الحالية. فمثلاً، للصيعر والكرب آبار مشهورة "زمخ، منوخ " في الجانب اليمني من الحدود القائمة من الناحية الواقعية. وبالإضافة إلى ذلك، من المعروف أن كثيراً من أفراد قبيلة المهرة في أقصى شرق التخوم المشتركة يحملون هويات سعودية ( ).
ومن الناحية أخرى، زادت ضغوط المطالب التنموية من قبل قطاعات واسعة من المجتمع اليمني على النخبة السياسية الحاكمة. ولقد تأججت تلك المطالب بعد الوحدة اليمنية وما تلاها من حرب أهلية. في هذه الأجواء، تبدي صنعاء ـ كما يظهر ـ اهتماماً واضحاً بإيجاد صبغة ما لاستيعاب اليمن اقتصادياً وسياسياً ضمن المنظومة الخليجية ,وفي حين أن قضايا عدة لا تزال تحول دون تحقيق هذه الرغبة اليمنية فيما يبدو، فإن تسوية هذا النزاع الحدودي، وما سيفضي إليه من تمتين للعلاقات السعودية ـ اليمنية، سيؤدي إلى مزيد من التقارب بين اليمن الموحد والمنظومة الخليجية.
وعلى الصعيد نفسه، دار لفترة من الوقت، في غمرة المفاوضات الحدودية بين الطرفين، حديث هامس عن محاولة صنعاء ربط التسوية الحدودية المستهدفة بصفقة تتضمن إعادة منح الرياض العمالة اليمنية وضعاً مميزاً. ولقد لمحت مصادر سعودية قريبة من المفاوضات إلى ذلك، حيث أرجعت التعقيدات التي تواجهها المفاوضات الحدودية بين البلدين إلى " تدخل بعض الأطراف الخارجية وسعي اليمن إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية في مقابل تسوية الجزء الباقي من الحدود ( ).
__________________



استعادة دولة الجنوب
ali algahafee غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر